تستقبل مصلحة الطب الشرعي بمستشفى بن باديس الجامعي بقسنطينة خلال السنة الجارية أربع نساء في المتوسط يوميا من ضحايا العنف بمختلف أشكاله، من أجل معاينتهن من قبل أطباء المصلحة و الحصول على تقارير و شهادات طبية تحدد حالتهن و تقدر مدة عجزهن، و ثلث هذه الحالات ضحايا العنف الزوجي و تتراوح أعمار معظمهن بين 25 و 40 عاما و 50 بالمئة منهن ذوات مستوى تعليمي ضعيف، كما كشف للنصر رئيس أطباء المصلحة البروفيسور عبد العزيز بن حركات، مشيرا إلى أن قانون تجريم العنف ضد المرأة المصادق عليه في ديسمبر 2015 من قبل البرلمان لم يخفف من الظاهرة. ملف من إعداد : إلهام طالب و قد أوضح البروفيسور بأن المصلحة سجلت ضمن المعاينات التي قام بها الأطباء في السنة الفارطة 900 حالة عنف ضد المرأة، نصفها ارتكبها الأزواج و البقية اقترفها الآباء أو الإخوة أو الأخوات أو الأسلاف و الحموات، مشيرا إلى أن المصلحة تلقت إلى جانب ضحايا العنف الجسدي و الجنسي ، مجموعة من ضحايا العنف النفسي تم توجيههن إلى وحدة المساعدة النفسية بمستشفى بن باديس للتكفل بهن، أو مستشفى الأمراض العقلية إذا اتضح بأنهن يعانين من انهيارات عصبية و اضطرابات عقلية ، و أشار البروفيسور بأن الإحصائيات المقدمة تتعلق بالمعنفات اللائي تقدمن للمعاينة بالمصلحة و هن من قسنطينة في الغالب، في حين تتوجه القاطنات بدائرة الخروب إلى مصلحة الطب الشرعي في مستشفى الخروب، و بالتالي فإنها لا تعكس الواقع، لأن الغالبية العظمى من المعنفات يكتفين بالصمت و الكبت و الألم، خوفا من نظرة المجتمع و الفضيحة أو الطلاق و تشرد الأبناء ، و حتى الفئة التي تقصد مصلحة الطب الشرعي، بعد أن تخضع للمعاينة تفضل إخفاء الشهادة الطبية و عدم مواصلة الإجراءات التي تقودها إلى متابعة المعتدي الذي يكون في حالات كثيرة الزوج. عن الأسباب التي تؤدي إلى تسليط العنف على المرأة، قال البروفيسور بأن الحالات التي تمت معاينتها بالمصلحة بينت بأنها كثيرة و متنوعة و من بينها عدم التكافؤ الاجتماعي و عدم التكافؤ في المستوى التعليمي بين الزوجين، صعوبة تكيف الزوجات الجديدات مع الحياة الزوجية، السكن مع العائلة ، المشاكل المرتبطة بعمل الزوجة، إلى جانب تعاطي المخدرات و الكحول من قبل الزوج أو الأخ و أي شخص آخر في العائلة يتعاطى هذه السموم، و أشار إلى أن هذه العوامل تم رصدها بالاستماع إلى الضحايا، و بالتالي تحتاج إلى دراسات علمية و بحوث لإثباتها، و تابع بأن المعنفات لسن ذوات مستوى تعليمي منخفض و ضعيف فقط، فهناك جامعيات و إطارات و من بينهن طبيبات، و نفس الشيء بالنسبة للأشخاص الذين مارسوا عليهن العنف بأشكاله، ويتراوح العنف الجسدي، وفق المعاينات، بين الحروق و الكسور و الجروح و الكدمات و الخدوش و يستخدم في ذلك الحزام الجلدي و أعقاب السجائر و حتى السلاح الأبيض في بعض الحالات. محدثنا أضاف بأن بعض الدول و من بينها فرنسا، لا تستمع إلى أقوال الضحية فقط أثناء المعاينة في مصلحة الطب الشرعي ، كما يحدث ببلادنا، بل يتم استدعاء كل الأطراف لرصد الوقائع و محاولة إجلاء الحقائق ،مشيرا إلى أن الزوجة المعنفة ترافقها عادة والدتها أو والدها إلى المصلحة للتأثير عليها، سواء بمتابعة الإجراءات إلى غاية مقاضاة الفاعل و إصدار حكم في حقه أو الاحتفاظ بالشهادة و العودة إلى بيت الزوجية من أجل الأبناء و تجنب الطلاق الذي لا تزال الكثيرات تصبن بالرعب منه ومن عواقبه، مؤكدا بأن هناك سيدات يحضرن إلى المصلحة عدة مرات متتالية لنفس السبب و هو