الجيل القديم كان قاصرا بالنسبة للوعي بالكتابة الروائية وفي فهمه للرواية إسماعيل يبرير شاعر جزائري، يعمل منذ سنوات في الصحافة، وحاليا هو رئيس القسم الثقافي لجريدة وقت الجزائر، صدر له في الشعر: "طقوس أولى" عن منشورات دار أسامة عام 2007، "التمرين أو ما يفعله الشاعر عادة" عن نفس الدار عام 2008. كما صدرت له رواية بعنوان "ملائكة لافران"، في طبعتين عن موفم للنشر/ المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية عام 2009 و2011 وحازت على جائزة رئيس الجمهورية لإبداعات الشباب عام 2008. يبرير حاز أيضا على عدة تتويجات وجوائز أدبية. وستصدر له في مطلع 2012 عن منشورات ميم مجموعة شعرية بعنوان "مخالب الجهات"، وفي الرواية ستصدر له "باردة كأنثى" عن منشورات أبيك، و"وصية المعتوه" عن منشورات ميم. إسماعيل يبرير يتحدث في هذا الحوار عن روايته "ملائكة لافران" وعن الشعر، كما يتحدث عن إجحاف النقد والنقاد بحقه كشاعر وبحق تجربته الشعرية. حاورته/ نوّارة لحرش صدرت لك الطبعة الثانية من رواية "ملائكة لافران"، والملاحظ أنها لقيت بعض الاحتفاء عكس مجموعاتك الشعرية، كيف تفسر هذا؟ إسماعيل يبرير: قليل من الترحيب، وبعض القراءة، لكنني لا أخفيك سعادتي أن البعض قال فيها شيئا، بالنسبة لشعري لا أذكر أن أحدهم وصفه بغير الصمت، كأن قصائدي تحيل على ذلك، في كل مرة تأتي مناسبة لأرى ما يمكن أن تحثه قصيدة من صدى أجدها تؤكد لي أن بالأمر خلل ما، لم أدن القصيدة ولا المتلقي ولا نفسي، واصلت الكتابة وبكثير من المتعة سأقدم ديوان "مخالب الجهات" قريبا بعد أن نام لسنوات طويلة في الدرج، أعتقد أن الشعر كله يشكو من انكفاء في التلقي وليس شعري فحسب، ولكن هناك درجة مبالغ فيها من الغنائية والرطانة الشعرية تلقى الاحتفاء من قبل حراس البوابات، أو القائمين على وسائل الإعلام، وهناك استسهال في توزيع الألقاب، دون الحديث عن نموذج المسابقات التي ترتد بالشعر عن قصد عندما تطالب بخمسة أبيات في مدح البحر أو عشرة في ذم التمر، كل هذا في حضور نفاق ثقافي مشترك يصبح بيئة مشجعة لتهميش النصوص المختلفة. قلت مرة بأن قبولك في المشهد كشاعر كان متوسطا، وأن إصداراتك لم تلق أي مدح أو ذم ولا إشارة. برأيك عدم الانتباه لك كشاعر ولمجموعاتك يرجع إلى خواء المشهد أم أن مجموعاتك لم تصل إلى المشتغلين بحقل الإعلام الثقافي والأدباء، ثم أنت من عائلة الشعر، أيعقل ألا يحتفي بشعرك ومجموعاتك أخوتك الشعراء؟ إسماعيل يبرير: أنا أعتبر نفسي من عائلة الشعر، ومن عائلة الإعلام أيضا دراسة وعملا منذ سنوات، ولدي انتماء للكثير من العائلات إذا أردتِ، لكن الحقيقة التي يعرفها الكثيرون أني لا أحضر لقاءات السذاجة الأدبية والفكرية، ولا أحتفي بأي كائن يقفز إلى المشهد، ولا أصفق للأسماء بل للنصوص، من هذا الجانب أنا غير مقبول تماما، فتشي معي الآن عن مثقف يصدح برأيه في الجزائر، إذا أردنا أن نجد مثقفا واحدا من الكتاب والشعراء والمسرحيين غير مندمج في الآلة التي تفرضها ترتيبات السياسة الثقافية والمشهد سوف نعجز. لا أحد يهتم للأدب والإبداع الجزائري، يهتمون بالأسماء وبمفاهيم من قبيل "حبيبنا" و"صاحبنا" و"وليد المنطقة والقرية والحي". ولا أتصور أنه من ضمن مهامي الاتصال بالأصدقاء واستجداء أقلامهم، سبق أن فعلت شيئا شبيها ولم أحصل على نتائج، الأفضل أن أكتفي بالبحث في نصي لا في إسمي. في روايتك كان الراوي منصفا للبطلة ياموندا وفي ذات الوقت كان فاضحا لها في بعض المواقف، كأن الراوي كان يريد خيرا ببطلته لكن بطريقته، هل يمكن أن نصف الرواي في "ملائكة لافران" بالشيطان الرحيم؟ إسماعيل يبرير: ربما، فهو يستمتع بعذابات ياموندا ويبدي تعاطفا معها، وحتى في رسالته إليها اعتذر وحملها مسؤولية ما حل بها، وقد أصفه بالجبن، فهو راوٍ لم يتمكن من مواصلة تعذيب ياموندا، واستسلم في النهاية وجد لها منفذا، هذه الجزئية لم يكن يفترض أن تكون، أتصور أن الرواية كانت ستبدو أهم لو أنها توقفت قبل نهايتها بعشر صفحات. الرواية تدين المجتمع وتتعاطف مع ياموندا رغم ممارستها لأقدم مهنة في التاريخ البشري "الدعارة"، هذا يحدث في الرواية، لكنه لا يحدث في المجتمع، أنت برأيك هل ترى أنه يحدث حقا في المجتمع، وهل الرواية جاءت لتناقض المجتمع أم لتحاكمه؟ إسماعيل يبرير: ربما لا يحدّث في المجتمع وفي الضمير الجمعي، لكن الأفراد يتعاطفون مع نموذج مثل ياموندا، والجماعات البسيطة تجد لها مبررات وتشرح معاناتها، كل هذا في الهامش، أما في النص فإنهم لا يملكون جرأة الدفاع عنها، هذا وجه من أوجه النفاق الإجتماعي، هل تتصوري أن فتاة جميلة بقوام جميل تمشي في الشارع بلباس كاشف ومغر ستكون موضوع ذم أم مدح؟ الجميع يحقدون عليها في الجماعة ويتأملون جمالها ويلتهمونه في الفردانية. "ملائكة لافران" جاءت بعد تجربة شخصية، فهل السرد كان وفيا لبعض الحقائق، أم مارس بعض التمويه؟ إسماعيل يبرير: لم أكن وفيا إلا لعتبة جناح لافران بمستشفى القطار، البقية كانت عالما موازيا للواقع، يوجد على الأقل شخصيتان داخل الرواية مرا بي في فترة تواجدي بذلك المستشفى، احتفظت بملامحهما وغيرت طباعهما وتاريخهما ومستقبلهما. قبل "ملائكة لافران" كتبت رواية بعنوان "باردة كأنثى" وهي تعتبر تجربتك الأولى في الكتابة الروائية والتي تتحدّث فيها عن تيه شاب في العشرية الحمراء، لماذا تم طبع عملك الثاني في الرواية قبل عملك الأول والذي لم يطبع حتى الآن؟ إسماعيل يبرير: كنت أتمنى أن تنشر "باردة كأنثى" وسعيت لذلك منذ سنوات دون جدوى، الآن هي لدى منشورات أبيك، كنا نسعى لتحضيرها للصدور في الصالون الدولي السابق لكن تعذر الأمر على الناشر، ستكون حتما في الأشهر القليلة القادمة حاضرة في مواعيد الكتاب، ويبقى علي أن أشير بأن الطبعة الأولى من رواية "ملائكة لافران" لا تعنيني، ولم أوافق عليها، صدرت دون علمي وكادت الأمور أن تكون سيئة بيني وبين المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية لولا أن أحد إطارات تلك المؤسسة اقترح البدائل وقد أقنعتني حكمته فقدمت الطبعة الثانية متلافيا أخطاء الأولى، تصوري أني وجدت روايتي بالصدفة في صالون الكتاب 2009. لكنني أراهن على "باردة كأنثى" وما هو قادم من روايات. قلت أن الجيل الجديد ينجز الرواية بكثير من التأمل والكشف، لكن هناك من يقول بأنه جيل متسرع وغير مدرك لأمور الكتابة الروائية جيدا؟ إسماعيل يبرير: أنا لا أتحدث عن الجميع، يوجد نص يحمل دلالات التفوق، كما أن الكثير من النصوص المؤسسة الأولى فقيرة إلى تلك الدلائل، ربما بحكم الجيل والقراءات والأدوات الكتابية والتجارب، لكن الغريب أن هذا الجيل يضم عددا كبيرا من الكتاب منهم من يعي مشروعه ومنهم من يكتب فقط لمزاحمة أصحاب المشاريع الكتابية القليلين، والكثيرون لا موقف لهم كتبوا بالصدفة وتوقفوا عن الكتابة بالصدفة، الأمر يتطلب دراسة، والسنوات القليلة القادمة ستقدم لنا بعض المفاجآت. بالنسبة للوعي بالكتابة الروائية أنا أكاد أجزم أن الجيل القديم أيضا كان قاصرا جدا، وبعضهم حافظ على ذلك القصور إلى يومنا هذا في فهمه للرواية. ما الذي تريد قوله من خلال الشعر ومن جهة أخرى من خلال الرواية، وطبعا الملاحظ أنك منتصر للشعر أكثر من الرواية، فهل الرواية مجرد محطات أدبية في مسيرتك والشعر هو الأساس والحياة والشغف؟ إسماعيل يبرير: أريد أن أقول أدبا يشبهني، طبعا كتجربة حياتية ووجودية وليس كشكل حتى نخفف من صدمة القارئ، هذا أمر يتأتى لي في الشعر والرواية معا، وبخطابين مختلفين. الآن أنا أتعامل مع الرواية كمشروع أتحمل تبعاته، وعليك أن تتأكدي أني ضيعت منذ يومين رحلة بسبب حالة شعرية مستعجلة في محطة المسافرين، أردت أن أقبض على ذلك المعنى فضاعت الرحلة، علاقتي بالشعر غير مراقبة وان كانت معرفية، ولها معالمها وان بدت نزقة وفوضوية. في ديوان "التمرين أو ما يفعله الشاعر عادة"، تمتزج أكثر من مجموعة شعرية، وأكثر من فلسفة وأكثر من حساسية، لماذا جاء الديوان بهذا التنوع من التشكيل؟، وهل يمكن اعتباره تدريبات أخرى في الشعر والكتابة؟ إسماعيل يبرير: أطلقت اسم التمرين من هذا الباب، فهو ديوان متعدد الوجوه، لا يوجد انسجام كبير بين التجارب التي ضمتها مجموعاته، مجموعة "كحياة" و"مدائح لأسبوع ما" و"أبجدية البهاء" و"متن إسماعيل" كلها لحظات شعرية تتقاطع في أنا، إلا أنها تجارب مختلفة، في الشكل والإيقاع واللغة وحتى في الرغبة، أردت أن أقول خلاصة لمرحلة ما، بعدها لم يعد الشعر بالنسبة لي شبيها بهذا الديوان، صحيح أني كتبت قبله "مخالب الجهات" وقبلهما "طقوس أولى" إلا أني أعتبره خلاصة لشعرية إسماعيل، وسأمنح نفسي فرصة للتوسع فأدعي أن ما سيصدر لي شعريا لاحقا سيكون مختلفا عما سبق. قلت مرة أنك تحتاج إلى قاريء أفضل وناقد أهم لكن دون جدوى، برأيك ما هي مواصفات هذا القاريء، وهل هو بالضرورة قاريء من عائلة النخبة أو من العائلة المتذوقة وكفى، وبخصوص الناقد، هو عادة لا يلتفت إلى الشعر وإن حدث فهو يلتفت لتجارب بعينها، لماذا برأيك؟ إسماعيل يبرير: أنا أتمنى أن أعثر على هذا القارئ، كنت مصدوما في شهر جانفي 2011، حيث خرجت من عند ناشري بثلاثين نسخة من رواية "ملائكة لافران" أردت أن أجد من يقرأها، في الطريق وزعت بأدب عشر نسخ على أناس مختلفين وتركت بريدي ورقم هاتفي ولا أزال أنتظر رأيهم فيما كتبت، لا أتصور أن القارئ العادي يهتم لشخص يوزع كتابه، ولا الصحفي، أنا أدعو إلى تثمين الكِتاب، كلما كان أغلى وأبعد كلما زاد الإهتمام به، ولن أخفيك أن إحدى زميلات العمل طلبت منى نسخة من روايتي فاعتذرت واقترحت أن تقتنيها من مكتبة ما، فردت أنها ستقرأ لي فعلي أن أفرح بذلك!، الزميلة نفسها اقتنت كل روايات أحلام مستغاتمي التي رفضت أن تأخذ معها صورة، الأمر يتطلب بعضا من الخصوصية، اندماج الكاتب اليومي مع المجتمع ضروري، لكن العمل والتواصل مع أشخاص وان تضاعفت طيبتهم محدودي الثقافة والمعرفة لا ينفع، أنا أفضل أن يقرأ كتبي عشر قراء نخبويين بدلا من ألف قارئ لا يتفاعل، وأعتذر إذا أسأت لأحد ولكن هناك الكثير من الكُتاب والمحسوبين على النخبة لا يستحقون أن يكونوا قراء. أنا أعتقد في مفهوم أفق التلقي ولكن أيضا في غياب وضمور هذا الأفق. ماذا عن نصك الروائي الجديد "غربال الماء" الذي سبق وقلت أنه سيصدر قريبا؟ وماذا عن الشعر الآن؟ إسماعيل يبرير: قد يتغير عنوانه إلى "وصية المعتوه" وربما إلى عنوان آخر، النص سيصدر عن منشورات ميم نهاية شهر فيفري، وهي ذاتها الدار التي ستقدم ديواني "مخالب الجهات" قريبا، أتمنى أن يجد القارئ شيئا مختلفا في ما أنشره لاحقا. وأن أضيف إلى المشهد الأدبي الجزائري ما يجعله يحتفي بي.