مع حلول موسم الاصطياف يتبادر إلى أذهان العائلات الجزائرية سؤال جوهري، وهو أين ستقضي عطلتها الصيفية..؟ فهاجس الصيف، العطلة والبحث عن استرداد النشاط من خلال الاستجمام، يصبح الشغل الشاغل لأغلبية الجزائريين خاصة العاملين طوال أيام السنة، ويشكل الموسم الحالي استثناء، نظرا لأن شهر رمضان على الأبواب والأوضاع الأمنية في تونس التي تعتبر الوجهة المفضلة للسائح الجزائري غير مستقرة إلى حد ما، كما أن الأسعار في تركيا فاقت الخيال، ويضاف إلى ذلك التكلفة المرتفعة التي يتطلبها قضاء بضعة أيام من الراحة بأحد شواطئ الوطن، حتى أصبحت تفوق قيمتها قضاء أيام بالخارج، فالاستجمام لمدة أسبوع في تونس أقل تكلفة منه في وهران أو العاصمة. التطرق إلى قضية العطلة الصيفية ومكان قضائها، يدفع بنا إلى الحديث عن الإمكانيات المادية والظروف الاجتماعية للمواطن البسيط، بما أن الدخل العائلي جدّ محدود ولا يسد حتى المصاريف الضرورية للحياة اليومية في ظل الغلاء الفاحش، ما شكل سببا لشطب العديد من العائلات الجزائرية لهذه الفكرة من قاموسها، حيث صارت العطلة لا تختلف عن الأيام العادية وتشبه باقي أيام السنة، تصارع فيها من أجل الحصول على لقمة العيش.
تجتمع آراء الكثير من المواطنين القاطنين بمختلف مناطق ولاية بومرداس، من شرقها إلى غربها حول التكلفة الباهظة لموسم الاصطياف، وما يشهده هذا الفصل من ارتفاع فاحش في الأسعار، مقارنة بمستوى دخل كل شخص، فلا يستطيع الكثير أو الأغلبية الاستمتاع بعطلة صيفية كاملة الخدمات أو حتى بعضها، وهو ما أكده الكثير ومن بينهم “أمين” من مدينة بومرداس البالغ من العمر 28 سنة عامل بمؤسسة عمومية، يقول أنه لا يتذكر يوما قضاه خارج الوطن، فعطلته تبدأ من الحي وتنتهي فيه، بين مشاهدة التلفزيون ومجالسة الأصدقاء وزيارة البحر، ويسانده في الرأي “هيثم” 32 سنة، فلما سألناه أين سيمضي أيام الصيف تأمل فينا وأجاب بأن لا فرق عنده بين الصيف وباقي أيام السنة، فإمكاناته لا تسمح بذلك فما يسترزق به يعيل به أفراد أسرته الصغيرة. “باديس” 22 سنة من “قورصو” شاب آخر لا يفكر في الذهاب إلى شاطئ أبعد من شاطئ مدينته، فهو يستمتع مع أصدقائه وجيرانه بالذهاب إلى البحر كل مساء، ويضيف أنه لا يمكنه الاستغناء عن صنارته التي يصطاد بها كل يوم، فمدينة “دلس” أجمل وأروع في نظره من أي بلد آخر، ولماذا يكلف نفسه عناء المصاريف؟ ويقول أن هذا حال الكثير من الشباب اليوم، وأيضا بعض العائلات التي تدخر طول السنة لقضاء عطلة الصيف، وهو ما أكدته “أمينة” من “دلس” التي وككل سنة تتفق مع أختها وزوجها لكراء شقة على شاطئ البحر، يقضون فيها بعض الأيام، ويتقاسمون كل التكاليف مع بعضهم البعض، وتضيف “نادية” أم لطفلين قائلة أنها تدخر هي وزوجها طوال السنة من أجل قضاء عطلة الصيف، لقضاء وقت ممتع ومريح مع أولادها، مثل هؤلاء يوجد الكثيرون ممن يفضلون قضاء أيام الصيف الحارة لكن إمكاناتهم لا تسمح بذلك، فيلجأون إلى الشواطئ القريبة أو الادخار طوال السنة أو زيارة الأهل في الريف