رهان على تنظيم إمبراطورية "الفيراي" بالجزار بباتنة قررت السلطات المحلية لولاية باتنة منذ حوالي سنتين احتواء وتنظيم النشاط التجاري بسوق قطع الغيار والخردوات بالجزار، لكونه يعرف نشاطا واسعا دون أن يخضع للتنظيم والتقنين التجاري، في الوقت الذي بلغ فيه صيت هذا السوق كل أرجاء ولايات الوطن نظرا لتوفره على جميع قطع الغيار وحتى النادرة منها وبأسعار معقولة مقارنة بنقاط البيع المعتمدة ما جعله قبلة حقيقية لاقتناء قطع الغيار ومختلف أنواع التجهيزات ولواحق المركبات وهياكلها. تحقيق وتصوير: ياسين عبوبو ولقد ارتأينا زيارة سوق الجزار لمعرفة صدى مبادرة تنظيمه لدى الباعة من جهة ولمحاولة إماطة اللبس حول ما يشاع عن ممارسة تجارة المسروقات من قطع الغيار من جهة أخرى، وهذا في ظل معطيات تشير لذلك وتفتح باب التساؤل كانعدام قطع نادرة في كل أرجاء الوطن وتوفرها بالجزار ،إضافة لعامل آخر هو تسجيل مصالح الدرك والأمن لعمليات عديدة على مستوى تلك المنطقة بتفكيكها لشبكات اختصت في سرقة المركبات واستغلالها لورشات مخصصة لتفكيك المركبات. منافسونا ألصقوا بنا تهمة بيع المسروق تبادر إلينا في بادئ الأمر قبل التنقل لسوق الفيراي بالجزار أن المهمة ستكون صعبة للاستطلاع والتحقيق الصحفي من منظور فرضية أن السوق تمارس فيه تجارة ما هو مسروق من مركبات وقد نجد صعوبة في التحدث ومحاورة الباعة لكن وفور وصولنا رُحنا نقترب من الباعة المنتشرين على الطريق ولم تصادفنا عراقيل كبيرة بالقدر الذي كنا نتصوره، بل على العكس حيث فتح لنا الكثير من الباعة قلوبهم وراحوا يشرحون لنا طبيعة عملهم . وقد أكد لنا هؤلاء فيما تعلق بما يُثار حول نشاط أشخاص وشبكات لسرقة وتفكيك المركبات بالجزار بأنها مجرد إشاعات مغرضة أطلقها منافسوهم من الأسواق التي تبيع قطع الغيار بسبب المنافسة في استقطاب الزبائن، حيث يقول الشاب عصام 28 سنة والذي يختص في بيع لواحق بيجو 206 و207، بأن التجار المعتمدين في نقاط مختلفة كالعلمة وعين مليلة هم من يقفون وراء ترويج إشاعات على أن سوق الجزار تُباع فيه قطع مسروقة ومجهولة مصدرها وذلك حتى يجلبوا الزبائن إليهم مشيرا إلى توفر سوق الجزار على كافة قطع الغيار بفضل العمل الذي يبذلونه في التنقل لمختلف الولايات لشراء المركبات التي تتعرض لحوادث مرور أو من خلال المزاد العلني ومن ثم إعادة بيعها بالجزار على شكل قطع غيار. واعتبر عصام إلى جانب باعة آخرين أن ما يروج حول الشبهة في سوق الجزار مجرد تهمة ألصقها لهم منافسوهم، وفي المقابل من ذلك لم ينف في نفس الوقت عدد من الباعة الذين تحدثنا إليهم تدخلات مصالح الدرك والأمن بالمنطقة وتوقيفها لأشخاص واسترجاع مركبات محل بحث، غير أن محدثينا يرفضون تعميم التهمة وقال بعضهم بأن حالات تدخل للمصالح الأمنية كانت انطلاقا من شكاوي أصحاب مركبات يجدون مركباتهم معروضة على الطريق. موقع المنطقة المفتوح يُسهًل نشاط إجرام سرقة المركبات تسجيل مصالح الدرك والأمن لعمليات نوعية متكررة بتوقيفها لأشخاص وتفكيكها لشبكات سرقة المركبات على مستوى منطقة بريكة والجزار يفتح باب التساؤل فعلا حول نشاط هذا النوع من الإجرام وهو السؤال الذي كنا قد نقلناه في مناسبات عديدة على الجهات الأمنية، حيث تعتبر مصالح الدرك أن ما ساهم في نشاط جريمة سرقة المركبات في تلك المنطقة هو موقعها المنفتح على أربع ولايات هي