فهرس المقال مطالب بالكشف عن أرشيف التفجيرات النووية ومحاكمة فرنسا أكاديميون وسياسيون يبرزون آثار المحرقة الفرنسية في الصحراء الجزائرية استنادا إلى اتفاقية روما 1998 كل الصفحات الصفحة 1 من 3 الشيخ محمد الرقاني يروي ذكريات من جحيم التفجير النووي الاستعماري قدم أمس الشيخ محمد الرقاني الذي كان يعمل منذ خمسينيات القرن الماضي في مجال الرعاية الصحية في منطقة رقان شهادة حية على هامش منتدى نظم بأدرار حول انعكاسات الإشعاعات النووية، باعتبار أنه من المواطنين الذين عايشوا هول التجارب النووية التي أجرتها فرنسا الاستعمارية في 13 فيفري 1960 بهذه المنطقة. ويذكر هذا الشاهد المولود في سنة 1937 برقان كيف قام المستعمر الفرنسي قبل إجراء هذه التفجيرات بعدة تحركات بهدف قياس مدى تأثير الإشعاعات النووية على المحيط بكل مكوناته وأنه في سنة 1957 بدأت السلطات الاستعمارية تنقل عتادها وجنودها الذين بلغ تعدادهم حوالي 4 آلاف جنديا إلى منطقة رقان.وقال محمد الرقاني "في سنة 1958 قدم إلى المنطقة مجموعة من الضباط و قيادات عسكرية استعمارية لمعاينة موقع بناء القاعدة العسكرية بالمنطقة المعروفة محليا ب" التارقية" حيث أنجزت بناءات جاهزة من عدة طوابق لتامين إقامة هؤلاء الضباط". وفي سنة 1959 يضيف الرقاني - بدأت فرنسا بتحويل العتاد إلى منطقة "حموديا" انطلاقا من القاعدة العسكرية التي تبعد 10 كلم شمال رقان و قد منعت الدخول إلى القاعدة التي شيدت على منطقة جبلية إلا بترخيص مسبق وذلك للتستر على المختبرات التي أنشأتها بداخل الكهوف الجبلية الواقعة بأسفل القاعدة العسكرية. ومكنت التراخيص الممنوحة للعاملين في مجال الرعاية الصحية والذين كان من بينهم رقاني وزملاؤه من رصد هؤلاء لتحركات الفرنسيين قبل تنفيذ حادث التفجير النووي. و في هذا الصدد يقول الرقاني " جرى بناء مستشفى داخل القاعدة العسكرية يتوفر على كل التخصصات الطبية وكان يديره النقيب الفرنسي بوشو حيث كانت تنظم دوريات للمراقبة الصحية للسكان بدءا من زاوية كنته إلى رقان عبر كامل القصور القديمة المنتشرة بالجهة". في 1960 تنقل الجنرال آييري وهو مختص في المجال النووي إلى المنطقة حيث تفقد حقل التفجير بمنطقة حموديا للتأكد من جاهزيته- يضيف الرقاني في شهادته . قبل يوم من حدوث التفجير - يضيف نفس الشاهد- وزع الاستعمار الفرنسي مجموعة من القلادات تحوي على علبة صغيرة أو ما يعرف ب "سكوبيدو" بها شريط صغير على كل المستخدمين بالقاعدة العسكرية و حتى على سكان المناطق المطلة على حقل التفجير وذلك لقياس مدى تأثير الإشعاعات النووية الناتجة عن تلك التفجيرات. ويذكر الرقاني أنه "في ليلة 13 فبراير 1960 أمرت سلطات الاحتلال الفرنسي بخروج كل السكان من منازلهم وإبقائهم في حالة انتظار إلى غاية الساعة السابعة صباحا حيث تقول بعض الروايات بأن الجنرال ديغول قد حضر بنفسه عملية التفجيرات". و"قد شعر السكان بعد حدوث هذه التفجيرات كما أضاف الشاهد - بما يشبه زلزال قوي تعرضت له المنطقة من هول قوتها حيث يتعذر على الشخص رؤية أي شيء من كثافة الغبار الناجم عن التفجيرات كما أن الإشعاع الناجم عن التفجيرات بلغ مداه إلى كل من تساليت بمالي و كرزاز بولاية بشار على مسافة 650 كلم.