بعيدا عن ضوضاء المدينة. الريف وجهة الكثيرين تستقطب المناطق الخلابة والهدوء وطيبة الناس، الكثير من العائلات التي تفضل قضاء وقت الصيف في الريف، بعيدا عن ضوضاء المدينة وإزعاجها، ومنهم من يستغل الفرصة لزيارة الأهل والعائلة الكبيرة، يرى “أحمد” المنحدر من بلدية “بني عمران” أن قضاء العطلة في جبال “جرجرة”، يجعله يحس وكأنه ولد من جديد، حيث قال “أبتعد عن الضغط وأتخلص من القلق، خاصة في أحضان الطبيعة والهواء النقي”، أما “راضية” فتقول أنه لابد أن تأخذ ولو فترة قصيرة لزيارة الأهل في “التنس”، فأنا أستمتع كثيرا وأتعرف على الكثير من العادات والتقاليد، وأكثر ما يعجبني هي الأعراس التي يقيمونها والمأكولات التقليدية التي يجهزونها، أما الطبيعة والبحر فتسحرني أكثر، وأستمتع بكل لحظة أكون فيها هناك، أما “كريمة” أم لثلاثة أولاد فتقول: في كل سنة أخصص شهرا للذهاب إلى جيجل فأولادي يحبذون المنطقة، وزوجي أيضا الذي تنحدر أصوله من هناك، أما أكثر المناطق التي أزورها فهي منطقة “العوانة” التي تحتوي على كهوف غاية في الجمال تسحر الزائر، ولا أنسى دائما زيارة ميناء “زيامة” واستنشاق الهواء النقي هناك، أما “بلال” 18 سنة ينحدر من بلدية “حمادي” فيقول أنه يستمتع بزيارة البحر والتجوال مع أهله، لكنه يفضل الذهاب إلى بجاية لأنه يرتاح فيها كثيرا، فهو يفضل طبيعة وهدوء تلك المنطقة. عائلات شطبت العطلة الصيفية من قاموسها لا يختلف اثنان على أن توقيت العطلة السنوية في فصل الصيف، قناعة يتقاسمها كل الجزائريين للترفيه عن أنفسهم، ليستعيدوا نشاطهم وحيويتهم بعد عام من العمل المتواصل، هذه القناعة تصطدم في غالب الأحيان بين ما يطمح إليه المواطن وما يمكنه تحقيقه، فأغلب العائلات البومرداسية البسيطة محرومة من حقها في قضاء العطلة الصيفية، بسبب مستوى المعيشة المتدني والدخل المحدود، خاصة عندما تكون العائلة متعددة الأفراد ويعيلها شخص واحد بدخل لا يتعدى 12 ألف دينار، لا تكفي حتى لسد مصاريف الأكل وضروريات الحياة، كيف يمكننا التفكير في العطلة الصيفية، هذا ما أكدته عينات من الأسر التي التقينا بها بمختلف مناطق الولاية، حيث أكد أحد أرباب العائلات الذي يقطن ببلدية “برج منايل”، أن مرتبه يدفع في الكهرباء والغاز والماء، وما يتبقى منه ينقضي خلال أسبوع وباقي الشهر يكمله بالدين، وأمام كل هذا فلا مجال للحديث عن عطلة صيفية خارج المنزل. أما عائلة أخرى من ضواحي “خميس الخشنة” فقد صرحت ربة المنزل أنها لم تذق طعم العطلة منذ سنوات طويلة، فهي تعمل طوال أيام السنة دون انقطاع، سعيا وراء تحقيق لقمة العيش لأبنائها الأربعة، في وقت لم يتمكن فيه زوجها البطال من الحصول على وظيفة مستقرة، ما يضطرها إلى إشراك أبنائها الصغار في توفير بعض المصروف استعدادا للدخول المدرسي، عن طريق بيع خبز الطاجين والشمسيات على طول الطريق السريع، حيث تنتظر مثل هذه العائلات العطلة بشغف كبير لا للاستجمام، وإنما لتكثيف الجهود في ادخار أكبر قدر ممكن من الأموال لفصل الشتاء، فلقد حولتها الظروف