ميلة العتيقة مدينة أثرية و تاريخية جميلة تشبه إلى حد بعيد السويقة بقسنطينة، لكنها أقل حظا منها حتى وإن اشتركتا في الخراب، فالإعلام ظلم ميلاف و تركها حبيسة النسيان، ما عمّق الجهل بوجودها، و حرمها لسنوات من التصنيف كقطاع حضري محفوظ، قبل أن تتحرك جمعية أصدقاء ميلة، بمعية مسؤولين محليين، ليطالبوا بتصنيفها و بحمايتها من عمليات التخريب التي يقوم بها مواطنون لا يجدون حرجا، في بناء منازل فوضوية فوق آثار تاريخية عمرها قرون. روبورتاج : هدى طابي واحة الفينيقيين و حصن الرومان و مملكة الفاتحين لا تقدم المصادر التاريخية المتوفرة عمرا تقريبيا يؤرخ لتأسيس مدينة ميلة، مع ذلك تؤكد الحفريات و المعالم الأثرية التي لا تزال صامدة داخل القطاع الحضري العتيق، بأن حضارات عديدة تعاقبت على المدينة الصغيرة التي اشتهرت بحدائقها و عيونها حتى أنها لقبت بمدينة الراحة، وحملت أسماء أبرزها «أملو» و «ميليوس» ثم «ملوفيثانا» وبعدها «ميلاف» و أخيرًا «ميلة». وقد كانت المنطقة ذات طابع زراعي، سكنتها قبيلة «كتامة» الأمازيغية التي حكمتها ملكة اسمها « ميلو أو ملو»، حاربت الرومان و منعتهم من احتلالها، فأعلنها شعبها حامية للمدينة، ثم إلهة و صنعوا لها تمثالا فريدا، يتوسط القطاع الحضري اليوم، وهو عبارة عن تمثال رخامي ضخم، متكون من كتلة واحدة تم نحته، وفق تقنية الظل، لذلك يفتقر لأية معالم أو تفاصيل أنثوية تذكر. هذا التمثال حافظ عليه الرومان عندما دخلوا ميلة بعد، وفاة حاميتها سنة 112 قبل الميلاد، وحولوه إلى تجسيد للإله « ساتورن» إله الزراعة، و اتخذوا من المدينة مركزا متقدما لحماية سيرتا قسنطينة. أما قيمتها التاريخية الأهم، فتكمن في أنها أول مملكة أسسها الفاتحون، و بنوا فيها أول مسجد في الجزائر، و هو مسجد سيدي غانم، كما أكد الدليل السياحي المعتمد من طرف الديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية محمد زواغي، ابن المدينة، و أحد أعضاء جمعية أصدقاء ميلة. يقول محدثنا، بأن تاريخ وجود ميلة يدور في فلك مملكة نوميديا، مع أن الشواهد النوميدية المتوفرة قليلة ، حسبه، أما تأسيسها كمدينة، فيعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد على يد الفينيقيين، الذين أطلقوا عليها اسم «ميلاف»، أو مياه الغفران، لوجود منبع مائي كان يستخدم لتعميد الأطفال قديما. زائر ميلة اليوم ، يمكنه أن يقف على شواهد أثرية عديدة تؤرخ لهذا السيل المتعاقب من الحضارات التي تمنح المدينة القديمة، قيمة كبيرة كواحدة من أعرق المدن التاريخية في إفريقيا ككل، نذكر منها السور البيزنطي يحيط بالقطاع الحضري المحفوظ « انتراميروس»، المتربع على مساحة 72 هكتارا، حجارته كبيرة و متراصة لونها مائل إلى الأحمر، بني سنة 539 ميلادي من طرف الإمبراطور جوستيليان، لحماية المدينة ، طوله 1200 متر و هو مزود ب 14 برجا للحراسة، أقصى ارتفاع له هو 12 مترا، أما سمكه فحوالي 3 أمتار، يتضمن ممرات سردابية عديدة. عين البلد منبع مياه الغفران هي عين فينيقية رومانية، أسسها الفينيقيون الذين كانوا يعتبرون مياهها مقدسة تستخدم لعمادة الرضع، و طورها الرومان الذين أعطوها شكلها الحالي، و بنوا نظام تصريفها في القرن الثاني للميلاد ، بأمر من الإمبراطور أندريا أنصولان. تعتبر هذه العين معجزة حقيقية، لأن منبعها الأصلي غير معروف، وقد حاول غطاسون من المنطقة تتبع مسار تصريفها، لكنهم عجزوا عن إيجاد المنبع الرئيسي، معدل تدفقها 20 لترا