احتفى المسلمون في الخامس عشر من شهر رمضان باليوم الإسلامي لليتيم الذي أقرته الدورة ال 40 لمجلس وزراء خارجية منظمة «التعاون الإسلامي»، التي عقدت في كوناكري بجمهورية غينيا في الفترة من 9 إلى 11 ديسمبر 2013 م، في مسعى حضاري للفت النظر لهذه الشريحة الاجتماعية والكشف عن الأهمية الكبرى التي أولاها لها الإسلام في منظومته التشريعية والأخلاقية؛ على المستوى المعنوي والأدبي؛ حتى كاد الإسلام يتميز بهذا الاهتمام عن باقي الشرائع والأديان في شموليته وعمقه ودقته؛ فلم يجعل الاعتناء بهم مجرد خدمة تطوعية يقوم بها المرء متى شاء بل جعلها واجبا موزعا بين الفرد والأسرة والمجتمع والدولة ولكل طرف واجب محدد تجاهه؛ لقوله تعالى: وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا . ولا غرابة في ذلك لأن ديننا يضمن منزلة لكافل اليتيم بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم في الجمع لن يضاهيه دين آخر أو شريعة أخرى في الاهتمام باليتامى. ولئن شرع القرآن الكريم في بيان حقوق اليتيم بالامر بالإحسان اليه في قول الله تعالى: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ))، فإن هذا اللفظ *الإحسان* يحمل دلالات عظيمة؛ ليس لأنه قرن حق اليتامى بحق الوالدين فحسب بل لأن هذا اللفظ يحمل إيحاء عاطفيا يستلزم سبق العطف والشفقة والرحمة دوافع له قبل أن يكون مجرد دافع ذلك الإلزام القانوني، فكما أن الابن يحسن إلى ولديه فطريا جبليا بدافع المودة والرحمة والعطف والحنان فكذلك يفعل المسلم مع اليتيم، فلا ينتظر رقابة قانونية شرطية ليحفظ له حقوقه ويؤدي واجباته تجاهه؛ علاوة على كونه يؤدي تلك الحقوق بمودة ومحبة ورغبة يشعر بعدها بلذة معنوية لا تضاهى وهو يرسم ابتسامة على شفاه اليتيم او يمسح عنه دمعة. ولهذا وردت نصوص أخرى في كتاب الله تعالى آمرة وناهية مستهدفة تحقيق مبدأ الإحسان والمحافظة عليه وتحريم ما ينافيه أو يشوش عليه من تصرفات، قبل أن ترد تشريعات قانونية ملزمة ببعض الأحكام الفقهية والقضائية، فقال الله سبحانه وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُم ونهى عن تجاهل إكرامهم ؛ فقال الله تعالى: كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، أو إلحاق الأذى بهم؛ فقال الله تعالى : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وقال الله تعالى:فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وبعد أن مهد الإسلام بأوامر القرآن ونواهيه إلى ترسيخ الإحسان علاقة وطيدة دائمة بين المجتمع واليتيم؛ شرع بعد ذلك مجموعة حقوق، وجعلها لازمة، وتوعد من التقصير فيها؛ لأن بعض النفوس كثيرا ما تغفل عن أداء الحقوق طواعية، فلا بد لها من رادع؛ فسعى أولا لحماية مال اليتيم من بعض النفوس الضعيفة التي يعمي بصيرتها حب المال، ويخفت في قلبها نبض المودة والشفقة إن خالطه ذلك؛ فسارع القرآن الكريم إلى حظر مجرد الاقتراب من مال اليتيم، إلا بما فيه خير له، كأن ينميه له ويستثمره، فقال الله تعالى: ((وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا))، فلا يجوز له الاستحواذ عليه أو خلطه بماله تمهيدا للاستيلاء عليه؛ فقال الله تعالى: وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا، وتسلم لهم بمجرد أن يبلغوا سن الرشد وتبدو عليهم علامات الرشد والصلاح؛ فقال الله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا، إنها أمانة تحفظ من قبل الولي حتى تسلم كاملة غير منقوصة كما استودع عليها، وقد شدد القرآن الوعيد بعقوبات أخروية أقسى لمن استولى على هذه الأموال؛ فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ))، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: ((الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ))؛ (سنن أبي داود). وقد جاء في الأثر عن ابن عباس قال: «لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، و إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ، انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ، فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعَامِهِ، فَيُحْبَسُ لَهُ؛ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلّ ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ))، فخلطوا طعامهم وشرابهم بشرابهم. إن هذه التشريعات التي تنم عن عظمة هذا الدين ومدى اهتمامه باليتيم وحقوقه في المجتمع؛ التي يقدمها المسلمون معتزين ومفتخرين بين أتباع الأديان والشرائع ينبغي أن ترى طريقها للتجسيد في واقعهم حتى تكون حجة لهم لا عليهم، وحتى يكونون في مستوى هذا الدين وقدوة له بين الأمم؛ لاسيما وأن أعداد اليتامى في العالم الإسلامي مرتفعة جدا بسبب ما حل ويحل بالمسلمين من حروب ونزاعات، داخلية أو خارجية، وما تخلفه من أرامل