أترك موضوع النشر لأهلي وأصدقائي بعد موتي بعض منظمي الملتقيات يفعلون لأجل صرف ميزانية كان لابد أن تصرف ليس إلامجتمعاتنا ذكورية بامتياز، والمرأة ترفض أن تكون كائنا ندا للرجل وكائنا مستقلا عنه فاطمة بن شعلال شاعرة جزائرية، خريجة معهد الإعلام والإتصال بجامعة الجزائر، تشتغل في القناة الإذاعية الجزائرية الثانية الناطقة بالأمازيغية، تكتب قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة، هي مقلة في الكِتابة وشحيحة في النشر، وحتى الآن لم تصدر مجموعة شعرية واحدة رغم أن في أدراجها الخاصة 3 مخطوطات، لكنها دوما على عزوف من طبع شعرها في مجموعات شعرية. فاطمة غابت لسنوات عن المشهد الشعري الجزائري والتزمت وحدتها وصمتها وعالمها بعيدا عن الوسط الأدبي والمهرجانات والملتقيات، لكنها عادت مؤخرا للوسط الأدبي الذي تنتمي إليه دائما رغم سنوات الغياب والاعتزال، وعادت أيضا لحضور المهرجانات والفعاليات الشعرية والأدبية. في هذا الحوار تتحدث الشاعرة فاطمة بن شعلال عن الشعر والكتابة وعن الطبع الذي لم تتحمس له يوما، كما تتحدث عن أسباب غيابها عن الساحة الأدبية وأسباب عودتها. حاورتها/ نوّارة لحرش غبتِ لسنوات عن الساحة الأدبية، ثم عدتِ مؤخرا، هل غيابك كان عن الساحة فقط أم عن الشعر أيضا، يعني كانت فترة جفاف بدون كتابة وبدون شعر؟، ما سبب الغياب، وما سبب العودة، هل هي عودة ناتجة عن إلحاحات الشعر، أم أن الساحة أصبحت أكثر وضوحا من ذي قبل، وأنه لابد للعودة مجددا؟ فاطمة بن شعلال: أساسا أنا شاعرة مقلة. نشرت أولى قصائدي بجريدة الشعب عام 1984 وكنت في السنة الرابعة من التعليم المتوسط. كتبتها على بحر الرمل. أتذكر أن الشاعر عياش يحياوي هو من كان يشرف وقتها على صفحة الإبداع الأدبي وأبدى تحفظا نظرا لسني وإلى مستوى القصيدة. ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا لا يوجد في رصيدي سوى 3 مخطوطات شعرية تحتوي على نصوص منتقاة من مجمل ما كتبت، إضافة إلى بعض الخواطر وعدد من القصص القصيرة. قلت لكِ هذا لأشرح لك أحد أسباب غيابي. أي أنه يحدث أن يمر زمن طويل ولا أكتب فيه نصا واحدا. هذا فيما يخص غيابي عن الكتابة أو بالأحرى غياب الكتابة عني. وفيما يخص غيابي عن الساحة فله أسبابه. في فترة ما عزفت نفسي عن النشر وعن حضور الملتقيات. بالنسبة للنشر، انتبهت أننا ننشر نصوصا ولا أحد يلتفت إليها بالنقد الحقيقي. جل ما كتب لم يكن يعدو كونه مجاملات وفقط. وبالنسبة إلى الملتقيات، حضرت كثيرا منها، وكانت كلها طبعات متشابهة، لا جديد ولا تغيير فيها. كنت أشعر أحيانا أن منظمي تلك الملتقيات كانوا يفعلون لأجل صرف ميزانية كان لابد أن تصرف ليس إلا. وهذا لم يكن يروقني. وهكذا ولمدة طويلة توقفت عن تلبية دعوات المهرجانات والملتقيات الشعرية. ومنذ فترة عدت إلى المشاركة، هذا صحيح، لكنه حنين أكثر منه اقتناع. والحق أقول أن عودتي سمحت لي باكتشاف والتقاء أسماء شعرية جميلة أسعدني التعرف عليها. فهذا في حد ذاته مكسب لي. لحد الآن لم تصدري مجموعة شعرية، هل هو زهدك في الطبع، أم أن النشر ليس من اهتماماتك ولا يعني لك شيئا؟ فاطمة بن شعلال: مثلما ذكرت لكِ آنفا، موضوع النشر في الصحف لم يعد يغريني لأنه لا صدى هناك لما ننشره. أما أمر طبع مجموعة، فكان بإمكاني أن أفعل منذ نهاية الثمانينيات، حيث منحني صديقي العزيز المرحوم الطاهر وطار فرصة لذلك وكان يلح علي أن أسلمه مخطوطي ليطبعه في الجاحظية. لكنني كنت أرفض ذلك رفضا مطلقا. وبعدها عرض علي مشكورا، الشاعر عزالدين ميهوبي – وهو على رأس اتحاد الكتاب الجزائريين- أن يطبع مجموعتي، كذلك لم أتحمس، وجاءت الفرصة التي أتاحت للكثيرين طبع مجموعاتهم، وهي تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، وعرض علي المعنيون بالأمر أن أقدم أشعاري للطبع، لكن أيضا رفضت. نفس القصة مع أصدقائي بجمعية الاختلاف، ولاحقا مع صديقي أبوبكر زمال في منشورات بيت الشعر، ومؤخرا، الأستاذة اللطيفة التي لا تأل جهدا في تشجيعي، الشاعرة زينب الأعوج. فكما ترين فرص الطبع متوفرة. لكن ظللت أستبعد هذا الموضوع على أمل أن أحقق أمنية كانت تسكنني منذ كنت طفلة تكتب خربشاتها الأولى واستمرت معي، وهي أن يجمع أهلي وأصدقائي أشعاري بعد رحيلي عن هذه الدنيا فيطبعوها. كانت تسكنني فكرة الموت المبكر، لا أدري لماذا. كان من المفروض أن تصدر مجموعتك الأولى "لو رذاذ" منذ مدة، لكن لم تصدر بعد، رغم أنها معدة للنشر من سنوات، هذا يرجع ربما أكثر إلى عدم تحمسك للفكرة؟ فاطمة بن شعلال: آه. مجموعتي التي تحمل عنوان "لو.. رذاذ"، صحيح. في الفترة الأخيرة، أي سنة 2009، توصل الشاعر حرز الله بوزيد إلى إقناعي بتسليم أحد مخطوطاتي للطبع على حساب وزارة الثقافة حيث كان يشتغل، اقتنعت وقدمت له هذه المجموعة التي ذكرتِها. أسند أمر طبعها إلى اتحاد الكتاب الجزائريين. وتفاجأت برئيسه السيد يوسف شقرة يخبرني أن القرص الذي سجلتها عليه لا يفتح، وطلب مني قرصا آخر. توجهت إلى مقر الاتحاد، وكنا حينها نخوض الحملة الإنتخابية للرئاسيات. وجدت عند مدخل الاتحاد نشاطا له علاقة بالدعاية لمترشح ما. بغض النظر عمن يكون المترشح، كان مبدئي أن اتحاد الكتاب الجزائريين هو هيئة ثقافية وهو لكل الكتاب الجزائريين، مهما اختلفت ميولاتهم السياسية، وبالتالي ليس من حق هذا الاتحاد أن يعمل حملة لمترشح معين وباسمنا جميعا. هكذا رفضت أن تطبع مجموعتي في اتحادنا؟. مبدئيا مجموعتي "لو..رذاذ" وعدتُ بها أبوبكر زمال، وكان من المفروض أن تخرج مع معرض الجزائر الدولي للكتاب للسنة الماضية. لكنني تقاعست ولم يحدث. أجلنا الموضوع إلى معرض هذه السنة، كذلك لم يحدث بسبب تقاعسي. لست أدري لماذا يشكل لي موضوع الطبع هذا عقدة. صدرت نصوصك في بعض الأنطولوجيات الشعرية العربية، كيف استقبلت هذه الإصدارات والاحتفاءات؟ فاطمة بن شعلال: أجل، وردت بعض نصوصي في الأنطولوجيات التي أعدها الدكتور واسيني الأعرج والشاعر أبوبكر زمال والناقد يوسف وغليسي وكذلك في الموسوعة الكبرى للشعراء العرب التي أعدتها الأستاذة فاطمه بوهراكه. طبعا هذا الأمر يسعدني لأن هذه الأنطولوجيات هي بمثابة عُدة لمن يريد أن يتعرف ويشتغل على كتاباتنا، ومن خلالها أيضا يصل صوتنا إلى قارئ محتمل. في معظم أشعارك وقصائدك نبرة ناقمة على الذكر، هل الذكر بوصفه ذكرا أم رمزا ووجها لأوضاع اجتماعية متسلطة ومتعددة في آن؟ فاطمة بن شعلال: مجتمعاتنا ذكورية بامتياز. فهمت ذلك في سياقات العائلة وفي عمر مبكر. ثم وقفت على ذلك وفي عمر مبكر أيضا، فيما كتبه الروائي الجزائري مولود فرعون على لسان طفلة تقول لأمها: "أخي حفظه الله ضربني ومزق ثوبي"؟، أرأيتِ؟، ضربها ومزق ثوبها ولكن عبارة "حفظه الله" رسخها أهلها والمجتمع كله في ذهنها. فهي تطلب الله أن يحفظ أخاها حتى وهو يعتدي عليها. ثم سمعت أمهات كثيرات يقلن لبناتهن: "إذا لم يضربك أخوك فمن يضربك؟"، أو "قومي أحضري كوب ماء لأخيك". وحتى الإعلام الذي من المفروض أن يلعب دور التنوير، ينتج لنا حصصا إذاعية وتلفزيونية معتوهة من قبيل "كيف ترضين زوجك، كيف تكونين ست بيت شاطرة حتى يتمسك بك زوجك، كيف تنالين إعجاب زوجك.." وطبعا لا نجد بالمقابل حصة تخاطب الزوج وتقدم له نصائح لترضى به زوجته وتظل متمسكة به. كان – ومازال – كل هذا يشعرني بالقرف. مجتمعنا يظل هكذا مريضا ما لم يقتنع أن العلاقة بين الرجل والمرأة بصفة عامة، هي علاقة ندية تكافئية. والحق يقال أن من جعل عمر هذا المرض يطول هي المرأة ذاتها، بخنوعها وخضوعها وصمتها وصبرها الذي ليس في محله. المرأة ترفض أن تكون كائنا ندا للرجل وكائنا مستقلا عنه. أنت تعرضت إلى سرقة أحد نصوصك الشعرية، ماذا عن هذه القصة؟ فاطمة بن شعلال: أجل. إنها فعلا محنة. هو ذا الوصف المناسب لما تسرق منك عصارة روحك. الموضوع يتعلق بقصيدتي التي تحمل عنوان "هذا الذي". فوجئت بها منشورة بجريدة الحوار المتمدن باسم غيداء أبو صالح من السودان. ويا ليتها أخذت نصي كاملا ونسبته إليها. بل شوهته وأخذت منه مقاطع وغيرت كلمات وعبارات فجاء منفوش الشعر أشعث. بحثت عنها في النت لأعرف من تكون؟، ففهمت أنها "شاعرة" سودانية وأنها غادرت عالمنا إلى الأبد. لست قلقة على القصيدة لأن النقاد يستطيعون بكل بساطة أن يتعرفوا فيها على ملامح الكتابة الشعرية عندي. ثم إن القصيدة منشورة بمجلة "القصيدة" التي تصدرها الجاحظية في عددها لسنة2001 أظن. وكذلك بأنطولجيا بوبكر زمال عام 2004، أي قبل أن تنشرها المرحومة. لكن الذي مزق روحي هو الوقاحة التي جعلت هذه "الشاعرة" تستحوذ على روح شاعرة