تعتبر صناعة الطاجين من بين الحرف التقليدية التي لا تزال تتمسك بها السيدات الريفيات بجيجل و عدة مناطق أخرى عبر ربوع الوطن، لأنه وسيلة لا يمكن أن يستغنين عنها في تحضير الكسرة و مختلف العجائن التقليدية، التي تعتبر أساسية في وجبات الكثير من العائلات الجزائرية، لكن الطاجين التقليدي اليدوي، يواجه اليوم منافسة طاجين المصانع، و طاجين الفرن و الطاجين المعدني و كذا الكهربائي العصري المستوردين، و كذا الأواني الفخارية الرائجة، مما أثر على نسبة الإقبال عليه من قبل ربات البيوت. بالرغم من مغادرة عدد معتبر من العائلات مسقط رأسها بالمداشر و القرى بولاية جيجل، خلال العشرية السوداء، لكنها حملت معها تقاليدها إلى المدينة، و حافظت النسوة على صناعة الطاجين لسنوات عديدة، و تم تداولها، خصوصا بين الحرفيات و ممثلي الجمعيات النسوية، و ظل هذا الوعاء محافظاً على وجوده بالشرق الجزائري، متحديا تطور نمط الحياة و آثار العصرنة. توجد عدة أصناف منه، تختلف تسمياتها، حسب المناطق و نوعية الاستعمال، فهناك طاجين الكسرة المسرحة "طاجين بوحَبّةَ" و يستعمل لطهي الرغيف و الطاجين المرقوم لتحضير المطلوع، و طاجين النمرة لتحضير التريدة أو الفتات أو الفطير، و طاجين المسمنيات أو للمعارك، و قد تطورت صناعة الطواجن، و تم صنع طاجين موجه للفرن، و جميعها متشابهة في الصنع، و تختلف في الرتوشات و اللمسات الأخيرة قبل الانتهاء من انجازها، إذ يتم الاعتماد على تقنيات بسيطة للتفريق بينها، مثلا يتم التفريق بين الطاجين المسرح و المرقوم، بإضافة بسيطة، باستعمال القصب، لوضع إشارات به. مراحل و أسرار الحرفة تتم، صناعة الطاجين عبر مراحل، بدءا بإحضار الطين من أماكن معينة بالجبال، و يوضع في مكان خاص ليصبح رطبا، ثم يتم رشه بالماء، ليصبح جيدا للعجن، و تضاف إلى التربة المستعملة، بقايا الأواني المحطمة " أفرور"، و بقايا الطين، و يتم خلطها مع الطين المستعمل. و يرى الحرفيون بأن " أفرور" مهم جدا في العملية، لأنه يحافظ على تماسك العجينة، حيث يتم وضع كمية من الطين في البداية فوق لوحة خشبية مستوية، و يتم عجنها، مع إضفاء الشكل الدائري عليها، حسب حجم الطاجين المراد صنعه، ليتم تشكيله تدريجيا بواسطة اليد، مع الاستعمال الدقيق للأصابع، و أكدت الحرفية مليكة كياس للنصر بهذا الخصوص، بأن طريقة استعمال الأصابع جد مهمة، كما يتم الاعتماد على حجارة صغيرة ملساء "السنغودة"، و تعتبر من بين الأدوات الرئيسية في العملية، و أضافت مليكة، بأن صنع الطاجين و مدة تحضيره، تختلفت من فصل إلى آخر، ففي فصل الشتاء، يترك الشكل الأولي أو الخام للطاجين مدة 10 أيام ليجف، أما في فصل الربيع و الصيف، فيترك لمدة ثلاثة أيام كأقصى تقدير. و قالت المتحدثة "قديما كانت الأمهات و الجدات، تصنعنه في فصل الربيع و الصيف، و في فصلي الخريف و الشتاء، يقمن بجلب المادة الأولية و هي الطين، حيث تكون في فصل الربيع سهلة الاستعمال، كما