التربية الوطنية/الرياضة: تحضير البطولة الوطنية المدرسية للرياضات الجماعية    البرلمان العربي يرحب بقرار الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق مسؤولين صهاينة    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    لبنان : ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني إلى 3670 شهيدا و 15413 مصابا    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    تعزيز روح المبادرة لدى الشباب لتجسيد مشاريع استثمارية    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الشباب يهزم المولودية    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميلة القديمة تتحول إلى اصطبلات لتربية الحيوانات
نشر في النصر يوم 01 - 02 - 2015


تحقيق :إبراهيم شليغم
يستنكر المواطنون الوضعية الكارثية لمدينة ميلة القديمة والتدهور الحاصل في أرجاء قطاعها المحفوظ، و واقعها المر الذي شهد تفشي مختلف الإنحرافات العمرانية والاعتداء على الكنوز الثرية الموجودة بها، فيما اعتبر المهتمون بعلم الآثار ومواقعه وكذا أعضاء جمعية أصدقاء ميلة القديمة، أن سقوط جدار المنزل الذي يعلو معلم عين البلد الرومانية نهاية ديسمبر الفارط ،عملية تخريب وهدم سور الدرج، المؤدي لهذه العين من قبل سكارى، يشكلان الإنذار الأخير الموجه للهيئات والمؤسسات الموكل لها تصريف شؤون ميلة القديمة وسكانها وكذا مهمة الحفاظ على إرثها الحضاري ومعالمها التاريخية الموجودة داخل هذا القطاع المحفوظ قانونا.
الجزء المحفوظ من مدينة ميلة القديمة يتربع على مساحة معتبرة تقدر بأكثر من 37 هكتارا، تمثل كل المدينة الرومانية و تقتطع منها المدينة البيزنطية 7,5 هكتار والمتواجدة داخل السور البيزنطي، وجميعها اليوم عرضة للانتهاك من قبل الوافدين الجدد عليها والسكان الموجودين بداخلها، الذين يساهم البعض منهم بسلوكهم في تغييب معالم المدينة القديمة التي تشكل أثرا حضاريا عالميا وفضاء علميا مفتوحا للدارسين والباحثين في التاريخ بمختلف أزمنته المتعاقبة ،والتي تكتنز منه ميلة القديمة الشيء الكثير الظاهر منه والمخفي في باطنها حتى الساعة.
ميلة لا تختلف عن تلمسان أو قسنطينة لكنها تحولت إلى إسطبلات
الزائر لهذا الموقع الأثري والمعلم التاريخي المأهول الذي تدب فيه الحياة والحاضن ترابه كما قال أحد أبنائها مثل قسنطينة وتلمسان لقبور أربعين شريفا، تصدمه مظاهر التسيب واللامبالاة البارزة للعيان التي لم تعط للمكان حرمته، ولم تشفع له ترسانة القوانين والمراسيم والقرارات الصادرة في حقه والملحة على ضرورة حمايته، إذ كثرت فيه وعليه العوامل الهدامة الطبيعية منها بفعل التغيرات الجوية والمناخية والبشرية ،وهي تلك التي تتم بفعل فاعل ولأغراض شخصية يهدف أصحابها إلى تحقيق منافع خاصة بهم ،وفي مقدمتها الحصول على سكنات جديدة والتي يرون أن حظهم منها يزداد بزيادة هدمهم للبناء والسكن الموجودين به.
مدينة ميلة القديمة تحولت لمنطقة عبور بامتياز ،إذ فازت عدة عائلات تعاقبت على المسكن الواحد في ميلة القديمة وعمقت ضرره بسكنات اجتماعية جديدة، وحتى الجهات الموكل لها أمر توزيع السكن الجديد، انساقت مع أصحاب العبور ولم تضع لهذه الظاهرة أي حد من خلال تفعيل قوائم إحصاء سكان الموقع العتيق، والتي تحين كل مرة دون أن يعمل بها، بهدف المساهمة في الحفاظ على بنايات المدينة القديمة، وهو ما شجع على الحاق بالغ الضرر بهذا المعلم التاريخي الكبير.
