غاب، أمس، الشاعر مالك بوذيبة. لم يمنح فرصة الوداع لأحد، ربما أراد أن يكمل قصيدته على هذا النحو الفاجع الصادم، كعادته. الفتى الأشقر الذي ظهر في المشهد الشعري في الثمانينيات بقصائده العذبة، فضل الخروج الآن بعدما أخذ حظه من الحياة وأخذت الحياة حظها منه، على حد تعبير سلفه الصالح ماياكوفسكي. في الرابعة والأربعين من "عمره السريع" أوقف مالك قصيدته، و تنحى من الزحام آخذا معه أسراره و ألامه الكثيرة، هو الذي خبر الألم وصادقه، لم يبح بمرضه أو يعلنه كما يفعل طالبو التعاطف والدعم، لذلك كان موته مفاجئا للكثير من أصدقائه الذين لم يصدقوا أمس أن مالك... مات. عاش مالك في الشعر، أي على هامش الحياة، هو الذي هجر مهنة التعليم، ولم يجرب مهنة أخرى إلا في السنوات الأخيرة حين أصبح مخرجا في إذاعة سكيكدة، و ربما أراد أن يكون شاعرا وكفى، لا يحتاج إلى عدة أو حساب مع حياة بلا قلب لا تقبل الكلمات مهرا لها، الحياة ذاتها التي هجاها في مرثيته الرفيعة لبختي بن عودة الذي كف قبله عن إيقاظ الفراشات. و ربما يمكن تفسير ثورته الدائمة وغضبه من هنا، حتى وإن كان الغضب هو رفيق الشعراء وعنوانهم الدائم. وما يحزن في حالة مالك بوذيبة أنه لم يذهب بمشروعه الشعري إلى مداه، رغم أنه لفت الأنظار منذ ظهوره في الساحة الشعرية كواحد من قلة كان يعوّل عليها في إحداث انقلاب في الشعر الجزائري، لكن الحياة انقلبت على الشعر وعلى نفسها و كان هو تنبأ بذلك حين رأى "شجرا أسود يتقدم". حسنا يا مالك، لم تمنحنا،هذه المرة، فرصة لإغضابك أو للغضب منك، لم تمنحنا فرصة لمعانقتك أو استفزازك، ما أقساك! كان عليك أن تلوّح لنا بدمك أو بذاك الذي ينبض ذاك الذي ليس لك، و أنت تفتح باب الخروج. كان عليك أن تلقي بلعنة أو تحية، فهل كنت وفيا لعاداتك أم أن "التسكع في الموت طول الحياة" علّمك ألا شيء يستحق الوداع؟