يذكر الرقاني أنه، فور حدوث هذه التفجيرات النووية انتشرت سحابة من الدخان في سماء المنطقة تشبه إلى حد ما نبات الفطر وقد رافقتها مجموعة من الطائرات بدون طيار لمتابعة مسار السحابة الفطرية، مشيرا إلى أنه وبعد هذه التفجيرات قام رفقة طبيب فرنسي بتفقد السكان عبر مختلف القصور القديمة و هنا كانت الكارثة حيث وجد - كما أضاف - نحو 30 امرأة أسقطن مواليدهن وقد تعرضن لحالات من الغيبوبة و الارتجاف و خفقان القلب وقد جرى نقل عشرات المرضى إلى المستشفى بالقاعدة العسكرية بعد تدهور حالتهم الصحية. و عن مخلفات هذه التفجيرات و انعكاساتها على الأوضاع الصحية لسكان المنطقة يقول الرقاني " قبل حدوث هذه الجريمة البشعة لم يكن السكان بحاجة إلى مستشفى ولا إلى دواء بدليل أن وضعهم كان على أحسن ما يرام ولكن و بعد حدوث التفجيرات تغير الوضع حيث بدأت تظهر عليهم حالات مرضية جديدة غير معروفة من قبل ومن بينها أمراض القلب والعيون و ضغط الدم و التشوهات الخلقية لدى المولودين الجدد". وأوضح الرقاني أنه من بين ضحايا تلك التفجيرات هناك من لا يزال على قيد الحياة وقد فقد بصره نتيجة تعرضه لإشعاعات تلك التجارب النووية و أن الأمهات أصبحن عاجزات فيما بعد على القيام بالرضاعة الطبيعية كما أن معظم الولادات كانت تتم بعد التفجيرات بالطريقة القيصرية على مستوى مستشفى رقان. حول الأمراض التي ظهرت بالمنطقة نتيجة تلك التجارب النووية يدعو محمد الرقاني إلى "إجراء مقارنة بين ما كان عليه الوضع من قبل حدوث تلك التفجيرات النووية وما حدث بعدها في مختلف المجالات خاصة الصحة والزراعة التي شهدت تراجعا ملحوظا بعد أن كانت من قبل المصدر الرئيسي لمعيشة سكان المنطقة. حالات سرطان و أضرار على البيئة والزراعةمن جهته قدم الدكتور مصطفى أوسيدهم من مستشفى رقان شهادته على هامش ذات المنتدى حول الآثار المدمرة التي خلفتها هذه التفجيرات على صحة الإنسان حيث قال أن "هناك تأثيرا وعلاقة بين الإشعاعات النووية و انتشار عدة أمراض في أوساط سكان المنطقة ويجب التدقيق العلمي لتأكيد هذه العلاقة و كشف جرائم الاستعمار ". وأوضح أن مستشفى رقان يتعامل مع مجموعة من الحالات المرضية في الحياة المهنية اليومية كأمراض السرطان و العيون والإجهاض و ضغط الدم و التشوهات الخلقية مشيرا في هذا الصدد إلى أن مصلحة الطب العام بنفس المرفق الإستشفائي أحصت ما بين 1996 و2009 حوالي 85 حالة مؤكدة للإصابة بداء السرطان بمعدل 5 إلى 10 حالات في السنة معظمها فوق سن ال15 سنة وقال أن ارتفاع معدلات الإصابة يعود إلى زيادة عمليات التشخيص التي تتم على مستوى المستشفى. ألح الدكتور مصطفى أوسيدهم بالمناسبة على ضرورة القيام بدراسات و تحاليل علمية لتشخيص هذه الإصابات من حيث النوع