و هناك سكنات أخرى فضل أصحابها جعلها إسطبلات كبيرة لتربية المواشي والحيوانات ،بعدما نقلوا عائلاتهم لمساكن أخرى بعيدة عن هذا الموقع، و استغل آخرون حجارة البنايات المهدمة في بناء مشاريع سكنية جديدة بمحيط المدينة الجديدة، اتباعا لسنة البعض التي مفادها أن حركية البناء والعمران تجعل أصحاب المشاريع يعتمدون بالدرجة الأولى قديما على بقايا البناءات المنهارة أو المهدمة ،ضاربين المثل بالقطع الحجرية التي تظهر في جسم السور البيزنطي ونقوشها ،والرسومات الظاهرة تؤكد أنها نقلت من مواقع وبنايات أخرى.
ترسانة من القوانين لم تحمها من الخراب
وقبل الخوض في واقع ميلة ويومياتها والمساعي المحتشمة حتى هذه الساعة للحفاظ عليها ،نشير إلى أن مدينة ميلة القديمة تم تصنيفها كموقع أثري طبقا للأمر 281 /67 المؤرخ في 20 /12/1967 المتعلق بالحفريات وحماية الأماكن والآثار التاريخية والطبيعية الصادر بالجريدة الرسمية رقم 7 ليوم 23/01/1968 الملحق رقم 01 ،قبل أن تستفيد ويصدر في حقها المرسوم التنفيذي الذي أعطاها صفة القطاع المحفوظ وما يترتب عن ذلك من امتيازات، ونعني به المرسوم التنفيذي رقم 09 - 404 المؤرخ في 29/11/2009 المتضمن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لميلة وتعيين حدوده والصادر في الجريدة الرسمية رقم 71 المؤرخة في 02/12/2009 ،وذلك طبقا للقانون رقم 98 - 04 المؤرخ في 15/06/1998 المتعلق بحماية التراث الثقافي، والذي يشير في الفصل الثالث منه لهذه القطاعات المحفوظة الصادر في الجريدة الرسمية 44 بتاريخ 17/06/ 1998 .
وبعد ذلك جاء المرسوم التنفيذي رقم 89-12 المؤرخ في 28/02/2012 المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذي رقم 488-05 الصادر بتاريخ 22/12/2005 الذي يحدد القانون الأساسي للديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحمية واستغلالها، والمشرف حاليا على المدينة القديمة ومقره الثكنة العسكرية وتكمن مهمته أساسا في ضمان وصيانة وحفظ الممتلكات الثقافية المحمية المخصصة له وحراستها ثم ضمان نشاط ثقافي في هذه الممتلكات.
رئيس مصلحة التراث بمديرية الثقافة، أفاد أن القطاع المحمي لمدينة ميلة القديمة ،يشمل المدينة الرومانية الموجودة أساسا خارج السور البيزنطي الذي بناه القائد سولومون سنة 539 ميلادية في عهد القائد جيستينان، وأن المصادر الأثرية والتاريخية القديمة تدل على وجود الكثير من المعابد في هذا الفضاء التاريخي الروماني الذي يضم على الأقل أربعة منها، بالإضافة للمسرح الروماني والتي لا تزال جميعها تحت الأرض، وما يؤكد هذه الفرضية أن مشروع التعاونية العقارية التي أراد أصحابها إنشاءها بمنطقة سيدي علي العواد، قبل توقيف أشغالها ،كشف أثناء الحفر على مواد عمارة وقطع حجرية ضخمة عثر عليها ،مما يدل على وجود بنايات وأطلال لا تزال مدفونة تحت الأرض وداخل القطاع المحفوظ، وهي تنتظر الكشف والتعرية بالبحث عنها عن طريق الحفريات والتنقيب، باستغلال كل الوسائل العصرية والتقنيات الحديثة المتاحة. وبحسب ذات المصدر ،ففي مقدمة المعالم الأثرية الموجودة بالقطاع المحفوظ لميلة ،نجد السور البيزنطي الذي يقدر طوله ب 1200 متر، وقد كانت به أربعة أبواب هي باب البلد، باب الريوس (جمع رأس)، باب الحديد، وباب الجامع والأبواب الثلاثة الأخيرة لا تزال معالمهما موجودة ومعروفة.
