مع اقتراب موعد تشريعيات الرابع من ماي القادم، تتسابق الأطراف المعنية بصفة مباشرة بالعملية الانتخابية على استصدار المزيد من الضمانات القانونية و السياسية و الإجراءات العملية التي من شأنها جرّ أكبر عدد من المترشّحين و النّاخبين للمشاركة في أكبر عرس ديمقراطي تنظمه جزائر التعددية الحزبية للمرّة السادسة، لاختيار ممثلي الشعب في الغرفة السفلى. آخر من قدّم الضمانات للعمل على نزاهة العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، هو السيد عبد الوهاب دربال في حواره لجريدة النصر أمس، بصفته رئيسا للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات. و هي الهيئة التي جاء بها التعديل الدستوري الأخير و ما تضمنه من إصلاحات سياسية جريئة، سمحت للمعارضة بالتعبير عن رأيها السياسي و معارضتها للأغلبية الحاكمة داخل قبة البرلمان، و هو ما لم يكن متاحا لها من قبل. المعني الأول بالنزاهة الانتخابية يرفض ضمنيا تشبيه المهمة الكبيرة لهيئته بالهيئات السابقة التي تركت للتاريخ تجارب متتالية مازالت إلى حد اليوم موضع جدل و انتقاد، و هيئته تبدو غير مستعجلة للحصول على ثقة الناس قبل الموعد و لا تريد شيكا على بياض ، ذلك أن عملها يمتد إلى خمس سنوات كاملة تكون كافية لتغيير النظرة السلبية لهيئة تراقب مدى نزاهة الانتخابات في بلد خرج من أزمة أمنية و سياسية كادت تعصف به. العمل الميداني للهيئة بحكم الصلاحيات التي تحوزها في مرافقة المشتكي و المتظلم و صاحب الحق و صاحب المصلحة، هو الذي سيكسب أعضاءها الثقة في بلوغ مرحلة متقدمة من تنظيم انتخابات نزيهة. و الضمان الوحيد الذي تقدمه هو التزامها بالتحرك و التدخل، شريطة أن يتحمّل كل مواطن مسؤوليته في التبليغ بالدليل و البرهان عن مختلف التجاوزات التي يراها تعرقل العملية الانتخابية. و ما أكثر التجاوزات التي يتحدث عنها السياسيون عادة أمام وسائل الإعلام دون تقديم دليل مادي على مختلف حالات التزوير التي يمكن أن تسجل في أي مكان، فالمترشح المتضرر من واجبه تحمل مسؤوليته أولا في تقديم شكوى أمام الجهات المختصة مرفوقة بالدليل و البرهان، ساعتها يكون من حقه انتظار تحرك في الوقت اللازم من هيئة دربال المستقلة لفعل شيء ما، و بالتالي محاربة تلك المقاربة السلبية التي تروج لفكرة التزوير المسبق للانتخابات. و يبدو أن الصلاحيات التي تحوزها الهيئة و التي مافتئ يرافع من أجلها رئيسها، ستمكنها من تحقيق أقصى ما يتمناه المترشحون في مرحلة أولى، و هو التجاوب مع الشكاوى المقدمة، و بالتالي طمأنة الرأي العام بأن بلوغ انتخابات نظيفة و نزيهة هي غاية تدرك تدريجيا مع النضج السياسي و الوقت الكافي و الجهد اللازم الذي تبذله كل الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية. و قد تحركت الجهات المعنية و أودعت إداريين و مترشحين، السجن بتهمة التزوير في جمع التوقيعات، و هي سابقة تنتظر التأكيد في مواقع أخرى، أين يتم فيها الحديث بقوة هذه المرة عن ظاهرة استعمال المال الفاسد لشراء الذمم، و هي السرطان الذي يهدد بتلويث الحياة السياسية و إفساد المهمة البرلمانية على وجه الخصوص. التحكيم بين المتنافسين و خاصة السياسيين منهم، هي مهمة وطنية نبيلة تقتضي من جميع اللاعبين التحرك بنزاهة و نظافة، فلا يمكن لشخص مثلا استعمل المال الفاسد للحصول على مرتبة متقدمة في قائمة انتخابية، أو مواطنا عزف عن الفعل الانتخابي و لم يسمع صوته، أن يتحدث في المستقبل عن النزاهة و النظافة و يطالب بالضمانات لدخول الانتخابات. إجراء انتخابات نزيهة و نظيفة، خالية من أشكال التزوير التي يتحدث عنها الخاسرون، هي أمنية الأغلبية من الجزائريين و الجزائريات و هي مهمة تسهر على تحقيقها تدريجيا الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات .