استعدت مدينة قسنطينة على أكمل وجه لاستقبال مباريات المجموعة الثالثة، حيث لم تترك السلطات المحلية بمعية السكان أي شاردة أو واردة إلا وضبطتها على المقاس، من أجل تقديم صورة جميلة عن مدينة العلم والعلماء المتواجدة في صراع منافسة مع مدن البطولة الأخرى، من أجل الفوز بشرف أفضل مدينة تحتضن فعاليات بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، التي تعتبر مناسبة لإبراز مدى قدرات الجزائر على احتضان تظاهرات أكبر، على غرار "كان 2025" التي ترشحت لها الجزائر رسميا، وكلها أمل على نيل ثقة أعضاء المكتب التنفيذي للكونفدرالية الإفريقية. وفتحت مدينة الجسور المعلقة ذراعيها أمام ضيوف "الشان"، رافعة سقف الطموحات عاليا، كيف لا وهي تمتلك جماهير من ذهب، على غرار "السنافر" و"ليموكيست" و"الخروبية"، وباقي أنصار الفرق المحلية الذين كانوا أمس على أهبة الاستعداد، من أجل تقديم صورة جميلة عن سيرتا التاريخ والأصالة والمعاصرة. وتزيّنت قسنطينة بكل الألوان الجميلة والناصعة الخاصة بالكاف والنسخة السابعة من بطولة "الشان"، وظهرت كعروس تُزّف في موكب احتفالي في ليلة زفافها، وهو ما أعطى للبطولة جمالية أكبر، بالموازاة مع النجاح الباهر المسجل لحد الآن على مستوى العاصمة وعنابة، أين صاحبت المباريات الملعوبة أجواء خيالية أبهرت ضيوف الجزائر وأجبرتهم على مقارنة منافسات "الكان" بمسابقة "الشان"، التي لم يكن أحد يوليها أي اهتمام إلى غاية إقامتها بالجزائر، إذ أعطتها بعدا آخر وكلها أمور قد تصب في صالح ملف الترشح لاحتضان الطبعة 35 من كأس أمم إفريقيا. و سارت كل الأمور كما كان يأمل الجميع، سواء بملعب الشهيد حملاوي الذي كان معنيا أمس باستقبال مباراتين، الأولى لم تلعب وفازت السودان على البساط، بسبب غياب المغرب والثانية التي جمعت غانا ومدغشقر وأقيمت في أجواء مثالية على كل المستويات في ظل التنظيم المحكم والمثالي، خاصة وأن الأجهزة الأمنية بالولاية استعدت لذلك على مدار أكثر من أسابيع، من خلال ورشات تجريبية ودورات تكوينية لتكون عند مستوى الحدث، الذي سيعود بالفائدة على الجميع في قسنطينة التي اكتسبت عدة أمور منذ اختيارها ضمن المدن المعنية بالمنافسة، حيث اكتست الأزقة والشوارع والأحياء بصور جمالية، زادها الجمهور رونقا، كونه كان في قمة الوعي والتحضر. ألوان البطولة تزيّن قسنطينة وكعادتها في كل مناسبة قارية ووطنية ومحلية، قامت النصر بجولة معاينة أمس إلى وسط مدينة قسنطينة والشوارع المكتظة والمعروفة، على غرار أحياء بلوزداد والعربي بن مهيدي ونهج عواطي مصطفى وشارع 19 جوان وساحة الشهداء (لابراش)، وكلها كانت مزينة برايات بطولة "الشان"، وأعلام المنتخبات المشاركة، وهو ما أعطى صورة جميلة ورائعة لمدينة الجسور المعلقة التي عادت إليها الأجواء الحماسية التي صاحبت مباريات المنتخب الوطني خلال كل دورة مهمة، على غرار "كان" 2019 الذي احتفل خلاله القسنطينيون وكل الجزائريين بثاني تتويج قاري للأفناك، دون الحديث عن الاحتفالات التي عرفتها المدينة عقب الفوز بكأس العرب، ناهيك عن المشاركة التاريخية في مونديال البرازيل 2014. وكانت المدينة أمس، ساعات قليلة قبل ضربة الانطلاقة في أبهى حلة والكل كان في الخدمة، من أجل تقديم صورة جميلة عن قسنطينة المضيافة والجزائر الحبيبة، سيما مع حالة الوعي التي أبان عنها الجزائريون خلال هذه البطولة التي رغم قلة أهميتها، إلا أن هناك قناعة حول مقدرتها على إحراج الكاف وقلب المعطيات. شعار "مرحبا" قفز من المواقع إلى الواقع ورفعت اللجنة المنظمة للنسخة السابعة من بطولة "الشان" شعار "مرحبا"، واتخذته عنوانا بارزا ومهما لدورة الجزائر، لما يحمل الأخير من معاني ودلالات حول كرم ضيافة الجزائريين والقسنطينيين الذين كانوا في الموعد وفتحوا أذرعهم أمام الزوار ، ليتحول بذلك شعار "مرحبا" من المواقع إلى الواقع، كيف لا وقد تم تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي بكثرة، وهو ما كان له الأثر الإيجابي على توافد الجماهير إلى ملاعب البطولة، التي عرفت حضورا قياسيا مقارنة بالنسخ السابقة، كما أن ما حدث بملعب 19 ماي بعنابة سيبقى للتاريخ، على اعتبار أنه لم يسبق لمسابقات الكاف تسجيل ذلك الحضور بالمدرجات لمنتخب غير البلد المضيف (مباراتا الكونغو الديمقراطية وأوغندا والسنغال وكوت ديفوار). وأثر لقاء عنابة بشكل مباشر على الجماهير القسنطينية، حيث تم تبني حملات عبر "السوشيل ميديا" من أجل السير على خطى أبناء بونة، ولم لا التفوق عليهم من حيث عدد الحضور، وإن كانت سعة ملعب 19 ماي تختلف عن نظيرتها بحملاوي. كرنفالات متواصلة والمواكب تجوب المدينة منذ أيام ولم يقتصر الاهتمام على مسرح المنافسة ملعب حملاوي فقط الذي كانت كل الأمور مضبوطة به، بل امتدت التحضيرات والاستعدادات إلى وسط المدينة، مع التحركات الحثيثة للسلطات المحلية، والمجتمع المدني الذي أراد هو الآخر المشاركة في إنجاح هذا العرس، وهذا بضبط عديد الاحتفاليات، والبرامج الثقافية التي تطالب بها الكونفدرالية الإفريقية على هامش كل المنافسات الرسمية، ووقفنا على حركية غير مسبوقة بمدينة الصخر العتيق منذ أيام، على غرار المواكب الاحتفالية التي جابت كل الأحياء والشوارع، والتي عرفت تجاوبا كبيرا من السكان الذين زينوا المشهد وحولوا الأجواء إلى كرنفالات ضاهت أو فاقت جمالا ما نشاهده خلال أكبر المنافسات القارية والدولية، على غرار الكان والمونديال. الحضور الجماهيري بعنابة حفز القسنطينية ومما لا شك فيه هو أن الحضور القياسي للجماهير العنابية بملعب 19 ماي أمس الأول، بمناسبة لقاءات المجموعة الثانية، قد ألقى بظلاله على المشهد بقسنطينة، حيث استيقظ الجميع صبيحة أمس على وقع 35 ألف مشجع!، إذ لم يكن هناك حديث بين القسنطينية سوى عن كيفية ملء مدرجات مركب حملاوي عن بكرة أبيها، ولم لا التفوق على العنانبة الذين كانوا في الموعد، وقدموا صورة رائعة عن مدينة بونة التي تحاول صنع التميز خلال استضافتها منافسات الشان، كون ذلك سيعزز من فرص اختيارها لاحتضان منافسات «الكان»، لو تفوز الجزائر بشرف تنظيم النسخة 35، ولو أن السلطات قد أدرجت ملعب عنابة ضمن الملاعب الخمسة المرشحة، ولكن كل شيء مرشح للتغيير، وقد تظهر ملاعب أخرى، على غرار 5 جويلية الذي قد يدخل السباق في أي لحظة، خاصة مع التعديلات الأخيرة التي ستجعل منه جوهرة هو الآخر تضاف إلى جواهر نيلسون مانديلا وميلود هدفي. منافسة بين مدن البطولة الأربع والجزائر المستفيد الأكبر وأطلقت الجماهير الجزائرية عبر مختلف المواقع والمنصات «تدوينات وتغريدات»، بخصوص تحفيز الجماهير، من أجل الحضور بقوة خلال مباريات «الشان»، حتى وإن كان الأمر يتعلق بمنتخبات لا تعنينا في شيء، وهو ما لقي استجابة لدى العنانبة وحتى القسنطينية، في انتظار انضمام أبناء الباهية وهران إلى هذه المبادرة الطيبة، والتي يسعى من خلالها البعض لخلق المنافسة بين مدن البطولة الأربع، ويتعلق الأمر بالعاصمة وعنابةوقسنطينةووهران، وكلها أمور ستنعكس بالإيجاب دون شك على «طبعة الجزائر»، التي تم اعتبارها ب»الاستثنائية» حتى قبل ضربة الانطلاقة، فما بالك بعد نجاحها التنظيمي ونجاحها على مستوى نسبة الحضور الجماهيري، التي قد تتفوق على بعض الطبعات الخاصة بالكان. «الشان في بلاد الشان» لتعزيز ملف «كان 2025» ولا يدور في الجزائر حديث هذه الأيام سوى عن بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين، التي انطلقت بتاريخ 13 جانفي ويسدل الستار عنها يوم 4 فيفري المقبل، حيث يحاول الصغير قبل الكبير المساهمة في إنجاح هذا العرس، واضعين عبارة « الشان في بلاد الشان» نصب أعينهم، خاصة وأنهم يدركون أن النجاح الباهر الذي قد تشهده المسابقة، قد يعزز من فرصنا في المنافسة بقوة على الفوز بشرف تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا الذي يعد الهدف الأسمى لكل جزائري، لا سيما وأن البطولة القارية غائبة عن بلد المليون ونصف مليون شهيد منذ سنة 1990.