إلا أنها مغلقة حاليا لأسباب مختلفة باستثناء الباب الأول، فإنه يشكل المنفذ نحو الداخل، كما أن جسم السور تعرض في بعض جوانبه أكثر من مرة وعلى مر السنوات ولأسباب مختلفة، للهدم والتخريب. و منه ما تم ترميمه وإصلاحه سنة 1998 أيام فترة الوكالة الوطنية للآثار، ومنه قسم ما زال ينتظر العناية.
ثم العين الرومانية المعروفة عند العامة بعين البلد، والآثار القديمة الموجودة تحت بناية مسجد أبو المهاجر دينار،هذا الأخير يعود للحقبة الإسلامية التي نجد لها أثارا وشواهد هي الأخرى ومنها الزوايا، خاصة الزاوية الحنصالية التي يصلي الناس بمسجدها حاليا ،والزاوية الرحمانية التي تضم أضرحة محفوظة بسبب بابها المغلق،أما ضريح سيدي سعدون(وهو من الأولياء الصالحين) الموجود غير بعيد عن مقر الزاوية الحنصالية، فيعاني من الإهمال والضياع، ومن تأثير الظروف الجوية المختلفة بسبب وجوده في العراء.
كما توجد بنايات الفترة العثمانية ( مساكن المواطنين ) ومنها مسكن عائلتي الشخصتين الثوريتين عبد الحفيظ بوالصوف ولخضر بن طوبال، وجميعها تأثرت وأخذت الطلائع الأولى منها منذ فترة طويلة في التساقط والإنهيار تباعا، بسبب غياب الصيانة والترميم، ناهيك عن عمليات التخريب المتعمد.
ومن معالم ميلة القديمة التي كانت بارزة الحدائق ( الجناين ) التي غزاها الإسمنت هي الأخرى من كل جانب، بعدما كانت مصدر عيش وتنفس وترويح عن سكان ميلة، كلها قديمها وحديثها وزوارهم.
مع الإشارة إلى أن الإستعمار الفرنسي الذي فضل بناء سكنات القادمين معه من معمرين وأقدام سوداء بعيدا عن المدينة القديمة، إلا أنه قام بدوره بهدم صومعة مسجد أبي المهاجر دينار وحول بنايته لثكنة عسكرية، مع محاصرة السكان الأصليين داخل السور البيزنطي، قبل أن يجري حفريات داخل السور وخارجه التي كانت سببا في اكتشاف التمثال الذي وجد داخل معبد روماني، والذي حمل اسم الجنان الذي وجد بداخله أي جنان ملو ( ومعنى ملو في اللغة الأمازيغية الظل).
65 مسكنا يتهددها الانهيار و إصابة 30 متقدمة
وقد بينت نتائج الدراسة التي عهد بها عام 2013 لمكتب دراسات مختص ومعتمد من قبل وزارة الثقافة، قصد انجاز مخطط الحفظ الدائم لمدينة ميلة القديمة الذي يقابل مخطط شغل الأراضي عند المواقع العمرانية العادية، والتي انتهت مرحلتها الأولى الخاصة بالمعاينة والكشف والتشخيص، في الوقت الذي تتواصل فيه دراسة المرحلتين الثانية والثالثة من قبل إطارات هذا المكتب، أن 65 مسكنا بداخل سور ميلة القديمة خطها أحمر ،وهي مهددة بالانهيار بما فيها المسكن الذي انهار جداره مؤخرا.
وتحتاج لإجراءات وعمليات استعجاليه ،مثلها مثل قوس باب البلد أما 30 مسكنا أخرى فإصابتها متقدمة و 50 أخرى متوسطة و 29 مسكن أثر الضرر البارز عليه خفيف، بينما 194 مسكن حالته جيدة.
هذه المساكن الأخيرة يبدو أنها تلك التي شيدها أصحابها بجنائن المدينة وداخل القطاع المحفوظ بطريقة فوضوية، غير أن مكتب الدراسات أدرجها لوقوعها داخل هذا القطاع، مع الإشارة وأن أصحابها يطالبون اليوم بربطهم بمختلف الشبكات، بعدما أتموا البناء ومنهم من هو مقيم هناك منذ فترة ليست بالقصيرة.
أما خمس سكنات أخرى فتبرز الدراسة، أنه تم تجديدها داخل السور البيزنطي وبمواد بناء غير مطابقة لمواد بناء السكن القديم، مما يفسد على المدينة طابعها المعماري التاريخي ومنظرها.