تعرضهن للضرب المبرح من أزواجهن و يعترفن للطبيب بأن خوفهن من التشرد هن و صغارهن في الشارع، لأن أسرهن ترفض استقبالهن و ليس لديهن مأوى آخر، يرغمهن على العودة إلى بيت الزوج العنيف و ممارسة حياة هي أشبه بالجحيم . الإحصائيات لا تعكس إلا جزءا ضئيلا من الواقع و شدد البروفيسور بأن العنف الزوجي ظاهرة عالمية، لكنها تشتد في بلادنا أكثر فأكثر، و الإحصائيات التي تقدمها مختلف المصالح و المؤسسات و الهيئات حولها لا تعكس إلا جزءا من الواقع المؤلم، و ما خفي أعظم، و أوعز ذلك لعدة صعوبات كثيرة، فالعديد من ضحايا عنف الأزواج إذا أردن الخضوع للمعاينة الطبية يصطدمن بمشكل إثبات الهوية، لأن بطاقة التعريف الوطنية و الدفتر العائلي و غيرها من الوثائق الثبوتية، يحتفظ بها عادة الأزواج ،و القانون لم يتطرق لهذه الحالات الحرجة. و أضاف « ليس لدينا في الواقع جمعيات متطورة من شأنها أن تدافع عن حقوق المرأة وتحميها من العنف بشكل فعال، و الجمعيات النشطة حاليا ليس لديها الوسائل اللازمة، رغم أن جمعية راشدة التي نوجه إليها العديد من الحالات الهشة تبذل قصارى جهدها، في حدود إمكانياتها، لمساعدتها و توجيهها». و أشار إلى أن غياب هياكل استقبال للنساء المعنفات في وضعية صعبة و صغارهن بقسنطينة، زاد من تفاقم الوضع، حيث أن مصلحة الطب الشرعي و كذا محافظات الشرطة و الدرك لا تجد مكانا مناسبا لإيواء هذه الحالات الهشة التي تلجأ إليها خاصة في الليل و تقول بأنها ليس لها مكانا يأويها، و العدالة لم تتوصل إلى حل بهذا الخصوص، فيتم توجيهها إلى ديار الرحمة مؤقتا، و لو أنها لا توفر لها احتياجاتها ، خاصة الراحة . ضحايا التحرّش في أماكن العمل يكسرن الصمت و يرى رئيس أطباء مصلحة الطب الشرعي بقسنطينة بأن قانون تجريم العنف ضد المرأة، شجع بعض الموظفات و العاملات من ضحايا التحرش النفسي و الجنسي في العمل، على تكسير هذا الطابو و التقدم للمصلحة و الخضوع للمعاينة، حيث تستقبل بين 4 و 5 حالات سنويا، و يتم التكفل بهن بالتعاون مع مصلحة طب العمل، ثم توجيههن إلى مصلحة المساعدة النفسية، وتواصل نسبة قليلة الإجراءات و تقاضين المتحرشين بهن، متحديات الخوف و نظرات الشك و الاتهام.و النقطة الحالكة السواد، حسب البروفيسور، في سجلات المصلحة هي العنف الجنسي المسلط على الأطفال من الجنسين و النساء، حيث سجلت الوحدة المتخصصة التي تعمل ليلا و نهارا، 300 حالة في السنة الفارطة، تضم حالات زنا المحارم، و السبب الأساسي، كما قال، هو غياب الثقافة الجنسية، سواء في كنف العائلة أو المؤسسات التعليمية. تقييم القوانين و البحث العلمي هما الحل هذه المعطيات المرعبة، جعلت البروفيسور بن حركات يدعو عبر جريدة النصر، إلى إعطاء الأهمية اللازمة للبحث العلمي حول ظاهرة العنف، و تكليف باحثين مختصين في وكالات البحث من أجل تشخيص و تقييم الظاهرة و رصد أسبابها و تقديم الحلول المناسبة للتصدي لها و دق ناقوس الخطر إذا تطلب الأمر ذلك، مشيرا إلى ضرورة تقييم القوانين دوريا و من بينها القانون الصادر في ديسمبر 2015حول تجريم العنف ضد المرأة و ذلك من قبل هيئة البحث في وزارة العدل و كذا وزارة التعليم العالي و وزارة الصحة و وزارة التضامن، و لما لا إعادة النظر أو تعديل بعض المواد، بالاستناد إلى نتائج البحوث و الدراسات . إلهام.