يعد أدب الرحلة من أهم الفروع الأدبية التي لها علاقة بأكثر من علم من العلم، فالجغرافي في كثير من الأحيان كان رحالة أوله معرفة بالرحلات، وكذلك الأديب والمؤرخ وغير هؤلاء كثير، ورغم هذه الأهمية البالغة لأدب الرحالة، إلا أن الاهتمام به يكاد ينحصر لدى فئة قليلة من الباحثين والعلماء من المشتغلين بمختلف الفنون والمعارف والعلوم في العالم العربي أجمع، وفي الجزائر بصورة أخص وأدق. ولكن هذا لم يمنع ثلة قليلة من هؤلاء من الاهتمام والاشتغال بأدب الرحلة والرحالة من الزاوية التي لها علاقة باهتماماتهم ومجال تخصصهم، ومن بين أهم هؤلاء وعلى الإطلاق الأستاذ أبي القاسم الله والذي يمكننا أن نطلق عليه لقب مؤرخ الجزائر الأول وموسوعتها الثقافية الأولى، والذي تعددت اهتماماته كما تعددت مصنفاته. إذا كان الآمر كما قلنا، فكيف نظر سعد الله إلى أدب الرحلة وأقسامه بصورة عامة؟ والى أدب الرحالة الجزائريين بصورة خاصة؟ ثم هل اكتفي بدراسة هذا الفن الأدبي والرحالة الجزائريين فقط أم أنه هو الآخر أديب ورحالة علاوة على كونه مؤرخا؟ وأخيرا ما قيمة ما كتبه في هذا المجال؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه ومناقشته. الرحالة الجزائريون ورحلاتهم اهتم سعد الله كثيرا بدراسة التاريخ الثقافي بصورة خاصة للجزائر وهذا ما جعله يخصص لذلك أكثر من كتاب ودراسة، والتي من أهمها موسوعته المعروفة باسم تاريخ الجزائر الثقافي والتي صدرت في البداية في جزئين اثنين فقط، لتصدر مؤخرا عن دار الغرب البيروتية في تسعة أجراء كاملة، ولعلها تصدر في المستقبل في أكثر من هذا. وقد عالجت هذه الموسوعة مختلف الجوانب الثقافية للجزائريين، كالحديث عن أدب الرحلة وإسهاماتهم فيه، والتي كان الكثير منها مجهولا عند الكثير من المشتغلين بالحقل المعرفي في الجزائر وخارجها. هذا ما نجد الحديث عنه مفصلا في الجزئيين: الثاني والسابع خصوصا من هذا الكتاب، حيث يبرز في آخر كل منهما هذه الإسهامات. يؤكد الأستاذ سعد الله علي أن الرحالة الجزائريين أسمهوا بمساهمات واضحة وهامة في كتابة الرحلات، وبالأخص في القرن الثامن عشر (4)، ولكن هذا لا يقصد به بصورة قاطعة أن هؤلاء لم يعرفوا أدب الرحلة كما هو الحال بالنسبة لعاشور بن موسى القسنطيني وأحمد القسنطيني المعروف بابن القنفذ، والتويجي التلمساني وغيرهم كثير(5). أما في المرحلة الاستعمارية فقد عمل الكثير من الرحالة في خدمة الاستعمار الفرنسي كجواسيس وعيون، لنقل أخبار المناطق التي زاروها للفرنسيين، ليسهل الأمر عليهم دخولها فيما بعد. وكثير ما استعان هؤلاء علي مشاهدات الرحالة، الذين كانت تتفق رحلاتهم في العديد من الأحيان وفق رغبة وأهداف سلطات الاحتلال الفرنسي، والتي كانت تأمر البعض منهم بالتوجه إلى هذه المنطقة أو تلك ونقل مشاهداتهم وانطباعاتهم أيضا. بصورة عامة يستخلص سعد الله بأن تدوين الرحلات إلى الجزائر قليل، رغم إسهاماتهم التي لا تنكر، وهذا مقارنة بالمغاربة مثلا والذين كانت رحلاتهم مدونة بل ومعروفة أيضا، إلا أن هذا لا يعني غياب الرحالة الجزائريين حسب الدارس، وإنما يعود إلى كون أغلب الرحالة لم يسجلوا مشاهداتهم ورحلاتهم بسبب غياب حس التدوين لدى البعض منهم إضافة إلى بقاء الكثير منهم في البقاع المقدسة. هذا فيما يتعلق بالرحلات الحجازية بصورة خاصة، أما الأنواع الأخرى من الرحلات والتي كانت بالخصوص في العهد الفر نسي فقد جاءت نتيجة لرغبة من السلطات الفرنسية، وقلما نجد رغبة حقيقية لدى هؤلاء الرحالة مما جعلهم لا يسجلون إلا ما ترغب فيه وترضي عنه أو تطلبه هذه السلطات. 