اختراع جهاز في شكل قلم يحدد توقيت الوفاة بدقة يسهل التحقيق حول الجرائم و الحوادث القاتلة الغامضة تمكن البروفيسور عبد الحميد بلوم الطبيب الشرعي بالمستشفى الجامعي بن باديس و الأستاذ الباحث في الرياضيات و الإحصاء بجامعة منتوري بقسنطينة أحمد شيباط من الحصول على براءة اختراع أول جهاز في العالم بإمكانه تحديد توقيت الوفاة بسرعة و دقة إذا تعلق الأمر بجثث تم اكتشافها إثر وقوع جرائم قتل و حوادث غامضة و بالتالي بإمكان هذا الجهاز الذي يتم حاليا تطويره و تصغير حجمه ليأخذ شكل قلم إلكتروني أن يسهل مهام الأطباء الشرعيين و قضاة التحقيق و الشرطة القضائية و الدرك لفك ألغاز الكثير من القضايا العالقة. حاورته:إلهام.ط البروفيسور بلوم،البالغ من العمر 58 عاما، الذي يزاول عمله منذ 1985 بمصلحة الطب الشرعي بمستشفى بن باديس، قال ل»النصر» بأنه يعتبر هذا الاختراع باكورة التعاون بين معهد الرياضيات بالجامعة و المصلحة و يتوقع أن تتبعه سلسلة من الأعمال العلمية المثمرة و الاختراعات التي تشرف بلادنا و ترتقي بمكانتها العلمية في المحافل الدولية و شرح بأن فكرة الاختراع راودته منذ سنوات بحكم تخصصه الطبي. فمنذ سنة 1988 بدأ الأطباء يعتمدون في تحديد توقيت الوفيات خاصة إذا تعلق الأمر بضحايا الحوادث و الجرائم على مخطط معادلة (nomogramme) وضعه أستاذ الطب الشرعي بجامعة إيسن الألمانية كلوس هنسج (clauss henssge)و يستند المخطط أو بالأحرى المنحنى على درجة حرارة الجثة و المحيط الذي تتواجد فيه و وزنها و كذا نوعية ثيابها. و قد لاحظ بأن هذه الطريقة ليست دقيقة على غرار مختلف الطرق التي سبقتها فكل سنتين أو ثلاث طوال القرن الماضي كان العلماء يبتكرون طريقة جديدة و يختبرونها قبل أن يعمموا تطبيقها على أمل تطويرها أو التوصل إلى الأفضل ذات يوم. عينة من 257 جثة و أبحاث مكثفة لافتكاك براءة الاختراع قرر الطبيب القسنطيني أن يبدأ بدوره رحلة البحث و الاستقصاء مستثمرا خبرته الميدانية الطويلة. و أوضح بهذا الخصوص:»توجهت إلى مختلف مصالح مستشفى بن باديس و طلبت من الأطباء الاتصال بي فورا كلما صادفتهم حالة مريض يحتضر و على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة بشرط ألا يكون مصابا بمرض معد أو بلغ مرحلة التعفن و التحلل . بدأت الدراسة في سنة 2007 و شملت عينة تقدر ب257 حالة من الجنسين من مختلف الشرائح العمرية .كنت أتوجه إلى أسرة أفراد العينة بعد موتهم إكلينيكيا و أقيس درجة حرارة أجسامهم و درجة حرارة القاعة التي يوجدون بها و أقوم بوزنهم و أعيد الكرة عدة مرات مع تسجيل الملاحظات و الفوارق طيلة الفترة التي تسبق نقلهم إلى مصلحة حفظ الجثث و تقدر عادة بين ساعتين أو ثلاث كأقصى حد بعد التأكد من حدوث الوفاة.و تابعت البحث إلى غاية سنة 2009 بمفردي. و لاحظت بأن درجة الحرارة تتغير حسب عوامل الجنس و السن و المحيط و الثياب و كذا نوع المرض الذي كان يعاني منه كل متوفي.و قررت أن أخضع النتائج التي جمعتها إلى مخطط معادلة هنسج المطبقة بمختلف بلدان العالم و من بينها الجزائر.فتأكدت بأنها بعيدة جدا عن معايير الدقة العلمية المطلوبة لفك ألغاز الجرائم و الحوادث فهي تقيم توقيت الوفاة بفارق ساعتين إلى ساعتين و ربع قبل أو بعد وقت الوفاة الحقيقية.»و أضاف الأستاذ الباحث :»اتصلت بالأستاذ دوريغون و هو عميد أساتذة الطب الشرعي الفرنسيين و قد حظي بتكريم من الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي و يحتل مكانة دولية مرموقة في هذا التخصص لأستشيره فلم أجد لديه الجواب الشافي. فقررت أن اتصل بالبروفيسور الألماني هنسج و اطلعته على النتائج التي توصلت إليه فاكتفى بالتعليق بأن فارق ساعتين عن توقيت الوفاة الحقيقية مقبول بدليل استعمال طريقته على الصعيد الدولي.و بعد طول تفكير قررت أن اتصل بأستاذ الرياضيات و الباحث بجامعة منتوري أحمد شيباط لعله يساعدني لكي نحول النتائج التي توصلت إليها إلى معادلة أو طريقة رياضية و احصائية دقيقة.