الاقتصادية إلى مجتمع شبيه بمجتمع النمل، فالتمتع ببعض الراحة خلال الصيف صار مقتصرا على العائلات الميسورة الحال، أو العزاب من الشباب الذين وجدوا في مغادرة الوطن لشهر أو بضعة أيام سبيلا لاستعادة الحيوية. الحمامات المعدنية تستقطب كبار السن إذا كانت وجهة الشباب في فصل الصيف إلى البحر أو زيارة مناطق بالخارج، فإن كبار السن نالوا حظهم أيضا فلم يبخلوا أنفسهم بزيارة الحمامات المعدنية التي تريحهم صحيا وتنعشهم، وبما أنها متواجدة في كل مكان في بلادنا فإن الكثير لم يتوانوا عن زيارتها، الحاج “أحمد” البالغ من العمر 55 سنة والمنحدر من “بود واو البحري”، يقول “أنه كل سنة يذهب للحمامات المعدنية ببسكرة”، وقد أعجبته كثيرا فهو يلقى الكثير من الخدمات هناك فأصبح كل سنة يعاود الزيارة إليه، وينصح كبار السن بزيارتها أما الحمامات المتواجدة بمدينة “حمام الضلعة”، فهي تستقطب الكثير من الزوار على طوال السنة وخاصة في فصل الصيف. العمل على شواطئ البحر يغري بعض الطلبة يتوجه تفكير طلبة الجامعات ذكورا وإناثا مباشرة بعد انتهاء السنة الدراسية إلى البحث عن فرصة عمل، يكسبون بواسطتها بعض المال يمكنهم من تغطية مصاريفهم الزائدة خلال العطلة الصيفية، وتوفير جزء منه لاقتناء الكتب تحسبا للدخول الجامعي المقبل، فلا يفوتون فرصة الاطلاع على آخر الإعلانات الخاصة بعروض العمل في الجرائد اليومية، أو طلب الوساطة من الأصدقاء والأقارب حتى يسهلوا عليهم مهمة البحث وتكون لهم حظوظ أكبر، حيث تتبادر في أذهان العديد من المواطنين مع اقتراب حلول فصل الصيف، أسئلة كثيرة حول كيفية قضائهم للعطلة والأماكن التي سيقصدونها من شواطئ البحر، والمخيمات الصيفية التي يشعرون فيها بالراحة والاستجمام، وما مقدار الميزانية التي سيصرفونها من أجل نسيان تعب السنة وتجديد طاقاتهم، لكن بالمقابل نجد شبابا وخاصة طلاب الجامعات يمضون السنة الدراسية بأكملها، وهم يفكرون في طريقة للعثور على وظيفة تساعدهم على كسب مصروف إضافي، فباعتبار المدة طويلة فإنهم بحاجة ماسة إلى المال حتى يتمكنوا من تغطية نفقاتهم طوال العطلة، دون أن يكون عليهم طلب ذلك من أوليائهم، فهم يجدون في الأمر حرجا كبيرا، ولذلك فالوسيلة المثلى التي تجنبهم ذلك هي البحث عن أي عمل، ومهما كان نوعه يدر عليهم بالمال، فليس شرطا أن تكون الأجرة مرتفعة لكن بالمقدار الكافي الذي يسمح لهم بالشعور بالاستقلالية الاقتصادية، وتختلف وجهاتهم فالبعض تجذبه نسمات البحر العليلة ليحاول على رماله الذهبية التنقيب بأية طريقة عن لقمة عيشه، وآخرون يسعون إلى التجارة وغيرها من الأساليب الرامية إلى تحقيق ذاتهم. كراء المظلات الشمسية ملاذ آخر يقصد بعض طلبة الجامعات القاطنين بمختلف تراب الولاية خلال العطلة الصيفية شواطئ البحر، ولا يتعلق الأمر ببحثهم عن الراحة والاستجمام، وإنما بغرض الاسترزاق وربح المال، فبالنسبة إليهم فإن هذا المكان باعتباره الوجهة المفضلة للعديد من المصطافين، فإنهم يجدونه فضاء مناسبا للعمل وضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، فتتنوع الطرق وتختلف وكل حسب إمكاناته، فهناك من يلجأ إلى كراء المظلات الشمسية للعائلات التي تبحث عن جو عائلي، حيث تخصص لها مساحات مع توفير طاولات وكراسٍ، وذلك مقابل مبلغ من المال لا يتجاوز 500 دينار للزبون الواحد، وفي هذا الشأن يقول ”كمال” طالب سنة ثانية تخصص اقتصاد ببومرداس، “إنه طوال السنة وهو يفكر في البحث عن عمل، ولم يجد من وسيلة أفضل من التوجه إلى شاطئ البحر” نظرا للإقبال عليه في فصل الصيف، حيث قام بكراء المساحة التي خصصها لوضع طاولاته، ليقوم بكراء المظلات والكراسي للمصطافين الذين يتوافدون على ذلك الشاطئ، فبالنسبة للمظلة الشمسية فإن سعر كرائها لوحدها يقدر ب 200 دينار، أما الطاولة والكراسي ب 500 دينار وهذا طوال الصائفة، حيث يتقرب وصول العائلات ليقوم بإغرائها بحسن الاستقبال، والأسعار المغرية وأنها لن تجد أفضل من ذلك المكان. بيع مستحضرات ”البرونزاج” هواية الكثيرين أما ”إسماعيل” فهو أيضا طالب سنة ثالثة تخصص هندسة، فهو يعتبر العمل ضروريا له حتى يساعد نفسه على الحصول على مصروف إضافي، كما يضيف أيضا أنه يحتاج إليه حتى يجمع المبلغ اللازم الذي سيصرفه على إنجاز مذكرة نهاية الدراسة، وما تتطلبه من مصاريف زائدة، وبالنسبة ل ”جمال” فهو يعتبر البحر أجمل مكان يمكن أن يقصده خلال الصيف للاسترزاق، فحتى لا يفوت فرصة الاستمتاع بزرقته، فهو يفضل أن يبيع مستحضرات الاحمرار ”البرونزاج” وبعض المأكولات الخفيفة كالبسكويت، حتى يجني بعض المال خاصة أنه يعد الابن الأكبر في عائلته، وتلزمه عدة أشياء وبما أنه اجتاز شهادة البكالوريا هذه السنة، فهو يأمل أن يلتحق بالجامعة هذه السنة، ولذلك فهو لا يريد أن يكلف والديه عناء مصاريفه، وفي حديثنا مع ”أسامة”، طالب سنة ثالثة “علوم” أكد أنه معتاد كل موسم اصطياف على العمل على شواطئ البحر من أجل كسب بعض المال، وبما أنه يحب الموسيقى فقد وجد الفرصة سانحة ليتمكن من توظيف موهبته في عرض الأغاني عبر ”الديسك جوكي”، حيث يقوم بوضع مختلف الطبوع الغنائية والموسيقى الصاخبة حتى يمتع المصطافين ويزداد إقبالهم على ذلك المكان. محلات الألبسة وجهة أغلب الطالبات كما تعرف المحلات بشتى أنواعها مع حلول موسم الاصطياف، توافدا وتسابقا من طرف الزبونات أغلبهن طالبات ممن يبحثن عن عمل مؤقت، يكسبن منه بعض المال خلال العطلة نظرا لطول مدتها، وبالتالي كثرة متطلباتها ومصاريفها خاصة بالنسبة للفتيات اللواتي يبحثن دائما عن التجديد، والتغيير في مظهرهن الخارجي والبقاء في صورة أنيقة وجميلة، فتجدهن يفتشن من محل لآخر عساهن يجدن لافتة في الواجهة تطلب بائعة أو يطلبن المساعدة من صديقاتهن وأقاربهن، حتى يجدوا لهن عملا في محل ما، وتعتبر محلات بيع الملابس الأكثر طلبا من طرف الطالبات، فما من محل تذهب إليه إلا وتجد به شابات هن طالبات جامعيات من مختلف الأعمار والتخصصات، يستقبلن الزبائن بكل حفاوة وبابتسامة عريضة تبعث على الارتياح والرغبة في العودة مرة أخرى إلى ذلك المكان، وجعل