أمراض العصر و العشرية السوداء تكسر "طابو" النفساني قبل سنوات كان مجرد التفكير في زيارة أخصائي نفساني يجر صاحبه للشبهات و يربطه مباشرة بصفة الجنون، فالسواد الأعظم من الجزائريين لم يكونوا يفرقون بين طبيب الأمراض العقلية و المعالج النفساني، لذلك يلجؤون لعلاج مشاكلهم النفسية إلى الرقاة و المشعوذين، واقع غيرته اليوم أمراض العصر، و رواسب العشرية السوداء التي أفرزت حاجة ملحة للاستشارات النفسية المتخصصة كاسرة بذلك صورة النفساني ك"طابو" اجتماعي. نور الهدى طابي المتابع لبعض البرامج الإذاعية الجهوية، يلاحظ بوضوح بأن برامج الاستشارة النفسية باتت تحظى باهتمام كبير من طرف الجزائريين، الذين أصبحوا يجدون فيها منبرا للتعبير عن مشاكلهم، ما حول بعض المختصين الى نجوم. ورقة علاج تأخر سحبها استطلاع للآراء أجريناه بقسنطينة، أبرز بوضوح تحولا تدريجيا في نظرة المجتمع للأخصائي النفساني، فجل من سألناهم أوضحوا بأنهم أصبحوا أكثر انفتاحا على الاستشارة، كما أنهم لم يعودوا يجدون حرجا في اطلاع محيطهم القريب بحقيقة متابعتهم لوضعهم النفسي عند مختص. و يبدو أن زيارة النفساني تأتي دائما في مؤخرة الحلول للمشاكل النفسية، فمن سألناهم اعترفوا بأنهم يفضلون أولا اللجوء إلى الرقية الشرعية للتأكد بأن الأمر لا يتعلق بعين أو سحر أو مس، لكنهم ينتهون إلى قصد أخصائي نفساني. معظم من قصدوا أخصائيا نفسانيا لأول مرة كان هدفهم علاج حالات الانطواء و التبول اللا إرادي، العدوانية و مشاكل النطق عند أبنائهم، إلا أنهم و في نهاية المطاف طلبوا استشارات شخصية للتخلص من الضغط و التوتر الناجمين عن عدم استقرار المحيط الأسري أو المهني. عن سبب تغير نظرتهم إلى العلاج النفسي، أوضح محدثونا بأن الطب التقليدي لم يعد يأتي بنتيجة، كما أن بعض البرامج الإذاعية المحلية و التلفزيونية العالمية ك»دكتور فيل» غير مفاهيمهم، فضلا عن ذلك، فإن بعض الأطباء ينصحونهم بزيارة معالج نفساني عادة لتخفيف الضغط و التوتر الذي يسبب أمراضا كارتفاع ضغط الدم و الغدة الدرقية و القلب و فقدان الشهية أو السمنة. كمال عميرة أخصائي بمستشفى ابن باديس الجامعي رجال يتخوفون من النفساني لإخفاء شذوذهم أو إدمانهم يؤكد أخصائي علم النفس العيادي على مستوى المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة كمال بن عميرة، وجود انفتاح على التخصص في مجتمعنا، لكنه يبقى متذبذبا بسبب الخلط بين الأمراض العقلية و المشاكل النفسية، فالكثيرون، حسبه، لا يزالوا يعتقدون بأن النفساني يعالج الجنون ويصف الأدوية، بالرغم من أن العلاج يعتمد في الحقيقة على تقنيات الملاحظة الإكلينيكية و الإصغاء و الثقة المتبادلة، فضلا عن بعض التمارين الروتينية للاسترخاء التي ينصح بها المختص مريضه. الأخصائي أشار إلى وجود تزايد في الإقبال على الاستشارة من قبل فئات عمرية و ثقافية و اقتصادية مختلفة، بعدما كان مقتصرا على الحالات المرضية المعقدة، مؤكدا بأن بداية الانفتاح كانت مع رغبة الآباء في علاج أبنائهم. وهناك، حسبه، فئة تبارك دور العلاج النفسي، وتمثلها بصفة أكبر النساء، لكن بالمقابل يتخوف بعض الرجال من زيارة الأخصائيين حتى وإن تطلب علاج أبنائهم ذلك، لأنهم يخافون من فضح شذوذهم الجنسي، أو إصابتهم ببعض الاضطرابات أو الإدمان. من جهة ثانية يبقى هنالك نقص في الوعي العام بدور هذا النوع من الاستشارة، حتى على مستوى المدارس التعليمية التي قال بأنه من الضروري أن تتوفر على أخصائي نفساني لمتابعة التلاميذ و حل مشاكلهم النفسية التي قد تنعكس على نتائجهم الدراسية. الأخصائية