و إذا به يقترح علي استخدام طريقة تعتمد على التوقعات تطبق في المجالات الاقتصادية و الفلاحية و قياس النمو الديموغرافي و السياسة و هي عبارة عن برنامج معلوماتي يعتمد على تدريب و ضبط شبكة من العصيبات الاصطناعية و بعد سلسلة من التجارب و الأبحاث المشتركة توصلنا إلى تحديد توقيت الوفيات بفارق لا يتجاوز 6 دقائق قبل أو بعد حدوثها حقا. و هذا الفارق لم يتوصل إليه أي طبيب أو عالم من قبل.» و قرر أن لا يبقى كل هذا الجهد رهين الصمت. فشارك في مؤتمر حول الطب الشرعي بتونس حضر فعالياته أطباء و باحثون من بلدان حوض البحر المتوسط. لم يقدم مداخلة شفوية حول أبحاثه بل أعطى لمحة عن نتائجه كتابيا من خلال «بوستر»معلق ببهو قاعة المؤتمر. و أوضح بهذا الخصوص:» أحد الأطباء ضحك من مضمون البوستر و علق بأن نتائجي غير معقولة بينما طلب مني الطبيب الايطالي فرونتيلا أن أقدم له الطريقة المستعملة فاقترحت عليه جلب حالات من مختلف البلدان المتوسطية و أحدد له توقيت رحيلها و فعلت و ذهل الحضور فأوضحت لهم بأنني أقدم منتوجا علميا جزائريا و قسنطينيا بحتا. و شاركنا أنا و الأستاذ شيباط في العام الماضي في مؤتمر آخر للاختراعات و الابتكارات العلمية في اسطنبول بتركيا و قدمنا هذا المنتوج العلمي فمنحتنا شركة يابانية براءة الاختراع. و عندما عدنا إلى قسنطينة قررنا أن نتعمق أكثر في البحث بدءا بتوسيع العينة لتصبح 500 جثة بدل 257 و تصنيع جهاز جزائري لتطبيق الطريقة التي توصلنا إليها بسرعة و دقة و فعالية.اتصلنا بمعهد التقنيات الكهربائية و انطلقنا في مرحلة أخرى من التعاون و قد تمكننا إلى حد اليوم من إنجاز الجيل الأول و الثاني من الجهاز الالكتروني و نحن بصدد تصميم الجيل الثالث على شكل قلم يمكن للطبيب الشرعي أو قاضي التحقيق أو ضباط الشرطة القضائية أو الدرك حمله في الجيوب و استعماله لتحديد توقيت الوفيات في الحوادث و جرائم القتل لأنها تمهد لباقي خطوات التحقيق.» و...رسم انطلاقة لأبحاث أخرى لضبط «خارطة حشرات الموتى» و لم يتوقف محدثنا عن أبحاثه الموازية فقد شرع في أبحاث أخرى تهدف أيضا إلى تقييم قد يكون أكثر دقة لتوقيت الوفيات و بداية تحلل الجثث و تحديد المتورطين من المشتبه بهم في ارتكاب جرائم القتل و الظروف المحيطة بهذه الجرائم و الدوافع المؤدية إلى ارتكابها .فهناك دراسة تطبق نتائجها منذ عشريات بمختلف أنحاء العالم باستثناء الجزائر حول حشرات ) insectes nécrophages) التي تستقطبها رائحة الجثث بعد حوالى ربع ساعة من وقوع الوفاة فتحط فوق الفتحات البارزة بالوجه مثل الفم أو الأنف و هناك تضع بيضها ليفقس بعد ساعة تقريبا و يتحول إلى يرقات ثم حشرات تشاركها في التهام تلك الجثث و بالتالي انطلاق عملية التحلل. و شرح بأن أبحاثه حول هذه الحشرات لم يطبقها على جثث بشرية بل على عينة من الأرانب قام بذبحها و عندما بدأ بيض تلك الحشرات التي حطت فوقها يفقس و يتحول إلى يرقات قام بأخذ تلك اليرقات إلى المخبر ليراقب دورة نموها إلى غاية تحولها إلى حشرات مهمتها التهام الجثث.و شدد بأن الفحص المجهري لهذه الحشرات يؤكد بأن هناك أنواع كثيرة و جميعها تشبه الذباب العادي بالعين المجردة لكنها تختلف عنه فيزيولوجيا . و بينت النتائج التي توصل إليها بأن لكل منطقة حشرات خاصة يستقطبه أمواتها و بالتالي يمكن وضع خارطة للحشرات الموجودة بكل حي من أحياء قسنطينة و الاستناد إليها في التحقيقات الرامية إلى تحديد مكان وقوع كل وفاة في الحوادث أو جرائم قتل إلى جانب توقيت الوفاة و يكفي أن يتم فحص الحمض النووي ليرقاتها للكشف عن ثلاثة أنواع من الجينات في حالات ارتكاب جرائم القتل وهي جينات اليرقات و جينات الضحية و جينات القاتل و بمقارنة هذه الأخيرة بنتائج فحص «آ.دي .آن»المشتبه بهم يمكن تحديد الجاني بسهولة . ومن هذا المنطلق تمكن البروفيسور من تحديد نوعية الحشرة التي تستقطبها جثث موتى مستشفى بن باديس و اطلع على نتائج أبحاثه أساتذة في الطب الشرعي و علماء الحشرات بمعهد الاجرام و العلوم الاجرامية لوحدات الدرك الوطني بمنطقة بوشاوي فشرعوا حسبه منذ حوالى سنة في إجراء بحث وطني تحت إشراف وزارة الدفاع من أجل وضع خارطة وطنية لحشرات الموتى تمكن من فك ألغاز الكثير من القضايا الغامضة.