علما، وأن ممثل مكتب الدراسات اشتكى من نقص المراجع والوثائق الخاصة بتاريخ المدينة القديمة لاستغلالها في الدراسة الخاصة بإعادة الترميم والصيانة.
مكتب الدراسات
صور ما بين 2003 و اليوم تبين ضياع الكثير
صاحب مكتب الدراسات الذي أنجز أول دراسة تقنية تمت بمساهمة فعالة لجمعية أصدقاء ميلة بداية من 2003 والتي على ضوئها رسمت المدينة كقطاع محفوظ، وتضمنت مختلف المعطيات التقنية والتحقيق الاجتماعي الاقتصادي والإحصائي الخاصة بالمدينة والتوصيات المتعلقة بالإجراءات الواجب اتخاذها على مراحل متسلسلة لحفظ المدينة وبعث النشاط بها، وقدمت وقتها للمعنيين على مستوى وزارة الثقافة والولاية، المهندس ( ق. الحاسن) أبدى عدم رضاه على واقع ميلة القديمة الحالي وقطاعها المحفوظ، مشيرا إلى أنه لو كشف عن الصور الفوتوغرافية التي التقطها في ذلك الوقت وقارنها بما هو موجود اليوم، لتبين بأن معالم وشواهد كثيرة افتقدتها المدينة.
و السبب في ما ضاع على مدار 12 سنة ،هو الإنهيار الذي لحق بنايات أو عمليات التجديد والطلاء الذي لم يحافظ على طابع المدينة العمراني والتاريخي، وأن وضعها سيزداد سوء إذا ما بقي التماطل مستمرا، وغياب التكفل الجدي، مضيفا في تصريحه للنصر أنه كتقني أولا وكمواطن ثانيا ،تمنى لو أن الناشطين في بيع الشواء الذين كانوا يستندون للسور البيزنطي من الخارج تم إدخالهم للداخل ومكنوهم من محلات وليس منعهم من النشاط، ثم يضاف لهم ممتهنو الحرف الأخرى التي افتقدتها المدينة مثل بيع القشابية والبرنوس، وغيرها من الصناعات التقليدية التي كانت قائمة ورائجة قديما بالمدينة وهذا لخلق حركية ونشاط أكثر بالمدينة القديمة، وحتى تكون نواة استقطاب وتشكل عندها مسلك سياحي للزائرين.
وإذا كان لكل هيئة أو مؤسسة دورها المحدد قانونا في تسيير الشأن والمرفق العام والحفاظ عليه، إلا أن كثرة المتدخلين في الموقع الواحد، كما هو حال ميلة القديمة من بلدية وديوان ومديرية ثقافة وولاية وشرطة عمران سهل من مهمة كل طرف في التساهل والتنصل من المسؤولية القانونية والأخلاقية، التي تستلزم تطبيق القانون وبصرامة لتأمين الموقع، وهي الثغرة التي وجدها سكان المدينة والنازحين إليها، سواء في إقامة بناءات فوضوية داخل القطاع الذي يفترض أن يبقى محفوظا، أو إلحاق الضرر بالسكنات القائمة للحصول على سكنات جديدة، ومنهم من اختار تربية المواشي داخل مسكنه بعدما حول عائلته لسكن جديد بعيد عن هذا الموقع.

