الملاكمة لم تعد قوية اليوم واعتزلت التحكيم بسبب رفضي للفساد كنت أول ملاكم جزائري يشارك بالألعاب الأولمبية سنة 1968 أكد ابن مدينة قسنطينة وبطل الملاكمة السابق رابح لبيوض، بأن الفن النبيل اليوم لم يعد قويا مثلما كان عليه مع الجيل الأول من الملاكمين الجزائريين الذين ظهروا بعد الاستقلال، والذين انتمى إليهم صغيرا ليتربع على عرشهم بعد ذلك، كما تحدث عن سبب اعتزاله التحكيم الدولي الذي مارسه طيلة ثماني سنوات، منذ توقفه عن تدريب جمعية شباب الحامة، الذي حصد عدة ألقاب وطنية ودولية وخرج أبطالا، وروى لنا عمي رابح أيضا، في حوار خص به النصر، قصته مع رياضة الملاكمة منذ بدايته سنة 1964، كاشفا عن التهميش ومحاولات الإقصاء التي تعرض لها خلال مساره من طرف منافسيه من الجزائريين وغيرهم. حاوره : سامي حباطي النصر : ما تقييمك لمستوى جمعية شباب الحامة للملاكمة اليوم؟ رابح لبيوض : مدرب النادي عبد الباقي بلميلي تخرج على يدي، وأنا أشرفت على الفريق طيلة عشر سنوات، أي منذ سنة 1980 إلى سنة 1990، والحمد لله، العديد من ملاكمي النادي تمكنوا من الوصول إلى الألعاب الأولمبية لعدة مرات، وهذا أمر جيد فعلا. -هل الملاكمة حاليا تشبه الملاكمة التي مارسها جيلكم؟ -أبدا، الملاكمة لم تعد مثل الفن النبيل الذي كنا نمارسه في زمننا، ففي زمني لاكمنا بدون وضع واقيات على رؤوسنا، كما أن المنازلات كانت عنيفة جدا وفيها تحد كبير، وقليل منا من كان يرضى بالفوز بغير الضربة القاضية، التي تنتهي بخصمك مغشيا عليه. أما اليوم (يضيف ضاحكا)، فقد أصبحت الملاكمة ضعيفة جدا، ففي الماضي لا يمكن أن يبرز إلا الأفضل فينا فقط، ومن بداية النزال كان يمكن التكهن بالفائز، عكس منازلات اليوم التي نجد فيها كثيرا من المفاجآت، كما أن الفوز فيها قد يحسم أحيانا بالنقاط فقط. -كيف بدأت الملاكمة؟ -أنا أعشق كرة القدم منذ الصغر، وقد مارستها منذ سنة 63 إلى 64، قبل أن أغير وجهتي بعد ذلك إلى الملاكمة، التي استهوتني وجعلتني أطلق الكرة، وبعد 15 يوما من انخراطي مع أول ناد للملاكمة، أذكر أن مدربي الأول أخبرنا بأن الفريق سيتنقل إلى ولاية سكيكدة للمشاركة في حلبة ملاكمة ودعانا لمرافقتهم من أجل المشاهدة والتعلم، لكنه أكد بأن الملاكمين المدربين جيدا هم فقط المعنيون بدخول المنازلات. وعند وصولنا إلى قاعة الرياضات التي احتضنت البطولة، تبين أن الفريق بحاجة إلى ملاكم آخر لمواجهة بطل سكيكدة الذي نظمت على شرفه الحلبة، فوقع الاختيار علي، بعد أن أخطر المدرب المشرفين على الدورة بأن لديه ملاكما، ورفضت في البداية وترجيت مدربي ألا أكون بين المشاركين بسبب الخوف، إلا أنه بث الثقة في نفسي شجعني على المضي قدما وعدم الاستسلام لمشاعر الوجل.