أن طريقة حفظها ، جد مهمة"، و أضافت المتحدثة بأنهن كن ينتقلن بعد فترة إلى مرحلة الطهي و "التحمار"، و المقصود ب "التحمار" استعمال التربة الحمراء، لطلاء الطاجين، أما مرحلة الطهي، فهي وضع الطاجين في حفرة يتم إشعال النيران بها بواسطة الحطب، و يتم انتظار مدة من الزمن ليصبح جاهزا. و أشارت الحرفية، بأنه يستعمل نفس الطين، في صنع كافة الطواجين، و يتم جلبه من مناطق معينة في الغابات، معروفة بالنسبة للحرفيين، على غرار بلدية سيدي عبد العزيز، مشاط، ففي كل منطقة تقريبا توجد أماكن لجلب هذه المادة الأولية. و يتكفل شبان و رجال حاليا، بتوفير الطين للحرفيات، لأنهن يواجهن صعوبات في الوصول إلى تلك المناطق، و أشارت الحرفية مليكة كياس، بأن الفرق بين الطواجين من ناحية الصلابة و الجودة، يبرز خلال الاستعمال المستمر و يرتبط بنوعية الطين، مضيفة بأنه لا يمكن الحكم عليها بمجرد صنعها، لكن بمرور الوقت. "طاجين النمرة" علامة مسجلة بولاية جيجل يعتبر "طاجين النمرة" المحلي، بمثابة علامة مسجلة بولاية جيجل، و بعض المناطق المجاورة لها، وبعض المناطق المجاورة للولاية، و يستعمل لإعداد الثريد "التريدة" أو "الفطير" أو "الفتات". و يعرف محليا بأنه أمازيغي الأصل، و هو عبارة عن آنية تقليدية، تصنع من الطين، قاعدتها دائرية و سطحها بيضوي توضع عليها عجينة "الفطير"، و تتوسطهما فتحة صغيرة لوضع الفحم و تسخين الطاجين على النار. السيدة مليكة، أشارت إلى أن العديد من الحرفيات الجيجليات عند مشاركتهن في معارض تنظم خارج الولاية، تحاصرهن تساؤلات الزوار و الزميلات و الزملاء الحرفيين عن سر تسمية هذا الطاجين و طريقة استعماله. و أكدت المتحدثة بأن صنعه صعب للغاية و يتطلب تقنيات دقيقة، كما أنه يعتبر من أغلى أنواع الطواجين، إذ يقدر ثمنه في السوق بحوالي 2500 دج، و أصبح حاليا من الصعب الحصول عليه، نظرا لنقص عدد الحرفيات اللائي يصنعنه. الفخار في خط المنافسة ترى العديد من الحرفيات اللائي تحدثنا إليهن، بأن صنع هذه الأوعية التقليدية ، حرفة بدأت تتلاشى تدريجيا، لأن أغلب الحرفيات يركزن على الفخار و أشكال التزيين و الديكور كثيرا، أما صناعة الطواجين، فتشهد، حسبهن، نقصا كبيرا، لعدة أسباب، من بينها الصعوبات التي يواجهنها، و نقص الإقبال على شرائها، مقارنة بالماضي. و أشارت الحرفية مليكة، بأن طاجين الكسرة يحظى بإقبال أكبر، مقارنة بالأنواع الأخرى، مضيفة بأن العديد من الفتيات يقبلن على تعلم الحرفة، لكن درجة التركيز و الإتقان تختلف من حرفية إلى أخرى، كما أن صنع هذا النوع من الأواني، وفق الطرق التقليدية القديمة، بدأ يتلاشى تدريجيا، حيث أدخلت عليها تعديلات ، باستعمال تجهيزات خاصة، تسهل عمل الحرفيات ، كما يتم اللجوء أحيانا إلى الفرن الحديث ل"طهي" و تجهيز الطاجين، بدل الطريقة التقليدية المتمثلة في وضعه في حفرة واستعمال الحطب، لأن الحصول على مادة الحطب في الوقت الحالي، شبه