العطلة الصيفية.. ثقافة خارج أجندة التجار و المهنيين الخواص لا يتطابق مفهوم العطلة بالنسبة لأغلب الجزائريين ، حيث ينظر إليها كل وفق منطقه الخاص، فنجد بعض الأسر لا تزال محرومة منها، بسبب غياب هذه الثقافة لدى رب الأسرة، خاصة من التجار و المهنيين الخواص، الذين يأبون منح أنفسهم عطلة، فيما يحاول الموظفون استثمار كل ثانية منها. تناقض ترسمه ذهنيات المجتمع الجزائري، فعلى الرغم من أن مفهوم العطلة الصيفية و التخطيط لقضائها بشكل جيد، ، بات أكثر انتشارا بين الأسر الجزائرية ، إلا أن البعض منها لا يزال محروما من الاستمتاع بأيام العطلة. أزواج يستنجدون بأقارب للتخلص من المأزق كثيرا ما تضطر بعض الأمهات و أبنائهن للتوجه إلى الشاطئ رفقة أفراد العائلة الكبيرة أو عائلة الزوج، في ظل غياب هذا الأخير عن العطلة السنوية التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر، لا لشيء، سوى لارتباطه بالعمل، و تفادي تسجيل خسائر قد تترتب عن توقفه عن النشاط خلال العطلة و ، إن كانت لضعة أيام، و تكثر هذه الحالات مع التجار و المهنيين الخواص، الذين غالبا ما يكونون خارج غطاء التأمين الإجتماعي، أو أنهم يستأجرون محلات يدفعون قيمة كرائها شهريا. السيد ياسين، واحد من هؤلاء، يقول بأنه يفضل إرسال زوجته و أبنائه الأربعة مع أفراد عائلة الزوجة إلى البحر، بدلا من غلق محله و مرافقتهم ، مؤكدا بأنهم قضوا مدة أسبوع في جيجل و عادوا دون أن يرافقهم، و يتحجج رب الأسرة بخسائر يقول بأنها ستنجر عن توقفه عن العمل خلال هذه المدة. محمد أيضا أب ل4 أطفال، منحهم مبلغا ماليا يغطي تكاليف العطلة، و قام بارسالهم إلى بجاية رفقة عائلة زوجته، أين تقضي عطلتها لمدة 15 يوما، مرجعا سبب عدم ذهابه معهم، لتأمين مصاريف أخرى هم بحاجة إليها. آباء يفضلون المغامرة مع الأصدقاء بدل الأسرة ينتشر سلوك غريب بين الرجال ،خاصة المتزوجين منهم، إذ يفضل الكثير منهم التنزه أو التوجه إلى البحر مع أصدقائهم خلال عطلة نهاية الأسبوع، بدلا من قضاء أسبوع مع العائلة في إحدى المدن الساحلية، و هو حال مراد الذي يقول بأنه يتوجه كل جمعة مع أصدقائه إلى مختلف الشواطئ الشرقية، من أجل التمتع بالصيد و التنزه و السباحة في الأماكن الخلابة، مؤكدا بأنه لا يأخذ معه عائلته ما عدا ابنه الصغير في حالات نادرة. و يتحدث مهدي عن مغامراته مع أصدقائه كل نهاية أسبوع، أين يخيمون في الشواطئ ، دون إحضار عائلاتهم على الرغم من أنهم متزوجون و لديهم أبناء جميعا، و يرى مهدي بأن تعدد أفراد العائلة و مسؤولية رعايتهم، يفسدان متعة التنزه ، خاصة و أنهم يقومون بالصيد و ركوب الأمواج، و يمارسون رياضات كثيرة ممتعة، أما عن أسرته، فيرى بأن النزول إلى الشاطئ مرة كل شهر يكفي، على الرغم من القلق الذي بات يسببه أبناؤه له بإلحاحهم على مرافقته في كل مرة. أمهات ضجرات و أخريات لا يأبهن تباينت آراء الأمهات ممن رصدنا انطباعاتهن عن موقف أزواجهن من العطلة، حيث لم تخف السيدة إلهام انزعاجها و غضبها الشديد من غياب زوجها عن عطلتها السنوية هي و أبنائها، معتبرة إياه