يروي سكان بلدية رقان بولاية أدرار شهادات مروّعة للنصر حول آثار التفجيرات النووية الفرنسية التي لا تزال آثارها متواصلة وتمتد إلى يومنا هذا، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على هذه التفجيرات، ويذكر عدد من سكان المنطقة في شهاداتهم بأن آثار هذه التفجيرات تتزايد بشكل خطير خلال العقدين الأخيرين، نتيجة زحف الإشعاعات النووية، خاصة آثارها على الصحة وظهور عدة أمراض، إلى جانب تأثيراتها على قطاعي الفلاحة والبيئة. روبورتاج: نورالدين عراب وجدد السكان مطالبهم إلى السلطات الفرنسية بضرورة التعويض المادي عن كل ما لحق بهم من أضرار نتيجة هذه التفجيرات، إلى جانب انجاز مستشفيات لعلاج المتضررين، كما يؤكد هؤلاء بأنه مهما كان حجم التعويضات فإنها تبقى غير كافية ولن تعوضهم عن كل الأضرار التي لحقت بهم، والتي تتناقل بين الأجيال خاصة الصحية منها. وكانت السلطات الاستعمارية الفرنسية قد اختارت الصحراء الجزائرية لتنفيذ تفجيرات نووية كبرى، وحولت أزيد من 42ألف جزائري برقان إلى فئران تجارب بهدف معرفة مدى تأثير الإشعاعات النووية على الجنس البشري، كما اختارت السلطات الاستعمارية 150 سجينا من المجاهدين لتنفيذ هذه التجارب على البشر ، بحيث حولت هؤلاء السجناء من سجني سيدي بلعباس ومعسكر إلى رقان لتنفيذ تجاربها عليهم، وكان أول تفجير وقع بتاريخ 13 فيفري 1960وقدرت طاقته ب 60كيلوطن، أي ما يعادل 70مرة قنبلة هيروشيما اليابانية، كما نفذت فرنسا 17تجربة نووية خلال الفترة ما بين 1960و1966 منها 04تفجيرات كبرى دون أن تولي أي اعتبار لأضرار هذه التفجيرات على الجزائريين الذين تحولوا إلى فئران تجارب لديها. وعلى الرغم من مرور أزيد من 50 سنة على هذه التفجيرات إلا أن السكان من الشباب والكهول يتحدثون عن هذه التفجيرات وجرائم فرنسا وكأنهم عايشوها نتيجة هذه الآثار المدمرة التي لا تزال شاهدة على جرائم الفرنسيين إلى يومنا هذا. ويذكر في هذا السياق شاب يكون في عقده الثالث المدعو « محمد» بأن التفجيرات النووية الفرنسية حولت حياتهم في المنطقة إلى جحيم، وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على هذه التفجيرات، لكن آثارها متواصلة على الأجيال الصاعدة، وكشف نفس المتحدث عن تزايد عدد الأمراض في العقدين الأخيرين، وأشار إلى أن سكان رقان بعد الاستقلال كانوا يتنقلون إلى أماكن التفجيرات لنقل الحديد و صفائح الزنك لاستعمالها في تغطية أسقف المنازل، ولم يكن السكان على دراية بخطر هذه المواد التي كانت تحمل الإشعاعات النووية، ويضيف نفس المتحدث بأن قصر « تاعرابت» بالمنطقة يعد من أكثر المناطق تضررا بهذه التفجيرات، مشيرا إلى أن هذا القصر الذي يضم مئات العائلات فقط تم إحصاء به 40 إعاقة بالصم البكم، إلى جانب عدة إصابات أخرى بالسرطان، والتشوهات الخلقية، وضعف البصر، ويضيف نفس المتحدث بأن بعض السكان الذين يجهلون تأثيرات هذه الإشعاعات الموجودة في مادة الحديد لا يزالون يستعملونها في أسقف المنازل إلى يومنا هذا. السرطان و ضعف البصر والتشوّهات الخلقية أكثر الأمراض انتشارا وعن أكثر الأمراض انتشارا في صفوف السكان يتحدث عمي العباسي الذي