على بعد 75 كيلومترا شمال غرب عاصمة الولاية خنشلة، وسط لوحة طبيعية تجمع بين سهول غابية و مرتفعات جبلية شامخة، تقع ثنية "تيزوڤغين" أو الهضبة الحمراء التابعة لدائرة بوحمامة، منطقة معروفة بمقوماتها السياحية الخلابة في قلب طبيعية خضراء ذات غطاء نباتي كثيف، تتميز بهدوئها و ببساطة عيش سكان الأرياف الذين يقطنون بها. خالد ضرباني - تصوير شريف قليب "تيزوڤغين" هي المنطقة التي تتواجد بها قمة "رأس كلثوم" المعروف بجبال شليا، و هي ثاني أعلى قمة في الجزائر تقع على الحدود بين ولايتي خنشلة و باتنة، مرورا بالطريق الرابط بين بوحمامة و إيشمول، تتميز بطابعها السهلي بخلاف الجهة الجنوبية لولاية خنشلة ذات الطابع شبه الصحراوي الجاف، يتواجد غير بعيد عنها سهل ملاڤو أو جنة التفاح ذو الجودة العالمية ، و التي تتميز بكثرة البساتين الخاصة بإنتاج هذا النوع من الفاكهة الذي يصدر إلى الخارج، فضلا عن إنتاج الزيتون و تربية النحل حيث تنتج المنطقة أجود أنواع العسل، فيما يشكل نقص النقل الهاجس الأكبر بالنسبة لسكان المناطق المعزولة، فضلا عن بعد المسافة بين هذه البلديات و عاصمة الولاية، و هو ما سلطت عليه النصر الضوء من خلال هذا البورتري الذي يروي قصة قمم شيليا، و يكشف المقومات الطبيعية و الفلاحية التي تزخر بها المنطقة. تفاح سهل ملاڤو يكتسح السوق الألمانية في طريقنا إلى منطقة رأس شليا السياحية استوقفتنا مناظر طبيعية خلابة تحبس الأنفاس، و كانت أشجار الغابات تحجب علينا الرؤية من حين لآخر نظرا لكثافتها وسط ديكور طبيعي خلاب، في حين كانت المركبة التي كنا على متنها تشق الطريق الذي يتميز بكثرة المنعرجات، ما اضطر السائق في عديد المرات إلى تخفيض السرعة إلى حوالي 20 كلم في الساعة نظرا لكثرة المنعطفات و ضيق الطريق، خاصة في بعض المحاور التي يتقاطع فيها مسارنا مع الشعاب و الأودية النازلة من أعالي جبال المنطقة، كما لاحظنا وجود العديد من التجمعات السكنية الريفية المتفرقة على امتداد مسافة الطريق بين خنشلة و دائرة بوحمامة، سكانها يعتمدون على النشاط الفلاحي خاصة جني الزيتون و تربية المواشي، كمصدر رزقهم الوحيد في منطقة نائية لا توجد بها مصانع و لا مؤسسات لتشغيل الشباب، وسط نمط معيشي جد بسيط حيث لا تزال بعض العائلات تقطن في سكنات مبنية بواسطة الحجارة و القرميد، و التي كان دخان نيران الحطب التي تستعمل للتدفئة أو الطهي يتصاعد إلى الجو من مداخنها في ديكور قديم يعود إلى سنوات الستينات و السبعينات، يدل على بساطة أهل المنطقة و تعودهم على الحياة الريفية، كما أخبرنا العارفون بالمنطقة أن الاستفادة من سكن ريفي بهذه الناحية مشروط بغرس 50 شجرة زيتون من طرف كل مستفيد، في إطار مشروع اقتصادي يهدف إلى خلق نشاط فلاحي من خلال إنتاج الزيتون و كل أنواع الزيوت الطبيعية المستخلصة من هذه المادة، و إعادة تسويقها من طرف المستفيدين. بعد سيرنا على مسافة حوالي 60 كيلومترا مررنا على بلدية شليا قبل أن نصل إلى دائرة بوحمامة، أين لفت انتباهنا وجود العديد من البساتين الخصبة تتواجد في مخرج مقر الدائرة، إنه سهل "ملاڤو" المعروف بإنتاج أجود أنواع فاكهة التفاح بولاية خنشلة، حيث لاحظنا وجود العديد من الأشجار المغروسة على مساحات مربعة