ثم تقوم بتشويهها. لو مازالت على قيد الحياة كنت عرفت كيف أتصرف معها. لكنها غادرت. ولكني لن أستطيع الغفران يوم اللقاء والمواجهة. كنت سأغفر لها لو سرقت كل ما أملك ماعدا روحي – قصيدتي- فقد ذبحتني. ما تريد الشاعرة فاطمة بن شعلال من خلال الشعر، وهل حققت الكِتابة بعض أحلامك، وهل للكتابة القدرة أن تحقق شيئا أو أن تعطي شيئا للكاتب، بمنعى آخر هل هناك حقا جدوى لهذه الكتابة، ولهذه الذات الكاتبة؟ فاطمة بن شعلال: أنا اخترت أن أكون صحفية مثلا وأدري لماذا، رغم أنه بعد ممارسة الصحافة لسنوات عدة، لم تحقق لي أملي. واخترت أيضا لاحقا وعلى كبر، أن أدرس القانون، وأنوي أن أمارس في المستقبل القريب مهنة المحاماة التي أستلطفها. وأيضا أدري لماذا اخترتها. لكنني لم أختر أبدا أن أكون شاعرة. ربما كان للوراثة دور مهم في أني أصبحت شاعرة، إذ أن والدتي تقول الشعر بالأمازيغية وكذا والدي الذي يكتبه بالأمازيغية وبالفرنسية. فالشعر لبسني دون استشارتي، ومنحني قلق الحياة ومعاناة الروح ووجع الكتابة الملفوفة باللذة. الشعر وهبني طموحا كبيرا. وهبني حزنا عميقا أيضا. حين أكتب الشعر، أحس أني تنفست، هذا صحيح، لكن من جهة أخرى، تتفاقم أوجاعي وأحزاني وخيباتي وكذا آمالي بمناسبة الشعر وبسببه. باختصار شديد، الشعر زرع في نفسي جرأة كبيرة وثقة عميقة ورقة هي سبب انكساراتي المتتالية. أنتِ أشرتِ خلال حديثنا إلى أنه لديك نصوصا نثرية. ماذا عن هذه التجربة؟ فاطمة بن شعلال: لا أستطيع أن أسميها تجربة بالمفهوم الاصطلاحي للكلمة. فأنا صحيح كتبت بعض القصص القصيرة وبعض الخواطر، بعضها منشور على صفحات الجرائد، لكنها قليلة جدا. ظل ميلي الأكبر دائما إلى كتابة الشعر. أجده يفهمني ويحتويني أكثر من النثر. والدليل أنني منذ سنوات وأنا أشتغل بكسل وعلى فترات متباعدة على نص روائي لا تريد ملامحه أن تكتمل بعد. وجدت في كتابته صعوبة لأن النص الروائي يتطلب نفسا طويلا وتفاصيل وإسهابا وهذه ليست ميزتي. فإذا لاحظتِ، حتى نصوصي الشعرية مكثفة مقتضبة. ثم إنني مع مرور العمر ربما، لم يعد بالي يتسع لما هو طويل. لا يمكنني الآن أن أقرأ رواية مثلا، أو كتابا بأكمله مهما كانت قيمته، بينما كنت فيما مضى أقرأ في الأسبوع 4 كتب على الأقل. ولم يعد بوسعي أيضا أن أستمع إلى الأغاني المطولة كأغاني أم كلثوم التي رافقت مراهقتي وشبابي. كلمة تودين نثرها من خلال هذا الحوار، أو قصيدة؟ فاطمة بن شعلال: أود أن أهدي للقراء هذا النص الذي ولد هكذا بدون عنوان: «أحاول أن أنفض عن أثاث العمر غبار التردد أرش المدى بالحلم فقد يزهر الوعد أنتظر أنتظر أنتظر لعل دفئا يشع فيلبسني البرد أناغي وهما أوله في أصبعي وآخره لا يبدو أركض ألاحقه فيهمس لي الوقت "الوقت لم يحن بعد" ياه،، أضرب كفا بكف لم يخطط الوغد؟ وقد صار في الرأس بياض وعلى الوجنتين تصدع