ارتفاع جنوني لبورصة الدروس الخصوصية ارتفعت بورصة الدروس الخصوصية بشكل جنوني في هذه الفترة التي تسبق المرحلة التحضيرية الأخيرة للامتحانات النهائية و خاصة شهادة البكالوريا، إذ قفزت أسعارها إلى مستويات لا تصدق ، بسبب استغلال بعض الأساتذة هوس التلاميذ و الآباء معا بالنجاح في هذه المرحلة الحاسمة من حياتهم الدراسية لفرض هذا المقابل الذي يدفعونه صاغرين . و حسب عدد ممن التقينا بهم، تفوق المبالغ التي تستنزف ميزانية الأسرة في الكثير من الأحيان سقف العشرين ألف دينار في الشهر الواحد بالنسبة للدروس الفردية التي يتهافت عليها التلاميذ مباشرة بعد عطلة الربيع بسبب اكتظاظ الأفواج العادية قبيل الامتحانات. قلق الامتحانات لم يعد يقتصر فقط على التلاميذ ، بل أصبح في السنوات الأخيرة يصيب بهوسه الجنوني الآباء أيضا ، لدرجة أنهم لا يترددون أبدا في التضحية بميزانيات كبيرة لتسديد مصاريف الدروس الخصوصية التي تتضاعف حصصها كل سنة مع اقتراب مواعيد الامتحانات النهائية، كما أكد لنا ذلك العديد من الأولياء في كل من مدينتي عين مليلة و قسنطينة الذين قالوا لنا بأن أبناءهم المقبلين على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا ، و الذين قاطع الكثير منهم الثانويات منذ عطلة الربيع ، أصبحوا يعتمدون فقط على الدروس الخاصة التي يستعينون بها على المراجعة النهائية في كل المواد تقريبا، و على وجه التحديد المواد الأساسية التي لاحظنا أن الكثير منهم يتلقون فيها دروسا مع أكثر من أستاذ و في مجموعات مختلفة من حيث العدد وغالبا ما تكون إحداها فردية ( وجها لوجه مع الأستاذ)، و التي تتراوح أسعارها على أقل تقدير حوالي الخمسة عشر ألف دينار للشهر مقابل حصتين لا أكثر في الأسبوع. كما أخبرتنا السيدة مفيدة بأنها تدفع ما يفوق الثلاثة ملايين في الشهر على مجموع كل الدروس التي يتلقاها ابنها المقبل على اجتياز شهادة البكالوريا في أربع مواد أساسية ، هي الرياضيات في مجموعتين ، والعلوم و الفيزياء و الفرنسية. و من أجل ضمان نجاح أبنائهم يلجأ الكثير من الآباء إلى تخصيص ميزانية خاصة لدروس الدعم هذه ، و ذلك لتوفير كل الشروط الضرورية لنجاحهم و تفوقهم ، متخلين من جهة أخرى عن الدروس المجانية التي تقدم لهم في مؤسساتهم التعليمية. كما أخبرنا العديد من الآباء و الأمهات أنهم لا يهتمون بحجم ما يصرفونه على الدروس الخصوصية ، لأن المهم لديهم هو ضمان نجاح أبنائهم في الفوز بشهادة البكالوريا، حتى أن البعض اعترف لنا بأنه اضطر إلى اللجوء للاستدانة وفيهم من رهنت مصوغاتها أو باعت بعض القطع الثمينة منها من أجل توفير المبالغ الخاصة بها ، وإطلاق زغاريد فرحة النجاح في نهاية السنة التي لا تضاهيها أي هدية حسبهم. يقول أب زكريا الذي أصبح يحضر أستاذ العلوم الطبيعية إلى البيت من أجل مراجعة الدروس له في المدة الأخيرة استعدادا لاجتياز البكالوريا ، أنه ورغم عدم قدرته على دفع المبلغ المخصص لهذه الدروس الفردية المقدرة بمليوني سنتيم للشهر الواحد إلا أنه وجد نفسه يغامر بالإستدانة من الأقارب من أجل تلبية طلب إبنه الذي قال له بأنه يجد صعوبة في فهم الدروس الخصوصية الجماعية ، وذلك خوفا من فشله في الحصول على الشهادة الحلم ، وحتى لا يؤنبه ضميره في نهاية السنة ، وكل شيء يهون كما أشار من أجل فلذات الأكباد ورؤيتهم يتفوقون في الدراسة . السيدة جهيدة أم لفتاة ستجتاز هذه السنة امتحان البكالوريا قالت أنها : مستعدة لكل ما تطلبه ابنتها من اجل دفع مصاريف الدروس الخصوصية الكثيرة التي