أحيانا و مستطيلة أحيانا أخرى، تعود لمستثمرين خواص كعائلة زاهري، غنيمي و بركاني التي تمتلك أجزاء مهمة من جنان التفاح بالمنطقة، و المعروفة بنشاطها في مجال إنتاج هذه المادة التي أصبحت تسوق في ألمانيا. سهل ملاڤو يتربع فوق حوض مائي باطني و يمتد من دائرة بوحمامة إلى غاية بداية مرتفعات شليا على مسافة حوالي أكثر من 5 كلم، تتواجد به العديد من السكنات الريفية في شكل قرى و مداشر منتشرة تقريبا على طول المسافة بمحاذاة بساتين التفاح، و الذي أصبح التوجه الفلاحي الأساسي بالمنطقة نظرا لنجاح إنتاج هذا النوع من الفاكهة، و هو ما فتح أبواب التصدير إلى الخارج بعد إبرام اتفاقية شراكة بين الجزائر و ألمانيا، من خلال الاستفادة الحصرية للشريك الأجنبي من محاصيل منتوج تفاح "ملاڤو" المعروف بجودته العالمية، حيث تصدر سنويا كميات هائلة من هذه الفاكهة التي تباع حاليا في أسواق ألمانيا من نوع القولدن و الروايال، و هو المشروع الذي وصف بالناجح لدى سكان المنطقة و السلطات المحلية، خاصة و أن توفر مياه السقي و مناخ المنطقة يساعد على إنتاج فاكهة التفاح بهذه المنطقة. نصب حنبلة يوثق جرائم اليد الحمراء بعد تجاوزنا بكيلومترات قليلية لمنطقة سهل ملاڤو التي تتربع على مساحة مئات الهكتارات، اختفى منظر بساتين التفاح ما بين الأشجار التي ازدادت كثافة كلما تقدمت المركبة التي كنا على متنها إلى الأمام، و بدأ الطريق يتصاعد نحو الأعلى عبر مرتفعات جبلية بها غابات كثيفة، لاحظنا من خلالها انخفاض حركة المركبات نظرا لتواجد المنطقة على الحدود بين ولايتي خنشلة و باتنة على الطريق الولائي الرابط بين بوحمامة و إيشمول، واصلنا السير عبر منعرجات سمحت لنا بالإطلالة على منظر السهول و المرتفعات الجبلية التي كانت فوق رؤوسنا على مسافة حوالي 100 متر، فيما ظلت قمة "كلثوم" بعيدة عنا رغم سيرنا على مسافة أكثر من 10 كلم، قبل أن نصل إلى منطقة مستوية معروفة برأس شليا تتواجد بها محلات في شكل أكشاك مبنية بالحجارة، بسقف من القرميد و مفتوحة من كل الجوانب، أخبرنا بعض العارفين بالمنطقة أنها عبارة عن محلات لبيع الشواء التي تنشط سوى خلال أيام عطل نهاية الأسبوع، خاصة في فصل الربيع مع اعتدال الجو و توافد العشرات من العائلات و الزوار على المنطقة ذات الطابع الجبلي السياحي، واصلنا بعدها السير على الأقدام بين الأكشاك التي كانت مهجورة عبر طريق ترابي، ثم فوق طريق صخري قبل أن نصل إلى نصب تذكاري أنجز في نهاية المرتفع الجبلي الصخري الذي يطل من الأعلى على السهول التي مررنا عبرها باتجاه قمة شليا، شعرنا بدوار و بفشل في الأطراف السفلية لحظة إلقائنا نظرة إلى الأسفل نظرا لعلو المرتفع، و بعد استفسارنا حول النصب المنجز بهذا المكان بالذات، أخبرنا العارفون بالمنطقة أنه عبارة عن نصب تذكاري مخلد لأرواح الشهداء تم إنجازه بهذا المكان المعروف بمرتفع "حنبلة"، و الذي حول من طرف المستعمر الفرنسي آنذاك إلى مركز للتعذيب، حيث كانت المنظمة المعروفة باليد الحمراء سنة 1960 تقوم برمي المجاهدين و كل من يدعم الثورة من المواطنين العزل، من قمة المرتفع على علو 60 مترا و هم أحياء بعد تعذيبهم، حيث تم إنجاز هذا النصب كشاهد على جرائم فرنسا الاستعمارية و تخليدا لأرواح