الإقبال كبيرا عليه، وتعتبر ”أمينة” طالبة سنة ثالثة فلسفة بجامعة “بوزريعة”، عينة من الطالبات اللائي رفضن إضاعة عطلتهن في اللهو، مفضلة بذلك العمل للحصول على المال الذي تساعد به عائلتها، ولأنها لم تيأس من البحث فقد استطاعت أن تجد وظيفة كبائعة بمحل الملابس للنساء بوسط مدينة بومرداس، وقد انطلقت في العمل منذ حوالي أسبوع، وهي تحس بالرضى لأنها ستتعلم المسؤولية والاعتماد على نفسها، ولا يهم بالنسبة إليها المبلغ الذي ستجنيه والذي يقدر ب 8000 دينار شهريا، إذا كانت ستكتسب خبرة تفيدها في المستقبل، وينطبق الأمر كذلك على ”سهام” طالبة بنفس التخصص سنة ثانية التي استفادت بفضل إعلان في الجريدة من التوظيف في أحد المحلات للألعاب ب”زموري”، وهي تكسب مبلغ 10 آلاف دينار شهريا وتعتبره كافيا لسد حاجياتها خلال عطلة الصيف، أما بالنسبة ل ”كريمة” طالبة سنة رابعة بكلية الحقوق ب”بودواو”، فهي الأخرى قررت خلال الصائفة أن تبحث عن فرصة عمل وبعد إصرارها وجدت عملا بمحل للألبسة، حيث تقوم بمساعدة البائع هناك على عرض أسعار السلع باللغة العربية للزبائن الوافدين على المحل، هكذا إذن يمضي طلاب الجامعات الذين يريدون تذوق طعم المسؤولية عطلتهم الصيفية، فلا مجال للراحة أو النوم لساعات طويلة طوال النهار، وإنما همهم الوحيد هو السعي وراء الدينار والتحرر من قيود الأولياء، ولا يقتصر عمل الطلاب على شواطئ البحر والبيع في المحلات بل نجدهم في كل مكان لأنهم يؤمنون بأن العمل جد ومثابرة وهو أيضا عبادة. سهرات الكازيف والأعراس محطات العائلات الغنية موسم الاصطياف لدى العائلات ميسورة الحال، لا يختلف عن باقي العائلات محدودة الدخل، حيث تعتبر العطلة فرصة لتلاقي العائلة من جديد، والابتعاد عن جو العمل والدراسة، وتختلف طرق قضاء العطلة من عائلة إلى أخرى حسب برنامجها المحدد مسبقا، قبل دخول موسم الاصطياف، في لقاء جمعنا مع بعض عائلات ب”قورصو” التي تكاد تصبح خالية من سكانها بمجرد دخول فصل الصيف، رصدنا برنامج العائلات التي فضلت قضاء عطلة الصيف في أرض الوطن، هم يفضلون الأماكن التي يكون بها الأمن، وفي هذا الصدد تقول بعض العائلات أنه وبمجرد أن يحصل أبناؤها على عطلة الصيف، أصبحت تمضي وقتها بين شاطئ “سيدي فرج” والنادي الوطني للجيش ب”بني مسوس” بالعاصمة، وفي الليل في شاطئ “دواودة” البحرية بولاية تيبازة، حيث تفضل السيدة “ن.خ” الخروج من البيت بعد الساعة الواحدة زوالا، حيث تتنقل رفقة أبنائها الثلاثة إلى شاطئ “سيدي فرج”، وهي لا تتردد على باقي الشواطئ العامة، نظرا لتوفر أسباب الأمن والشروط المريحة، وتقول إنه بحكم عمل زوجها فهي تخشى من باقي الأماكن، ورغم هدوء الأوضاع الأمنية إلا أنها ما زالت متأثرة بما جرى في السنوات السابقة. يوم جميل تقضيه السيدة بقرب أبنائها التي بقيت منشغلة عنهم طوال العام الدراسي، بحكم أنها أستاذة جامعية، وتقول إن عطلة الصيف أهم فرصة لتقضي وقتها رفقة الأولاد، واعتبرت هذا العام مميزا بالنسبة لعائلتها بعد أن تم ترقية زوجها، وبعد نجاح ابنتها في شهادة التعليم الابتدائي، لذلك فكل يوم من عطلة الصيف هو احتفال بالمناسبتين، في المساء تعود إلى البيت فقط لأخذ قسط من الراحة، حيث تلتقي بزوجها الذي يكون قد عاد من العمل، بعدها يصطحبهم إلى العشاء ثم تكون وجهتهم إلى شاطئ “دواودة” البحرية، حيث يلتقون بباقي العائلات للسهر والسمر وتناول المثلجات إلى غاية وقت متأخر من الليل، أما عائلة “ح.