في الثانية، هي باردة صيفا و دافئة شتاء، ذكرها البكري بعين أبي سباع في أحد كتبه، وقد كانت مصدر ري للحدائق المحيطة بالمدينة و صنفت ضمن قائمة الجرد الإضافي سنة 2012، حيث تعتبر معلم ولائي في الوقت الحالي، ويقول سكان ميلة بأن من يشرب من عين البلد، لا بد وأن يعود إليها مجددا. سيدي غانم أقدم مسجد في الجزائر مسجد أبو المهاجر دينار، أو سيدي غانم، كما يسميه أبناء المدينة، يعد أقدم مسجد في الجزائر ، و الثاني في إفريقيا بعد القيروان، بني سنة 59 للهجرة الموافق ل 679 ميلادي، أي 48 سنة بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة و السلام، طابعه الهندسي مدني، فالعمارة لم تكن من أولويات الفاتحين خلال سنواتهم الأولى، أعمدته عمودية على جدار القبلة، و قبلته باتجاه الجنوب، خلافا لباقي المساجد، و السبب هو أن الفاتحين اقتدوا في بنائه بالمسجد النبوي في المدينةالمنورة، كما أن تموضعه فوق كنيسة ، فرض استعمال جدار السور الخارجي لها، كوجهة للقبلة. وجود المسجد يؤكد دليلنا السياحي، بأن ميلة تعد أول مدينة يؤسسها المسلمون في الجزائر، فالتاريخ، كما قال، لم ينصف أبا المهاجر دينار، رغم انجازاته لأنه كان تابعي من الموالي أو العبيد. توجد أيضا داخل المدينة شواهد أخرى مهمة، كالثكنة العسكرية التي تدخل في محيط المسجد، و التي استخدمت فرنسا الاستعمارية جزءا منها كإسطبل و الجزء الآخر كثكنة، وهي اليوم عبارة عن متحف، كما توجد أيضا، منازل ذات قيمة تاريخية، كمنزل عبد الحفيظ بوالصوف و زاوية حنصالة و منزل بن طوبال. للمدينة أيضا أربعة أبواب، هي الباب الشمالي أو باب البلد وهو المدخل الرئيسي، الباي الشرقي أو باب الريوس وهو أقرب إلى أقواس النصر، وهو الباب الذي يربط ميلة بسيرتا، وهناك الباب الجنوبي أو باب الحديد، بالإضافة إلى باب الجامع، و كانت هذه الأبواب تغلق مساء. مملكة المياه تغرق في الردوم و القمامة في طريقنا نحو ميلة القديمة، لم نشاهد تلك الحدائق التي أكسبتها لقب مدينة الراحة و مملكة الجنان و المياه، فعلى امتداد الطريق كانت المنازل تشكل سدا حاجبا للرؤية، لا وجود لنمط عمراني واضح أو موحد، فقط بنايات تفتقر في معظمها لواجهات مهيأة، أحيانا كنا نلمح بعض الأشجار و جزءا من السور البيزنطي الحجري الذي يلف القطاع المحفوظ. في البداية شعرنا بالخيبة، لكن الإحساس اختلف بمجرد أن وصلنا إلى مدخل المدينة الشمالي الجنوبي، ترجلنا لنقف أمام بابها الحجري، « باب البلد»، وهو عبارة عن قوس جميل واسع، يشعرك بحميمية المكان حتى قبل أن تلجه، تخطيناه وواصلنا سيرنا عبر مسلك حجري يشبه كثيرا تلك الممرات الضيقة الموجودة في السويقة القديمة و قصبة العاصمة. هذا الجزء من المدينة لا يزال صامدا نوعا ما، دكاكينه نشطة و منازله بقيت محافظة على نمطها العمراني القديم، فهي منازل حجرية في معظمها، لا تختلف الكبيرة منها عن « دار عرب» ، أما الصغيرة، فلا تتعدى الطابق الأرضي ، أغلبها مسقفة بالقرميد، الذي يعتبر الصناعة التقليدية الأشهر في المدينة. الملاحظ أيضا أن العديد من المنازل التي لا تزال صامدة، تتوفر على حدائق خلفية صغيرة، وقد علمنا من محمد زواغي دليلنا السياحي، بأنها كانت تعد جزءا لا يتجزأ من تركيبة البيت الميلي، وأن سكان ميلة القديمة كانوا مكتفين غذائيا، بفضل إنتاج حدائقهم من الخضر و الفواكه، حتى أنهم انتقلوا في مرحلة معينة إلى التسويق للمناطق القريبة. توغلنا أكثر بين المباني، فكانت صدمتنا