الشهداء التي سقطت بالمنطقة، خاصة و أن أهل المنطقة عرفوا بنشاطهم الثوري و باستماتتهم في الدفاع عن الوطن حسب روايات بعض المواطنين الذين التقينا بهم بالموقع. رأس كلثوم أو تيزوڤغين ثاني أعلى مرتفع بعد قمة لالة خديجة قبل مواصلة سيرنا لفت انتباهنا وجود مرفق ضخم محاط بسور إسمنتي، منجز فوق قمة صخرية في الجهة المقابلة لنصب حنبلة، تبين فيما بعد أنه عبارة عن نزل سمي نسبة للموقع "نزل شليا" التابع لشركة صفا الغابية، تم بناؤه بواسطة نوع من الحجارة الصلبة يضم العديد من الشاليهات الخشبية الرائعة، مهيئة لاستقبال السياح الذين يتوافدون على المنطقة وسط ديكور جبلي ساحر، تتواجد في الجهة الخلفية للمرفق و لا يتجاوز عددها عشرة شاليهات نظرا لضيق المساحة التي أنجز فوقها، و التي تطل من كل الاتجاهات على الطريق الرابط بين بوحمامة في خنشلة و إيشمول التابعة لولاية باتنة، خاصة و أن الموقع يتواجد فوق صخرة عالية بها أشجار تحيط بالنزل من كل جانب أنجز على شاكلة سجن آلكاتراز بالولايات المتحدةالأمريكية. تابعنا طريقنا بعدها عبر منعرجات ضيقة بين جانبين أحدهما صخري على الجهة اليمنى و الآخر به أشجار كثيفة مغروسة على منحدرات وعرة، تميز غطاؤها النباتي الكثيف بشموخ أشجار البلوط و الصنوبر الحلبي و كذا شجرة الأرز المعروفة سوى في مناطق محدودة في بلادنا، كجبال جرجرة بتيزي وزو و جبال منطقة الشفة بالبلدية، و هو نوع نادر من الأشجار يعطي جمالا خاصا في الطبيعة خاصة و أن أغصانه تنمو بشكل أفقي و تلقي بأرواقها حسب هذا الاتجاه، بخلاف الأشجار الأخرى التي تتفرع أغصانها إلى الأعلى. استمرت المركبة في التقدم إلى الأمام وسط جو جد بارد جعلنا نرتعش في أماكننا، كون المنطقة جد عالية و تقع في مكان يتميز بوجود تيارات هوائية ما بين قمم الجبال التي كانت تحيط بنا من كل جانب، لاحظنا خلال مرورنا بها العديد من أنواع الطيور التي تعيش في المنطقة، خاصة طائر الغراب و الحجل و غيرها من الأنواع الأخرى التي اتخذت من الشرفات الصخرية العالية و الأشجار المرتفعة مأوى لها، في ظل التنوع التضاريسي الذي شهدناه في المنطقة، بين جبال صخرية تكسوها غابات كثيفة و أخرى بها غطاء نباتي قصير في رقعة جغرافية واحدة، قبل أن تتجاوز مركبتنا المنطقة الصخرية الغابية نحو مواقع مكشوفة قليلة الارتفاع بها غطاء نباتي أخضر، و بعض السكنات الريفية الهشة لاحظنا بالقرب منها عجائز و أطفال صغار كانوا يرعون قطعان من الغنم و الأبقار، قبل أن نتوقف عند أحد اللافتات التي كتب عليها اسم المنطقة المعروفة بقمة شليا، نظرا لانعدام مسلك يؤدي إلى قمة الجبل الذي كان يبعد عن موقعنا ببضعة كيلومترات، حيث أوضح لنا أهل المنطقة أن قمة شليا اسمها الحقيقي هو "رأس كلثوم" تتواجد على ارتفاع 2328 متر أي أزيد من كيلومترين، و هي ثاني أعلى قمة في الجزائر بعد جبال لالة خديجة بولاية تيزي وزو، تتربع فوق الموقع المعروف باللغة الأمازيغية ب"تيزوڤغين" أو الهضبة الحمراء على ارتفاع 1894 متر، و هي مسافة كانت كافية لاختفاء رأس القمة بين السحب التي كانت تغطي المنطقة، حيث علمنا أن قمة شليا مرشحة لكي تصبح محمية طبيعية وطنية في ظل المقومات السياحية الهائلة التي يزخر بها الموقع، خاصة الجبلية منها.