تستعين بها تقريبا في جميع المواد، مشيرة إلى أنها مستعدة لبيع قطعة من مصوغاتها الذهبية لتوفير مصاريفها كما هو حال بعض جاراتها، خاصة أن ابنتها تعتمد على الدروس الخصوصية فقط للمراجعة بعد أن توقفت عن الذهاب للثانوية. و أضافت بنبرة تحصر أنها تدفع مقابل دروس الرياضات الفردية وحدها مبلغ ثمانية عشر ألف دينار، و باقي المبلغ مقابل دروس العلوم و الفيزياء و الفلسفة، التي تتفاوت أسعرها حسب عدد المجموعة التي تدرس فيها و توقيتها. يوسف تلميذ سيجتاز البكالوريا بعد أقل من شهرين و اخبرنا أنه لم يطأ الثانوية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لأنه قرر البقاء في المنزل للمراجعة أين يحضر إليه أساتذة الرياضيات و الفيزياء و غيرهم لتقديم دروس خاصة منفردة له وحده في البيت. و قال أن الأساتذة الذين لديهم برامج مكثفة و مليئة بحصص الدروس الخصوصية ، أصبحوا لا يولون أهمية للتدريس في الثانوية لأنهم يدخرون جهودهم لحصص الدعم التي يتلقون مقابلها مبالغ طائلة نهاية كل شهر ، مؤكدا من جهة أخرى أن المبالغ الباهظة التي تصل إلى الخمسة ملايين لقاء الدروس الفردية التي يتلقاها في كل من الرياضيات ، الفيزياء و العلوم التي يدفعها لهم لا تمثل أي مشكلة بالنسبة لأهله اللذين يأملون فقط في نجاحه و تفوقه في البكالوريا، مهما كان الثمن. كما أخبرتنا السيدة نصيرة ماكثة بالبيت ، و أم لتلميذ في شعبة العلوم الطبيعية الذي سيجتاز هذه السنة شهادة البكالوريا للمرة الثانية ، أنها مستعدة و زوجها لدفع المزيد من المال للدروس الخصوصية التي يتلقاها إبنها بكثافة في جميع المواد الأساسية التي خذلته العام الماضي . و أشارت من جهة أخرى أن الأساتذة اللذين يقدمونها ينتهزون جيدا حاجتهم الملحة لهم و يزايدون بجشع في سعر الحصص التي قد تساوي في بعض الأحيان رواتبهم الشهرية في الثانوية. تحول النجاح إلى تجارة رابحة تدفع بالأساتذة إلى عدم التردد في المساومة و المزايدة على سعر الحصص الخيالي الذي يتقاضونه من العشرات من التلاميذ الذين قد لا يملكون جميعهم الإمكانيات للدفع للحصص الخاصة جدا أي" وجها لوجه"خاصة المعروفة بدروس المراجعة خلال قبل موعد الإمتحانات النهائية والمصيرية منها ،التي يتهافت عليها الجميع في الشهرين الأخيرين ، رغم أنهم لم يفوتوا طيلة السنة الدروس الخصوصية الجماعية، التي أصبحت تقليدا دراسيا لا غنى عنه حتى بالنسبة للأطوار الابتدائية . إذ يبرر الأساتذة هذا الوضع بقولهم أن البرامج الدراسية غالبا ما تكون منتهية قبل بداية شهر ماي الذي يخصص عادة للمراجعة التي يفضل الطلبة إنجازها بشكل مكثف في الدروس الخصوصية أو بمفردهم في البيت، و بالنسبة لارتفاع الأسعار فيقول البعض أنه أصبح من الضروري بالنسبة لهم هم أيضا أن يضاعفوا أسعارهم التي يتقاضونها مقابل الدروس الخصوصية لأن المعيشة أصبحت غالية و متطلبات الحياة كثيرة ، كما يقول احد أساتذة الرياضات المشهورين في عين مليلة : " ما دام الأهل مستعدين للصرف ببذخ على أولادهم فلما لا نستفيد نحن الأساتذة منهم مقابل المعرفة التي نقدمها لأبنائهم". بعد أن أصبحت الدروس الخصوصية، أمرا طبيعيا في المنظومة التربوية الوطنية بل و ضرورة ملحة بالنسبة للآباء و الطلبة و خاصة الأساتذة ، أصبح الاستغناء عن تلقي الدروس في الثانوية شيئا مألوفا أيضا في السنوات القليلة الماضية ، فهل ستصبح تجارة الدروس الفردية " وجها لوجه" حتمية أخرى تحطم ميزانيات الأسر الجزائرية التي تنصاع لها طواعية حتى و لو كانت من فئة الدخل المتوسط.