سليمة عبديش ممارسة عيادية بعلي منجلي الاستشارات لا تقتصر على سكان المدن أكدت الأخصائية سليمة عبديش صاحبة عيادة للصحة النفسية بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، بأن عدد الأشخاص الذين يقصدون عيادتها يصل أحيانا إلى 8 حالات أسبوعيا، أغلبهم من الأزواج الذين يبحثون عن حلول لمشاكلهم الأسرية، أو موظفين هدفهم التخلص من التوتر والضغط، و لا يقتصر الإقبال، حسبها، على سكان المدن، بل يزورها مرضى من خارج قسنطينة و من الضواحي و القرى. ويعود السبب وراء الانفتاح الذي بدأ قبل حوالي 6 سنوات تقريبا، كما أوضحت، إلى كون الكثير من الجزائريين أصبحوا يفرقون بين المشكل النفسي و الاضطراب العقلي، كما أن التغيرات الاجتماعية فرضت هذا النوع من العلاج كبديل لا يتطلب تعاطي أدوية مهدئة، يمكن أن تجر متعاطيها إلى الإدمان، علما أن أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا متعلقة بالتوتر و القلق و الضغط و الاكتئاب. عزيز كعبوش رئيس وحدة المساعدة النفسية بمستشفى قسنطينة العشرية السوداء كسرت طابو العيادي و مواقع التواصل عززت الحاجة إليه تعرف وحدة المساعدة النفسية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة ، إقبالا منقطعا من قبل الباحثين عن الاستشارة، لا يقل أهمية عن الإقبال على الأطباء المتخصصين في علاج الأمراض العضوية، كما أكده مسؤول الوحدة و رئيس جمعية الأخصائيين النفسانيين بقسنطينة عزيز كعبوش ، إذ يصل عدد المعاينات اليومية إلى 10 أحيانا، عكس ما كان عليه الأمر قبل 20سنة ماضية، مرجعا السبب وراء انتشار ثقافة المتابعة النفسية إلى رواسب العشرية السوداء التي أفرزت اضطرابات وصدمات فرضت العلاج كحاجة ماسة، فكانت بذلك هذه المرحلة وما عاشه المواطنون خلالها نقطة تحول حقيقية بالنسبة لتخصص علم النفس. كما أن وسائط الاتصال الحديثة و أمراض العصر كالتوتر والضغط،أدت هي الأخرى، حسبه، اضطرابات نفسية كثيرة، أثرت بدورها على واقع الصحة العمومية و كسرت بذلك مفهوم المتابعة النفسية كطابو اجتماعي. المختص أشار إلى أنه يوجد بقسنطينة حاليا 200 نفساني ممارس في الصحة العمومية، بالإضافة إلى 8عيادات نفسية خاصة، و 4 للمتابعة الأرطوفونية، مع ذلك فإن أهمية العلاج النفسي في عصرنا تتطلب على الأقل 30عيادة متخصصة لتغطية الطلب وتحقيق علاج متكامل يعتمد، كما شدد، على الإصغاء و ليس الأدوية. الباحث في علم الاجتماع محمد بن يحيى طيبي الإعلام لا يخدم الطب النفسي كما يخدم المشعوذين يرى الباحث في علم الاجتماع محمد بن يحيى طيبي، بأن المجتمع انفتح نسبيا على المتابعة النفسية بسبب تطور الحياة وانفصال الفرد عن الجماعة و الأمراض التي رافقت ذلك، لكنه لا يزال يميل بدرجة أكبر إلى الرقية، لأنه مجتمع يحتكم بالضرورة إلى الأخذ برأي أصحاب الحكمة، وذلك على اعتبار أن المشاكل النفسية ترد عادة إلى مفاهيم ومرجعيات عقائدية، كضبط النفس و»النفس الأمارة بالسوء»، وليس لأسباب فيزيولوجية لها علاقة بنمط الحياة. لكن ، يوضح الباحث، بأن علم النفس في أوروبا مر سابقا بما يمر به في بلادنا اليوم، لكنه فرض نفسه تدريجيا، وهو ما يسعى إليه مختصون الآن في مجتمعنا الذي يعرف سطوة واضحة للطب الروحاني الذي تصادق عليه الجماعة، فالعلاقة بالعلوم ،حسبه ، علاقة حضارية وإذا لم يتطور المجتمع حضاريا، لا يمكن للعلوم الطبية والعلاجية أن تزدهر بالشكل المطلوب، خصوصا في ظل الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام كما قال، في الترويج للرقاة والمشعوذين على حساب العلاج الإكلينيكي المتخصص.