دخلت الحلبة وأنا لا أحفظ أيا من القوانين ولا طريقة الملاكمة، وكان جميع زملائي في الفريق قد انهزموا في منازلاتهم، فسألت مدربي عن طريقة العمل، ولكنه قال لي «عندما يرن الجرس عليك بالانقضاض عليه»، وذلك ما فعلت، وما إن اقتربت منه وجهت له لكمة قوية فوقع أرضا، ومن شدة جهلي بقوانين الملاكمة واصلت توجيه اللكمات له وهو ملقى على الأرض وبعد أن وقف على قدميه مجددا وحاول الرد علي، وجهت له لكمتين فأغمي عليه وفزت بأول نزال لي. -ما هي الانتصارات التي حققتها بعد ذلك؟ -في الخامس من شهر جويلية سنة 1964، أي بعد سنة من التدرب حققت ثاني انتصار لي، في ولاية قسنطينة، وفزت فيها بالبطولة الولائية، وقد اشتهرت بلكماتي القوية التي تنتهي بجميع خصومي مغشيا عليهم، حيث فزت في ثلاث منازلات متتالية، لأشارك بعد ذلك في البطولة الوطنية للمبتدئين على مستوى ولاية وهران، وقد ذهبت إلى هناك بثياب رثة وبالية، فقد كنا حديثي عهد بالاستقلال ولم تكن ظروفنا جيدة، ما جعل بعض الملاكمين من الجزائر العاصمة يحتقروننا بسبب منظرنا، لكن مدربي واصل تشجيعنا. وصلت إلى نهائي تلك البطولة، ولكن من سوء حظي أن القرعة وضعتني مع أحسن ملاكم في الجزائر العاصمة، أما مدربي فلم يخبرني شيئا عن مدى صعوبة تلك المنازلة حتى لا أخاف وأقدم أحسن ما لدي، وبالفعل هزمته بالضربة القاضية في الجولة الثانية من النزال، وفي ذلك اليوم ابتسم لي القدر، بعدما شاهد أدائي مدرب الفريق الوطني للملاكمة، وطلب من مدربي أن يرسلني إليه لأنضم إلى ممثلي الجزائر في هذه الرياضة، وهناك انطلقت مسيرتي الحقيقية في الفن النبيل، بعد عام من دخولي هذه الرياضة. كما أنني فزت بلقب بطل الجزائر في بطولة الملاكمة أكابر لسنة 1965، وتحصلت فيها على الميدالية الذهبية، حيث أصبحت شوكة في حلق أبطال الجزائر في الملاكمة من مختلف المناطق، وخصوصا في الفريق الوطني، الذي برزت فيه وكنت الأول في كل شيء، ولم أكن أسمح أبدا بأن يسبقني أحد إلى الريادة. -وهل كنتم تتقاضون راتبا شهريا مقابل ممارستكم للملاكمة؟ -لا أبدا، كنا نلاكم من أجل العلم كما يقول المثل، كان الحب هو دافعنا الوحيد لممارسة الرياضة، ولم أفكر يوما في المال أو تقاضي أجرا مقابل المنازلة. -وفي أي سنة وصلت إلى الألعاب الأولمبية؟ -قبل الألعاب الأولمبية تمكنت من حصد لقب البطولة العربية في تونس، بعد حصولي على المرتبة الأولى فيها، لننتقل بعد ذلك في تربص مغلق بتيكجدة والشريعة تحضيرا للألعاب الأولمبية التي نظمت في المكسيك آنذاك، ثم شاركنا في بطولة، ضد الفريق الوطني البولوني، قبل توجهنا إلى فرنسا. وقد حاول بعض الجزائريين إقصائي حينها، حيث وُضعت أنا مع ملاكم ضعيف نظرا لقلة خبرتي، بينما اختير الملاكم البولوني القوي ماريان كاسبرزيك، الذي حاز على الميدالية الذهبية لوزن أقل من 67 كلغ في الألعاب الأولمبية التي نظمت في طوكيو سنة 1964، قبل أن يتلاعب أحد المدربين الجزائريين بالبرنامج، وأصبحت أنا ضد كاسبرزيك، بينما وضع ابنه مع الملاكم الأضعف. ودخلت قاعة حرشة حسان يومها وقدماي ترتجفان، وأذكر أن غالبية الحضور كانوا من أعضاء الحكومة والشخصيات السياسية، ما زاد من توتري كثيرا، فمواجهة ملاكم مثله تتطلب تحضيرا كبيرا، خصوصا وأنه يلاكم على الطريقة الأمريكية، التي تقوم على التمويه في النزال، وقد أخبرني بعض المدربين بأن البرنامج تغير بشكل عمدي، لكنهم أكدوا علي بضرورة أن أرفع التحدي وأبرهن على قوتي. -وماذا وقع بعد ذلك؟ -زميلي خسر المواجهة أمام الملاكم الضعيف، لكني فزت على الملاكم كاسبرزيك ماريان، حيث أرهقته في الجولة الأولى بتجنبي للكماته، بالاعتماد على الحركة السريعة لساقاي، وأذكر أن الحكم كان بولونيا، وقد قدمت كل ما لدي، وفي الجولة الثانية عندما لم يتمكن من هزيمتي قام بضربي برأسية ما تسبب في جروح لكلينا أعلى العين، وادعى بأنه أصابني خطأ، لكن الطاقم الطبي المرافق له وضع له دواء جعل النزيف يتوقف في آنه، في حين استمر النزيف لدي، حتى تلطخ ثوبي الأبيض بالكامل بالدماء، رغم الأدوية المستعملة.وقد طلب الطبيب مني التوقف، لكني رفضت وانفعلت بشدة أمامه، لم أكن لأرضى بالهزيمة أبدا، فدخلت المواجهة وانقضضت عليه باثنتي عشرة لكمة متتالية وعدة حركات أخرى حتى هزمته، وقد شكرني كثيرا وزير الرياضة آنذاك وطلب من المسؤولين توفير أي شيء أحتاج إليه. في سنة 1968، شاركت في الألعاب الأولمبية المنظمة بالمكسيك، وكنت أول ملاكم جزائري يصل إليها بعد الاستقلال، حيث أقصيت في الدور الثالث، بعد خسارتي أمام ملاكم ألماني، وصل إلى النهائي وتمكن من الحصول على ميدالية بعدما فاز على ملاكم من الكونغو. في سنة 1972، بدأت التدريب، وكنت ألاكم وأدرب في الوقت نفسه، في فريق الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، التي عملت بها طيلة حياتي، وبعد ذلك انتقلت إلى تدريب فريق جمعية شباب الحامة للملاكمة إلى سنة 90، التي أصبحت فيها حكما دوليا إلى غاية سنة 1998، عندما تركت مجال الملاكمة بشكل نهائي. -وما سر اعتزالك لمجال الملاكمة؟ -هنالك بعض الذين حاولوا التحكم في وإخضاعي، (تبدو عليه علامات الانفعال قليلا)، خصوصا خلال مرحلة التحكيم، ولكني رفضت ذلك بشدة وواجهتهم، فمثلا من طرق بعض رؤساء لجان الحكام، أن يقف مقابل الحلبة أثناء النزال ويشير إليك من خلال إمساك إحدى أذنيه، وذلك يعني أن ترجح الكفة نحو الجهة التي أشار إليها، لكنني رددت بشدة على هؤلاء الأشخاص، فأنا مارست الملاكمة وتعبت فيها كثيرا، وقد بنيت مساري المهني حجرا بحجر، إلى أن وصلت إلى هذا المستوى. وبعد ذلك بمدة قصيرة اعتزلت الملاكمة بعدما لم يعد الوضع الذي وصلت إليه في ذلك الوقت يلائمني، فأنا نزيه ولا أقبل بأن أكون جزءا من هذه الأمور، وخصوصا الفساد. -هل أنت راض عن مسارك؟ -الحمد لله، أنا راض عما حققته، وقد كرمتني جريدة النصر سنة 2003، والتقيت في مساري بأبطال عالميين، منهم حتى من واجه أسطورة الملاكمة، الأمريكي محمد علي.