بدأت أزمة مياه الشرب بولاية قالمة تتفاقم من سنة لأخرى، متأثرة بالتغيرات المناخية المتسارعة التي أدت إلى تراجع معدل التساقط و انكماش الاحتياطات المائية الجوفية و السطحية، حيث لم يعد سد بوحمدان الكبير قادرا على مواجهة الطلب المتزايد على مياه الشرب و السقي، بسبب موجات الجفاف المتعاقبة على محيط المصب الكبير. وقالت مديرية الموارد المائية بقالمة في تقرير جديد حول القطاع، بأن ما لا يقل عن 9 بلديات شمال و شرق الولاية، تعاني نقصا في مياه الشرب، بينها 6 بلديات بتعداد سكاني يتجاوز 68 ألف نسمة، تأتيهم مياه الشرب مرة كل ثلاثة أيام وهي بلديات عين بن بيضاء، وادي فراغة، مجاز الصفاء، بوعاتي محمود، لخزارة و حمام النبائل. و يعد الرواق الممتد من مجاز الصفاء و بوشقوف إلى عين بن بيضاء الواقعة على الحدود مع ولايتي عنابة و الطارف، الأكثر تضررا من أزمة العطش المستمرة منذ عدة سنوات، حيث لم تعد الموارد المائية المتوفرة، و هياكل الجر و التخزين قادرة على مواجهة التعداد السكاني المتزايد بالمنطقة. و لمواجهة الوضع المتأزم، قدمت مديرية الموارد المائية عدة مقترحات للسلطات المحلية و المركزية لمواجهة النقص الحاد في مياه الشرب على المديين القريب و المتوسط، مؤكدة على أن هذه المقترحات توجد على مستوى الوزارة الوصية للنظر فيها و اتخاذ القرار بشأنها لإيجاد مخرج لأزمة العطش التي تعيشها ولاية قالمة في السنوات الأخيرة. ويعد مشروع جلب مياه الشرب من محطة تحلية مياه البحر، المزمع إنجازها ببلدية الشط في ولاية الطارف المجاورة، من أهم الحلول التي يعول عليها سكان قالمة للحد من أزمة مياه الشرب و خاصة بتسع بلديات متضررة و هي بوشقوف، عين بن بيضاء، وادي فراغة، مجاز الصفاء، النشماية، قلعة بوصبع، هيليوبوليس، الفجوج و بوعاتي محمود. و حسب مديرية المواد المائية، فإن حصة ولاية قالمة من محطة التحلية بالطارف، ستكون 40 ألف متر مكعب من مياه الشرب يوميا، حيث ستصل إلى بلديات رواق العطش عبر قناة للجر و محطات ضخ سيتم إنجازها في إطار المشروع الكبير الذي يهدف إلى دعم قطاع مياه الشرب بولايات عنابة، الطارف و قالمة. المقترح الثاني الذي تراهن عليه ولاية قالمة، هو إحياء مشروع سد كدير حريشة على مجرى وادي الشارف على الحدود بين بلديتي هواري بومدين و بن جراح، حيث كان من المقرر بناء سد هناك بحجم 100 مليون متر مكعب، لكن العقبات التقنية المتعلقة بالطبيعة الجيولوجية للمنطقة حالت دون ذلك، مما دفع بالمهندسين إلى اختيار موقع آخر لحاجز السد وتقليص حجمه إلى 50 مليون متر مكعب من المياه. و لحد الآن لم يدخل المشروع مرحلة الإنجاز، حيث أبدت وزارة الموارد المائية تحفظا بسبب عدم الجدوى الاقتصادية للمشروع و تقدمت بمقترح بديل لتحويل مياه وادي الشارف إلى سد بوحمدان المجاور عبر قناة عملاقة و محطات ضخ. السد الثاني الذي تقترحه مديرية الموارد المائية للتغلب على أزمة العطش الحادة، يوجد بمنطقة حمام النبائل على مجرى وادي غانم، حيث يوجد طلب الدراسة على مستوى الوزارة الوصية للنظر فيه و اتخاذ القرار المناسب بشأنه. وتقدم قطاع المياه بقالمة أيضا بمقترح آخر لمواجهة آثار الجفاف و نقص مياه الشرب بالأقاليم المتضررة، من خلال إنجاز نظام لجر مياه الشرب من سد زيت العنبة الواقع على الحدود المشتركة بين ولايتي قالمة و سكيكدة، لتغطية العجز ببلديات الفجوج، بوعاتي محمود، هليوبوليس، قلعة بوصبع و نشماية. وقد انتهت مرحلة الدراسة الخاصة بنظام سد زيت العنبة، في انتظار عملية التسجيل و التمويل من الوزارة الوصية، التي تولي أهمية كبيرة لأزمة العطش التي بدأت تتفاقم بقالمة من سنة لأخرى، تحت تأثير العوامل المناخية و ارتفاع الكثافة السكانية و توسع قطاع الزراعة الذي يعد أكبر مستهلك لاحتياطي سد بوحمدان، الذي يمر بوضع مقلق هذه الأيام بسبب شح الأمطار بحوض المصب الكبير. وفي انتظار تجسيد المقترحات التي تقدم بها قطاع الموارد المائية بقالمة، تبقى الآبار الجوفية العميقة و احتياطي سد بوحمدان المصدر الرئيسي لتلبية الطلب المتزايد على مياه الشرب و السقي و يواجه المهندسون تحديات كبيرة للعثور على المياه الجوفية العذبة في رواق العطش الواقع شمال و شرق الولاية، حيث تكاد الآمال أن تكون محدودة بسبب الطبيعة الجيولوجية التي تمتاز بندرة الاحتياطات الجوفية مقارنة بمخزون سهل قالمة و حوض عين آركو بسهل الجنوب الكبير.