باتنة، المسيلة، بسكرة وسطيف، إضافة لتضاريس المنطقة المنبسطة بحيث تُسهل عملية السرقة والتهريب وثم الفرار نحو وجهات متشعبة. حتى مركبات الشرطة والحماية المدنية متوفرة لطالما اشتهرت بلدية الجزار الواقعة في أقصى الجهة الغربية لولاية باتنة والمتاخمة للحدود مع ولاية المسيلة بسوق الفيراي الذي تُعرض فيه مختلف أنواع المركبات ولواحقها لدرجة أن اسم هذه البلدية اقترن بهذا السوق في كل أنحاء الوطن، وإن كان في حقيقة الأمر أن السوق لا يقع في إقليم الجزار فحسب، بل يمتد من مخرج مدينة بريكة إلى غاية بلدية الجزار على مسافة تزيد عن 15 كيلومترات على امتداد الطريق الوطني 28 في جزئه بين بريكة والجزار. ولا تستغرب وأنت تزور الجزار عندما تجد حتى المركبات التابعة لهيئات الدولة كسيارات الشرطة والحماية المدنية معروضة للبيع على جنبات الطريق لأن الأمر بسيط بالجزار حيث تتلخص المعادلة في "أطلب ما تبحث عنه من خردوات وفيراي وستجده متوفرا" ،وهذا ما وقفنا عليه في جولتنا الاستطلاعية بالسوق، حيث توقفنا في جولتنا عند عدد من التجار أو بالأحرى الباعة ما دام أن الأشخاص الذين يمارسون بيع وشراء الفيراي لا يخضعون للقيد في السجل التجاري وهذا منذ ظهور السوق قبل عشريتين. وأوضح لنا عدد من الباعة في هذا الصدد بأن ممارسة بيع وشراء قطع الغيار ومختلف أشكال الفيراي توسعت تدريجيا بالجزار دون إخضاع ما يمارسونه من نشاط لشروط ويضيف هؤلاء بأن المكان أصبح سوقا وقبلة للباحث عن أية قطعة غيار مركبة وإن تعذر توفرها فإنه بإمكان الباعة توفيرها له تحت الطلب وقد تحول ممارستهم لهذا النشاط مصدر قوت لهم. سوق الفيراي بالجزار يوفر مئات مناصب العمل إن سوق الجزار قد توسع تدريجيا بعد مرور سنوات دون أن يخضع للتنظيم من طرف الجهات المعنية إلا أنه مع ذلك يوفر مئات مناصب العمل للشباب من الجزار وبريكة سواء كانوا من أصحاب المحلات والورشات أو شبان يجنون قوتهم بالعمل لدى أصحاب الورشات بل ويعتبرون نشاطهم مهنة خاصة وأن منهم من اكتسب الخبرة في هذا المجال وتحول النشاط بالنسبة إليه إلى مهنة قارة . وفيما تعلق بمبادرة تنظيم السوق فإن من باعة الفيراي من سمع بهذا الإجراء وبعضهم لم يبلغه ذلك غير أن من تحدثنا إليهم أجمعوا على استقبالهم لفكرة تنظيم السوق من خلال تقييدهم في السجل التجاري غير أنهم ربطوا ذلك بشروط توفير المتطلبات اللازمة بالمحلات والتي يفتقدونها حاليا من ماء وكهرباء وهو ما ذهب إليه الشاب علاوة صاحب 28 ربيعا والذي يملك محلا ويمارس مهنة شراء وبيع الفيراي منذ 08 سنوات حيث أكد لنا بأن السوق الذي يمارسون فيه نشاطهم يفتقد لشبكة المياه وقنوات الصرف الصحي والكهرباء التي يحتاجونها في فصل قطع الغيار وتقطيع الهياكل ويضطرون لمد خيوط الكهرباء للحصول عليها بطريقة عشوائية. و قد كان هذا الشاب عارضا أمام محله هياكل مركبات منها هيكل سيارة شرطة نوع "كيا سورينتو" الأمر الذي جعلنا نسأله عن كيفية ممارسة نشاطه وأوضح بأن مثل سيارات الشرطة أو الحماية المدنية يشترونها عبر المزاد العلني وغيرها من السيارات يشترونها بعد تعرضها لحوادث مرور. مصائب حوادث المرور.. فوائد تجار الفيراي بالجزار لخص لنا محدثنا الشاب علاوة طبيعة نشاط باعة الفيراي بالجزار في مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد" موضحا بأن الباعة بالجزار يقتنصون فرصة وقوع حوادث