تسلّق النخيل .. حرفة قاتلة يتهددها الجرّار الإمريكي العملاق تشتهر منطقة الزيبان بإنتاجها لأجود أنواع التمور وعلى رأسها تمور دقلة نور ذات الجودة العالمية ، وتعرف زراعة النخيل ازدهارا كبيرا بالولاية بعد تطبيق سياسة التجديد الفلاحي والريفي التي استفاد منها الفلاحون، وخاصة إعانات برنامج الدعم الفلاحي التي حسّنت كثيرا من ظروف العمل الفلاحي داخل الواحات. وإذا كانت الكهرباء الفلاحية قد فعّلت عمليات سقي النخيل وبسّطت المكننة مختلف العمليات الزراعية على سطح الأرض، فإن التحدي الذي يواجه الفلاحين في شعبة إنتاج التمور هو العمل الفلاحي على مستوي أعلى النخلة ، حيث تتطلب العناية بالنخلة عملا مستمرا من قبل الفلاح ، الذي يتعين عليه تسلق النخلة الواحدة 6 ست مرات على الأقل خلال السنة . غير أنّ مهنة مُتسلّقي النخيل تتفرد عن غيرها من المهن الفلاحية بصعوبتها وبدرجة الخطورة التي تتربص بكل من يمتهنها، بالنظر لكون الكثير من متسلقي النخيل عادة ما كان السقوط المميت من أعلى النخلة سببا في وفاتهم. عن خطورة تسلّق النخلة..عن تراجع عدد مُمتهني هذه الحرفة الخطيرة .. وعن مستقبل جني التمور وخدمة النخيل في ظل تقاعس الشباب عن تعلمها. اتصلنا بالسيد خالد لعجال رئيس جمعية منتجي التمور بولاية بسكرة وهو من كبار فلاحي النخيل بالمنطقة للكشف عن المزيد من التفاصيل حول هذه المهنة النبيلة التي تكاد تندثر. أقل من1500 متسلق لأزيد من 4 ملايين و800 ألف نخلة من بين العدد الهائل من متسلقي النخيل الذين كانوا يشتغلون قديما بمنطقتي الزاب الشرقي و الزاب الغربي لم يتبق في الوقت الحالي سوى أقل من 1500 فلاح يقوى على تسلق النخيل ، هؤلاء يقومون بتسلق وخدمة ما لا يقل عن 4 مليون و800 ألف نخلة متواجدة عبر الولاية في الوقت الذي يتطلب هذا العدد من النخيل ما بين 5 آلاف إلى ألفي متسلق ، وهو ما يفسر انحصار وتراجع عدد محترفي هذه المهنة بسبب كبر سن عدد معتبر من المتسلقين مقابل إعراض الشباب عن حمل المشعل وتعلم هذه المهنة الضرورية في مجال زراعة النخيل. يبدأ الموسم الفلاحي بالنسبة لزراعة النخيل في شهر مارس من كل سنة، وتتطلب النخلة الواحدة التسلق 6 مرات على الأقل في السنة تتوزع على 4 عمليات أساسية قبل الوصول إلى مرحلة الجني ، وتتعلق المرحلة الأولى بعملية التلقيح التي تتطلب تسلق النخلة 3 مرات للتمكن من تلقيح عراجين التمر خلال الفترة الممتدة ما بين شهري مارس وماي ، ثم تأتي عملية تدلية العراجين وتعديلها خلال شهر جوان، وتعقبها عملية قص الجريد اليابس وتنظيف النخلة من كل الشوائب خلال شهر أوت. لتأتي أخيرا عملية ربط العراجين وتغليفها بالبلاستيك لحمايتها من الأمطار خلال الفترة مابين 15 أوت و15 سبتمبر. وتتطلب هذه العمليات الأربعة بالنسبة لكبار المنتجين تشغيل العدد الكاف من متسلقي النخيل ، الذين تبلغ أجرة تسلّقهم للنخلة حوالي 300 دج ما يعني أنّ النخلة الواحدة تتطلب سنويا ما يفوق 1800 دج لتسلقها ، وهو مبلغ يبدو ضئيلا مقابل صعوبة وخطورة هذه الحرفة. المهنة في طريق الاندثار..