مفيد أدمام يروي تاريخ المدن الأثرية في مجسمات معمارية يبدع الفنان التشكيلي أدمام مفيد في إعادة تجسيد أهم المعالم التاريخية ببلادنا، من خلال بناء مجسمات، لا تغفل أنامله عن نقل أدق التفاصيل الموجودة في النماذج الواقعية و التي يأسره جمالها أو تاريخها فيستسلم لرغبته في تشييد نسخة لها كطريقة للحفاظ على الكنوز الأثرية الجزائرية. رغم انتشار التكنولوجيا و طريقة الرسم و التصوير الثلاثية الأبعاد، يصر الفنان العصامي مفيد أدمام ابن بلدية بريش بأم البواقي، على التمسك بالتقنيات التقليدية في بناء المجسمات الأثرية التي يعتبرها أفضل وسيلة للتعريف بالتراث الوطني الثري و الحفاظ عليه و كذا منح المواطنين فرصة اكتشاف أهم المعالم التي تزخر بها بلادنا و تحفيزهم على زيارتها و اكتشافها بمواقعها الأصلية. الفنان الذي حقق عدة منجزات لفائدة متاحف جهوية و وطنية، تحدث للنصر عن ولعه بالتحف المعمارية القديمة الذي حفزه على زيارة المعالم الأثرية بمختلف مناطق الوطن، و دون تخطيط مسبق وجد نفسه يحترف فن النحت و بناء المجسمات المستوحاة من المعالم الرومانية و الإسلامية فكان لمدينة تيديس و ضريح ماسينسيا بقسنطينة حظا أوفر بين مجموعته التي شملت مختلف المدن الأثرية و الأضرحة الرومانية الفريدة من نوعها كضريح امدغاسن بباتنة و الضريح الملكي الموريتاني و كذا بوابات المدن الرومانية كبوابة تيمقاد و تبسة من الآثار الضاربة في عمق التاريخ الكثيرة، التي تزيد غيرته عليها يوما بعد يوم و يشتد خوفه من اختفائها بسبب ما يعانيه الكثير من المواقع من تسيّب و إهمال. كباحث آثار يدقق أدمام في كل التفاصيل لإيمانه بقيمة الآثار التاريخية و ما تخفيه من تميّز الأولين في فن العمارة فهو لا يغفل النقوش و لا أدنى رمز تقع عليه عينه في المواقع الأصلية، لحرصه على نقل كل شيء بكل وفاء حتى تكون مجسماته بمثابة متحف يطمح من خلاله إلى إطلاع غير العارفين بتراث الجزائر على آثار كل الحضارات التي مرت عليها بلمسة فنية جعل الواقعية المعمارية مذهبا له في فن النحت و احترفت أنامله السخية ألوان الآثار القديمة، جاعلا من مجسماته تحفا بوسعها أن تعبّر عن الماضي العريق و تبرزه حتى لا يبقى في عالم النسيان. إعادة تجسيد القلاع القديمة و القصور العريقة و المدن الأثرية، هواية أراد من خلالها الفنان التشكيلي أدمام صاحب ال49سنة، حذف المسافة بين المواطن و بين آثار الجزائر و العالم أيضا و تقريب كل ما تحتويه تلك المواقع من كنوز و روائع و أسرار تركها الأسلاف، من عيون الجمهور، خاصة بعدما لمسه من اهتمام و فضول الجمهور خلال المعارض الفردية و الجماعية التي شارك فيها في مختلف التظاهرات الثقافية و الفنية.عندما نقف أمام مجسمات الفنان أدمام نشعر و كأن حجارتها الصغيرة و إن كانت مصنوعة من الجبس تحدثنا عن أسرار المواقع الحقيقية و ترصد آثار الأولين، ليس في الحقب البعيدة و إنما حتى القريبة، حيث ترك بصمته على بعض التحف التي تحاكي ثورة التحرير، فمتحف المجاهد بأم البواقي يحتفظ للفنان بتحفة أنجزها في 2010 و التي أبدع من خلالها في بناء مجسم معماري مستوحى من بيت الشهيد البطل العربي بن مهيدي و كذا عمل آخر تم عرضه في ذكرى مؤتمر الصومام و المتمثل في مجسم للبيت الذي انعقد فيه هذا المؤتمر المهم بولاية بجاية. و أسر الفنان بأن مشكلة النقل التي يواجهها خلال مشاركاته في المعارض المختلفة دفعته لاعتماد الأحجام الصغيرة و المتوسطة و التي لا تتجاوز حسبه ال60سم، رغم صعوبة تحقيقها أكثر من المجسمات الكبيرة.محدثنا قال أن لديه الكثير من الأفكار التي يحلم بتحقيقها على أرض الواقع، و على رأسها مجسم مدينة أثرية بحجم 5 أو 6 أمتار لفائدة طلبة معاهد علم الآثار، لمنحهم فرص إجراء حصص تطبيقية تسّهل عليهم عملية التطبيق الحقيقي مرة أخرى بالمواقع الحقيقية. كما يطمح إلى فتح ورشة لتعليم هذا الفن لإيمانه بدور الفنان التشكيلي في كتابة التاريخ على طريقته.و عن المواد التي يعتمدها الفنان عادة في عمله، قال أدمام بأنه يعمل بكل ما قع تحت يديه من خشب و صخر و جص و غيرها من المواد البسيطة التي يحوّلها إلى تحف تثير الإعجاب و تجذب الانتباه في المعارض و يشيد بدقتها حتى المختصون في الآثار.