ط أم فوزية سجنني و حوّل جسدي إلى خريطة من الجروح و الحروق توفي والدي و أنا طفلة صغيرة، فاستولى أشقاؤه على كل ممتلكاته و اضطهدونا أنا و أمي، ما دفعها إلى حملي ذات صباح باكر و الفرار من قريتنا نحو المدينة، و بحثت عن مأوى و مصدر قوت طويلا فلم تجدهما، و عندما يئست نقلتني إلى دار الأيتام و تركتني هناك لتضمن لي التكفل و الحماية من وحش الشارع و وعدتني و هي تبكي بالعودة عندما تتحسن ظروفها لأخذي. كنت في الخامسة من عمري، و كنت أبكي كل ليلة على فراق أمي و أبي و قريتي و صديقاتي هناك و مرت سنوات و لم تعد أمي و لم يعد الحب و الحنان. و عندما بلغت ربيعي 16 تعرفت في طريقي إلى المتوسطة التي كنت أدرس بها على شاب وسيم، و تكررت لقاءاتنا، و عندما بلغت 18عاما، تقدم لطلب يدي و وافقت بسرعة، لأنني كنت أرى فيه فارس الأحلام المنقذ و تزوجنا و إذا بي أجد نفسي أعيش في فوهة بركان لا يخمد. من اعتقدت أنه شاب طيب و ودود سيعوضني عن الفقر و اليتم و الحرمان، تحول فجأة إلى حيوان كاسر، كان يغلق علي باب البيت و كلما يعود ليلا ينهال علي ضربا و سبا، ثم يغتصبني وسط بركة من الدم الذي ينهمر من جسدي الذي أصبح تدريجيا خريطة للكسور و الجروح و الحروق و الكدمات، و اكتشفت لاحقا بأنه يتعاطى الخمر و المخدرات ، توسلت إليه عدة مرات أن يتوقف عن تلك السموم، و إلا سأذهب دون رجعة، لكنه كان يتمادى في تعنيفي و تحطيم روحي المعذبة، لأنه يعلم بأنني دون سند أو أهل أو مأوى بديل . و أنجبت منه في هذه الأجواء الملتهبة ثلاثة أبناء، و تصورت بأنهم سيأثرون على والدهم و يغيرون حياتنا، لكنني كنت مخطئة جدا،هم أيضا لم يسلموا من قسوته و عدوانيته و عنفه، حتى أن أحدهم فر من قبضته ذات يوم و هو في 12 من عمره، و سقط في قبضة رفاق السوء، و ضاع في عتمة الشارع.تصوروا لم يسأل زوجي عن ابنه المفقود و لم يحاول انتشاله من الأوحال، بل واصل درب الأذى الذي انتهجه ضد نفسه و صحته و أسرته. فكرت عدة مرات في الاستنجاد بالجيران من النافذة، لأنه حول المنزل إلى سجن و ابني البكر إلى سجان يدفع له أجرا على مراقبته لي و لأخته، لكنني خشيت بطشه. و في إحدى المرات حضر على الساعة الثانية بعد منتصف الليل و معه امرأة غريبة، و قال لي بأنها قريبته، فلم أشك في الأمر، لكن زياراتها الليلية تكررت، ما جعلني أطالبه بالشرح، كالعادة نزع حزامه و ضربني...ضربني حتى تيقنت بأن روحي انفصلت عن جسدي، ثم أشعل ولاعة و أحرقني في مختلف أجزاء جسدي و صرخ بي «هذه عشيقتي امرأة حقيقية ليست مثلك «.طلبت منه أن يطلقني، فوافق بشرط ألا يتم بحكم قضائي و ألا يعلم به أحد سوانا، و أن أبقى في البيت مع أبنائي و وعدني ألا يقترب مني و لا يضربني، وافقت على مضض لأن لا خيار لي، أنا الآن أعيش تحت سقف واحد مع رجل غريب و لا تربطنا أية علاقة سوى فلذات الأكباد و طاولة الطعام ، فهو لا يزال ينفق علينا و على المخدرات و الكحول و عشيقاته اللائي لم يعد يحضرهن إلى البيت منذ كبر أبناؤنا». إ.ط أم نضال عنف زوجي و طغيانه استمرا إلى ما بعد الطلاق «كنت طالبة جامعية متفوّقة في دراستي و جد طموحة أحلم بالدراسات العليا و مستقبل أكاديمي و مهني زاهر، و قبل أن أخطو إلى العقد الثاني من عمري، و أنا أنتظر نتائج امتحاناتي رفقة زميلاتي ، وقف أمامي شاب غريب بقامته الطويلة و عضلاته المفتولة و ملامحه السمراء ليستفسر عن الساعة، أخبرته و تابعت حديثي مع الرفيقات. لم أتصور و لو لحظة بأن هذا الشاب الذي كان يرمقني، على بعد خطوات، بنظرات تحمل الكثير من الإعجاب و أيضا الغرور و التحدي، سيقنعني يوما بأن أرتبط به و أسمح له بتكسيري، و قتلي مع سبق الإصرار و الترصد، ثم إسدال الستار على حياتي و تركي و جثتي تحترق. التقيت به ثانية بعد العطلة، و صار يحاصرني في كل مكان أذهب إليه، و فجأة وجدت نفسي أهتم به، و تواعدنا عدة مرات و لم يلبث أن طلب مني الزواج و وجدت نفسي أوافق، رغم فارق السن و فارق المستوى و فارق الاهتمامات و الطموحات ...