ألقى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أمس الاثنين، كلمة أمام القمة الافتراضية لرؤساء دول و حكومات حركة عدم الانحياز، هذا نصها: بسم الله الرحمان الرحيم «فخامة السيد إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، أصحاب الجلالة والسموّ والفخامة. يسعدني أن أتوجه بالشكر والتقدير لجمهورية أذربيجان الصديقة على رئاستها النشطة لحركة دول عدم الانحياز، ودعوتها لعقد هذه القمة، التي من شأنها تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء في كافة المجالات، خاصة في الظرف الاستثنائي الذي يتعلق بمجابهة الأزمة التي تجتاح العالم جراء انتشار فيروس كورونا المستجد. كما لا يفوتني في هذا الظرف الصعب الذي مس كل أقطار العالم، أن أتقدم بخالص التعازي لأسر ضحايا هذه الجائحة - رحمهم الله - والدعاء بالشفاء العاجل للمصابين. السيد الرئيس، تنعقد هذه القمة في سياق دولي تشوبه القرارات الأحادية في مواجهة جائحة غير مسبوقة، بشكل يجعلها مبعث قلق عميق وتحد للشعوب والحكومات، وفي الوقت ذاته، حافزا لتعزيز العمل المتعدد الأطراف وتنسيق الجهود أمام المسؤولية الجماعية التي تمليها هذه الظروف. هذا السياق يقودني إلى التذكير بأحد أهم مبادئ حركتنا وهو تعزيز المصالح المشتركة والتعاون القائم على العلاقات متعددة الأطراف كركيزة أساسية لبلوغ الأهداف التي وضعها الآباء المؤسسون للحركة، والمنبثقة من روح ميثاق الأممالمتحدة ومبادئ باندونغ والتي عززتها أهداف برنامج التنمية المستدامة 2030 . إن التحديات الراهنة التي تفرضها هذه الجائحة وآثارها غير المسبوقة على كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية تنبئ بحدوث تغيرات جذرية في بنية العلاقات الدولية، وتضع حركة عدم الإنحياز، بصفتها أكبر تكتل دولي على مستوى الأممالمتحدة، أمام مسؤولياتها كفاعل دولي محوري في تعزيز السلام والأمن الدوليين وكمدافع عن آمال وتطلعات الشعوب و كضامن لحقوقها الأساسية ، التي يُعتبر الحق في التغطية الصحية الشاملة أحدى ركائزها المتينة. إن الأزمة الحالية تستدعي تعزيز التنسيق والتعاون والتضامن بين دول حركتنا واتخاذ تدابير استعجاليه للحد من تداعياتها الوخيمة ، وهو ما يتطلب من حركتنا تأكيد قدرتها على التكيف لتكون طرفا فاعلا في النظام الدولي. السيد الرئيس، مع تسارع وتيرة انتشار هذا الوباء، التزمت كافة الدول بتطبيق توصيات منظمة الصحة العالمية، عبر اتخاذ مجموعة من القرارات الوطنية لتعزيز التدابير الوقائية الكفيلة بتقليل وتيرة انتقاله. في هذا الإطار، شرعت الجزائر منذ ظهور أولى الإصابات في تطبيق الحجر الصحي وتعزيز الإجراءات الوقائية وتكثيف الحملات التحسيسية تجاه المواطنين، من أجل رفع مستوى الوعي الصحي، خاصة وأن الحق في الصحة والتغطية الصحية الشاملة بالجزائر مكرس كحق دستوري قائم بذاته، بناء على سياسة تطوعية تشمل جميع الفئات الاجتماعية دون تمييز أو استثناء. كما قامت الجزائر باتخاذ عدة إجراءات لتحقيق الاستفادة المثلى من الموارد البشرية والمادية الوطنية المتاحة، إذ تخصص الجزائر سنويا أكثر من ثلث عائداتها للتنمية البشرية ، ما من شأنه المساهمة في تدعيم القدرات الوطنية قصد تقليص انتشار جائحة كوفيد-19 والحد من تداعياتها. ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أجدد دعمي وامتناني للصفوف الأولى التي تعمل بدون هوادة و كلل لمجابهة هذا التحدي الاستثنائي. وعلى صعيد آخر ، وضعت الجزائر عدة آليات تضامنية استعجالية للفئات المتضررة جراء هذا الوضع من خلال رصد مساعدات مالية للتكفل التام بالفئات الهشة من المجتمع واعتماد خطة لتقليص آثار الجائحة على الاقتصاد الوطني بما يسمح بالعودة بسرعة إلى وتيرة الإنتاج الطبيعية، فضلا عن تسخير كل الإمكانيات المتاحة لإجلاء الرعايا العالقين في مختلف دول العالم وفق مخطط مدروس تدعمه التدابير الاحترازية الضرورية. السيد الرئيس، بالإضافة إلى ما سبق ، تَحذو بلادي قناعة راسخة بضرورة تعزيز كل هذه الجهود الوطنية بتدابير دولية أخرى قائمة على التعاون وتبادل وجهات النظر والخبرات في هذا المجال ، بما يُتيح تعزيز أواصر الأخوة والتضامن بين بلداننا، وتوحيد الجهود الدولية بين بلدان حركتنا من جهة والمنظمات الإقليمية والجهوية والفاعلين الدوليين، من جهة أخرى. وأشددُ هنا على أهمية الوصول المنصف والفعال وفي الوقت المناسب إلى أي لقاحات مستقبلية لمكافحة فيروس كورونا المستجد، لجميع الدول وخاصة النامية منها، ودعم جهود منظمة الصحة العالمية تماشياً مع قرار الجمعية العامة 74 / 274. ومن هذا المنبر أدعو مجلس الأمن الدولي للاجتماع في أقرب الآجال واعتماد قرار ينادي من خلاله بصفة رسمية إلى الوقف الفوري لكل الأعمال العدائية عبر العالم لاسيما في ليبيا، دون إغفال الأوضاع في الأراضي التي تعيش تحت الاحتلال كما هو الحال في فلسطين والصحراء الغربية». من جهة أخرى أكد الرئيس تبون على ضرورة العمل على «إعطاء الفرصة، حيث ما وجدت الصراعات، لكل الفاعلين للعمل من أجل التصدي لجائحة كوفيد -19 «. وتابع قائلا في هذا المجال «كما نقترح أن نبدأ التفكير من الآن في بلورة خطة عمل تسمح لنا بالتقليل إلى أقصى درجة من حدة انعكاسات هذه الجائحة على الدول النامية، وإفريقيا على وجه الخصوص، وبث روح جديدة في كل هذه الدول التي ستتضرر بدون شك وبصفة عميقة بفعل هذه الجائحة». إن مبادئ حركتنا تستوجب نصرة القضايا العادلة واستنكار الإجراءات الأحادية التي من شأنها عرقلة الجهود الدولية للقضاء على هذا الوباء والمساس بحقوق الإنسان الأساسية، مع تجديد المطالبة برفع القيود والحواجز على الدول لإتاحة الفرصة لها للانخراط في هذه الجهود وتأمين التغطية الصحية الشاملة لمواطنيها. السيد الرئيس، في ختام كلمتي، لا يسعني سوى أن أجدد التزام الجزائر التام بالانخراط في كل المساعي المنضوية تحت لواء حركة عدم الانحياز من أجل رص الصفوف لمجابهة هذه الجائحة، و نَثمن في هذا الصدد، قرار تشكيل فوج عمل لدول الحركة من أجل تبادل المعلومات وتقاسم الخبرات في مجال محاربة هذا الوباء في كل المراحل. ونبقى على استعداد كامل للإسهام في الجهود الدولية لمحاصرة الفيروس والحد من تداعياته الاجتماعية والاقتصادية، متمنيا أن تكلل جهود الدول الأعضاء بالتوفيق والسداد ومعربًا عن استعداد الجزائر، اليوم كما بالأمس، للرقي بعلاقات التعاون التي تجمع بلداننا الصديقة. إن الجزائر على قناعة بأن استمرار نجاح الحركة سيظل مرهوناً بوحدتها واحترامها للتنوع بين أعضائها، وتثمين قدرتها على التفاعل الإيجابي مع التطورات المتسارعة على الساحة الدولية، ما يعزز ثقتنا في مستقبل الحركة التي تمثل منبرا متميزا للتعبير عن طموحات وآمال شعوبها و إطارا فعالاً لتجسيدها، بما يخدم الأمن والسلم والاستقرار والعيش الكريم في شتى أرجاء المعمورة. شكرا على حسن الإصغاء ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».