مسرحية "وحوش كوم" تشريح لأداء المثقف في الحياة الاجتماعية تمتع عشاق أبي الفنون في السهرة الأخيرة من الربيع المسرحي القسنطيني بعرض لفرقة المسرح الجهوي لمدينة بجاية تحت عنوان "وحوش كوم" للمخرج عمر فطموش الذي لم يحضر مع الفرقة وكان من المفروض أن يتتبع هذا العرض حتى يقف على امكانيات ومؤهلات الممثلين في تجسيد عمل من نوع "تراجيكوميديا" الذي يقدم لأول مرة بأربع شخصيات. العرض المسرحي الذي قدمته فرقة جاءت من القبائل الصغرى يعالج في نمط ساخر وضعا شاذا تختصره سلوكات الممثلين الذين يطلق عبرهم المخرج فطموش أسئلة عن حدود المعقول واللامعقول في عالم يسوده الهزل والعبث حتى أصبح كل شيء مباح. استعمل المخرج في هذه المسرحية تقنية "الفلاش باك" التي تستعمل أكثر في السينما ولكن مضمون المسرحية يحتاج لهذه الطريقة على اعتبار أن الأفكار متقطعة بحسب المشاهد التي تتكرر في الزمان والمكان. في منزل راقي يستغله طبيب كعيادة يستقبل فيها زبائن من نوع آخر، أشخاص ضاقت بهم الدنيا وتقطعت السبل فبحثوا عن لقمة عيش انتحارية وأمل مرهون.. هل الموت يولد الحياة؟ الحياة التي تنساب تحت أقدام مريم، المرأة التي تبحث عن حب في عالم الوحوش، وفي غفلة منها تسقط البراءة بين مخالبي الخطيئة البشرية.. لسان حال مريم لا يمكن وصفه بحالة عابرة لأمرأة انخرطت في لعبة مافياوية يجنى منها أصحابها الملايير من الأعضاء البشرية لتكتشف أنها ليست في عيادة طبيب وإنما في مسلخة بشرية (باطوار) لا أحد يستطيع أن يتكهن بما يدور في أذهان مثل هؤلاء الناس الذين يتلذذون بالمتاجرة بأعضاء البشر فأي مآل ينتظرهم خاصة أنهم يستغلون الفاقة التي يعاني منها الغلابى. المسرحية بما يحمله مضمونها أعطت للممثلين فرصة للتعبير عن أحاسيس هذه الفئة من الناس حتى باستعمال المفردات الدارجة وكذلك القاموس الشعري على ايقاعات متعددة، ويضع المخرج لوحات حوارية سجعية لابراز فظاعة الورطة البشرية (واش من الزين الي يتكسى بلحم الصبيان، واش من الوجه اللي يقابل المرآة والطفل مسلوخ وعريان، أشحال من جثة، أشحال من شاة وأشحال من صبي وأشحال من عجوز وأشحال من امرأة ولدت وكانت بين مخالب العصر الجديد).ويطلق المخرج أبلغ صورة وهو يومئ الى طاقم التمثيل بأن تحركوا فأنتم الطلقاء، وبلغة فيها انسيابية وحرارة توخز النفوس الميتة تخاطب المرأة الذين ماتت نفوسهم (العالم هو اللي يرفع راية الانسانية ويجعل من معرفته فراش، ماشي اللي يجرنا الى لباطوار ويضحي بنا كي لكباش) في صورة بليغة عن الذين تحولوا من أطباء يضعون البلسم على شفاه الأشقياء الى سفاكين الدماء. ع.مرزوق