مازالت صناعة الفخار بقرى ومداشر ولاية البويرة تحتفظ بوجودها، وتمتهنها قلة قليلة من سكان المنطقة كوسيلة لكسب الرزق، حيث يصنعون الأواني الفخارية للمحافظة على تراث الأجداد من جهة، كما يستخدمها آخرون للعودة بنكهة الطعام المصنوع فيها إلى البساطة والطبيعة التي تضفيها عليه خلال مراحل صنعها. تعتبر السيدة بوعكاش حدة المدعوة "سعدية تبوعكاشث" البالغة من العمر 90 سنة التي تقطن بقرية "ثامر "ببلدية العجيبة من بين العجائز القلائل بالبويرة اللاتي لا يزلن يصنعن بأناملهن الذهبية أواني وتحفا فخارية رائعة. قالت هذه الأخيرة ل "الشروق" عندما زارتها، إنها بدأت هوايتها في صغرها تقليدا لوالدتها رحمها الله، ثم صارت تعشق الصنعة، بعدها أرغمت على أن تعتمدها مصدرا لعيشها. وتقول خالتي حدة إن صناعة الأواني والتحف الفخارية تمر بعدة مراحل صعبة ومتعبة، بدايتها جلب التراب الخاص بصنع الأواني من مكان يبعد نحو أكثر من 1 كلم عن مسكنها. وعن كيفية تحويل الطين إلى تحف فنية رائعة، أكدت محدثتنا أن البداية تكون بحفر طين لونه رمادي، ثم تقوم بنقله إلى البيت فوق ظهرها، وتدك التراب بمدك خشبي، ثم تغربله وتصفيه، قبل أن تخلطه بالماء وتعجنه وتتركه فترة زمنية في إناء كبير مصنوع من الفخار، وبعد قرابة أسبوع تقوم بعجنه ليصبح طريا وسهل الاستعمال، ثم تبدأ في تشكيل الأواني والتحف وتمليسها بواسطة حجر صغير مع القليل من الماء، ثم تضعها جانبا حتى تجف لتنطلق في مرحلة التلوين بواسطة ريشة مصنوعة من وبر الماعز، حيث تستعمل حجرة حمراء اللون، يضاف إليها زيت الزيتون "اسقوا" الذي يعطي الأواني لونا أسود لماعا. وبعد الانتهاء من عملية التلوين تقوم السيدة بوعكاش بجمع الحطب الجاف وتفرش طبقة منها تضع فوقها الأواني الفخارية، ثم تقوم بحرقها مع مراعاة درجة الحرارة حتى لا تتشقق الأواني وبعدها تتركها لتبرد قبل أن تصبح جاهزة للاستعمال. وتقول العجوز حدة إنها باعت الآلاف من القطع، وإن المئات من العائلات بالبويرة استخدمت ما صنعته يداها على مدى أكثر من 75 عاما، داومت خلالها على تطويع الطين، بعدما توفي زوجها وعمرها لا يتعدى 30 سنة، ولم يترك لها مصدر رزق تعيل به أبناءها الثلاثة، مؤكدة أن المشترين نوعان منهم من يقتني أواني طينية للاستعمال المنزلي ويكثر الإقبال خاصة على "الطاجين" المستخدم للكسرة و"القدرة" التي يفضل الكثير من الناس استخدامها لطهي الشربة، خاصة خلال شهر رمضان الكريم، بالإضافة إلى "البوقال" المستخدم لشرب الماء أو اللبن لأنه يطلق نكهة خاصة ويحافظ على درجة برودة الماء. ومع أن قصة العجوز ذات التسعين عاما مع الطين وصناعته طويلة، لكن حين سألناها عن معنى تلك الرسوم والرموز التي تضعها على الأواني بالألوان المتقاربة الأحمر والعنابي والبني أجابت بأنها تعلمتها عن سابقاتها من الصانعات، وفى الغالب حروف "تيفيناغ" كما تستعمل رموزا أخرى لها دلالات نفسية واجتماعية كثيرة.