التعديل الدستوري سينهي احتكار الرئيس للسلطة التنفيذية دسترة عمل الجيش خارج الحدود تتماشى ومفهوم الأمن القومي أكد الباحث في العلوم السياسية، بجامعة محمد خيذر ببسكرة، نور الصباح عكنوش، بأن التعديل الدستوري الجديد، يختلف عن سابق الدساتير في مضمونه وروحه، وقال بأنه يلبي مطالب الحراك الشعبي ويتماشى والظروف والرهانات الدولية، كما أكد في هذا الحوار الذي أجرته النصر معه، بأن الدستور الجديد سينهي ممارسات سابقة، منها إنهاء احتكار السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة، والفصل بين السلطات، واعتبر دسترة عمل الجيش خارج الحدود، قيمة مضافة تتماشى ومفهوم الأمن القومي. حاوره : ياسين عبوبو بداية ما أبرز التغييرات التي تستجيب لمطالب الحراك الشعبي وتؤسس لجمهورية جديدة في وثيقة التعديل الدستوري؟ في الأصل يعتبر الدستور موضوعيا عقدا سياسيا و اجتماعيا و أخلاقيا بين الحاكم و المحكوم، و هو في التجربة التاريخية للدولة الوطنية بعد الاستقلال ذا بعد تراكمي مرتبط بتطور المجتمع و نمو مؤسسات الدولة، وعليه لا يمكن فصل وثيقة التعديل الدستوري عن ديناميكية البيئة المجتمعية، والسياسية والاقتصادية، والفكرية المحيطة بها، بحيث تلبي مخرجاتها حاجيات الحراك الشعبي المبارك الذي تمت دسترته بشكل حضاري فيه احترام واعتبار لنضال الشعب من أجل سيادته، و حريته، و كرامته، وهو ما تجسد في مواد الدستور و في روحه على مستوى تأمين الهوية بمنظور استراتيجي، ثم ضمان انتقال ديموقراطي حقيقي، من خلال تفعيل دور المجتمع المدني من جهة، و تحديد العهدات الرئاسية و البرلمانية في عهدتين فقط، إضافة الى مأسسة الحقوق السياسية و الاعلامية و المواطناتية بصفة عامة و تحقيق مبدأ الرقابة الفعلية على الحكومة، وأيضا اعتماد نظام التصريح المسبق في حرية التظاهر السلمي و إنشاء الجمعيات و الصحف كآلية لترقية حقوق الانسان كمبدأ عالمي. وفي الحقيقة فإن الفلسفة التوافقية للدستور في حد ذاتها، هي من صميم مطالب الحراك نحو جمهورية جديدة كالتزام من الدولة نحو المواطن الذي يرنو لحوكمة صالحة لشؤونه، و تدبير رشيد لمشاكله في ظل إكراهات العولمة، و تحديات التنمية السياسية و الاقتصادية و الحضارية الصعبة، وهو ما يسعى الدستور للإحاطة به بمؤسسات أكثر براغماتية و انسجام و بنصوص أكثر مرونة وواقعية، حيث تنسجم مع مدخلات المجتمع الشاب و المتعلم من جهة، و حقائق القرن الواحد و العشرين في التنمية و الديموقراطية من جهة ثانية . ما الذي يميز التعديل الدستوري في مجال تعزيز الحريات وتجسيد الديمقراطية خاصة وأن الدساتير السابقة دعت لها؟ يهدف هذا الدستور ليكون قطيعة ابستمولوجية مع أدبيات وسلوكيات مرحلة مؤسساتية عرجاء، و تصويبها اخلاقيا و قانونيا و سياسيا، فهو يتمظهر كجزء من حركة تاريخية ضد الحكم الفردي و الفساد، وليس هبة او مزية من الحاكم للأفراد، و عليه فما تضمنه يعبر عن حصيلة ارادات و رؤى ايجابية تدعم الحريات الفردية و الجماعية في التظاهر و التعبير و الرأي و الفكر و الاختيار و تعزز قيم المشاركة و المساءلة و المراقبة في إطار إرادة سياسية قوية ترتبط باندماج مجتمعي كبير عبر المقترحات الجمعوية المقدمة، و منصات التفاعل مع محتوى الوثيقة مما يدل على حيويتها و على أهميتها على صعيد إبعاد الهوية والمدرسة من التسييس و الأدلجة و التنصيص على ذلك صراحة، و على صعيد الالتزام المعنوي و المادي بترقية حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية، وإعادة هندسة منظومة الحكم من خلال إنشاء المحكمة الدستورية بمركز قانوني سيادي يمثل نقلة نوعية في مأسسة