التقيناه بجوار زاوية الرقاني عن السرطان، التشوهات الخلقية، انتشار الإعاقات خاصة الصم البكم، والإعاقات الحركية والذهنية، سقوط الجنين، وكلها حسبه نتيجة آثار الإشعاعات النووية، كما تحدث عمي العباسي عن أمراض جديدة نادرة غير معروفة من قبل يرجح أنها تكون من آثار الإشعاعات النووية التي بدأت تزداد في العقود الأخيرة. وفي السياق ذاته تحدث عدد من سكان رقان في شهاداتهم حول آثار التفجيرات النووية عن انتشار أمراض ضعف البصر، ويؤكد هؤلاء بأن الأمر لا يتعلق بكبار السن فقط، بل حتى الأطفال أصيبوا بهذا المرض نتيجة تأثيرات الإشعاعات النووية، وهو ما يؤكد حسبهم امتداد آثار هذه الإشعاعات وتزايدها خلال السنوات الأخيرة. من جانب آخر وفي الوقت الذي اختار أغلب السكان الصمود والبقاء في رقان ومواجهة هذه الأخطار الناجمة عن التفجيرات النووية، اختار آخرون الرحيل والتوجه إلى المناطق الأخرى كأدرار و تمنراست هروبا من جحيم وآثار هذه التفجيرات والبحث عن مكان آمن لا تصله آثار الإشعاعات النووية لهذه التفجيرات. مساحات شاسعة تحوّلت إلى أراض قاحلة وجرداء تحدث سكان رقان عن التأثيرات الكبيرة للتفجيرات النووية على قطاعي الفلاحة والبيئة، ويؤكد العديد منهم في شهاداتهم بأن الأراضي الفلاحية بالمنطقة تحولت إلى أراضي قاحلة وجرداء، ووقفنا بالمنطقة على أراضي مجاورة لقصر الرقاني ، ووجدناها خالية من أي نبات أو شجر، بعد أن كانت من الأرضي المنتجة، ويذكر في هذا الإطار أحد سكان القصر المدعو أحمد بأن رقان في سنوات الثمانيات كانت تصدر الطماطم إلى أوروبا، في حين اليوم تراجع الإنتاج بشكل كبير نتيجة تزايد الإشعاعات النووية، كما تراجع بشكل كبير إنتاج القمح والحبوب المختلفة، ولم يعد المحصول وافرا كما كان عليه من قبل، كما تأثرت أشجار النخيل هي الأخرى بالتفجيرات النووية، ودلنا أحد الشيوخ أثناء تواجدنا بقصر الرقاني على الحالة التي أصبحت عليها أشجار النخيل، التي ذبلت أغصانها وتساقطت نتيجة هذه التفجيرات، كما أنها لم تعد مثمرة، ونظرا للتأثر الكبير لقطاع الفلاحة بالتفجيرات النووية، لم يجد سكان المنطقة من مجال للعمل سوى لدى الشركات، وأغلبهم موظفون لدى المؤسسات العمومية. " لن نتخلى عن مطالبة فرنسا بالتعويض عن جرائمها " يجمع سكان رقان بأن مطالبتهم للسلطات الفرنسية بتعويضهم جراء التفجيرات النووية التي حولت فيها سكان المنطقة إلى فئران تجارب حق مكتسب، ولن يتنازلوا عنه مهما طال الزمن، ويجمع هؤلاء بأنه مهما كانت قيمة التعويضات المالية التي تقدمها السلطات الفرنسية فإنها تبقى غير كافية، ولن تنسيهم في جرائمها التي تتناقلها الأجيال، كما طالب سكان المنطقة السلطات الفرنسية بناء مستشفيات ومراكز صحية بالمنطقة لعلاج المرضى والمتضررين من هذه التفجيرات، كما فعلته مع دول أخرى التي نفذت فيها تفجيرات وارتكبت فيها جرائم. ويذكر السكان بأنهم يضطرون لعلاج المتضررين من هذه التفجيرات بالتوجه نحو المستشفيات الكبرى بأدرار والولايات المجاورة، في ظل غياب مرافق صحية كافية بالمنطقة، ويجمعون بأن علاج الضحايا يبقى أيضا من مسؤولية السلطات الفرنسية التي يتوجب عليها التكفل بهم.