المدينة المتاهة ذات الطابع الإسلامي الباحثة عن مكان لها في صفحات التاريخ يحلو للكثيرين وصفها بالمدينة المتاهة، لتشابه قصورها القديمة و أزقتها الترابية الضيقة، و يطلق عليها آخرون المدينة الهاربة من زمنها و الباحثة عن مكان لها في صفحات التاريخ، ويؤكد هؤلاء أنه يمكن استغلالها في تصوير مسلسلات وأفلام تاريخية، لأنها ديكور طبيعي تجمعت فيه زرقة الماء المار بغابات النخيل. ينتابك شعور غير معهود و غريب في آن واحد و أنت تحاول أن تلج المدينة العتيقة بنقرين، بحيث تتجلى أمامك يوميات الأقدمين، ممن استوطنوا هذه المنطقة المتاخمة للصحراء و عمروها على مدار القرون الماضية. و بمجرد مرورك بشوارعها الضيقة وجدرانها الترابية المنظمة، تراودك صور إصرار سكانها على البقاء، والوقوف في وجه زحف الصحراء، فالزائر لقصور نقرين العتيقة، يقف على حقيقة سكانها الطيبين الذين فضلوا بناء العشرات من البيوت المتجاورة، على الحل و الترحال و تثبيت الخيم، مثلما دأب عليه البدو الرحل ولا يزالوا إلى يومنا هذا. تعد المدينة العتيقة كنزا تاريخيا يترجم إصرار الإنسان على العمران في بيئة جافة، وتقول الروايات أن هذه القصور المبنية من التراب والحجارة، قد شيدت منذ أكثر من 500 عام، حيث استوطنها الإنسان النقريني وحاول تطويع ما هو بمحيطه و تسخيره لصالحه، كما لجأ إليها ابن الأمير عبد القادر الجزائري بجيوشه في مرحلة النفير ومحاولة مقاومة الاستعمار الفرنسي، مثلما تذكره الروايات المحلية، و قد شيدت بها ثاني أقدم مدرسة بالشرق الجزائري في أواخر القرن الثامن عشر ولا تزال بعض أساساتها بارزة لحد الآن. المدينة ذات البوابات السبع الهاربة من زمانها يروي السكان أن مدينتهم ذات سبعة بوابات كان قد ثبتها الاستعمار الفرنسي لتثبيت أركان تواجده، منها خمسة بوابات وضعت خصيصا لعزل قاطنيها عن الاتصال بالعالم الخارجي وعن الثورة التحريرية، وهي التدابير الاحترازية التي كانت قد فرضت على قاطنيها، مثلما فرضت عليهم مواقيت للدخول والخروج منها، وشارك سكانها على غرار الجزائريين في مقاومة الاستعمار إلى غاية نيل الجزائر لاستقلالها، وبدأت المدينة القديمة تتوسع، إلى غاية بداية التسعينيات وتردي الأوضاع الأمنية، ليهجرها سكانها تباعا ويتحولون إلى المدينة الجديدة التي تقع على بعد 3 كلم من المدينة القديمة، و كان آخر المغادرين لها إمام مسجد المدينة الشيخ محمود عمران في سنة 1992. تتكون المدينة القديمة من غابات للنخيل وبعض الأشجار المثمرة، فضلا عن مئات البيوت الترابية الطينية، وتبدو للرائي صورة هاربة من زمنها إلى الزمن الحالي، فالقصور متجاورة و الممرات ضيقة رائعة، فيما تتحرك مياهها كحية رقطاء بين النخيل، و يسمع خرير المياه من بعيد. المتمعن في عمران هذه المدينة ذات الطابع الإسلامي، يلاحظ حسن استعمال المواد الأولية المتاحة بنقرين، فالتربة والحجارة للبناء و جذوع النخيل والأشجار لنصب الأعمدة و تثبيت السقوف، فيما تتكاثر المحلات التجارية و الدكاكين هنا وهناك، أما مسجدها فيتوسط المدينة بزخارف رائعة و أنماط عمرانية عربية إسلامية، ولا تزال الكثير من القصور التي يقارب عددها 150 مسكنا محافظة على عمرانها، بالرغم من عوامل التعرية التي أتت على عدد منها. و يذكر الكثير من الشيوخ أنهم قضوا يومياتهم في هذه القصور لسنوات طويلة، مشيرين إلى أن هذه البيوت الترابية كانت ملائمة للعيش في الزمن الغابر، حيث تكون باردة في الصيف و ساخنة في الشتاء، و تقول الروايات أن الحركة التجارية كانت نشطة في هذه المدينة، و كانت المقايضة بالسلع إحدى أهم الأنشطة التجارية، وقد نجح سكانها في تجاوز عواقب المجاعة التي حلت في أربعينيات القرن الماضي، بسبب توفر المدينة على كل سبل العيش من خضر و فواكه وغيرها. شبان نقرين يبثون الحياة في القصور المهجورة ومن أجل الحفاظ على هذا الموروث المادي، قامت مجموعة من شبان نقرين بإنشاء جمعية محلية لبث الروح من جديد في هذه المدينة، وحسب لخضر حامي رئيس الجمعية البلدية لإحياء السياحة و التراث و المحافظة على البيئة و الآثار، فإنه يتم تنظيم حملة تطوعية كل يوم سبت و ذلك منذ 21 نوفمبر 2015 إلى غاية اليوم. ساهمت هذه المبادرة في ترميم عدد من القصور التي تضررت بفعل عوامل الطبيعة و الإهمال، حيث انطلقت عملية الترميم من الأزقة الإستراتيجية المؤدية إليها، و كذا المسارات الكبرى و الواجهات، و قد ساهم ذلك في لفت انتباه السلطات و المواطنين لهذا الإرث التراثي، إذ ساهم العمل الجماعي المدعوم ب»التويزة» في إعادة الاعتبار لعدد من القصور التي يتجاوز عددها 150 مسكنا، حسب رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية نقرين جموعي رمضاني. و يعتزم أعضاء الجمعية، بالتنسيق مع المحسنين، ترميم المسجد الذي يصلون فيه الصلوات الخمس في كل يوم تطوع، و تهدف الجمعية، حسب رئيسها، إلى إحداث ديناميكية في بلدية نقرين الكائنة على الحدود مع تونس، و المحافظة على هذا المعلم و تطوير السياحة بالمنطقة، والرهان منصب على استقبال الوفود السياحية و تنظيم زيارات دورية لهذه القصور، ولم لا تأسيس متحف بالمنطقة، يكون ذاكرة لهذه البلدية التي تعد النخلة و حماية البيئة ضمن أولوياتها. استنادا للمتحدث، فإن عملية الترميم تتم بنفس المواد القديمة التي بنيت بها القصور القديمة و لا تشمل إضافات أخرى، و تعتزم مواصلة عملية الترميم إلى غاية الانتهاء من جميع المساكن.