وأيتام، ناهيك عن الأمراض والأوبئة والحوادث التي تخلف هي الأخرى أعدادا معتبرة من اليتامى، وحسب إحصائيات اليونيسف وغيرها من المنظمات فإن العالم يشهد منذ مدة كل يوم تحول حوالي 10 آلاف طفل إلى أيتام، بسبب الحروب، والنزاعات، والجفاف، والأوبئة، والمجاعات، وغيرها.. وتشير الأرقام الصادرة عن منظمة "يونيسيف" إلى أن عدد الأيتام تجاوز 140 مليون يتيم على مستوى العالم، موزعين عبر القارات الخمس، وفي العالم العربي والإسلامي يرتفع العدد في مناطق النزاع والنزوح، وفي يوم اليتيم هذا يظهر أن طرائق ووسائل كفالة الأيتام أخذة في تطور مطرد؛ فلم يعد الأمر قاصرا على نمط كفالة الأسر التقليدي على أهيمته بل انخرطت في ذلك جمعيات مؤسسات ودور رعاية وإيواء ومنظمات وطنية وإقليمية تسهم في هذا المسعى وتفتح للجميع المشاركة في رعاية الأيتام، والاشتراك في الأجر سواء بالدعم المالي أو اللوجيستي أو النشاط الميداني مع المجتمع المدني وجمعياته الخيرية. لأن الأجر في ذلك عظيم؛ وهو أمر مشترك، والإنفاق في سبيله واجب؛ يقول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ . ع/خ صدامات بين الشرطة السويدية ومحتجين أرادوا تدنيس القرآن الكريم وقعت صدامات في مدينة سويدية الجمعة بين الشرطة ومتظاهرين خرجوا للاحتجاج على خطة حركة يمينية متطرفة قامت بإحراق نسخة من القرآن، ما أسفر عن إصابة تسعة عناصر شرطة بجروح، وفق ما أعلنت السلطات حسب ما تناقلته مختلف وسائل الإعلام، ووقعت الصدامات لليوم الثاني على التوالي على خلفية تجمّع لحركة «سترام كورس» المناهضة للهجرة والإسلام التي يقودها الدنماركي السويدي راسموس بالودان. وكانت الشرطة السويدية قد سمحت بتظاهرة بعد ظهر الخميس للناشط الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان وحزبه «الخط المتشدد» المعروف باستفزازاته المناهضة للإسلام. وأعلن نيته بحرق مصحف خلال التجمع. وتمكن في وقت لاحق من إشغال النار في نسخة من المصحف وسط تنديد من المسلمين المتواجدين في المكان. وقد أدانت بعض الدول الإسلامية تدنيس القرآن في السويد بذريعة حرية التعبير، فيما أعلنت وزارة الخارجية العراقية أنها استدعت القائم بالأعمال السويدي في بغداد، وقدمت له احتجاج الحكومة العراقية، بسبب حرق القرآن الكريم من قبل «متطرفين» في السويد. هذه حقوق اليتيم في الإسلام قد جاء الإسلام للبشرية واليتيم ليس له حظ في الدنيا فأتت نصوص الشريعة مؤكدة ومبينة وآمرة بالإحسان لهذا اليتيم فأمر الله تعالى بالإحسان إليه والتودد له وإعطائه حقه كاملا غير منقوص، ومن الحقوق المشروعة له نذكر من بينها1-كما أوردها الكثير من العلماء: (1) حق حرمة المال. (2) حرمة القهر ويعني عدم القدرة على الانتصار للحق (3) حق الإكرام والكرم هو الإعطاء بسهولة دون عوض مادي أو معنوي (4) حرمة الدفع (5) حق الإطعام [ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا] (6)حق الإيواء[ألم يجدك يتيما فآوى](7) حق حفظ الميراث حتى بلوغ سن الرشد[وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك] (8) حق الإحسان (10) حق القسط وهو العدل وعكسه الجور يقول تعالى[وإن تقوموا لليتامى بالقسط] (10) الحق في الفئ، قال الله تعالى: ((مَّا أَفَاءَ 0للَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ 0لْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى 0لْقُرْبَى واليتامى والمساكين وَ0بْنِ 0لسَّبِيلِ))، ومن عظيم اهتمام القرآن الكريم أن ذكره في معرض الحديث عن أركان الإيمان دلالة على أهمية البر باليتيم ويقول الله سبحانه وتعالى: ..وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَىوَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ .. بدأت هذه الأيام حملة جمع زكاة الفطر في المساجد، وسؤالي هل الأفضل لي أن أدفع الزكاة إلى لجنة الزكاة لتوزعها أو أقدمها بنفسي إلى الفقراء؟ الذي أجمع عليه الفقهاء أن دفع الزكاة إلى الإمام أو من ينوبه (أي أجهزة الدولة المعنية بها) أفضل من تفريقها بنفسه، لعموم قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) [التوبة: 103]. ولأن فيها إحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في جمع زكاة الفطر وتوزيعها على مستحقيها، وهو استمرار لعمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم حيث كانوا يجمعون الزكاة ليوزعوها على من يستحقها. وفي جمعها أيضا إظهار لشعائر الإسلام وإعلان للطاعة وتشجيع للناس لدفع زكاتهم وتنبيه للغافل حتى لا يؤخر دفع زكاته. ولجان الزكاة بالمساجد تقوم بجمع زكاة الفطر بأمر من ولي الأمر، فيكون دفعها لهم من الطاعة التي أمرنا بها في قوله تعالى: ( يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) [النساء: 59]. الشيخ الدكتور موسى إسماعيل عضو اللجنة الوزارية للفتوى