السلطات و هي دعائم نسق ديموقراطي يحافظ على وحدة البلاد و المؤسسات و المجتمع و يضمن حياة سياسية و اعلامية و قانونية و معرفية و اقتصادية وفق قيم الحكامة العصرية. فهو يحاول التكفل بانشغالات مستعجلة للجبهة الداخلية مع مراعاة السياق الدولي المضطرب، و الذي يحتاج بآليات للتكفل به، بحيث يجعل الوطن بمنأى عن تداعيات حزام الازمات المحيط بنا، و لعل دسترة مشاركة الجيش الوطني الشعبي في عمليات حفظ السلم و الامن الدولي تحت رعاية الاممالمتحدة، يعكس اهمية الدستور و دوره الوظيفي، و ليس القانوني فقط في الحفاظ على بنية الدولة وسط عالم مضطرب، بعد سنوات من الهشاشة الديبلوماسية و الاستراتيجية و المؤسساتية التي كادت أن تعصف بالجزائر. كيف للتعديل الدستوري أن ينهي احتكار كل صلاحيات السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة؟ علما أنها من أبرز الوعود الانتخابية للرئيس تبون؟ أداء الرئيس منذ توليه الحكم بعد انتخابات 12/12يعكس توجها حقيقيا يمكن تقييمه بشكل موضوعي نحو إعطاء صلاحيات أكبر للوزير الأول، بشكل يجعل السلطة التنفيذية تعمل بمرونة و فعالية، و هو ما لاحظناه في الميدان كتعبير عن عدم رغبة رئيس الجمهورية في احتكار السلطة التنفيذية بين يديه، مثلما كان عليه الشأن من قبل حتى صنف النظام السياسي الجزائري بأنه نظام رئاسوي، و لهذا فواضح جدا وجود قناعة بضرورة بناء علاقة مؤسساتية جديدة و ليس شخصية أو مصلحية أو جهوية بين رئيس الدولة و رئيس الحكومة أو الوزير الأول، على حسب طبيعة الأغلبية في البرلمان، و ذلك حفاظا على قيم و معايير النظام الشبه رئاسي، الذي يقوم عليه الدستور حسب خصائص التجربة التاريخية و السياسية الجزائرية المحضة، و التي تنسجم أكثر مع هذا النظام لعوامل سوسيولوجية و مؤسساتية خاصة بنا، وعليه سيكون الأداء الحكومي مختلفا في المرحلة الدستورية القادمة لصالح توازن أكبر و فعالية أكثر في قيادة البلاد، انطلاقا من تجارب سابقة أكدت فشل الشخص الواحد كمركز حكم مطلق في تحقيق التنمية و الديموقراطية . ما المؤشرات والضمانات التي يحملها التعديل الدستوري لتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات؟ تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات هو من روح الشرائع و من صميم نظريات الحكم التي تبنى عليها الدساتير العصرية، سواء كان فصلا جامدا أو مرنا، لكن الأصل هو ضمان ذلك داخل النظام السياسي حسب شكله و بنيته و نخبه و تطوره والقانون الدستوري واضح بهذا الخصوص لاستقرار الدولة و المجتمع على مستوى المحكمة الدستورية كآلية ضبط أو على مستوى الرقابة البرلمانية لأعمال الحكومة أو على مستوى عدم ترؤس رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقضاء. ففي تجارب دستورية سابقة هيمنت السلطة الرئاسية على التنفيذية، و هيمنت التنفيذية على باقي السلطات و كانت هيمنة ذات طابع إداري جمد عمل أجهزة الحكم، و عطل الإصلاح والتنمية و انتج خللا كبيرا في السياسات العامة على مستوى التنفيذ و التخطيط و التنبؤ، مما جعل النظام الدستوري مشوها و ضعيفا وغير قادر على فرملة العصب و مراكز القوى واللوبيات التي استحوذت على القرار، و جعلت من الفصل بين السلطات نوعا من الخيال السياسي، و هو ما يجعل الدستور الجديد يقنن أكثر مبدأ الفصل كضامن لشفافية الحكم في المرحلة القادمة، على غرار عدم تشريع رئيس الجمهورية بالأوامر بين دورتين تشريعيتين، مما يجنح بالمؤسسات عمليا نحو توازن حقيقي و أداء أفضل، و أوضح بعيدا عن الغموض الذي كان يميز عمل المؤسسات بشكل سلبي، و هو ما تفطن له المشرع في صياغة المواد ذات الصلة بالفصل بين السلطات . كيف للدستور الجديد أن يعيد ترتيب واقع الأحزاب وينشط الحياة السياسية بعيدا عن الإدارة وبيروقراطيتها؟ الدستور يبقى إطارا عاما منظما للنظم، و المبادئ التي تحكم الحياة السياسية، و المؤسساتية و الدولية بصفة عامة، و علاقته بالأحزاب تتم في مواد و أحكام واضحة و مسؤولية العمل و تفعيل الدور، من حيث المعارضة و التنشئة السياسية و السلطة المضادة و قوة الاقتراح من مهام الطبقة السياسية في حد ذاتها ، فالدستور يحدد و ينظم و هناك قوانين عضوية في هذا المجال ليبقى العمل السياسي حزبي أو فكري في إطار جمهوري بناء، و هو يكفل الحريات و الحقوق و الواجبات بما يدعم الحركية و النشاط السياسي، لكن على الظاهرة الحزبية إن صح التعبير أيضا، أن تنتج شروط بقائها و نجاحها، و ذلك لبرامجها و تصوراتها و مفاهيمها، و ما تحتاجه من ضمانات متوفر دستوريا بما يكفي في اطار القوانين، مع العلم ان بعض الأحزاب نفسها تحولت لكيانات إدارية جامدة رغم أنها تتحجج بضغط الإدارة وبيروقراطيتها ! ما الدور المنوط بالمجتمع المدني الذي يعول عليه في توعية الناخبين واقناعهم بالمشاركة في الاستفتاء والتصويت على الدستور الجديد؟ يعتبر المجتمع المدني شرطا أساسيا للحوكمة بالنسبة لدولة كالجزائر تسعى لإصلاح النظام السياسي وفق عقد جديد بين الحاكم و المحكوم، و رغم أن المجتمع المدني تحول لعوامل كثيرة لحالة إعلامية أكثر منه حقيقة علمية بمعناها التطوعي و التنظيمي و التنموي الفعال بشكل مستقل عن الادارة، ولكن رغم انه مازال سلبيا و مناسباتيا، و يحتاج لتراكم كبير حتى يطور من نفسه إلا أن دوره مفصلي في دعم مسعى انجاح الاستحقاق الدستوري لتواجده في منصات التواصل الاجتماعي، و في لجان الاحياء و الجمعيات الشبانية و النقابات و الفضاءات العمومية المفتوحة، و التي لطالما كانت فعالة في مقاربة المجتمع خاصة على صعيد الجزائر العميقة، وعليه يمكن للمجتمع المدني صناعة وعي شعبي مفيد للاستفتاء، ووضع المواطن في صورة أهمية الحدث بالتقرب منه، و التوجه إليه بخطاب ايجابي يدعم مشاركته في بناء مستقبله . كيف يضمن الدستور الجديد تحصين الدولة ومؤسساتها من أي طارئ في ظل التحديات الأمنية في المنطقة المغاربية والساحل؟ حاول الدستور الإحاطة بالانشغالات الاستراتيجية التي تشكل تهديدات أمنية مباشرة للبلاد على تخوم منطقة رمادية تمتد من الصومال حتى مالي نتيجة دور القوى الاستعمارية القديمة، و عامل الجيل الجديد من الإرهاب العابر للحدود مما يشكل عبئا على السياسات الدفاعية للأمة الممثلة في عمودها الفقري مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، و الذي تكفلت القيادة العليا بحماية و صيانة التراب الوطني من أي خطر أو تهديد في إطار مقاربة شاملة دعمها الدستور من خلال السماح بمشاركة الجيش في عمليات أمنية تحت المظلة الأممية وبعد موافقة الشعب عبر البرلمان. والحقيقة أن هذا المعطى الجديد يأتي في إطار التكيف مع الطبيعة الجديدة للإرهاب عن بعد، حيث تغير مفهوم الأمن القومي من بعده الكلاسيكي إلى أبعاد ما فوق وطنية تحتاج لآليات ذكية للتعامل معها حفاظا على الأمن و السيادة في ربوع الوطن من أي مفاجآت استراتيجية غير سارة، خاصة و أن البيئة الاقليمية حبلى بهذه المفاجآت في منطقة الساحل وعليه فدسترة عمل الجيش الوطني الشعبي خارج الحدود قيمة مضافة في المفاهيم الجديدة للدفاع الوطني . إذن خروج الجيش خارج إقليمه الوطني لا يتنافى والعقيدة القديمة؟ النص الدستوري واضح، خروج الجيش بموافقة البرلمان في مهام ذات صلة بالأمن و السلم الدوليين وتحت مظلة الأممالمتحدة.