كبيرة، فالوضع في وسط المدينة كارثي بكل المقاييس، القمامة و ردوم المباني المنهارة تخنق رئة المكان، حتى الولي الصالح سيدي سعدون، انهار مقامه بشكل كلي، ولم يتبق منه سوى سياج أخصر يحيط بقبره القديم، الذي تستوطنه الفئران و تحوم حوله القطط، هذه الوضعية المأساوية شملت المسلك ككل، ولم تسلم منها حتى المنازل ذات القيمة التاريخية كدار عبد الحفيظ بوالصوف و بن طوبال، التي انهار جزء منها وبقي جزء آخر صامدا في انتظار التعجيل بالترميم. بدا جليا خلال جولتنا، بأن مشكلة النظافة و التهيئة تطرح بإلحاح في المدينة، بالرغم من تأكيد مصالح البلدية، على لسان نائب رئيس البلدية المكلف بالشؤون الاجتماعية و الثقافية، أحمد بن رجم، بأن المصالح تواظب بشكل دائم على تنظيف القطاع المحفوظ، لكن يبقى المشكل الرئيسي، حسبه، هو ضيق مسالك المدينة و صعوبة دخول شاحنات جمع القمامة إليها، معترفا بأن القطاع ظل مهملا لسنوات عديدة من قبل السلطات البلدية، خصوصا قبل تصنيفه، وهو الأمر الذي أوصله إلى وضعيته الحالية. البناء الفوضوي يلتهم 80 بالمئة من مساحة القطاع المحفوظ رغم تصنيف المدينة العتيقة التي تتربع على مساحة 38 هكتارا، كقطاع حضري محفوظ، إلا أنها تختنق اليوم بسبب سرطان الإسمنت المسلح الذي طوقها بالكامل، بعدما التهم العمران الفوضوي غالبية الحدائق المتواجدة خلف السور البيزنطي الأثري، الذي يحمي القطاع الحضري المتهاوي و الذي يتعرض، رغم الجهود المبذولة لحمايته ، إلى اعتداءات وحشية من قبل مواطنين يتعمدون البناء فوق أراض مصنفة تحتوي على آثار قديمة، كما لا يتوانون عن تهديم المنازل الحجرية الموجودة داخل محيط السور البيزنطي على مساحة 7.5 هكتار، للحصول على مساكن اجتماعية بديلة، بعدما حولوا المدينة القديمة إلى منطقة عبور، حسبما أكدته ممثلة مكتب الدراسات المكلف بإعداد و متابعة المخطط الدائم لحفظ و استصلاح القطاع المحفوظ المهندسة مريم زياني، مشيرة إلى أن 80 بالمئة من حدائق ميلة القديمة، تم الاعتداء عليها، و تحولت أراضيها إلى بناءات فوضوية. منازل مصنفة تخرّب عمدا طمعا في السكن الاجتماعي بدوره كشف شيابة لزغد، رئيس مصلحة التراث الثقافي بمديرية الثقافة بولاية ميلة، بأن الاعتداءات لم تقتصر فقط على الحدائق المحيطة بالسور، بل أن الطمع في السكن دفع بالكثيرين إلى تخريب بنايات ومنازل مصنفة، تتواجد داخل محيط السور البزنطني، فالكثير من قاطني المنازل القديمة « وغالبيتهم مستأجرين» ، كما قال، يعمدون إلى تخريب الأسقف و الجدران، خصوصا خلال فصل الشتاء ليستفيدوا من محاضر تدخلات مصالح الحماية المدينة، التي تصنفهم عادة كمنكوبين، لهم الأحقية في الحصول على سكن اجتماعي، بالمقابل أضافت المهندسة مريم زياني، بأن الاعتداءات لا تتعلق بالتخريب فحسب، بل تشمل كذلك الترميمات العشوائية التي يقوم بها سكان المدينة القديمة، مستخدمين مواد غير نبيلة في إصلاح الأضرار التي لحقت بالمباني بفعل الزمن. و الملاحظ، حسبها، أن الإسمنت المسلح أصبح يغطي جدران العديد من المنازل التي يفترض أنها حجرية، كما أنه يستخدم بعشوائية في تبليط الممرات القديمة ، ما شوه حسبها، المظهر العالم للقطاع، و أفقده خصوصيته العمرانية، علما أن أول من استخدم الاسمنت في تعبيد الممرات كانت البلدية سنة 1995 لولا تدخل السلطات لوقف هذا الاعتداء الصارخ. أما المعالم الأثرية الموجودة داخل النسيج القديم، فيتكفل الزمن و الفصول المتعاقبة بتشويهها، الأمر