انفعالات المعدن وبياض يضبط صخب الألوان يختتم اليوم معرض الفنان حسان شرفي التشكيلي ببهو قاعة محمد اسياخم والذي أمتع عشاق هذا الفن بمجسمات المنحوتات المعدنية و آخر تشكيلات الفنان الإبداعية. و على غير عادته يطغى البياض على الكثير من لوحات حسان شرفي، هذه المرة، حيث تضم باقة اللوحات الفنية المعروضة التي يفوق عددها الثلاثين أغلبها حديثة تخللتها بعض اللوحات القديمة التي رأت النور من قبل في معارض سابقة، مجموعة من اللوحات الشاحبة ببياضها المستفز و التي تبدو كمنحوتات مسطحة بمادة الجبس أو الطباشير، اختلفت أشكالها المتداخلة و إيحاءاتها الهندسية بين الدائري و الخطوط المستقيمة المنكسرة التي تكسر صمت البياض المخيم عليها، بينما تذيب الألوان هذا الشحوب في لوحات تشكيلة أخرى تزدهر فيها بعض الألوان الهادئة كالزهري و الأزرق الفاتح أو مزيج الوردي مع الأسود و البنفسجي و الأخضر. و تبقى الظلال المنحوتة بتقنية " الكولاج " هي بطلة هذه التشكيلة البيضاء إما كليا أو كخلفية للوحة وراء زمرة من كتل الألوان العائمة على سطحها، لتعبر عن مختلف " أشكال الانفعال " في هذا المعرض الذي يحمل نفس الاسم و يعبر عنه من خلال أمزجة الشحوب و مختلف الصور التي تأخذها تموجات بياض ناصع يبدو داخل بعض الأطر الخشبية الفاتحة اللون كأوراق كرتونية منكمشة أو مطوية بطريقة عشوائية تشبه بعض أجزائها قطع آلة الآكورديون الموسيقية، بينما يترك اللون الأبيض في بعض اللوحات المتشابهة لهذه التشكيلة مساحات لبقع الخشب الذي يسند ظهر اللوحة كخلفية ثانية لها و يشارك في صنع جماليتها و إبراز بعض زواياها و تفاصيلها و بقعها التي تخلق تباينا فنيا مع البياض الخادع للوهلة الأولى، موهما من ينظر إليه بأن إطار اللوحة فارغ و لا يوجد بداخلها ملامح لونية أو ظلال و سرعان ما ينقشع هذا الخداع البصري تاركا مكانه لنوع من الذهول الفني في محتوى اللوحات شديدة الدقة. و للألوان أيضا حضور صارخ في معرض الفنان حسان شرفي الذي عودنا في أعماله السابقة التي عرض عينة منها في هذا المعرض كتذكير بمزاج ريشته التي و إن غرقت في البياض هذه المرة إلا أنها سرعان ما تراقصت مع الألوان الصارخة و المتباينة، التي ضجت بها معظم أعماله الجديدة في مساحات كبيرة نوعا ما تسمح لجنون أشكاله التي تبدو تارة صورا لأشياء معدنية و تارة أخرى كتلا لونية تسبح في محيط اللوحة المزدحمة بالخطوط و الأشكال المتداخلة فيما بينها. و تجسيدا لهذا الجنوح المعدني الذي صورته أشكال اللوحات تجريديا، زينت المنحوتات المعدنية التي بلغ عددها في هذا المعرض 12 منحوتة من بينها منحوتتين جديدتين، زوايا رواق محمد اسياخم مبرزة تحكم الفنان في مختلف المعادن التي طوعها فنيا بأنامله الخلاقة من أجل إبداع العديد من الشخوص و الوجوه الحادة، الملثمة أو المبتسمة رغم قسوة البراغي التي تخترقها و تربط بيم مختلق أجسادها السريالية التي يمكن تخيلها كأجساد بشرية أو كأجزاء من آلات صقل أو تلحيم، و ذلك من خلال مبدأ التمحور حول مركز واحد قد يكون عموديا في شكل خط منغرس في قاعدة المنحوتة ليوازن بين مختلف أجزائها الملتصقة ببعضها بفضل آلة التلحيم أو ببراغي تضفي المزيد من الحركة على المنحوتات المتعددة الأبعاد التي يضيف لمعانها الكثير من العمق و الجمال.