5 - أنواع الرحلات الجزائرية: يقسم المهتمون بأدب الرحلة الرحلات إلى أقسام أو أنواع تختلف باختلاف مسببات هذه الأخيرة وأهدافها، والحقيقة أن هذا التقسيم لم يعرف في البدايات الأولى لأدب الرحلة، وانما عرف كما يقول مولاي بالحميسي في كتابه الجزائر من خلال رحلا ت المغاربة في العهد العثماني: " عندما زاد على الرحلة الإقبال تنوعت الأغراض وتعددت الموضوعات وتطور هذا الفن الأدبي كما وكيفا، أصبح من الأهمية بمكان بحيث لا تكتمل ثقافة الإنسان بدونه كما أصبح من المصادر التاريخية" (6). في حين يذهب مصطفى ماهر إلى القول في هذا الصدد: " ويمكن القول أن أنواع الرحلات وهي: الرحلة العلمية، الرحلة المسلية، الرحلة الدينية، الرحلة السياسية، أصبحت واضحة المعالم وأن كل نوع سار في طر يق التطور، فمنها ما انكمش مثل الرحلة الدينية، ومنها ما عظم شأنه مثل الرحلة العلمية التي تسعى إلى كشف جغرافي أو جيولوجي أو أثري"(7). وقد تنبه سعد الله إلى هذه المسألة في كتاباته المختلفة مبكرا وهو ما نجده أثناء حديثه عن رحالات الرحالة الجزائريين في قوله: "وكانت بعض رحلاتهم نتيجة للحج، وبذلك تكون رحلات حجازية: وبعضها لطلب العلم وبذلك تكون علمية" (8). لكن هل أكتفى سعد الله بهذين النوعين: الحجازية والعلمية: أم أنه عرف أنواع أخر ى؟ وإذا كان الحال كما نقول فما هي؟ وكيف عرف هذه الأنواع ونظر إليها؟. للإجابة عن هذه التساؤلات لابد من الحديث عن كل نوع من أنواع الرحلات بالتفضيل. - أ. الرحلة الحجازية بالنسبة لأبى القاسم سعد الله فإن الجزائريين في العهد العثماني بصورة خاصة كانت اكثر رحلاتهم إلى بلاد الحجاز بعامة وبلاد الحرمين بخاصة، وعلى هذا الأساس فإن: "الجزائريين الذين توجهوا إلى الجزيرة العربية خلال العهد العثماني لم يذهبوا أليها كجغرافيين أو مؤرخين، وإنما توجهوا إليها حجاجا يؤدون الفريضة ويزورون الحرم الآمن لذلك كانت قلوبهم إلى البقاع المقدسة تسبقهم أرجلهم وخيالهم يتجاوز مرمى أبصارهم وأشواقهم إليها تنسيهم آلام الطريق ووعثاء السفر "(13) هذا ما يقوله سعد الله في كتابه أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر. أما في كتابه "تاريخ الجزائر الثقافي فيضيف قائلا" : أن توجه الجزائريين إلى الحجاز كالعادة نتيجة توق روحي نحو الحرمين وزيارة البقاع التي وطئتها أقدام الرسول صلوات الله عليه وسلم وصحابته: فالحجاز في نظرهم ليس بقعة جغرافية تزار للسياحة والعلم ونحو ذلك، ولكنها كانت قطعة أرض طاهرة تضم تاريخ الوحي والدعوة والأمة الإسلامية (14). لذلك يسجل فيها هؤلاء انطباعاتهم المتأججة وأحاسيسهم الفياضة بالطريقة التي تروقهم ونقصد بذلك الاستعانة بالشعر أو النشر، ومنه انقسمت الرحلة الحجازية بدورها إلى رحلة حجازية شعرية وأخرى نشرية، فكيف تعامل الرحلة الجزائريون مع هذه المسألة؟ الحجازية الشعرية لابد من الإشارة هنا إلىأن الجزائريين كغيرهم من الرحالة لم يهتموا كثيرا بالرحة الشعرية، إلا أن هذا لم يمنع البعض منهم كما يرى سعد الله من تدوين رحلاتهم شعرا وهذا ما يستخلصه من العديد من الرحالة كما هو الأمر بالنسبة "لعبد الله بن عمر البسكري الذي يفتتح رحلته الشعرية الحجازية يقوله: دار الحبيب أحق أن تهواها **** ونحن من طرف إلى ذكراها يستطرد الدارس مضيفا في حديثه عن الرحلة الشعرية بأن الجزائريين لم يدونوا رحلاتهم الشعرية باللغة العربية الفصحى فحسب وإنما استعان البعض منهم بالشعر الملحون في تدوينها أيضا: وكمثال عن الرحلة الفصيحة يقول: "ومما كتب بالفصيح قصيدة محمد بن العامري التلمساني التي فرغ منها سنة 1162 هجرية وهي قصيدة همزية متوسطة الجودة" (15) ومطلع القصيدة كما جاء في كتاب سعد الله: أزمع السير أن دهت أدواء **** لشفيع الأنام فهوالدواء أما فيما يخص الرحلة الشعرية غير الفصيحة فيستشهد الباحث بقصيدة الشاعر "محمد بن مسايب التلمساني" في القرن الثاني عشر الهجري والتي جاء مطلعها على النحو التالي": يا الورشان اقصد طيبة **** وسلم على الساكن فيها يستدرك سعد الله مؤكدا علىأن أغلب الرحلات الحجازية الجزائرية ليست شعرية (15)، والحقيقة أن الرحلة بصورة عامة في الأدب العربي نشرية وليست شعرية وفي هذا السياق يقول حسين نصار: "إذا تركنا الشعر إلى النشر أحسسنا أننا انتقلنا إلى مجال فسيح لا حدود له، لأن النشر هو الموطن الطبيعي للرحلة (16). الحجازية النثرية أما فيما يتعلق بالرحلة الحجازية النثرية فتأخذ نصيب الأسد كما يذهب إلى ذلك الباحثين بما فيهم صاحبنا الذي اهتم كثيرا هذا الصنف من الرحلات بل أننا نجده يؤكد بعد أن ينهى الحديث عن الرحلة الشعرية بأن المقصود بالرحلات ما كنت نثرا وليس شعرا ويعود ذلك "إلى أن الأولى هي التي يسجل فيها أصحابها انطباعاتهم عما شاهدوه وسمعوه ليس فقط في الحجاز ولكن في مختلف المدن والأقطار التي مروا بها من الجزائر إلى بغداد. مرورا بتونس وطرابلس ومصر والجزيرة العربية وسورية والقدس هلم جرا (17). ويضيف في كتابة أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر مبرزا خصوصية الرحلة النثرية وأهليتها للقيام بالدور الذي أوجدت لأجله بقوله: "ومن المصطلح عليه أيضا أن تكون الرحالات نثرية، يتحدث فيها أصحابها عن مشاهداتهم وملاحظاتهم بلغة واقعية أو قريبة من الواقع (18). ويحق لنا التساؤل حول القيمة التي تمتاز بها هذه الرحلات والإسهامات التي قدمتها. يذكر سعد الله بعض الرحلات الحجازية الجزائرية، ويستفيض في الحديث عن بعضها في حين تجده يشير إشارات خفيفة إلى أكثرها، ويعود ذلك كما يذكر ذلك بنفسه على أنه: " لايوجد من هذا النوع إلا عدد قليل،... ولسوء الحظ أنها على قلتها لا تكاد توجد كاملة مخطوطة، فما بالك بها مطبوعة. وسنعرف أنه لا توجد من الرحلات الجزائرية الكاملة والمطبوعة سواء رحلة الورتلاني (19)، يورد الباحث أن أول رحلة حجازية جزائرية في القرن الثامن عشر كانت للرحالة أحمد بن قاسم محمد ساسي البوني، المسماة الروضة الشهية في الرحلة الحجازية إلا أن سعد الله ينبه إلىأن: " رحلة البوني تعتبر اليوم ضائعة، فلا ندري بالضبط ما كتب فيها (20)". كما يؤكد على قيمة هذه الرحلة وأهميتها بقوله: "والذي لاشك فيه هو أن البوني قد حج وتجول في المشرق كما نعرف ذلك من مصادر أخرى كما أنه لم يكتف بذكر شيوخه المكيين والمدنيين، بل لابد أن يكون قد وصف فيها الحياة وأنماطها هناك كما شاهدها بنفسه (21). أما الرحلة الثانية التي يشير إليها صاحبها فهي للرحالة عبد الرزاق بن حماد وش والمسماة لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والآل والمكونة من عدة اجزاء، الجزاء الحجازي منها مفقود (22). فيما يخص رحلة ابن عمار يرى سعد الله أن صاحبها قسمها: "إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول جعل عنوانه مقدمة ويبدو أنه كان يريد أن يجعل من