* قوى خارجية تحاول إفساد الدور الجزائري في ليبيا يؤكد الصحفي و المحلل السياسي المعروف عبد الباري عطوان، أن الشعب الجزائري استطاع بوعيه أن يجنب البلاد حربا أهلية تم التحضير لها ضمن ما سماه «مؤامرة خارجية ضخمة»، كما يضيف رئيس تحرير الصحيفة الالكترونية «رأي اليوم» في حوار خص به النصر، أن بلادنا تسير اليوم على طريق الاستقرار، و يعتبر بأنها قادرة على فض مختلف الأزمات من منطلق التجربة و الحياد، أما بخصوص الأزمة الليبية فيرى الكاتب الفلسطيني أن هناك بلدانا لم ترد للجزائر أن تلعب دورا في حلها، خاصة أن دول الإقليم تثق بالحكمة الجزائرية المطمئنة للأمة و بلدان الجوار. * حاورته: ياسمين بوالجدري سبق و أكدت أن الجزائر قدمت نموذجا في السلمية و الحضارية، كما أثبت شعبها وعيا خلال حراك شعبي تفصلنا أسابيع قليلة عن ذكراه الأولى. كيف تقرأ المشهد العام بجزائر اليوم و أنت الذي قلت إنها خرجت سالمة من «مؤامرة خارجية»؟ بداية أهنئ الشعب الجزائري على هذا الإنجاز الكبير الذي تحقق مع اقتراب الحراك من إتمام عامه الأول، لأن الجزائر كانت مستهدفة و أريدَ لها أن تمر بمرحلة سواد أخرى مثلما حصل في سوريا و ليبيا واليمن و دول أخرى. محاكمة الوزراء ورجال الأعمال تجربة نادرة في الوطن العربي الشعب الجزائري أظهر وعيا غير مسبوق تمثل أيضا في حرص مؤسساته السياسية والعسكرية على الوحدة الوطنية و البعد عن مؤامرات التجزئة وإفشالها، لقد أصر الشعب على الاستمرار حتى تتحقق معظم مطالب تغيير النظام و القضاء و محاربة الفساد و إحياء العملية الديمقراطية السياسية الحقة، و محاكمة كل المسؤولين عن الفساد و الاقتصاص منهم أمام محاكم نزيهة، و بناء هياكل الدولة على أسس حديثة. الخطأ قد يكون واردا والكمال لله وحده لأن الجزائر في مرحلة «تسنين» وفي بداية الطريق حتى تستطيع أن تصبح نموذجا و مثلا للشعوب الأخرى، لقد عاشت سنة كاملة لم ترق فيها قطرة دم واحدة، مع حرص من السلطة على السلمية و الحضارية و الوعي المطلق بالمؤامرة الخارجية التي كانت تهدف إلى خلق حرب أهلية، و تبذر بذور الفتنة وتسقيها. نستمد قوتنا وصمودنا وكفاحنا من التجربة الجزائرية بالحديث عن المحاكمات، رأى الجزائريون لأول مرة في تاريخ البلاد، مسؤولين برتبة رؤساء حكومة و وزراء و رجال أعمال نافذين، يحاكمون في جلسات علنية، إلى أي مدى ساهم هذا الأمر في إعطاء صورة جديدة عن الجزائر؟ تقديم رؤساء وزراء و وزراء سابقين و قادة أمن وشخصيات كبيرة و رجال أعمال للقضاء، هي تجربة نادرة وغير مسبوقة في الوطن العربي. هذا مصدر فخر للجزائر و دليل على أن هناك تصميم على تكريس المؤسسة القضائية، وتعزيز استقلاليتها، أو هكذا نأمل، بإخضاع هؤلاء الأشخاص للمحاكمة وتطبيق العدالة كاملة واستعادة الأموال المنهوبة و الأهم أن تتبلور وتستمر ويتم اعتمادها في المستقبل، ما يضع الجزائر في مصاف الدول المتقدمة. الوساطة الجزائرية هي البديل في ليبيا ولا حل بدونها ذكرت في أحد فيديوهاتك على موقع «يوتيوب»، أنه يجب إعطاء الفرصة للرئيس عبد المجيد تبون، و قلت إن العصابة تآمرت عليه بعد أن طالب بفصل السياسة عن المال، ما قراءتك لهذا الوضع الجديد؟ أؤمن بالدور القيادي للجزائر في العالمين العربي والإسلامي، وفي تقديري هذه بداية خروج الجزائر من محنتها بعدما تجنبت المؤامرة الضخمة. الشعب الجزائري اختار عبد المجيد تبون، وهناك من قاطع و هناك من شارك، وهذه هي الديمقراطية، فمن حق المقاطع المقاطعة والمشارك المشاركة. لا بد من التريث قبل إصدار أحكام متسرعة، فالميدان هو الحكم، والشعب الجزائري لن يقبل بأي خروج عن مطالب حراكه المشرف. الشعب الفلسطيني لن يستسلم رغم الحصار و الخيانات لقد أسفرت الانتخابات عن قيادة جديدة و الجزائر تسير اليوم على طريق الاستقرار، أو هكذا نأمل، وإذا كانت هناك أخطاء في المرحلة الأولى، فإنه ستكون هناك مراحل جديدة. تبون عارض المجموعة الحاكمة السابقة ، وهذا أمر معروف و مؤرخ و مُثبّت، ولا بأس من إعطائه فرصه ثم محاسبته. هنالك اختبارات جديدة و نأمل أن تكتمل التجربة الديمقراطية الجزائرية، حتى يكون الحكم عليها صادقا. يجب الانتظار حتى تكتمل، فمن اجتهد و أصاب له أجران و من اجتهد و أخطأ له أجر المجتهدين، المهم أن الشعب الجزائري أحبط المؤامرة الأخطر، ولن يتسامح مع أي أخطاء من قبل السلطة. ما يزال المستنقع الليبي مبعث قلق دولي، و لقد رأينا كيف زاد التدخل الخارجي من تعقيد الأزمة، برأيك ستنجح الجزائر في مساعيها للحل السلمي في ليبيا و التوصل إلى توافق بين الفرقاء؟ لقد انعكس تغييب الجزائر عن الساحة الدولية و العربية و الأفريقية سلبا على كل المنطقة، و لو كانت الجزائر متعافية خلال الفترة الماضية، لما حدث هذا التدخل الخارجي في ليبيا الذي دمرها وأحرقها وحرفها عن مسارها في دعم الدول العربية و مناصرة قضاياها، الأمر ذاته حدث في سوريا و اليمن و هي دول كانت شعوبها تنعم بتعايش و تسامح على كل التقسيمات الطائفية والعرقية، لقد طالبت هذه الدول في السابق، بحلول عادلة لدعم الأمة و أرادت أن تستمتع الأمة بثرواتها وقد كان لها موقف ضد الاستعمار، لهذا استهدفت. الجزائر لها ثروات نفطية تماما مثل ليبيا و لولا وعي الشعب الجزائري لأصبحت ضحية تماما مثل ليبيا، ونأمل أن يترسخ هذا الوعي ويتعمق لأن المؤامرة ما زالت تحت الرماد. الجزائر تسير اليوم على طريق الاستقرار دليل محاولة إبعاد الجزائر عن قضايا الأمة، هو أنها لم تدع إلى مؤتمر برلين إلا في آخر 10 أيام قبل انعقاده، و هو ما يؤكد النوايا السيئة للدول التي وقفت خلف المؤتمر، هم لم يريدوا أي دور لها في حل الأزمة الليبية، لكن الجزائر بموقفهما الشامخ صححت هذا الخطأ، وفرضت كلمتها، وذهبت الى المؤتمر مرفوعة الرأس. يرى متابعون أن الجزائر قادرة اليوم على أن تكون دولة محورية في فض النزاعات، ليس في ليبيا فقط، بل أيضا على الصعيدين الإقليمي و الدولي، ما رأيك؟ نلاحظ اليوم أن الجزائر تحولت إلى محجّ للدول العربية والعالمية، فقد زارها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و وزراء خارجية فرنسا و بلدان أوروبية، كما أن الرئيس التونسي قيس سعيّد اختارها لتكون أول دولة يزورها، وهناك طابور طويل من الزوار ينتظر دوره. لقد كانت هناك زيارة لوزير الخارجية الجزائري إلى شرق ليبيا أين التقى بحفتر، و هنا أؤكد أن الجزائر ستستعيد دورها. دول الإقليم تثق بالحكمة الجزائرية، و استعادة