و ... أحببت فيه شخصيته القوية و ثقافته الواسعة و أحاديثه الشيقة و لباقته الفائقة، و يرجح أنني أحببت فيه الحب الذي لم ألتق به قط. كنت طالبة في بداية الطريق و هو أستاذ ناضج مستقر مهنيا و ماديا ، حذرني أحد أقاربه من الارتباط به و أكد لي بأنه لا يناسبني فهو ابن بيئة ريفية فقيرة و متشددة و أنا ابنة المدينة المتفتحة التي عاشت في رغد و دلال، و كدت أتيقن بأنه فعلا لا يناسبني، عندما فوجئت به ذات يوم يركن سيارته و يصفعني بعنف، لأنني تحدثت مع زميل أمام الكلية، ثم شرع يبكي و يتأسف و يؤكد لي بأنه يحبني و يغار علي من الهواء الذي أتنفسه. بالرغم من رفض أهلي له عندما تقدم لطلب يدي، إلا أنني تمسكت به، فقد وعدني بتحقيق طموحاتي في الدراسة و العمل و ضمان العيش الرغد. و قبل انتهاء شهر العسل، نزع زوجي أقنعته قناعا تلو الآخر، و وجدت أمامي رجلا عنيفا جلفا غليظ القلب، لا يعرف شيئا اسمه احترام و تقدير، لأتفه الأسباب، و في معظم الأحيان دون سبب أصلا ، كان يتعمد وصفي بكلمات بذيئة و شتمي و إهانتي، و إذا نطقت بحرف واحد كان يشبعني ضربا مبرحا و صفعا و لكما. و عندما كان يراني أبكي بحرقة من شدة الوجع الروحي و النفسي و الجسدي، كان يأخذني إلى بيت والدي ليتخلص من منظري البشع و بعد أيام معدودة يأتي باكيا متوسلا ، و كنت أسامحه و أعود معه على أمل أن يراجع نفسه و يتغير، رغم تحذيرات أفراد عائلتي من هذا الرجل العنيف المريض نفسيا و ربما عقليا. و شاء القدر أن أحمل منه في الشهور الأولى من الزواج، و اعتقدت بأن الحمل سيغيره، لكنه تمادى في عنفه و بلغ به الأمر ذات يوم إلى ضربي على مستوى البطن، و عندما نزفت و كنت أصرخ من شدة الألم و القهر، نقلني باكيا إلى عيادة متعددة الخدمات، و عاينتني طبيبة و شرعت في لومي لأنني أعرض حياتي و حياة الجنين للخطر بالاستمرار في العيش مع وحش كاسر، ثم طلبت مني أن أحمل الشهادة الطبية التي أعدتها لي و أذهب حالا إلى مصلحة الطب الشرعي أو محافظة الشرطة، و خشيت العواقب و عدت مع زوجي إلى البيت، لكنه ازداد عنفا و شراسة و كان يشك في كلامي و تصرفاتي عندما أذهب إلى الجامعة أو بيت أهلي و حتى عندما أخرج إلى شرفة البيت، بل أصبح يغار علي أو مني حتى من محبة والدته و أقاربه لي. و أصبحت أضع تحت مخدتي في الليل مقصا، لأتمكن من الدفاع عن نفسي ، فقد كنت أتوقع أن تدفعه أوهامه إلى خنقي أو حرقي ليلا عندما أنام. و أنجبت ابنتي الأولى، و تنفست الصعداء عندما وجدتها سليمة، لكن الأوضاع لم تتحسن و طلب مني التوقف عن الدراسة و زيارة أهلي و المكوث في البيت لرعايتها. اخترت الحل الوسط و توقفت عن الدراسة لمدة سنة، حملت خلالها بتوأم و بقيت في نفس الجحيم، حطم روحي و وجداني و حولني إلى جثة تحترق و لا تجد الخلاص. و استجمعت قواي بعد طول تفكير و عدت إلى بيت أهلي، حاول أن يقنعني بالعودة فرفضت بإصرار، رغم محاولات الأهل و الأقارب، و تم الطلاق بيننا و أسندت حضانة ابنتي إلي، و في انتظار ميلاد التوأم، عدت إلى الجامعة لأتابع دراستي و تخرجت لاحقا و اشتغلت لأعيل نفسي و صغاري و استرجعت ثقتي بنفسي و كرامتي المهدورة. طليقي استغل حقه في زيارة أبنائنا، لمواصلة سلسلة العنف ضدي و ضد أهلي و افتعال المشاكل، ثم مقاضاتي للتنكيل بي في أروقة المحاكم، إلا أنني تسلحت بأمومتي و تصديت له الند للند». إ.