يعج الفضاء الرقمي في الجزائر بأعداد كبيرة من صناع المحتوى و المؤثرين، و الكثير منهم فضلوا مجال الموضة و الترفيه، و جعلوا من هذه الصناعة بديلا للعمل لكسب المال، محققين الشهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أضحت الصورة العامة لصناعة المحتوى تتميز بالسطحية و السعي وراء حصد أكبر عدد من المتابعات، بعيدا عن صناعة محتوى مفيد، بالمقابل هناك فئة قليلة من صناع المحتوى، اختارت الجانب العلمي و التثقيفي الذي يتطلب وقتا و جهدا لإنتاجه، لكنه بالمقابل لا يلفت انتباه الكثير من المتابعين و لا يكاد يدر المال على صانعيه. و أكد عدد من الناشطين في مجال صناعة المحتوى التعليمي للنصر، أن النمط الاستهلاكي هو السائد حاليا في صناعة المحتوى، الذي يتسم بالسطحية و السذاجة في الكثير من الأحيان ، و يعتمد صانعوه على الاستسهال و السرعة، دون مراعاة القيم و الأهداف التي ينشرها بين أفراد المجتمع، إضافة إلى تشجيعه للنمط المادي و الاستهلاكي، على حساب العلم و المعرفة ، و ساهمت هذه الموجة في تغيير الذوق العام للمواطن الجزائري، و حولت اهتمامه صوب الكماليات و الماديات، على حساب العلم و المعرفة. * رامي زموشي صاحب قناة «تيكوب تشانل» للمؤسسات الناشئة غالبية المتتبعين يتوجهون نحو السطحيات قال رامي زموشي، مهندس دولة في الإعلام الآلي ، و صاحب قناة « تيكوب تشانل»، المختصة في التكنولوجيا و المؤسسات الناشئة، للنصر ، أن صناعة محتوى هادف كثيرا ما يستغرق وقتا و يستنزف جهدا إضافيا، لكنه بالمقابل لا يلقى الصدى المناسب له في الجزائر ، في ظل وجود بديل استهلاكي وفير، غالبا دون مغزى. و يرى المتحدث، أن المحتوى الهادف ليس بالضرورة الذي يسوق في صورة جادة، فهناك محتوى كوميدي، لكنه يحمل رسائل تربوية تثقيفية و تعليمية، لكنه ليس رائجا في الجزائر، و نجد غالبية المتتبعين يتوجهون صوب المحتوى المفرغ من المضمون، دون رسالة هادفة، و يهتم أساسا بالسطحيات كاللباس و الأكل و بعض الأمور الساخرة التي تحقق نسب مشاهدة و متابعة خيالية ، في ظرف ساعات قليلة ، و تدر على صناعها أموالا طائلة ، و تجعل منهم نجوما في المجتمع. و قد تحولت بمرور الوقت، إلى مصدر رزق للعشرات من الشباب، تحديدا على منصات يوتيوب و تيك توك و إنستغرام ، عكس المحتوى القيمي، الذي يتطلب من صاحبه مجهودا و عملا منظما، ليحدث أثرا إيجابيا لدى المتلقي ، و هذا النمط تتابعه فئات معينة محدودة جدا، و لا يعود بالفائدة المادية عليه في أغلب الأحيان . و قال زموشي في حديثه للنصر، أنه كصانع محتوى هادف، يهتم أساسا بالتكنولوجيا ، يصطدم كثيرا بنقص أو غياب التفاعل مع ما ينشره من محتوى، خاصة ما يتعلق بالأحداث و المؤتمرات و اللقاءات التي ينظمها مع باحثين و علماء ، و قد يختلف حجم المتابعات من منصة إلى أخرى، فقد أحصى اليوم 13 ألف متابع على منصة فايسبوك و 11 ألف متابع على إنستغرام ، وهو يسعى دوما إلى تقديم مضامين مختلفة و جديدة ، بطريقة تجذب الشباب، خاصة بين 18 إلى 24 سنة، لذا أصبح ينشر نماذج رائدة من كل أنحاء العالم، و يتواصل معها لنقل تجربتهم إلى الشباب الجزائري ، إضافة إلى بث محتوى سياحي من مختلف المناطق التي يسافر إليها، و هذا النمط من المحتوى، أكد رامي زموشي، أنه يلقى رواجا في المجتمع، و يشد إليه الكثير من المتابعين ، لكن رغم كل هذه المجهودات المبذولة ، فإنه لا يحقق النجاح الباهر الذي قد يحققه صانع محتوى يقدم مادة استهلاكية، أو مؤثر يعرض مادة هزلية مضمونها سخيف غالبا. * عبد الوهاب أيت الطيب مؤسس إذاعة على الويب المحتويات الهادفة تكاد تكون غائبة اعتبر عبد الوهاب آيت الطيب، صاحب إذاعة « ألجيرين بلاك بارل» على الويب، الناطقة باللغة الإنجليزية ، أن المحتوى المنتشر