هذا الدور يطمئن الأمة و دول الجوار، خاصة في العهد الجديد الذي ساهم الحراك في رسم صورته و وضع معظم أسسه وهياكله. الجزائر تجنبت مؤامرة ضخمة لكنها ما زالت تحت الرماد الجزائر هي الدولة أكثر ترشيحا لجمع الطرفين الليبيين و التوصل إلى حل ينقذ ليبيا، فالجزائر ضد التدخل الخارجي و تقف على مسافة واحدة مع كل الجهات المتحاربة، كما أن لها خبرة في حل الأزمات، لكن هناك قوى خارجية تحاول إفساد وعرقلة الدور الجزائري. الوساطة الجزائرية هي البديل و نأمل أن تنجح و تعطي ثمارها بتحقيق الاستقرار في ليبيا، و نحن نرى اليوم كيف أن نصف الشعب الليبي مهجّر و من تبقى منه يعانون من غياب الاستقرار، ليبيا جرى نهبها، وأكثر من 200 مليار دولار من أرصدتها، لكن لم يحصل شعبها في المقابل إلا على الفتنة ومحاولات التفتيت والتجزئة. لولا وعي الشعب لأصبحت الجزائر مثل ليبيا وسوريا كانت هناك مواقف دولية رافضة لما سمي بصفقة القرن و أخرى مرحبة بها. في تقديرك، هل يمكن لخطة ترامب أن تنجح على أرض الواقع؟ تماما مثلما حدث في جنوب أفريقيا، سيصمد الفلسطينيون ضد النظام العنصري في فلسطينالمحتلة وينتصر، فهذه الصفقة هي محاولة لإعادة للنظام العنصري في جنوب أفريقيا، و ستفشل، هم يريدون من خلالها إقامة معازل داخل فلسطينالمحتلة دون إعطاء سكانها حقوقهم. الجزائريون قدموا دروسا في الحراك السلمي والديمقراطية لن ينجح هذا الاستعمار و سيتم التصدي له و سيُهزم، فالشعب الفلسطيني شعب مقاوم و لن يستسلم رغم الحصار و الخيانات، طالما الشعوب تسانده و على رأسها الشعب الجزائري، و نحن نستمد قوتنا من التجربة الجزائرية التي يقرأها الفلسطينيون و يحفظونها عن ظهر قلب. هناك هبة في الأراضي المحتلة ضد صفقة القرن، والشعب الذي فجر انتفاضتين، ويقاوم الاحتلال ومحاولات نهب حقوقه منذ مئة عام، لن يستسلم. الشعب الجزائري وأد المؤامرة نفسها، والاستعمار الاستيطاني نفسه، وقدم ملايين الشهداء والجرحى، وكان النصر نصيبه بعد 150 عاما من الاحتلال، والشعب الفلسطيني يسير على الدرب نفسه. سجلت الجزائر موقفا رسميا رافضا لصفقة القرن، و هو موقف ينسجم مع علاقة الأخوة المميزة بين الشعبين الجزائريوالفلسطيني، برأيك من أين استمد الشعبان هذه الرابطة القوية؟ أسعد كثيرا بجميع الأشقاء في الجزائر الذين يتمتعون بوطنية رائعة، و أشعر بالفخر. الشعب الجزائري يدعم القضية الفلسطينية و يدعم القضايا العادلة، و شخصيا لم أقابل جزائريا لا يحمل الحب لفلسطين، بل التطرف والتشدد في حب فلسطين، يا الله ما أجمل مشاعر هذا الشعب و وطنيته تجاه فلسطين. صفقة القرن محاولة لإعادةالنظام العنصري في جنوب أفريقيا الشعب الجزائري فخر بتعايشه و صدق مشاعره الوطنية، و هو يقدم دروسا و نموذجا لكل الشعوب العربية. أتمنى للجزائر كل التقدم و الازدهار و أن تستعيد مكانتها الدولية بقوة بفضل شعبها و ثرواتها و الإرث الوطني الذي لا خلاف حوله فهي تمثل بالنسبة لي التجربة القدوة، و إذا كان أهل مكة أدرى بشعابها فإنني اعتبر نفسي من أهل شعاب الجزائر، مثلما يعتبر الشعب الجزائري، ومعه كل الحق، من أهل فلسطين، ومستعد لتقديم آلاف، إن لم يكن ملايين الشهداء، من أجل استعادتها ومقدساتها. ي.ب