مستحيل، جراء الإجراءات المفروضة من قبل مصالح الغابات، و كذا مواكبة الحرفيات لموجة التمدن ، كما ساهمت الدورات التكوينية بالمرور إلى الطرق الحديثة في صناعة الطواجين و الأواني الفخارية عموما. و تختلف جودة و صلابة الطواجين ، من ولاية إلى أخرى، كما قال بعض الحرفيين للنصر، مؤكدين بأن الطين الجيجلي، يعتبر الأفضل لصنعها، استنادا لما قاله لهم أساتذتهم خلال الدورات التكوينية التي تابعوها. نشاط ارتبط بوضعيات اجتماعية خاصة أكد من جهته عبد الحق كرديد ، مدير غرفة الحرف و الصناعات التقليدية بولاية جيجل، بأن صناعة الطواجين كانت تقتصر على المرأة الأرملة أو المطلقة، حسب العرف السائد في الدشرة أو القرية، و كانت تشتريها باقي النساء بواسطة المقايضة بالمنتجات الفلاحية، و الهدف من ذلك ، حسب المتحدث، عدم ترك المرأة المطلقة أو الأرملة، دون مصدر رزق، فتلجأ لمد يدها و طلب الصدقة. و قال لنا بعض أبناء المنطقة، بأن الشابات العازبات أو المتزوجات، كن في الماضي يقبلن على مختلف الحرف، إلا حرفة الطاجين، فقد كانت "خرافة" سائدة قديما، مفادها أن المتزوجة إذا قامت بصنع الطاجين، فسيتوفى زوجها أو تطلق، و قال آخرون بأن هذا الاعتقاد تم تداوله فقط، لمنع بقية النساء و الفتيات من مزاحمة النساء المطلقات أو الأرامل في هذا النشاط. و بمرور الوقت، تم تجاوز هذه "الخرافة"، و دخلت الحرفة إلى كافة البيوت و أضحت النسوة، يصنعن مختلف أنواع الطواجين، و في الوقت الراهن تطورت الصناعة بفضل تنظيم ورشات مختصة في صناعة الفخار و الطاجين تحديدا، خاصة ببلدية سيدي عبد العزيز و المناطق المجاورة لها. و برزت العديد من الحرفيات في هذا المجال الذي شهد تطورا كبيرا، على غرار خالتي وردة و مليكة، و ظهرت آلة تستعمل وفق قوالب خاصة. و أكد من جهته مدير غرفة الحرف و الصناعات التقليدية بالولاية، أن طاجين النمرة الخاص بجيجل، ذي نوعية جيدة، و ذلك راجع للطين المستعمل في صنعه، و طريقة تحضيره محليا، وفق تقنيات دقيقة و صحيحة، فالتقنيات المتداولة و التكوين المقدم ساهما في جودته. و أشار المسؤول بأنه سجل إقبال الفتيات الجيجليات على تعلم جميع الحرف، لكن صناعة الفخار و الطواجين، تحظى بإقبال متوسط، و هذا يعود إلى عدة عوامل، أبرزها صعوبة الحصول على الطين، و خطورة التنقل إلى المناطق البعيدة، و تفضل أغلب الحرفيات الأواني الفخارية المزخرفة، و القطع الموجهة للديكور، فهي لا تتطلب جهدا كبيرا، كما أنها مطلوبة بكثرة، في حين تضمن غرفة الحرف و الصناعات التقليدية التكوين في مجال صناعة الطاجين، و تقدم الدعم اللازم للحرفيات مع ضمان تسويق المنتوج. و أضاف المسؤول، بأن صناعة الطاجين لن تزول مهما مر الزمن، و ذلك راجع للطلب المستمر على هذا النوع من الأواني التقليدية من قبل ربات البيوت لتحضير الكسرة و العجائن التقليدية، على غرار الكسرة و الثريد "الفتات"، مؤكدا بأن الغرفة ستواصل تنظيم الدورات للمتخصصين.