الذي استدعى تدخلا استعجاليا لحمايتها في عديد المرات. بدوره يوضح أحمد بن رجم، المكلف بالشؤون الاجتماعية و الثقافية، ببلدية ميلة، بأن مشكلة البناء الفوضوي حول محيط المدينة القديمة، بدأت قبل سنة 1993 ، أي قبل فتح ملف تسجيل القطاع المحفوظ، إذ عمد مواطنون إلى احتلال المساحات الخضراء أو « الجنان»، التابعة للقطاع بطريقة غير قانونية ، و باشروا في بناء منازل فوضوية دون تراخيص، علما أن عمليات البناء كلها تتم في الليل ، حسبه، وكشف المسؤول عن تحرير مصالحه ل 7 محاضر مخالفة، إضافة إلى 4 محاضر تخص توقيف أشغال البناء، فضلا عن تسجيل 3 متابعات قضائية ضد مواطنين بتهمة البناء دون رخصة. مضيفا بأن عمليات الترحيل تمت في ذات الإطار، ابتداء من سنة 1984، و مست حينها 160 عائلة من قاطني شاليهات الأميونت، أما بخصوص إعادة إسكان قاطني البنايات الهشة، و هم عموما 25 عائلة ، فقد تمت خلال الفترة بين سنوات 2002 حتى 2007، وتبقى العملية مستمرة ، كما قال، إذ تمت برمجة مخطط ترحيل ثان، خصص له 50 وحدة سكنية، موجهة لسكان المدينة القديمة و تحديدا قاطني المنازل المتواجدة داخل السور البيزنطي. المخطط الدائم للحفظ خطوة أولى لإنقاذ ما تبقي من ميلاف تجدر الإشارة إلى أن القطاع المحفوظ لميلة القديمة أنشئ بموجب المرسوم التنفيذي رقم 09 404 ، المؤرخ في 12 نوفمبر 2009، و زود سنة 2010، برخصة برنامج إعداد دراسة لمخطط دائم للحفظ و الاسترجاع بقيمة 10.000.000دج، حيث أسند المشروع لمكتب الدراسات « زياني كونسبت» تحت إشراف المهندسة فهيمة بوالصوف، و قدرت قيمة صفقة الدراسة ب 8.498.475.00 دج، بتاريخ عمل مدته 09 أشهر. وللعلم فإن المخطط يعد خطوة أخيرة سبقتها دراسات سابقة لم يتم تفعيلها، أولها تمت سنة 1985 على يد مكتب دراسات بيراف، أما الثانية فهي عبارة عن مذكرة ماجستير أعدتها الباحثة زليخة بومعزة، بالإضافة إلى دراسة أخرى تمت بين سنتي 2004 و2005، تم بناء عليها إعداد المخطط الدائم الذي صودق عليه خلال السنة الجارية. بناء فوق شواهد قديمة يغطي على سرقة الآثار حسب رئيس مصلحة التراث الثقافي بمديرية الثقافة، فإن الزحف العمراني أثر كثيرا على واقع القطاع المحفوظ، خصوصا و أن البناءات تتم دون رخص في ظل سكوت البلدية التي لا تتوانى عن مد هذه التجمعات الفوضوية، كما قال، بشبكات الكهرباء و الغاز، علما أن السكان كثيرا ما يتسترون على آثار قديمة يكتشفونها خلال الحفر من أجل البناء، خوفا من توقيف أشغالهم و تفاديا للإجراءات الإدارية و الأمنية و القانونية المترتبة عن التبليغ، فيقومون بطمرها مجددا أو بيعها. وبهذا الصدد قال مدير الثقافة بالولاية جمال يوسف بريحي، بأن هناك وعيا نسبيا لدى المواطنين بأهمية التبليغ، مشيرا إلى أن ميلة تعتبر منطقة نشطة بالنسبة لتجار الآثار المسروقة، وقد تم استرجاع حوالي 3600 قطعة أثرية خلال سنتين فقط. بالمقابل تتعامل السلطات وفق ما ينص عليه القانون، مع المبلغين عن الآثار أو أولئك الذين يحوزون على قطع أثرية موجودة داخل ملكياتهم الخاصة ، مع ذلك يضيف المسؤول، فإن مخطط الحفظ و الاسترجاع الذي صادقت عليه اللجنة الوزارية المختلطة مؤخرا، من شأنه أن يساهم في حماية النسيج العمراني للمدينة القديمة ويمنع الاعتداء عليها، سواء من خلال البناء أو محاولة سرقة ما تخفيه الأرض من آثار. 50 مليارا تقييم مبدئي لأولى مراحل الترميم للتوضيح فإن عملية الترميم الفعلية لم تنطلق بعد على مستوى القطاع