اعتبر المدافع الدولي السابق حسين بوعيشة رؤساء الأندية، بمثابة الحلقة الأبرز في الفساد، التي تشهده المنظومة الكروية الوطنية، وأكد بأن الدخلاء على عالم المستديرة أحكموا قبضتهم على الشأن الكروي الذي حاد عن مساره، وتحوّل إلى «بزنسة» ونشاط تجاري. حاوره: صالح فرطاس وعاد ابن مدينة عين كرشة إلى مسيرته كلاعب تقمص خلالها ألوان عديد النوادي، وأكد بأنه كان قد ضحى بمشاركة مع المنتخب في «الكان» من أجل الإمضاء للموك، كما اعتبر «الديربي» القسنطيني الأفضل وطنيا في تلك الفترة، وعاد بذاكرته إلى مشواره مع المنتخب الوطني، حيث أشار إلى أن الميزات الشخصية لزميله السابق بلماضي كلاعب ظلت قائمة، وساهمت في تتويج «الخضر» باللقب القاري الأخير. - ما تعليقك على الوضعية الحالية للبطولة، وهذا بعد سنوات من اعتزالك اللعب والانتقال إلى عالم التدريب؟ الوضع الراهن للمنظومة الكروية الوطنية بلغ أعلى درجات التعفن، والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى اقتحام الساحة من طرف الكثير من الدخلاء، الذين استغلوا الظروف المقترنة بالشق المادي، ونصبوا أنفسهم أوصياء على الشأن الكروي، خاصة على مستوى النوادي، والدليل على ذلك أن أغلب رؤساء الفرق انتزعوا هذه المناصب، دون أن تكون لهم أي صلة مسبقة بعالم الكرة، فأخذ الفساد ينخر جسد الكرة الجزائرية من النوادي، مع طغيان مظاهر «البزنسة»، وكأن الأمر يتعلق بنشاط تجاري، وليست منافسة رياضية، رغم أن هذه الشريحة ما فتئت تعيث فسادا بتبديد المال العام، فكانت عواقب سوء التسيير صدور العديد من الأحكام من طرف الفيفا بسبب عدم تسديد مستحقات اللاعبين، وتبقى قضية التسجيل الصوتي الذي يتحدث عن ترتيب نتائج مباريات، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، ولو أنها تبقى المرآة العاكسة للواقع، الذي تعيشه البطولة الوطنية منذ عدة سنوات. - وهل مظاهر الفساد التي تتحدث عنها لم تكن مسجلة في الفترة التي لعبت فيها؟ نشاط «الكواليس» كان حاضرا حتى قبل شروعي في مداعبة الكرة، لكن الأمور تجاوزت الخطوط الحمراء في المواسم الأخيرة، وكامل المسؤولية ملقاة على عاتق رؤساء النوادي، الذين غرقوا في مستقنع في الفساد، فأصبح حديثهم عن ترتيب نتائج المباريات أو الاتفاق مع الحكام لخدمة مصالح فريقهم في المقابلات أمرا عاديا، ولو أن مضمون التسجيل الصوتي الأخير، يبقي الكثير من علامات الاستفهام مطروحة، مادام الأمر بلغ حد ضبط الترتيب النهائي للبطولة قبل 9 جولات من نهاية المنافسة ميدانيا، بالحديث المسبق عن الفريق الذي سيتوج، وكذا الأندية التي سيكون مصيرها السقوط، وهذه الأمور دخيلة على كرة القدم الجزائرية، لأن الفترات السابقة كانت تشهد فعلا حركية كبيرة في «الكواليس»، لكن ليس إلى هذا الحد، وبالتالي فلا يوجد أي مجال لاجراء مقارنة بين مختلف الفترات. - نفهم من هذا الكلام، بأنك لست مقتنعا بالسياسة المنتهجة حاليا في تسيير النوادي؟ كما سبق وأن قلت، فإن لبّ القضية يكمن في هذه الشريحة، لأن بعض رؤساء الفرق عبارة عن «مافيا»، استغلت الظرف لاقتحام عالم الكرة المستديرة، دون إلمام بالقوانين المعمول بها، وقد ساعدها تعفن المحيط على فرض منطقها، لأن الكثير من الرؤساء أصبحوا يتدخلون في مهام وصلاحيات المدرب، مع اعتماد «مناجير» من محيطه لفرض ضغط إضافي على الطاقم الفني واللاعبين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستحقات المالية، ولو أن «البزنسة» تتضح أكثر من خلال المبالغ الخيالية التي يتحصل عليها اللاعبون، رغم أن حقيقة الميدان كشفت بأن الكثير من الأسماء تتحصل على راتب لا يقل عن 300 مليون سنتيم شهريا، في وقت لا تحسن حتى ترويض الكرة، وهذه الأرقام يبقى لبعض الرؤساء والوكلاء شطرا منها، مادام أنها من المال العام، لأن «الاحتراف» في البطولة الوطنية يبقى مجرد حبر على ورق، وارغام رؤساء النوادي على الاعتماد على مالهم الخاص سيكون كافيا لخفض الأجور، ويحد بالتالي من نشاط «البزنسة» والتلاعب الأرقام في العقود الإدارية. - لكن كرة القدم تبقى مصدر رزق للاعبين، وأنت عنصر سابق من هذه المجموعة،، أليس كذلك؟ المعطيات في النوادي الجزائرية انقلبت رأسا على عقب، لأن العشريات السابقة كانت تعرف تعلق اللاعب بألوان فريقه، والدفاع عنها بكل جدية، بينما طغت الأمور المادية على الجيل الحالي والدهنيات تغيرت، فأصبحت علاقة أي لاعب بناديه مقترنة بمدى قدرة إدارة الفريق على تسوية مستحقاته المالية عن آخرها، والدليل على ذلك القضايا الكثيرة التي تطرح على طاولة غرفة المنازعات في نهاية كل موسم، رغم أن راتب شهر واحد لأي لاعب من الرابطة المحترفة الأولى في الموسم الحالي، يكفي لتسديد إجمالي علاوات الإمضاء بالنسبة لركائز فريق في عهدنا، وهنا يمكنني أن أستدل بصفقة انتقالي إلى مولودية قسنطينة في صائفة 1995، حيث كانت القيمة المتفقة عليها 30 مليون سنتيم طيلة موسم كامل، لكنني لم أتحصل على الشطر الأخير منها، رغم تحقيقنا الصعود، ومع ذلك فإنني بقيت أدافع عن ألوان الفريق لثلاثة مواسم أخرى. - على ذكر الموك، تعتبر البوابة التي عبرت منها إلى المنتخب الوطني، أليس كذلك؟ امضائي لمولودية قسنطينة كان تجسيدا لحلم راودني منذ الطفولة، لأنني عندما بدأت مشواري الكروي في جمعية عين كرشة كنت أحلم بحمل ألوان الموك، وقد انتقلت من «الجيباك» إلى اتحاد الشاوية، رغم أن فريق «الكرشة» كان ينشط في الشرفي، لكن مسيري الشاوية أصروا على استقدامي، بعد صعود الفريق إلى الوطني الأول، وهي خطوة عملاقة في مشواري، لأنني كنت أبلغ من العمر 19 سنة، ولم يكن من السهل التأقلم مع ترسانة من النجوم، ولو أن المدرب الفلسطيني حاج منصور أصر على إعطائي ثقته، معياره في ذلك الكفاءة الميدانية والجدية في التدريبات، فحققت انجازات باهرة مع الفريق خلال 3 مواسم، قبل أن أقرر الانتقال إلى مولودية قسنطينة، رغم أن الموك كانت تنشط آنذاك في القسم الثاني، غير أن تعلقي بهذا الفريق جعلني أضحي لتجسيد الحلم، بالتنازل عن الكثير من الامتيازات، لأنني كنت ضمن القائمة الموسعة، التي راهن عليها فرقاني للمشاركة في «كان 1996» بجنوب إفريقيا، حيث عاينني مساعده مراد عبد الوهاب رحمه الله في الألعاب الإفريقية بزيمبابوي، لكنه استغرب انتقالي إلى فريق في الوطني الثاني، فحرمت نفسي من المشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا بسبب اختياري اللعب بألوان الموك، ولم أندم إطلاقا على هذا القرار. - وماذا نلت من امتيازات خلال الفترة التي تقمصت فيها ألوان المولودية القسنطينية؟ اللعب من أجل الألوان كان ميزة كل لاعبي ذلك الجيل، لأن بلادنا كانت تمر بفترة عصيبة، والنوادي كانت تعاني من أزمة مالية، وقد كسبت ود آلاف المناصرين، خاصة وأننا نجحنا في تحقيق الصعود في أول موسم، لتبقى أجواء «الديربي» من أغلى الذكريات التي عشتها في مشواري الكروي، لأن «ديربي» قسنطينة بين «الموك» والسنافر، كان في تلك الفترة هو الأحسن على الصعيد الوطني، خاصة ما يصنعه الأنصار في الشوارع قبل نحو شهر من موعد المباراة، لأن تلك الأجواء تنعكس علينا كلاعبين، سيما وأن «شوفينية» المناصرين تدفع بهم إلى حد مطالبتنا بالفوز فقط على الشباب، حتى لو كان مصير الفريق في نهاية الموسم السقوط، وشخصيا فقد فزت في «ديربي» واحد، وكانت أغلب اللقاءات في وقتنا قد انتهت بالتعادل، لكن نكهة الانتصار لها طعم خاص، سيما وأنها تصنع فرحة هيستيرية لدى الأنصار، ومغادرتي الموك كانت من أوسع الأبواب بعد 5 مواسم، لأنني حظيت بثقة الناخب الوطني آنذاك جداوي، وانتقلت بعدها إلى شباب بلوزداد. - الأكيد أن هناك سببا دفع بك إلى الرحيل عن فريق القلب، الذي كنت قد ضحيت من أجل الإنضمام إليه؟ مغادرتي مولودية قسنطينة في صائفة 2000، كانت بالتشاور مع مسيري النادي بقيادة الرئيس دميغة، لأنني كنت حينها ضمن تعداد المنتخب، وتلقيت عرضا من إدارة شباب بلوزداد، برئاسة المرحوم لفقير، الذي منحني علاوة إمضاء بقيمة 300 مليون سنتيم دفعة واحدة، بعقد ساري المفعول لسنتين، لكنني أجلت الموافقة على العرض المقترح إلى غاية التشاور مع مسيري الموك، لأن رئيس الشباب كان قد سطر برنامج عمل، وعدم اعتراض دميغة على الفكرة جعلني أغيّر الأجواء، وألتحق بفريق بلوزداد، الذي كان يضم ترسانة من النجوم، فأحرزنا لقب البطولة عن جدارة واستحقاق، وتفكيري في تلك المغامرة كان منصبا على المنتخب الوطني. - إلا أنك لم تتمكن من إثبات وجودك ضمن التشكيلة الأساسية للمنتخب، فهل من تفسير لهذه الوضعية؟ لم يكن من السهل على مسؤولي الفاف في تلك الفترة الاستثمار في الطاقات البشرية المميزة، التي كانت تزخر بها الكرة الجزائرية، رغم أن التشكيلة كانت تضم نجوما بارزين، على غرار بلماضي، بن عربية، صايب، تاسفاوت، كراوش، منيري وغيرهم، لأن مخلفات العشرية السوداء ألقت بظلالها على الوضعية المالية، والدليل على ذلك أن أعضاء المكتب الفيدرالي كانوا قد ضبطوا سلم علاوات لا يختلف كثيرا عن ذلك المعمول به في النوادي الجزائرية، حيث كانت منحة الفوز في تصفيات «كان 2002» لا تتعدى 7 ملايين سنتيم، مقابل اعتماد مكافأة بقيمة 10 ملايين سنتيم في حال تحقيق انتصار في تصفيات المونديال، وهو السلم الذي تحفظ بشأنه بن عربية بعد انضمامه إلى المنتخب، فاضطر مسؤولو الفاف على اعادة النظر فيه، برفع المنح إلى 15 مليون سنتيم في التصفيات القارية و40 مليون سنتيم في تصفيات المونديال، ولو أن مسيرتي مع المنتخب تضمنت 8 مباريات، وأول ظهور لي كأساسي كان في المغرب، عندما ألح بن عربية على ضرورة حصولي على الفرصة، واقتنع المدرب جداوي بالطرح، لكن الإصابة الخطيرة التي تعرضت لها في بجاية، بعد حادثة اجتياح أرضية الميدان أوقفت مغامرتي مع «الخضر»، وحرمتني من المشاركة في «كان 2002»، لأن ماجر شطبني من القائمة. - بحكم أنك لعبت إلى جانب بلماضي، فهل كنت تتوقع نجاحه في وضع بصمته بسرعة على المنتخب الحالي؟ الفترة التي قضيتها في المنتخب كزميل لبلماضي، جعلتني اكتشف لاعبا يمتاز بقوة الشخصية، ولم يسبق له وأن أثار مشكلة داخل المجموعة، رغم أننا كنا نفتقر لأبسط مقومات المنتخب، وهنا تحضرني واقعة تعزز كلامي حيث أتذكر سفرية قادتنا إلى السينغال، حيث لم يحمل المكلف بالعتاد قمصان حراس المرمى، وعند عقد الاجتماع التقني تم اكتشاف هذه الهفوة، فاضطر ممثل الفاف إلى البحث عن محل في داكار لشراء بذلة ارتداها الحارس مزاير، دون أن تحمل أي شعار يثبت بأنها للمنتخب الوطني. وبالعودة للحديث عن بلماضي، فقد كان معروفا بالروح الانتصارية، والثقة الكبيرة التي يضعها في زملائه، وهي مقومات جعلتني شخصيا أتفاءل بنجاحه في بناء منتخب يعد بمستقبل واعد، لكن الإنجاز الذي حققه في مصر بتتويجه باللقب القاري كان مفاجئا، ولو أنه كان عن جدارة واستحقاق، لأنه أسقط شخصيته القوية على المجموعة، وزرع فيها الروح الوطنية التي ظل يمتاز بها. - ولماذا كان اعتزالك في سن مبكرة، رغم أنك كنت قادرا على مواصلة المسيرة لمواسم إضافية؟ لقد وجدت نفسي مجبرا على توديع الملاعب وعمري لم يتجاوز 32 سنة، وذلك خلال سنة 2006، لما أمضيت لمولودية باتنة في الوطني الثاني، حيث وقعت لي حادثة طريفة، جعلتني أقرر وضع نقطة النهاية لمشواري الكروي، لما اتهمني رئيس النادي بالضلوع في ترتيب نتيجة مباراة أمام أولمبي العناصر بباتنة، حجته في ذلك الهدف الذي تلقيناه من كرة اصطدمت بفخذي لتستقر في عمق الشباك، وهي الاتهامات التي حاول من خلالها تلطيخ سمعتي، حتى لا يمنحي علاوة الإمضاء المتفق عليها، ومنذ تلك المقابلة قررت الاعتزال، رغم أن الموسم كان في بدايته.