ط السيدة ندى حرمني من نور البصر و جردني من كرامتي و إنسانيتي «أنتمي إلى أسرة ميسورة الحال، قاطعتني طويلا عندما صممت على الزواج من شاب له سوابق قضائية بعد قصة حب ملتهبة استمرت لسنوات، حتى أن كافة معارفنا كانوا يطلقون علينا اسمي روميو و جولييت. تركت فيلا أسرتي الفخمة لأعيش في غرفة ضيقة استأجرها زوجي بحي شعبي، و بدل حياة البذخ و الرفاهية، كنت قنوعة بما سيوفره لنا زوجي الحرفي من دخل مهما كان ضعيفا لنعيش تحت سقف واحد. كنت متأكدة بأنه سيحقق لي السعادة و الهناء و هما أغنى من كل الماديات و الاعتبارات، في نظر فتاة عاشقة في ربيعها العشرين. بعد بضعة أيام من عرسنا البسيط، تغير زوجي، و أصبح يعاملني ببرودة و جفاء، و يكثر السهر خارج البيت و عندما أسأله يبتسم و يرد بنبرة غضب و حقد «ربما اشتقت إلى الفيلا، و الحياة السهلة، و لم أعد أعجبك و تشمئزين من العيش معي». و عندما أطأطئ رأسي حزنا و أصمت، يصرخ بي» لقد عبرت على مشاعرك بدقة ، أنا عشت حياة اليتم و القهر و العوز و الحرمان كنت أستعمل مطاط عجلات السيارات لصنع النعال و أرتدي ملابس من سوق الملابس المستعملة، بينما ولدت أنت و في فمك ملعقة من ذهب و توسدت الحرير و ارتديت المخمل و ركبت السيارات الفارهة تبا لك و لأهلك». كنت أنزوي بعيدا عنه و أبكي بمرارة، فيأتي إلي معتذرا بعد ساعة تقريبا ، و تكرر هذا السيناريو بشكل يومي طيلة شهر، ثم أصبح زوجي يختمه باتهامات خطيرة تمس شرفي و كرامتي، و ينهال علي بالضرب المبرح، خاصة على مستوى الرأس و الوجه و كأنه فقد عقله. بمرور الأيام و الشهور أدركت أن من كان يمثل أمامي دور الحمل الوديع و العاشق الولهان قبل الزواج ، ليس في الواقع إلا شخص معقد و مريض نفسيا تزوجني لينتقم مني و من حياتي التي كانت أفضل من حياته و كأنني مسؤولة عن ذلك. و عندما تأكدت بأنني حامل حزنت كثيرا، لأن الجنين بريء و ليس له أي ذنب ليولد في كنف أسرة متفككة تعيش في قبضة العنف و المشاكل، و كنت أتساءل أين المفر الآن؟، أسرتي قاطعتني منذ زواجي و ليس لدي أي سند أو مأوى أو مصدر رزق . أنجبت ابنتي في ظروف صعبة، و كان عنفه يتضاعف يوما بعد يوم، بالموازاة مع قدرتي على الصبر و التحمل من أجل صغيرتي . ذات يوم حضر مبكرا على غير عادته من الورشة التي يعمل بها، و كانت بدلته ملطخة بالدماء و الشرر يتطاير من عينيه، سألته عما حدث له، فوجه لكمات قوية إلى عيني، ثم ركلني بعنف منقطع النظير، و شعرت بألم شديد و نزفت عيني كثيرا، ثم اكتشفت أنه فقأها و سرعان ما تعفنت و فقدت تماما القدرة على الإبصار، و بعد حوالي أسبوعين نقلني إلى المستشفى، و ادعيت أنني ضحية سقوط في السلم، فاضطر الأطباء إلى استئصالها. بدل أن يتحرك ضمير زوجي و يندم لأنه حولني إلى معاقة و عاجزة ، اتخذ إستراتيجية أخرى للعنف و تتمثل في عدم التحدث إلي و إهمالي تماما و عدم الإنفاق علي. استسلمت تماما لواقعي المر، و ظللت قابعة في ركن من الغرفة السجن لسنوات، أقتات على «اللمجة» التي تحضرها لي ابنتي يوميا من مدرستها، و بعد ذلك يأخذها والدها معه إلى الورشة التي يعمل بها ويشتري لها و لنفسه الطعام، وكان ينتظر بفارغ الصبر أن أموت جوعا أو حسرة و ندما . بعد أكثر من ست سنوات من دخولي جهنم الزواج، طرق والدي بابي، فلم يتمالك نفسه عندما اكتشف وضعيتي المزرية، فطلب مني مرافقته حالا إلى منزل العائلة، عانقته و بكيت طويلا، ثم توسلت