و العدد و مقارنتها بمناطق أخرى لأن الإثبات العلمي يبقى الوسيلة الأنجع لكشف جرائم المستعمر. في سياق متصل ذكر مدير البيئة لولاية أدرا ر أن عدة إجراءات عملية أولية قد اتخذت من أجل تجاوز أخطار هذه الإشعاعات النووية ويتعلق الأمر بمشروع تسييج للحقل الذي جرت فيه التفجيرات النووية بمنطقة حمودية على مسافة 12 كلم طولي والذي جرى تجسيده فعليا سنة 2008 مشيرا إلى أن عملية التسييج شملت مواقع التفجيرات المتمثلة في اليرابيع الثلاثة (الأزرق ، الأبيض والأحمر) فيما بقي الموقع الرابع - كما أضاف - دون تسييج لعدم كفاية الغلاف المالي. وبخصوص آثار هذه التفجيرات على النشاط الزراعي يعتبر رئيس الغرفة الفلاحية بأدرار من جهته أن "التراجع المسجل في إنتاج المحاصيل الفلاحية التي كانت تشتهر بها المنطقة وفي مقدمتها الطماطم خلال السنوات الأخيرة قد يكون بسبب آثار الإشعاعات الناجمة عن تلك التفجيرات النووية وأوضح أبا علال سالم في هذا الصدد أنه سجل تراجع كبير في محاصيل الطماطم بعد أن كانت هذه الزراعة والى عهد قريب جد مزدهرة حيث كانت الولاية تصدر محاصيلها من الطماطم إلى بلدان أوروبية . ذكر أن محاصيل الطماطم تعرضت خلال السنوات الماضية لآفة غريبة تتسبب في اصفرار المحصول وقد أدت مثل هذه الأخطار إلى غلق مصنع تصبير الطماطم برقان منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي والذي كان يستقبل لوحده 84 طنا من الطماطم في اليوم وهذا فضلا على إنتاج محاصيل فلاحية أخرى بالمنطقة من خضروات وبطاطس وبعض أصناف البقوليات بل وحتى التمور التي كانت الرافد الأكبر لتجارة المقايضة التي تتم بين ولاية أدرار وبعض دول الساحل الإفريقي . وعلى الصعيد الجمعوي دعا المكتب البلدي للجمعية الوطنية لحماية البيئة و مكافحة التلوث بأدرار إلى اتخاذ الإجراءات و التدابير الضرورية لحماية الإنسان و المحيط من أضرار الإشعاعات التي خلفتها هذه التفجيرات الإجرامية .ومن جهته يرى رئيس جمعية 13 فبراير 1960 بولاية أدرار عبد الرحمن اقصاصي أن مسألة التعويضات المادية لضحايا التفجيرات النووية التي نفذتها السلطات الاستعمارية بمنطقة رقان لا تقتصر فحسب على إجراء التعويض في حد ذاته بقدر ما يتعلق الأمر أيضا بالاعتراف بالجريمة المقترفة في حق المواطنين والبلد وإعادة تأهيل المنطقة من جميع الجوانب ودعا رئيس الجمعية إلى الضغط على فرنسا حتى تعترف بجرائمها التي ارتكبتها في حق أبناء الوطن بما فيها التفجيرات النووية التي أجرتها بالصحراء الجزائرية مشيرا إلى التماس الجمعية فتح هذا الملف والكشف عن جميع ملابساته.تجدر الإشارة إلى أن موضوع "انعكاسات الإشعاعات النووية على صحة الإنسان" شكل أمس موضوع منتدى جهوي رابع انتظم بأدرار بشكل متزامن مع ذكرى مرور 50 سنة على إجراء التجارب النووية بأدرار، في سياق السعي لتوفير كل ما هو متاح من معطيات علمية مبنية على أدلة حول الأخطار المدمرة التي خلقتها هذه التجارب النووية على الإنسان والمحيط. ق / و