العتيق، وكل ما عرفته المدينة العتيقة هي تدخلات استعجالية، أولها كان سنة 1999 ومس العين الرومانية وهي عملية أشرفت عليها الوكالة الوطنية للآثار، قبل أن يتدخل مكتب زياني للهندسة مجددا سنة 2014، لحماية العين من تبعات انهيار منزل قريب، علمنا بأنه كان محل استفادة من السكن الاجتماعي سبع مرات كاملة. عرف مسجد سيدي غانم تدخلا استعجاليا، كلف 14 مليار سنتيم تشمل الدراسة، في انتظار الشروع في تنفيذ مخطط الحفظ و الاسترجاع الدائم، حسبما كشف عنه مدير الثقافة، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى من العمل، ستنطلق من المدخل الشمالي عند باب البلد، باعتبارها منطقة آهلة بالسكان و تعرف حركية تجارية، علما أن عمليات الحفظ والاسترجاع ستسجل سنويا، حسب ما تتطلبه الدراسات، وقد تم هذه السنة اقتراح إجراءات استعجالية تتطلب كتقييم مبدئي مبلغ 50 مليار سنتيم، الغلاف المالي الذي تحاول مصالحه بحث إمكانية مساهمة البلدية في ضخه. بدورها أوضحت المهندسة مريم زياني، بأنها وفي إطار تنفيذ مخطط الحفظ الدائم، قدمت مقترحا لإنشاء ممر سياحي و تكييف وجهات البنايات الجديدة مع الطابع العمراني القديم للمدينة، بالتنسيق مع السكان المحليين. التنسيق الأكاديمي لإحياء السياحة و الإسراع في الترميم يوضح البروفيسور عبد العزيز شقني، رئيس جمعية أصدقاء ميلة، بأن الوضعية الكارثية التي آل اليها القطاع العتيق بميلة ،هي نتاج سنوات من الإهمال و عدم التصنيف، والسبب، حسبه، أن ابناء ميلة هجروا المدينة تباعا، وحتى مثقفوها من أمثاله غادروها للدراسة قبل عقود، ولم يعودوا إليها مجددا، لكن الصحوة جاءت مع تأسيس الجمعية سنة 2004، حيث باشر أعضاؤها التنسيق مع السلطات المحلية لحماية التراث المهمل و تسجيل المدينة القطاعية، ضمن قائمة القطاعات المحفوظة وطنيا. المتحدث أكد أن هذه الجهود تعتمد على أسس علمية لحماية التراث، حيث تم بموجب مقترح قدمته الجمعية سنة 2016، إبرام اتفاقية ، بين مصالح الولاية و جامعات قسنطينة و ميلة و سطيف، لإدراج المدينة القديمة بميلة ضمن قائمة مواضيع البحث الخاصة بأطروحات الدكتوراه و مذكرات تخرج طلبة الماستر، حيث تكون البداية بتسليط الضوء على المعالم و الآثار بالقطاع المحفوظ. الهدف من هذه الشراكة مع الجامعة، حسبه ، هو الترميم بناء على أسس علمية و فتح الباب للباحثين للوصول إلى نتيجة، وليس الاكتفاء باستغلال الذاكرة فقط، التي تشوبها الكثير من الخرافات، كما قال، و وصف المتحدث هذه الخطوة، بالمهمة جدا وغير المكلفة، كون مساهمة أساتذة الجامعة تطوعية، كما أن عملية إحصاء المواقع الأثرية بالولاية، ستكون دون مقابل، لأن طلبة متخصصين بالجامعة يقومون بها، على أن يتم تجميع المعطيات البحثية في مكان خاص، سيكون بمثابة مركز للتوثيق و الأرشيف على مستوى المكتبة الرئيسية بالولاية، و يوضع تحت تصرف الدارسين و المهتمين. بدوره أشار الأمين العام للجمعية عمار نوارة، بأن الملتقيات الأكاديمية و العلمية التي تنظمها الجمعية كل سنة ، ستسهل على مكاتب الدراسات عملهم مستقبلا، كاشفا بأن عدد من الأساتذة، أمثال عيبش يوسف و بوبة مجاني و عبد الرحمان خليفة ، باشروا العمل و أعدوا بحوثا مفصلة حول التاريخ الأثري للمدينة يمكن اعتبارها مراجع جاهزة.من جهة أخرى تسعى الجمعية إلى إعادة إحياء الأفران القديمة الخاصة بصناعة القرميد ، وذلك لتحريك عجلة التنمية في المدينة العتيقة، و توفيره كمادة أولية للترميم.