ديوان الممتلكات المحمية
البلدية سحبت منا مهمة التنظيف و لم تلتزم بقرار منع تربية الحيوانات
المنسق الجهوي للديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات المحمية ،أوضح أن مهمة هيئته ترتكز بالأساس على حراسة وتأمين الممتلكات التراثية المصنفة داخل القطاع المحفوظ، وأن كل نشاط الديوان يتم بالتعاون والتنسيق مع مديرية الثقافة. وعن المسؤول عن تنظيف المدينة من الفضلات والأوساخ الموجودة بها، يشير ذات المتحدث أنه عكس المجلس الشعبي البلدي السابق الذي منح الديوان عتاد تنظيف ( دامبير) وترك له هذه المهمة التي قام بها أعوان الديوان على أحسن وجه، فإن المجلس الشعبي البلدي الحالي فضل أن يتكفل هو بعملية التنظيف، مؤكدا على أن الديوان تقتصر مهمته مع البناء الفوضوي الذي أضر بقطاع ميلة المحفوظ، على تبليغ كل من البلدية ومديرية الثقافة ،مؤكدا على أن البلدية لم تنفذ قرار الوالي السابق القاضي بمنع تربية الحيوانات بالمدينة القديمة، وكذلك لم تنفذ بعد قرار الوالي الحالي القاضي بهدم البناءات الفوضوية التي أقيمت ولا تزال داخل القطاع المحفوظ . محدثنا يفضل أن ينصب دور الجمعيات المهتمة بالحفاظ على التراث والآثار في عمليات التوعية و التحسيس وسط السكان والمواطنين عموما، حول أهمية هذه الكنوز والمواقع المتوارثة جيلا بعد جيل، وكذا المساهمة في تنظيف المواقع عن طريق تنظيم حملات دورية ،في حين تترك عمليات التكفل بالترميم وإعادة التأهيل وغيرها من العمليات للدولة التي يعود لها وحدها هذا الأمر. و ذكر أن بعض سكان ميلة القديمة اعترضوا عمل أعوان مكتب الدراسات الذي يقوم حاليا بنشاطه بالمدينة، على مراحل ولم يمكنوهم من الدخول لمساكنهم، إلا بعد تدخل الديوان ،في حين لازال إلى اليوم سكان آخرون يسدون المنافذ المؤدية لمعالم من المدينة ومنها باب الريوس (الرؤوس) المغلق إلى اليوم. و يؤكد المنسق الجهوي، أن هناك من السكان من قابل أعوان الديوان بالأسلحة البيضاء، بنية الاعتداء عليهم، ناهيك عن الرمي العشوائي للقاذورات والتي ألزمت الديوان بالابتعاد عن مواقع رميها لدى استقباله للزوار والسياح، حتى لا يستاء هؤلاء أكثر لحال المدينة علما وأن – يختم – لسكان المدينة القديمة دور أساسي ومفصلي في حماية هذا الإرث التاريخي والثقافي.

مدير الثقافة
14 مليارا لمسجد أبي المهاجر مجمدة لغياب الدراسة التقنية
مدير الثقافة بالولاية بعدما تأسف كما قال للضجة التي أثيرت حول سقوط هذا الجدار الأخير لاحد المنازل المهددة بالانهيار، أشار إلى أنه انشغل فيما مضى، بالسعي لجلب الغلاف المالي اللازم لتنفيذ الإجراءات الإستعجالية التي أوصت بها المرحلة الأولى من دراسة مخطط الحفظ الدائم، وهي الأشغال التي تحتاج لمؤسسة مختصة ونوعها قليل في السوق. و أشار في السياق إلى أن الغلاف المالي البالغ 14 مليار سنتيم، الذي تحصل عليه مسجد أبي المهاجر دينار بقي مجمدا، كون هذا المعلم يفتقر لدراسة تقنية ترتب أولويات التدخل فيه، وقد تمكن من الحصول عليها، معترفا في نفس الوقت بالتأخر المتراكم، لينتقل بعد ذلك للتنديد هو الآخر بما قام به بعض جيران العين الرومانية (عين البلد) بإقامتهم لحفر تستقبل مياه الصرف الصادرة عنهم، وهو ما يهدد ماء هذه العين بالتلوث، داعيا البلدية للتدخل السريع لمنع ذلك ولتنفيذ قرار منع تربية الحيوانات بهذا الموقع. و اشتكى من غياب الحس الحضاري عند بعض السكان الذين تمتد أيديهم لهدم البنايات والمعالم، حتى أنهم لجأوا لكسر ألواح و جداريات إعلامية، للتعريف ببعض المواقع مثل منزل المجاهد بوالصوف التي ثبتتها إدارته على جدران هذه المعالم.