س” القاطنة ببلدية “أولاد موسى”، فتفضل الاصطياف ككل سنة في شاطئ “دواودة”، حيث تمضي يومها بأكمله في البحر، وفي الليل تتابع سهرات الكازيف، وتخصص يوم عطلة الأسبوع إلى التجول في غابة “بوشاوي”، المكان المفضل لدى أطفالها، بعد أسبوع من صخب وضجيج الشاطئ والمصطافين، بينما تفضل العديد من العائلات الأخرى الدخول إلى مناطقها الأصلية، للاجتماع بالعائلة الكبيرة، وحضور أعراس المنطقة التي لا تخلو منها ليالي الصيف، ولقاء الأقارب العائدين من الخارج لقضاء عطلة الصيف في الوطن. في ظل الفوضى التي تشهدها تونس..”شواطئ الوطن هي البديل” يتفق سكان ولايات عنابة، سكيكدة، قالمة، جيجل، تبسة، سوق أهراس، قسنطينة، أم البواقي، ميلة وسطيف وغيرهم، على أن الطريق نحو تونس صيف هذا العام مغلق، وأنه لن تكون الوجهة إلى حمامات وشواطئ وفنادق ومنتجعات تونس، ويشير الكثير منهم إلى أن الوضع الأمني لا يسمح بقضاء عطلة الصيف في تونس، وأن الأحوال في الجزائر تشجع على البقاء داخل الوطن، بالرغم من النقائص في الهياكل وفي الإطعام، وفي الإيواء وبرغم انعدام النظافة في الشواطئ والولايات الساحلية، إلى أن الأمن والأمان يوفران شروطا كافية لقضاء عطلة الصيف هنا في المدن السياحية الساحلية، ويقول مسؤولون في قطاع السياحة بأن الجزائر استفادت من الأزمة التي يشهدها قطاع السياحة في تونس المجاورة، مصر والمغرب تتمثل بالخصوص في انتعاش محتمل للسياحة الداخلية دون استقطاب حقيقي لملايين السياح، الذين كانوا يقصدون تلك الوجهات السياحية كما هو حال إسبانيا وبدرجة أقل تركيا، وبالرغم من أن وزير السياحة والصناعات التقليدية والمتوسطة، “إسماعيل ميمون”، كان قد نفى أن تكون الحكومة الجزائرية تفكر بأي شكل من الأشكال، في استغلال الأوضاع الناتجة عن الاضطرابات التي عاشتها وتعيشها كلا من تونس ومصر، لدعم الحركة السياحية في الجزائر، علما أن السياحة في تونس تشكل أحد أهم أعمدة الاقتصاد، إذ يتوافد عليها أكثر من سبعة ملايين سائح سنويا بينهم مليون جزائري. وفي هذا الخصوص يقول “محمد” موظف ومقبل على الزواج خلال هذه الصائفة، بأنه اتفق مع خطيبته على قضاء عطلتهم بتونس، إلا أن الأحداث التي مرت بها جعلتنا نعيد النظر في قرارنا مرة أخرى وستكون جيجل والعاصمة هي وجهتنا، “توفيق”، “عبد الروؤف” و”حسام” طلاب بكالوريا لهذا العام، قالوا “بعد الجهد والضغط والتحضير لهذه الشهادة المصيرية طيلة السنة الدراسية اتفقنا على قضاء أسبوعين بشواطئ “زيامة منصورية” و”العوانة” وزيارة حديقة الحيوانات، “رابح” مهاجر متقاعد يقول “عدت إلى أرض الوطن من أجل قضاء العطلة