التقشف أبعد الانتهازيين عن المسرح كشف المخرج المسرحي زياني شريف عياد، أنه سيبدأ مع مطلع السنة المقبلة في تنفيذ مشروع جمع و أرشفة الأعمال المسرحية التي أنجزها المسرح الجزائري، لتكون بمثابة خزان للأجيال القادمة، و حفظ للذاكرة و الارتكاز عليها وتثمينها لمواصلة المشوار وكذا إعادة بعث الفن الركحي في الجزائر، وهذا ما يتطلب، وفق المتحدث، وضع سياسة ثقافية تهتم بالمسرح بصفة خاصة. التقت النصر بزياني شريف عياد على هامش حضوره أول مقهى أدبي لمسرح وهران، أين تم عرض مسرحية «بهيجة»التي أخرجها مؤخرا، فكانت هذه الدردشة. . النصر : هل يمكن إعادة بعث المسرح الجزائري في ظل التقشف؟ زياني شريف عياد: وضعية المسرح الجزائري اليوم تتأرجح، لا يمكن ربطها مباشرة بحالة التقشف أو الأزمة المالية، لأن في وقت البحبوحة لم تستغل الأموال من أجل النهضة بالفن الرابع و ترقيته، وتكوين الممثلين و تأطيرهم، و أمور أخرى كان من المفروض أن تنجز في ظل توفر الأموال. الأزمة المالية ربما تصب في فائدة المسرح الجزائري، لأن الطفيليين والانتهازيين سيبتعدون عن الركح، و بالتالي سيفسح المجال للمختصين ومحترفي المسرح، لإعادة بعثه بأعمال ذات نوعية، مما يتطلب أيضا تجاوب الإدارة للمرور إلى مرحلة التطبيق التي يجب أن تبدأ بتثمين ماكان موجودا من تجارب رائدة في المسرح الجزائري، و مواصلة المشوار بأعمال في المستوى. أسعى لحفظ الذاكرة الركحية . هل مشروع «الريبرتوار» هو بداية للتغيير؟ - أسعى منذ عدة سنوات لتحقيق مطلب وهو حفظ الذاكرة المسرحية في الجزائر، لتصبح خزانا للفن الرابع الجزائري يلهم الباحثين و الطلبة و المهتمين، ليس في الجزائر فقط، بل وفي العالم، واليوم تم الإتفاق على الإنطلاق في تنفيذه وستكون البداية بالمسرح الوطني في جانفي المقبل، لتتوسع تدريجيا إلى باقي المسارح عبر مناطق الوطن، ومن أجل ذلك ، يجب أن تكون هناك لجنة متكونة من مختصين في المسرح، لانتقاء الأعمال التي تستحق الأرشفة في «ريبرتوار» سيستند عليه المسرحيين لاكتساب الخبرة والتجربة، وحتى التكوين الذاتي للممثلين. . هل هذه الخطوات ستسمح بإعادة الجمهور للمسرح؟ - حاليا جمهور المسرح يتقلص بصورة كبيرة، في أعمالنا الماضية كنا نغرق في لقاءات الجمهور بعد العرض، لمناقشة المسرحية وطرح الأسئلة، حيث كانت هناك فضاءات تجمعنا مع الجمهور الذي كان أيضا عارفا بالمسرح و تقنياته. أما اليوم تغيرت الأمور، لقد اكتشفت بأن الجمهور اليوم يطلب النوعية و ذلك عندما قمت بتجربة بسيطة وهي قراءة مقتطفات من نص مسرحية «بهيجة» على الجمهور، فأدهشني الحضور وكان التفاعل رائعا، مما شجعني على العمل عليها، بعد اتصالي بكاتب السيناريو أرزقي ملال الذي حول النص السردي إلى نص حركي و فعل درامي. مما يعني أن الجمهور موجود، لكن يجب تحسين الأداء لاستقطابه و إرضائه. . هل إرضاء الجمهور يكون بنوعية النص فقط؟ - أكيد لا، فالعرض المسرحي كل متكامل، لكن أغلب مخرجي المسرح اليوم يركزون على النص فوق الخشبة، ويتناسون الممثل الذي أصبح يلتزم بالكلمة فقط، ولا يعبر بحركات الجسم والإيماءات والأوضاع الحركية فوق الركح، يعني جسم الممثل لا يتكلم فوق الخشبة وهي من أساسيات المسرح، لكن غياب عدة عوامل وعلى رأسها التكوين المتخصص، جعل العروض تركز على الكلمة فقط. و بالعودة إلى مسرحية «بهيجة « كمثال حي، اضطررت للعمل مع الممثلين لمدة قاربت الشهرين، فقط لمرافقة حركات الجسم وتفاعلاته مع الكلمة، وهذا أدنى ما يمكن فعله لإخراج عرض ذي نوعية. الاقتباس لا يعوض الإبداع . «بهيجة» نص مقتبس، فهل غياب كتاب السيناريو هو الدافع للاقتباس؟ - الاقتباس لا يعوض الإبداع في كتابة سيناريو مسرحية، لكن في غياب خزان لكتاب السيناريو، يتم اللجوء للاقتباس. في بعض الأحيان تكون بعض الروايات قوية، وتلهم المخرج المسرحي، لكن يجب أن يتم الإقتباس تحت شرط أخذ الفكرة و بلورتها وإسقاطها على الواقع المعاش، و ليس اقتباسا كليا يجعل الجمهور يشعر بحالة اغتراب عند عرض المسرحية. أبرز أعمالي كانت مستنبطة من الواقع، لكنني كنت مضطرا أن أنقلها برؤية جمالية فوق الركح، حتى تصل الرسالة للجمهور، وفق مقاربة مسرحية معينة. . كيف ألهمتك رواية «دون حجاب دون ندم» فاقتبستها؟ - بالنسبة لمسرحية «بهيجة» المستنبطة من رواية «دون حجاب دون ندم» للسيدة ليلى عسلاوي، بدأت قصتها عندما قدمها لي أحد الفنانين الكتاب، عندما كنت أبحث عن نص مسرحي، وقرأت القصة الواقعية وعشت أوضاعا مماثلة خلال العشرية السوداء، أعجبتني وألهمتني أفكارا متعددة، لكن من أجل المسرحية اخترت جزءا من القصة شدني كثيرا وتوجد قصص أخرى يمكن أن تصلح أيضا نصوصا مسرحية، ربما يستغلها مخرجون آخرون. بالنسبة إلي اخترت قصة «بهيجة» وما عانته مع أخيها وزوجها في البداية، لتجد في الأخير أن ابنها هو الآخر أصبح متطرفا. بعد «بهيجة» هل من مشاريع أخرى؟ - نعم المشاريع موجودة، لكن في الوقت الحالي أركز على تنفيذ مشروع الأرشفة وحفظ الذاكرة، خاصة وأن الاتفاق تم مع المسرح الوطني و كل الترتيبات جاهزة للانطلاق، أريد أن نثمن ما عندنا من منتوج نوعي، لتأسيس ركيزة متينة للفن الرابع في الجزائر وإعادته إلى مكانته التي كان عليها قبل المأساة الوطنية، ومن جهة أخرى أسعى رفقة بعض الزملاء، لإيجاد منافذ اتفاق مع الوزارة والإدارة، للأخذ بعين الاعتبار العديد من المقترحات التي لا تزال في الأدراج، كي تكون المساعي متكاملة و تعطي ثمارها.