سلوك خاطئ خاصة و أن أبناءها بحاجة إلى رب الأسرة الذي يقاسمها مسؤولية رعايتهم التي تقول بأنها أنهكتها، فحتى مراقبتهم عند نزولهم إلى البحر تشكل عبئا كبيرا. أما السيدة سارة، فترى في توجهها إلى البحر لقضاء عطلتها مع عائلتها في غياب زوجها أمرا عاديا، فهي مرتاحة ، خاصة و أنها برفقة اشقائها و شقيقاتها، و لم تشعر بغياب زوجها الذي تعودت عليه كل عطلة بسبب انشغاله و ارتباطه بالعمل. عائلات الموظفين الأوفر حظا يبدو أن سياسة منح عطل سنوية للموظفين ووجود قوانين تلزم برمجتها ، تخدم بشكل أفضل ، العائلات التي يرعاها آباء موظفون بالمؤسسات العمومية بشكل خاص، فهم أكثر انضباطا و التزاما بالعطلة، و أكثر حرصا على استثمارها و الاستمتاع بأيامها في أماكن مناسبة ، مثلما تقول السيدة فوزية المتقاعدة من سلك التعليم و زوجها الذي لا يزال يعمل باحدى البلديات، مؤكدة بأن العطلة بالنسبة إليها و لزوجها شيء مقدس ، تحرص على استثماره و إخراج أبنائها من روتين الدراسة و العمل الطويل. حيث تضبط برنامجها على برنامج عطلة زوجها، و يختاران في كل موسم مكانا معينا، يقضون فيه مدة تتراوح بين أسبوع و 15 يوما، يستمتعون بيومياتهم بالقدر الكافي، و هو حال زميلاتها الموظفات و أشقائها الموظفين أيضا، و الذين تقول بأنهم لا يتنازلون عن العطلة و إن كانوا يكتفون بأيام قليلة. أما السيدة حدة التي لا تزال تشغل منصب معلمة بالقسم الإبتدائي، فترى في منح العطل التي تخصصها مديريات التربية عبر الوطن لموظفيها و كذا بعض المؤسسات، دافعا قويا لترسيخ فكرة العطلة لدى الجزائريين، فبات التنازل عنه أمرا مستحيلا. أخصائية علم الإجتماع الدكتورة سميرة بوشعالة العطلة ثقافة تمنح جرعة من التجديد وأساتذة جامعيون يحرمون أبناءهم منها ترى أخصائية علم الاجتماع الدكتورة سميرة بوشعالة، بأن العطلة عبارة عن ثقافة، قد تدخل حتى في تنشئة الفرد، و نفت أن تكون لها علاقة بالمستوى التعليمي، مشيرة إلى أن دكاترة و أساتذة جامعيين يحرمون أفراد عائلاتهم منها، رغم أهميتها القصوى. و شددت الأخصائية على أهمية العطلة لجميع أفراد الأسرة من الناحيتين النفسية و الإجتماعية، مشيرة إلى أنها تمنح جرعة من التجديد ، تكسر الروتين طوال أيام السنة، خاصة و أنها تسمح بالتعارف و الحوار بين أفراد الأسرة. كما أكدت السيدة بوشعالة بأنها تعمل على تجديد العلاقات الإجتماعية و توطيدها خاصة في ما بين الزوجين، كما أنها تفتح المجال لمناقشة مواضيع قد كانت ضمن المواضيع المسكوت عنها سابقا، و أوضحت الأخصائية بأن العطلة عبارة عن ثقافة قد تكون مرتبطة بتنشئة الفرد، و لا علاقة لها بالمستوى التعليمي أو نوع الوظيفة، مشيرة في ذلك إلى أساتذة جامعيين أكدت بأنهم يحرمون عائلاتهم من العطلة، لكونهم يرونها غير ضرورية. و شددت المختصة على ضرورة استفادة كل فرد من العطلة، ولا يشترط أن تكون بالشواطئ، فيكفي الانتقال إلى بيت الجد و الجدة، أو عند الإخوة و الأخوات، فالمهم التجديد و التحدث إلى أشخاص آخرين غير اعتياديين ، ليتمكن الفرد من خلق طاقة إيجابية تساعده في حياته.