إليه أن يذهب قبل أن يعود سجاني، من أجل ابنتي الصغيرة التي أعيش من أجلها . و انصرف أبي و الدموع تنهمر من عينيه و أخبر أشقائي بما شاهد، فهرعوا لإنقاذي، رافقتهم أنا و ابنتي على أمل التوصل إلى حل مع زوجي. بعد أيام، اتصلوا بزوجي و دعوه إلى منزل العائلة، و عندما حضر، أخبروه بأنهم على علم بالعاهة التي تسبب فيها لي، و بأنهم حصلوا على الملف الطبي الذي يثبت ذلك، و خيروه بين الكف عن سوء معاملتي و الاعتذار لي أو الطلاق بإحسان، فقال لهم بكل وقاحة و أنا أسمع وراء الباب، بأنني امرأة ساقطة و قد ضبطني و أنا أخونه مع رجل آخر لهذا ضربني، و بأنه تركني أعيش في بيتي رأفة بي و بابنتي الصغيرة. رباه ليتك توفيتني قبل أن أسمع هذا الكلام، لم أجد حلا آخر سوى رفع قضية خلع، لأن إجراءات التطليق طويلة و تتطلب إثبات الضرر بحكم جزائي، و أنا أريد أن أتحرر بسرعة من عبوديته و اضطهاده و أكاذيبه». إ.ط الأخصائي النفساني الدكتور لخضر عمران التوعية و التحسيس لتجنب تسونامي من العنف و الشذوذ الجنسي قال الأخصائي النفساني الدكتور لخضر عمران بأن ظاهرة العنف لها شقان ، شق ذاتي يتعلق بالشخص العنيف نفسه الذي يعتدي في أغلب الأحيان على المرأة التي قد تكون أخته أو زوجته أو زميلته و حتى أمه في بعض الحالات ، و هذه الشخصية عموما غير سوية، حتى و إن لم تكن مصابة بمرض نفسي مزمن، فإن طبعها و تصرفاتها و شخصيتها مريضة لديها حساسية مفرطة و نرجسية طاغية و تحب التسلط و لا تقبل الرفض، حيث تعتبر رفض الطرف الآخر غير مقبول، و تواجهه بسلوك عنيف، لأنها غير قادرة على تقديم مطالب و مواجهة الانتقادات أو كلمة «لا» عدوتها اللدود. كما أنها لا تملك القدرة على التواصل و لا تملك الثراء اللغوي للتعبير و النقاش و الإقناع بوجهة نظرها، فتمر مباشرة إلى الفعل. الأستاذ الجامعي المحاضر أكد بأن هؤلاء الأشخاص الذين يمرون بسهولة و سرعة إلى الفعل يعانون في الواقع من ضعف و هشاشة داخلية، و يتخذون من العنف وسيلة وحيدة للتحكم في الآخرين، و تكون هذه الشخصية عادة حريصة جدا و حذرة وتشعر بأنها مهددة، و بالتالي تتأهب دائما للدفاع عن نفسها عن طريق الهجوم أي العنف، و ليس لديها حدود في ذلك، أو قدرة على مواجهة المواجهة و الاعتراف:أنا مخطيء». أما الشق الثاني، حسب الدكتور عمران، فهو علائقي، حيث أن الشخص العنيف غير مستقر نفسيا و بالتالي علاقاته سطحية ، لكن من يعنف؟ إنه يعنف شخصا يتقبل العنف و تربى عليه، خاصة الأسري، و يكون في الغالب الزوجة، فهناك زوجات يعتبرنه عاديا بحكم تربيتهن و معتقداتهن و تركيبتهن النفسية، و تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي بعد الضرب و العنف و لو مؤقتا، و حتى و إن غادرت الزوجة بيت الزوجية فستعود و لن تفكر في الانفصال، و هو يعلم ذلك و كذلك هي، و هناك أزواج يدعون بأن زوجاتهم يدفعونهم إلى العنف، إذ يتمادين في بعض النقاشات و التصرفات لاستفزاز أزواجهن، و قد قابلت في جلسات أسرية بعيادة التكفل النفسي و العلاج المعرفي السلوكي عينة من هؤلاء، فالرأي السائد سابقا أن الرجل العنيف كان طفلا معنفا، لكن الإبن أو الزوجة المعنفين هما نتاج الرجل العنيف. و أشار من جهة أخرى إلى أن بعض الأمراض النفسية تؤدي إلى العنف و حتى القتل كهذيان الغيرة ، إلى جانب بعض الأمراض العقلية التي تطغى على المصابين بها الشكوك دون أدلة، و الرغبة في إلحاق الأذى بالآخر، و تحقيره و التلذذ بإهانته و هو نوع من السادية و الشذوذ ، و عموما هناك شخصيات غير