رئيس بلدية ميلة
لا يحق لنا التدخل في القطاع المحفوظ و الوصاية عليه للوزارة
رئيس بلدية ميلة أوضح بأن المدينة القديمة بوصفها قطاع محفوظ، فإن مسؤولية الحفاظ عليها تعود بالدرجة الأولى لوزارة الثقافة عبر مديريتها، وأنه لا يحق للبلدية التدخل والقيام بأي نوع من الأشغال التي تتدخل بها في الأحياء الأخرى، باستثناء السهر على تسيير الشؤون اليومية للسكان القاطنين بها من نظافة وإنارة. وأشار أنه منذ استلامه لمهامه على رأس المجلس الشعبي البلدي، شرع في تنظيف المدينة القديمة التي وجدها تعاني في هذا المجال، نافيا علمه بتكفل الديوان بهذه المهمة ومشيرا بأنه زودها مثل باقي أحياء المدينة الجديدة بوضع حاويات القمامة في نقاط معينة منها. علما وأن المواطنين عموما لا يحترمون نقاط تجميع القمامة، في حين انتظرت البلدية أكثر من سنة للحصول على رخصة قطاع الثقافة لانجاز مشروع الإنارة لسكنات جنان ملو. أما بخصوص قرارات الهدم الخاصة بالبناءات التي تمت بطريقة فوضوية داخل السور وخارجه، فيقول أنه غير مستعد لتنفيذ أية مقررات هدم، خاصة وأن البنايات أقيمت قبل وصوله على رأس البلدية ،مؤكدا على أنه سيمنع أي بناء جديد داخل القطاع المحفوظ الذي أصبح يتمتع بقانون خاص يحميه.

جمعية أصدقاء ميلة منزعجة و لا تريد التعامل مع مديرية الثقافة و الديوان
رئيس جمعية أصدقاء ميلة البروفسور سقني تطرق إلى الدور الذي لعبته الجمعية ومسعاها، الذي توج بإصدار المرسوم التنفيذي رقم 09 - 404 الذي صنفها كقطاع محمي ومحفوظ وجعلها مرشحة للاستفادة من عمليات صيانة وترميم طبقا للقانون، ولمضمون المرسوم التنفيذي رقم 03 - 324 المؤرخ في 9 شعبان عام 1424 الموافق 5 أكتوبر سنة 2003 الذي يتضمن كيفيات إعداد المخطط الدائم لحفظ واستصلاح القطاعات المحفوظة، وكذا المبادرات التي قامت بها الجمعية من خلال إعادة تشغيل في وقت سابق (للمياشر ) لصنع مادة القرميد، واستغلالها في الترميم والصيانة. ناهيك عن مبادرتها تجاه الجامعة والاتفاق المتوج بين هذه الأخيرة والسلطات في جعل المدينة القديمة فضاء مفتوحا للدارسين، ومحورا مهما لبحوثهم ومؤلفاتهم، علما وأن ملتقى ميلة عبر التاريخ وصل العام الماضي لطبعته التاسعة، و التي أوصى كل المتدخلون والتمسوا من وزارة الثقافة بضرورة إدراج ميلة القديمة للاستفادة من البرنامج الجاري تحضيره وتنفيذه الخاص بتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية مادامت ميلة و قسنطينة متلازمتين تاريخيا إذ ما أن تذكر الثانية حتى تسمع ذكر الأولى حسب ما جاء على لسان البروفيسور سقني. رئيس الجمعية بدا منزعجا من التجاهل الذي لقيته جمعيته من قبل مديرية الثقافة والديوان الملحق بها، فيما مضى من الوقت ،لذلك ترى الجمعية نفسها غير ملزمة بالتعامل مع هاتين الهيئتين وتبليغ انشغالاتها مباشرة لمسؤول الولاية الأول، مع المطالبة بتعيين مندوب يتولى الإشراف على كل العمليات التي تخص القطاع المحفوظ،. وتؤكد الجمعية في الأخير عبر محضر اجتماع مكتبها الأسبوع الماضي، بأنها لن تسكت مستقبلا عن أي تماطل أو تأخير يزيد من متاعب هذا التراث ويهدده في كيانه، مشيرا إلى أن الجمعية قدمت ملاحظاتها المكتوبة حول مخطط الحفظ الدائم، وهي تتمنى بالمناسبة أن تعطى الأولوية للمعالم التاريخية المشتركة مثل عين البلد ( التي يقال أنها العين الرومانية الوحيدة في العالم التي لا تزال مياهها متدفقة ) والسور البيزنطي ومسجد أبي المهاجر دينار وغيرها ،على أن تلحق بعد ذلك بسكنات المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.