في الجزائر ضعيف و رديء و خال من المعرفة ، و هو امتداد لما يعيشه المجتمع الجزائري اليوم و مرآة عاكسة له. و قال عبد الوهاب في حديثه للنصر ، أن المتلقي الجزائري أصبح يبحث و يشجع هذه النوع من المحتوى و اللغة و القالب المقدم به، و علق المتحدث أن الجزائر لا تصنع الاستثناء، ففي كل العالم توجد محتويات غير هادفة و استهلاكية ، و هنا استذكر المتحدث نظرية الباحث الأمريكي درك طمسون الذي بحث عن سبب الرواج الكبير لهذه المحتويات، التي تحقق أرقام متابعة خيالية، عكس المحتويات المفيدة، و خلص إلى أن الإنسان دائما يبحث عن الغرابة و أشياء تجمع ما هو قديم بما هو جديد، لكن بطريقة مختلفة، بغض النظر عن قيمتها و رسالتها الهادفة. في الجزائر كما بين المتحدث، المحتويات الساذجة و السطحية هي المنتشرة و الرائجة، و تكاد تكون المحتويات الهادفة غائبة تماما، ما يسبب الإحباط لأي صانع محتوى هادف، قد يقضي مدة طويلة لإنتاج و نشر محتوى معين، بالمقابل يكون صداه ضعيفا، مقارنة بمؤثر قد يستغل كلمة معينة، أو موقف أو طريقة لباس أو حادثة بسيطة، لصناعة محتوى يستقطب عشرات، بل آلاف المتابعات ، و بما أن الطبيعة لا تحب الفراغ، فإن المحتويات غير الهادفة، أصبحت تنتج و تسوق بأعداد كبيرة ، أما المحتويات التعليمية والتثقيفية، فهي ضئيلة، مقارنة بها، كونها تستغرق الوقت و الجهد. * المدونة سلمى بكوش هي مسؤولية يتقاسمها المستهلك و الصانع ترى المدونة سلمى بكوش ، أن صناعة المحتوى مسؤولية مشتركة يتقاسمها كل من الصانع و المستهلك، فصانع المحتوى تقع على عاتقه مسؤولية ما يقدمه للمتلقي من مضامين، و بالمقابل المتتبع له كل الحرية في اختيار المواد التي يتابعها. و في حديثها للنصر، قالت سلمى بكوش أنه لا يوجد صدى فعلي للمحتوى التعليمي، إذا ما قارنا عدد المشاهدات و الانتشار عبر مختلف المنصات الإلكترونية بفيديوهات الموضة و الماكياج و السفر و غيرها ، كما أن للمنصة التي يختارها صانع المحتوى، دورا كبيرا في انتشار ما يقدمه من منتوج ، و رفع عدد المتابعات، فمثلا منصة يوتيوب غالبا ما تلائم المحتويات الاستهلاكية، لأنها في الأصل منصة ترفيهية، كما يستخدمها الأفراد كبديل عن التلفزيون، من أجل التسلية ، و بالتالي فهذه المنصة لا تستقطب المهتمين بالمحتويات التثقيفية و التعليمية . المعروف أن المحتوى الاستهلاكي يعتمد على السذاجة و الغرابة ، و المحتوى التعليمي يتطلب من صانعه وقتا و تركيزا، لتقديم نوعية جيدة ، سواء من حوارات أو محاضرات و غيرها ، و هو ما تعمل عليه سلمى كمدونة منذ سنة 2016 ، حيث تنشر عادة محاضرات علمية طويلة في مجال المسارات المهنية و محادثة ضيوف لهم تجارب مهنية رائدة في عدة مجالات، لكن بالمقابل، تقول سلمى بكوش ،أن عدد متابعيها محدود، و كثيرا ما تتلقى انتقادات حول طول مدة المحتوى الذي يدوم غالبا عدة ساعات. و يعود ذلك، حسب رأيها، إلى طبيعة الأفراد الذين يبحثون عن البساطة و لا يملكون الصبر لمتابعة التفاصيل، رغم ما تحتاجه المحتويات التعليمية من دقة و تركيز من قبل من يتابعها. و ترى المتحدثة أن المحتويات المبتذلة ، شجعت كثيرا على انتشار الفكر المادي و الاستهلاكي في المجتمع ، من حيث التركيز أكثر على جماليات الصورة و مختلف كماليات الحياة ، من لباس و ماكياج و سفر و غيرها ، و حتى شركات الإشهار تفضل المحتويات الاستهلاكية على التعليمية و التثقيفية، لتمرير إشهاراتها ، و جعلت من بعض المؤثرين نجوما من الصف الأول ، فالمعيار أصبح مرتبطا بعدد المتابعات و ليس بالنوعية المقدمة ، و أكثر من هذا، فقد ساهم ذلك في انتشار ثقافة التفاهة، فيمكن صناعة محتوى من أمور ساذجة جدا و سطحية ، فتلفت انتباه المئات، بل الآلاف، و تتحول إلى محور اهتمام المجتمع .