ناضجة نفسيا و انفعاليا و غير متوازنة لا تستطيع بناء علاقات سوية و لا تراعي مطالب و حقوق الطرف الآخر، فتلجأ إلى العنف، كما أن تعاطي الكحول و المخدرات تؤدي إلى تفاقم الظاهرة. وأضاف المتحدث بأن هناك عادات وتقاليد ومعتقدات ومقولات سائدة في مجتمعنا تحرض على العنف، خاصة ضد المرأة كالمثل القائل» المرأة كالزربية تحتاج إلى نفضها من حين لآخر»، كما أن حرص العديد من الزوجات على الحفاظ على صورة العائلة و الأبناء، و الاستسلام لمعاناتهن في صمت، لدرجة السقوط في نهاية المطاف في قبضة الاكتئاب و العنف و حتى محاولات الانتحار، لأنهن يخشين إذا تحدثن أن يطلقن، ضاعف من هذا النوع من العنف الخطير و القاتل أحيانا. و يدعو الأستاذ عمران إلى الإسراع بتنظيم حملات تحسيس و توعية حول ظاهرة العنف ببلادنا و تكسير طابوهات الصمت و الكبت، لتجنب تسونامي من العنف و الشذوذ الجنسي الكاسح. إ.ط طبيب الأمراض العقلية الدكتور فريد بوشان العنف نتاج العشرية السوداء يرى طبيب الأمراض العقلية فريد بوشان بأن ظاهرة العنف دخيلة على مجتمعنا و اعتبرها من عواقب العشرية السوداء، مؤكدا بأن الجزائري كان خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي غير عنيف، و تربطه بزوجته علاقة هادئة و متوازنة لا تصل إلى الشتم أو الضرب إلا في حالات نادرة. و أضاف الأخصائي أن المرأة ، التي كانت تحظى بمكانة سامية، كما تحث قيمنا و عاداتنا و تقاليدنا و ديانتنا السمحاء، باعتبارها نصف المجتمع و لبنته الأولى، فقدت الكثير من اعتبارها و قيمتها في عيون فئة من الرجال بعد العشرية السوداء و الأحداث التي تلتها، فإذا خرجت إلى الشارع لقضاء حاجاتها ، تكون عرضة للتحرش من قبل الكبار و حتى الصغار، كما تتعرض الكثير من الموظفات و العاملات للتحرش في مكان العمل، و نسبة كبيرة من الزوجات ضحايا العنف بأشكاله على يد أزواجهن و كذا البنات و الأخوات.و شدد الطبيب بأن المجتمع في حالة تحول و تقهقر ملفت، و لابد من التركيز على التربية ليسترجع توازنه و سلامته، حيث أن هذا الجانب أهمل طويلا في البيت و المدرسة، حسبه، و أصبحنا، كما قال، نرى في مواقع التواصل الاجتماعي صورا تدعو للمقارنة بين تلاميذنا الذين يجلسون فوق الطاولات و مدارسنا التي يسودها العنف و الفوضى، و المدارس الأجنبية المنظمة التي يقدس تلاميذها العلم و الأخلاق. و بخصوص الرجل ذي الشخصية العدوانية العنيفة، قال بأنه لا يصنف دائما في خانة المريض عقليا، و لو أن العنف يعتبر من بين أعراض بعض الأمراض العقلية مثل الذهان و انفصام الشخصية و «البارانويا» أو جنون العظمة، فقد يرتبط بالإدمان على الكحول و المخدرات، وربما يعكس عادة مكتسبة منذ الصغر أو طبعا راسخا و الطبع يغلب التطبع . و أشار الأخصائي من جهة أخرى إلى أن العنف قد يجسد شخصية تعاني من حرمان جنسي مكبوت. وأضاف الأخصائي بأن كل من نشأ و ترعرع في محيط متوازن و سليم، لا بد أن ينجح في التفاهم مع زوجته، فهي نصفه الثاني و أم أولاده و لا يمكن أن يكون عنيفا معها، كما أن الإيمان و التشبع بقيم الدين الإسلامي لا يمكن إلا أن يصقلا الشخصية و يهذبانها و يسموان بها عن العنف و إلحاق الأذى، و المؤمن، كما أكد، متوازن و راق في علاقاته بزوجته و أهله و مجتمعه. و ذكر بأن الرسول صلى الله عليه و سلم حرص قبل وفاته على أن يوصي بالنساء خيرا و كان قدوة في تعامله مع نسائه باحترام و تقدير و محبة. و تابع بأن ظاهرة العنف الزوجي منتشرة في الضواحي أكثر من المدن الكبرى ، فقد لاحظ بأن الكثير من العاصميات، مثلا ، لا يترددن في رفع شكاوى في حالة تعرضهن للأذى النفسي أو الجنسي و كذا في حالة تعنيفهن من قبل الأزواج . ويرى بأن العائق الأكبر الذي يحول دون القضاء على العنف في مجتمعنا هو المدرسة ، فلا بد من الاهتمام أكثر بلبها و أبعادها كمصدر لتلقين العلوم و المعارف و أيضا للتربية و غرس مكارم الأخلاق و القيم، بدل الاهتمام بالتفريق بين الذكور و الإناث في المقاعد أو شكليات أخرى. إ.