الصيفية هنا بولاية جيجل، حيث قام بكراء شقة من أحد الخواص بعاصمة الولاية لمدة شهر ونصف بمبلغ 2600 دينار لليوم الواحد، وذلك كما قال من أجل أن أكون قريب من عائلتي وأهلي، بالرغم كما أضاف من أن أحد الجيران بالمهجر عرض عليا الذهاب معه إلى إسبانيا”، وهو نفس ما ذهب إليه “صالح” الذي يقطن بإحدى البلديات النائية بولاية جيجل، والذي قال “ستكون شواطئ عاصمة “الكورنيش” ملاذي، حيث سأحاول زيارتها كلها خلال هذا الصيف”. “رمضان” يقلص من مدة عطلة سكان خنشلة وجدت العائلات الخنشلية نفسها مجبرة على تقليص مدة العطل السياحية لهذا الموسم، وذلك في ظل تزامنها مع الشهر الفضيل “رمضان المعظم”، وما تلتزمه تقاليدنا الاجتماعية والدينية إزاء هذا الأخير من جهة، إضافة إلى مشكلة الوضع الصعب الذي تمر به الشواطئ السياحية بدولة تونس المجاورة، باعتبارها القبلة الوحيدة للعائلات الخنشلية طيلة موسم الصيف من جهة أخرى، حيث قررت العائلات الخنشلية المعتاد الاصطياف بها تغيير وجهة العطلة نحو الشواطئ الجزائرية، وتحديدا إلى مدينة جيجل، سكيكدة وغيرها، في حين منع أغلب الأسر خاصة التي لها أبناء امتحنوا في الامتحانات الأخيرة، لشهادتي التعليم الأساسي والبكالوريا هذا الموسم، للأسباب سالفة الذكر، منعت من زيارة الشواطئ أمام ضرورة الاحتفالات بنتائج الامتحانات إزاء ما تعرفه تقاليد الولاية، وفي هذا الصدد ذكر الأستاذ “خمار ياسين” خبير قضائي، أن وجهته السياحية هذه المرة ستكون نحو الشواطئ السياحية الجزائرية، ما بين الولاياتالغربية والوسطى بعدما كانت عائلته تقضي عطلتها بشواطئ تونس الشقيقة، مشيرا أن الظرف الصعب التي تعيشه هذه الأخيرة، وتفاديا لأي مشكلة أو مكروه حال دون تمكينه من زيارة مدينته المفضلة “سوسة”، إلى جانب ضرورة تغيير وتقليص المدة الزمنية للعطلة التي تزامنت مع شهر رمضان, في حين وجدت عائلة “رحماني صالح” نفسها مجبرة على إلغاء العطلة الصيفية، كونها على موعد مع بعض الاحتفالات، حيث وجدت نفسها مجبرة لا سيما أمام تقاليد العائلة على التحضير لمناسبة شهر رمضان، وهو ما يجعل الوقت مغلق للسياحة وهو الانطباع الذي يسقط على أغلب العائلات الخنشلية خلال استطلاعنا في الموضوع، غير أن الأمر يختلف كثير مع الشباب الذين لم يجدوا أي مشكلة مما سلف ذكره، حيث أكد كل من الشاب “خالد” و”نذير”، أن حلول الشهر الفضيل مع أوت الجاري لا يمثل لهما أي مشكلة، وبإمكانهم السفر نحو الولايات الساحلية وقضاء العطلة عند الأحباب والأهل. الشواطئ المحلية قبلة سكان جيجل يرى الجواجلة أن العطلة الصيفية فرصة لتجديد طاقتهم والابتعاد عن الروتين اليومي وضغط العمل، وهي بمثابة الاستعداد للانطلاق في مرحلة جديدة ودخول اجتماعي جديد، لذا فهم يحضرون لها بشكل صحيح، وبهذا الخصوص أكد غالبية الشباب الذين اقتربت منهم “الأيام” في استطلاعها عن الوجهة المفضلة لقضاء عطلتهم، على أن الأولوية لتدعيم السياحة الجيجلية والوطنية، ثم بعد ذلك التفكير في قضاءها في الخارج، حيث يفضل الكثير منهم التوجه إلى