المرور من أجل شراء تلك المركبات التي تحطمت حيث تفقد سعرها الأصلي وبعد نجاح صفقة الشراء يعاد بيع المتضرر من المركبات على شكل قطع غيار لتحصيل الفائدة. وكان لعلاوة سيارة نوع "شيفرولي أوبترا" قال بأنه تنقل من أجلها لولاية الأغواط واشتراها بمبلغ 50 مليون سنتيم بعد تعرضها لحادث مرور وقد قام بتفكيكها لبيعها على شكل قطع غيار ونفس الشيء وقفنا عليه عند الشابين سليمان وفاروق اللذين وجدناهما منهمكين في تفكيك مركبة نوع نيسان اقتنيانها عبر المزاد من شركة بولاية عنابة غير أن تحقيق الفائدة أمر غير مضمون في أغلب الأوقات حسب الشاب طارق البالغ من العمر 20 سنة الذي ورغم صغر سنه إلا أنه يمارس هذا النشاط منذ سنوات بعد مغادرته مباشرة مقاعد الدراسة في السنة الأولى من التعليم المتوسط ويعمل في ورشة لكراء وبيع آليات الأشغال الكبرى. البلدية لا تستفيد شيئا من سوق الفيراي تنقلنا إلى مقر بلدية الجزار بعد جولتنا الاستطلاعية وتوقفنا عند عديد باعة قطع الغيار والخردوات المنتشرين على طول الطريق الوطني 28 في شقه الرابط بين بريكة والجزار، وبالبلدية كان لنا لقاء بعدد من أعضاء المجلس الشعبي الذين أكدوا على أن سوق الخردوات وقطع الغيار لا يعود على البلدية منذ نشأته بأية منفعة ولا تستفيد من أي شكل من المداخيل المالية الممكنة من هذا السوق على الرغم من تواجده بإقليم البلدية. و اعتبر الأعضاء الأمر طبيعيا ما دام الفضاء التجاري غير مقنن ولا يخضع لقيود تجارية منذ أن ظهر بالمنطقة، وفيما يخص عملية تنظيمه مستقبلا، فأكدوا علمهم بمشروع تنظيم السوق من خلال برمجة تحويل الباعة من الموقع القديم(الحالي) نحو 240 محل جديد تتيح لهم ممارسة نشاطهم في إطار منظم وأشار كل من سي عبد الله غانم ومرزوق معمر والذوادي مطابس إلى إشراف الوكالة العقارية ومديرية التجارة على المشروع الذي أمر به والي الولاية. مدير التجارة: أحصينا 378 بائعا بين بريكة والجزار قال مدير التجارة لولاية باتنة السيد لعرابة مصطفى في لقاء مع النصر أن مصالحه شرعت منذ مدة في إحصاء المتدخلين من الباعة على مستوى سوق الجزار، حيث أوضح أن الإحصائيات شملت 378 بائعا منهم 87 على مستوى إقليمبريكة باعتبار أن بائعي الخردوات ينتشرون على طول الطريق الوطني 28 بين بريكة والجزار، وأضاف ذات المسؤول بأن والي الولاية قدم توجيهات مؤخرا خلال زيارة لبلدية الجزار بمناسبة يوم الشهيد 18 فيفري، بضرورة الحرص على توفير سوق بكامل المواصفات بحيث يضم جميع المرافق الضرورية. وفي هذا السياق أشار مدير التجارة إلى انطلاق أشغال تهيئة الموقع المخصص لتحويل التجار والذي أسندت مهمته للوكالة العقارية على مساحة 15 هكتارا،وأضاف بأن المسؤولية الملقاة على عاتق مصالحه هي مرافقة الباعة في إطار اللجنة المشتركة التي تضم الأمن والبلدية. إن تنظيم سوق الفيراي بالجزار نظريا سيكون له الأثر الإيجاب على الباعة كما البلدية حيث أن الأخيرة ستستفيد من مصدر دخل في حين يمارس التجار نشاطهم في ظروف ملائمة يطالبون حاليا بتوفيرها من شبكات الربط بالماء والكهرباء كما سيتيح تغيير الموقع إلى محلات جديدة تنقية الطريق الوطني 28 من الخردوات وهياكل مختلف المركبات المنتشرة على جوانب الطريق حيث تصنف هذه الخردوات كملوث للبيئة لانتشارها العشوائي ناهيك عما تسببه في كثير من الأحيان في حوادث مرورية يشهدها الوطني 28.