ط نائبة رئيسة جمعية راشدة المحامية فوزية بلحوت سلطاني ارتفاع مطرد و مرعب في قضايا الخلع بسبب العنف الزوجي قالت نائبة رئيسة جمعية راشدة مكتب قسنطينة الأستاذة المحامية فوزية بلحوت سلطاني، بأن 75 بالمئة من الحالات التي تستقبلها الجمعية، نساء معنفات تم توجيههن إليها من قبل مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة للتكفل بهن، و القلة القليلة منهن فقط يقاضين ، بعد حصولهن على شهادة طبية، المعتدين و هم في الغالب أزواجهن . المحامية المعتمدة لدى المحكمة العليا و مجلس الدولة و المسؤولة عن الشباك القانوني في جمعية راشدة، أوضحت من جهة أخرى بأن الخلع لم يعد طابوها، بل أصبح ظاهرة تشهد ارتفاعا مرعبا في مجتمعنا يزداد من سنة إلى أخرى، و السبب الكامن وراءه هو عنف الأزواج بمختلف أشكاله، حيث أن العديد من الزوجات اللائي يقصدن الشباك القانوني بعد أن استنفدن كل طاقتهن على الصبر و التحمل ، يسألن عن عواقب الطلاق من نفقة و حضانة و شروط أخرى تتعلق باستئجار سكن، يتراجعن لأنهن يعلمن بأن إمكانيات الزوج لا تسمح و كذا تعنته، و يعدن إلى بيت الزوجية مرغمات من أجل أبنائهن لأنهن ليس لديهن مأوى آخر. و هناك سيدات يقصدن الشباك للاستفسار عن طرق رفع شكوى ضد زوج سلط عليهن عنفا اقتصاديا ، كحرمانهن من رواتبهن الشهرية إذا كن موظفات أو توقيفهن عن العمل أو الامتناع عن الإنفاق عليهن و على أبنائهن...إلخ و فئة أخرى تسأل عن الإجراءات اللازمة لمقاضاة الزوج الذي يمارس العنف الجسدي أي الضرب المبرح بعد الحصول على شهادة تثبت العجز من مصلحة الطب الشرعي، و بينت المحامية بأن الفئتين تتراجعن عن رفع قضايا في معظم الحالات بسبب الإجراءات المعقدة و الطويلة و خوفا من عواقب الطلاق و نظرة المجتمع القاسية، و إذا صممت بعضهن على وضع حد للجحيم الذي تعيشه خاصة إذا كن مستقلات ماديا، فتبدأن بالسؤال عن التطليق، و لأنه يرتبط بإثبات التعرض للضرر و هذا صعب جدا و يرتبط بالحصول على حكم جزائي بالإدانة قد تطول مدة صدوره و يجدن حرجا كبيرا في إدخال آباء أبنائهن إلى السجن و تعريضهم لأي نوع من العقوبة، يلجأن إلى الخلع لاختصار الوقت و الجهد و المعاناة من المزيد من العنف الزوجي، مما زاد من عدد قضايا الخلع في محاكمنا و هذا مؤشر خطير، حسب المتحدثة، عن استمرار تفكك المجتمع.نائبة رئيسة راشدة أكدت بأن قانون تجريم العنف ضد المرأة الصادر في 2015 لم يغير هذا الواقع المر، لأن المجتمع لا يحتاج إلى تشديد العقوبات و الردع بقدر ما يحتاج إلى توعية و تحسيس، هذه المعطيات جعلت الجمعية تشتغل على الأسرة في العمق، لأنها نواة المجتمع، بدءا بالوقاية من العنف و نبذه عن طريق ترسيخ مبادئ المساواة بين الجنسين في الحقوق و الواجبات، و الحرص على السلامة الجسدية و النفسية للجميع و التمسك بالقيم الأخلاقية و غرس أسس التربية السليمة للأبناء في البيت و المدرسة و ضمان الأمن و الأمان لهم في كنف أسر متوازنة و متماسكة يسودها الحب و التفاهم و التكافل، كما أكدت المتحدثة.