تونس، التي كانت في الأعوام الأخيرة وجهة الكثير من العرسان أو تركيا، غير أن تسارع الأحداث والأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تسود تونس هذه الشهور، جعل الكثير من الجواجلة يفضلون “الكورنيش” الجيجلي، على غرار الشواطئ الخلابة لكل من “زيامة منصورية” و”لعوانة” غربا، إلى “بني بلعيد” و”سيدي عبد العزيز” شرقا، دون نسيان شاطئ “كتامة” لقضاء إجازتهم الصيفية. أما “لمين” فقال: “كل عام أقوم ببيع المأكولات الخفيفة على شواطئ “بني بلعيد” و”سيدي عبد العزيز” وغيرها”، يرى بأن هذا العام فرصته للعمل أكثر، ويقول “أن السياح سيكونون بكثرة مقارنة بالعام الماضي”، وهو ما أتفق معه فيه “منير” الذي يقوم بكراء الخيم والمظلات على شاطئ “بني بلعيد”، حيث يرى في هذا العام الفرصة المناسبة لأن غالبية العائلات التي كانت تقصد في السنوات الأخيرة تونس، ستكون مضطرة للبقاء هنا لعدة اعتبارات لهذا يقول “قمت بزيادة عدد الخيم والمظلات حتى ألبي مطالب الزبائن”، هذا ومن المنتظر أن تعج شواطئ عاصمة “الكورنيش”، أعدادا غفيرة من المصطافين والعائلات من داخل الولاية أو من خارجها، حيث من المتوقع أن يتجاوز العدد تلك التي سجلته السنة الفارطة، وذلك بالنظر إلى المرافق التي هيأت والمنجزات القاعدية التي تسارع الزمن للانتهاء من أشغالها، لاسيما ازدواجية الطريق الوطني رقم “43″ الذي هو في الروتوشات الأخيرة، حيث سيسهل حركة المرور التي تعرف ذروتها بالخصوص في نهاية الأسبوع، غير أن اختزال العطلة الصيفية لهذا العام بسبب حلول شهر رمضان، سيؤثر على التوافد اليومي على الشواطئ. مسؤولو الطارف في سباق مع الزمن لتهيئة شواطئ “القالة” دخلت سلطات ولاية الطارف منذ أكثر من أربعة أشهر، في سباق مع الزمن لتحضير موسم الاصطياف الذي تعول من خلاله على استعادة المجد السياحي للولاية خلال سنوات التسعينات، ومحاولة جذب أكبر عدد ممكن من المصطافين والسياح، وستكون هذه المهمة صعبة للغاية بالنظر إلى قصر فترة التحضيرات، ومحدودية الإمكانيات المسخرة لذلك وقصر فترة العطلة لهذه السنة، حيث سيكون شهر رمضان مسيطرا على نصفها. في سياق مواز كانت سلطات ولاية الطارف، قد خصصت 278 مليار سنتيم لتهيئة مدينة “القالة”، وتحضير شوارعها وشواطئها لاستقبال الزوار، حيث أعيد تعبيد كل الشوارع وتهيئة الساحات الكبرى التي تعرف توافد آلاف الزوار خلال موسم الاصطياف، كما قام والي الطارف بتنظيم عملية تطوع وسط مقاولي الولاية، ومتعامليها الاقتصاديين لإعادة افتتاح حديقة “برابطية” المغلقة منذ أكثر من أربع سنوات، حيث تم تحويلها إلى تحفة طبيعية وإسناد مهمة تسييرها لإدارة حديقة الحيوانات ب”بن عكنون”، لتكون أيضا وجهة سياحية أخرى تضاف إلى 4 بحيرات، 5 حمامات معدنية، 17 شاطئا وأغلب مساحة الولاية غابات وأحراش تتوسطها مئات المواقع التاريخية، وعلى خطى السلطات المحلية دخل أصحاب الفنادق والمخيمات الصيفية في معركة التحضيرات، من خلال إعادة تهيئة وتجميل هياكلهم لتكون جاهزة قبل نهاية جوان المقبل.