ومسابقات تحفيزية للحفاظ عليها بالنظر للمخاطر التي تتربص بمتسلقي النخيل وتراجع عدد ممتهني هذه الحرفة ، يسعي القائمون على شعبة التمور وكبار الفلاحين إلى تشجيع الشباب من أجل اختيار المهن الفلاحية وحثهم على التمسك بها ، حيث ينظم المعهد الوطني للزراعات الصحراوية المتواجد بعين بن النوي كل سنة تزامنا مع موسم جني التمور مسابقات لأحسن متسلقي النخيل من أجل تشجيعهم وكذا من أجل تكوينهم وإرشادهم لأفضل الطرق العلمية المتاحة في مجال زراعة النخيل ، حيث تقدم للفائزين في هذه المسابقات جوائز تشجيعية وشهادات شرفية لتنمية روح التنافس بينهم. وكذلك الأمر بالنسبة لإحدى المؤسسات الخاصة التي دأبت في السنوات الأخيرة على تنظيم مسابقة أحسن متسلق للنخيل ضمن فعاليات صالون الفلاحة الصحراوية ، وترصد سنويا جوائز مغرية للفائزين بها ، حيث أهدت سيارة للفائز بالمرتبة الأولي ، وهو متسلق من بلدية الدوسن تمكن من تسلق أطول نخلة في طرف لا يتعدي 3 دقائق. ويشارك في هذه المسابقات السنوية ما يقارب 40 متسلقا يمثلون ولايات غرداية، ورقلة، الواديوبسكرة ، كما تُوضع لها شروط مسبقة تتمثل في ضرورة ارتداء المتسابق لألبسة خفيفة تساعده على التسلق ، وأن يقل عمره عن 40 سنة وألا يكون مريضا، وقبل البدء في المسابقة يقوم المتسلقون بحركات تسخينية على أن يبدأ من يملك منهم التجربة أولا لتشجيع البقية ، وتنطلق المسابقة بحضور أعوان الحماية المدنية الذين يتخذون كل التدابير لحماية وإسعاف المشاركين في حالة الإصابة. مهنة قاتلة تُسجّل سنويا من 3 إلى 7 وفيات خطورة مهنة تسلق النخيل تتمثل في السقوط القاتل الذي يتربص في كل لحظة بكل من يمتهن هذه الحرفة عندما يكون في أعلى النخلة ، حيث تشير الإحصائيات المتوفرة في هذا المجال أن تسلق النخيل يحصد سنويا أرواح من 3 إلى 7 متسلقين يلقون حتفهم مباشرة بعد سقوطهم ، خاصة وأن معظم النخيل بالولاية يتميز بطوله حيث يبلغ طول بعضها أزيد من 27 مترا .و بالنظر لهذا الخطر المحدق بمتسلقي النخيل كثيرا ما يشدد مهندسو معهد الزراعات الصحراوية على مسمع الفلاحين من أن تسلق النخيل يتم بشروط وبالإستعانة بعدة وسائل تحمي المتسلق من السقوط ، وعلى رأسها ضرورة لف المتسلق لجسده بحبال متينة إلى جذوع النخيل وأخذ أقصى الاحتياطات ، غير أن العديد من المتسلقين لا يلتزمون بتلك الإرشادات ما يتسبب في هلاكهم أسفل النخيل بعد السقوط المميت ، وقد توفي خلال الموسم الحالي متسلقان 2 اثنان ، بمنطقتي طولقة وليشانة. وتسجل المزارع النموذجية أكبر نسبة في وفيات المتسلقين ، كمزرعة العربي بن مهيدي ببرج بن عزوز، مزرعة الشهيد طالب أحمد بفوغالة ، مزرعة الشهيد رويجة بلغروس. وإزاء هذا الخطر يعرض صندوق التعاون الفلاحي خدمة التأمين على الحياة بالنسبة للمتسلقين مقابل اشتراك سنوي لا يتجاوز 750 دينار. الحلول .. جرّار عملاق يتولى المهمة لطالما شكّل اللّجوء للمكننة الحل الأنسب للتغلب على مشاق العمل الزراعي ، غير أن الأمر لم يكن ممكنا مع النخيل ، حيث لم تستحدث مصانع العتاد الفلاحي آلة يُمكنها تسلق النخيل عوضا عن الفلاحين ، قبل العام الحالي الذي عرف تسويق أول جرار عملاق بإمكانه تولي هذه المهمة ، وقد تم تجريب هذا الجرار خلال شهر أكتوبر الفارط بمعهد عين بن النوي ، أين اكتشف الفلاحون الذين حضروا بكثرة لاستكشاف هذا الجرار الذي يقوم بحوالي 22 عملية فلاحية مختلفة، من بينها استغلاله كرافعة فلاحية توصل المتسلق إلي علو 30 متر والقيام بكافة مهام المتسلق التقليدي، ويؤدي الجرار العملاق هذه الوظيفة بمردودية عالية ، ودرجة أمان 100 بالمائة. غير أن المفاجئة غير السارة التي كانت في انتظار الفلاحين هو الثمن الباهظ لهذا الجرار الذي يسوق حاليا بسعر 940 مليون سنتيم من قبل المؤسسة الوطنية للعتاد الفلاحي، وقد جاء هذا الجرار ثمرة للشراكة المبرمة مؤخرا مع الصانع الأمريكي ماسي فيرغيسون. ويبقى أمل كافة الفلاحين بالمنطقة هو انخفاض ثمن هذا الجرار حتى يكون في متناول الجميع ، بما يسمح بإعادة خدمة الأرض وزراعة النخيل لما كانت عليه في السابق عند الأجداد الأوائل. توفيق ذباح