هذا القسم خزانة أدب يجمع فيها النوادر... ومهما يكن الآن فإن القسم الثاني الذي سماه الغرض المقصود والقسم الثالث. الذي سماه "خاتمة" مفقودان الآن (23). أطلق ابن عمار على رحلته اسم نحلة اللبيب في أخبار الرحلة الى الحبيب، وتعد رحلة أبي رأس الناصري المسماة بأكثر من اسم منها عدتي ونحلتي في تعداد رحلتي، وفتح الإله ومنته في التحدث بفضل ربي، رابع رحلة نثرية يهتم بها سعد الله، حيث يذهب الى القول أن صاحبها قسمها إلى : "خمس أبواب فتحدث في الباب الاول عن ابتداء أمره كما قال، ويعني به طفولته وشبابه، وتعلمه وتدربه، وزواجه وأهله ويعنينا منه هنا حديثه فيه عن حاجاته وفي الباب الثاني عدد شيوخه سواء في الجزائر وبلدان المغرب العربي الأخرى أو المشرق، بما في ذلك شيوخه في الحجاز. وقد خصص الباب الثالث للحديث عن رحلته الى المشرق وغيره،وتناول الباب الرابع أجوبة على مسائل عرضت عليه أوردت إليه من مختلف البلدان، أما الباب الأخير فقد خصصه للحديث عن تأليفه" (24). الا أن الرحلة الحجازية التي كثيرا ما استوقفت الباحثين الجزائريين والأجانب عندها، وأفردوا لها ولصاحبها الدراسات المختلفة والمتعددة مثل رحلة الورتلاني، هذا الأخير كما يرى سعد الله : " أسهم.. بعمل كبير في التاريخ (25) ،كما تمتاز هذه الرحلة بكونها" الوحيدة المطبوعة في شكلها الكامل... ومنها ايضا أنها الوحيدة فيماوصل إلينا، التي تتحدث بإسهاب عن أحوال الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر الميلادي " (26). بصورة عامة توصف هذه الرحلة بكونها: "موسوعة أخبار عن جزء كبير من العالم الاسلامي في القرن الثاني عشر (18م) فهي من المراجع التي لا غنى عنها في هذا المجال (27). * الرحلة العلمية : يعد هذا النوع من الرحلات من أهمها وأقدمها، والحقيقة أننا لا نجد صعوبة كبيرة في تعريفها فهي رحلة يقوم بها صاحبها لطلب العلم، ويصف فيها الحياة العلمية بصورة خاصة، وقد تحدث سعد الله كثيرا عن الرحلات العلمية لرحالة جزائريين، كما وصف رحلاته العلمية المختلفة الخاصة الى العديد من المناطق في كتب بصورة عامة وفي كتابه تجارب في الأدب والرحلة بشكل خاص، فاذا عدنا للحديث عن النوع الاول، ونقصد بذلك رحالات غيره العلمية نجده يذكر العديد من الرحلات التي قام بها علماء الجزائر كما هو الحال بالنسبة لرحلة بن حمادوش التي: " قام بها المؤلف لطلب العلم والتجارة من مدينة الجزائر الى تطوان ومكناس وفاس ثم عاد الى الجزائر من تطوان وقد وصف ابن حمادوش الحياة العلمية وجوانب من الحياة السياسية والاقتصادية في المغرب (28) وتمتاز هذه الرحلة بكونها مصدرا هاما عن المغرب في هذه الفترة التاريخية، وتعود هذه الأهمية للنصوص التي احتوتها من جهة، والمشاهدات العينية للأماكن والأحداث التي صادفها، وعلاوة على هذه الرحلة يشير سعد الله الى أن هناك العديد من الرحلات العلمية الجزائرية الأخرى. * د. الرحلة الاستكشافية : الحقيقة أن أبا القاسم سعد الله لم يستخدم هذا المصطلح، وإنما استخلصناه من خلال دراستنا للعديد من الرحلات التي أوردها في الجزء السابع من تاريخ الجزائر الثقافي، أثناء حديثه عن رحلات الجزائريين الاستعمارية، صحيح أن الجزائر لم تكن في يوم من الايام دولة استعمارية، الا الجزائريين كان البعض منهم رعايا لدولة استعمارية هي فرنسا وهو مانقصده في حديثنا هنا. فقد قام العديد منهم وبطلب في أحيان كثيرة من السلطات الفرنسية برحلات للعديد من الأماكن التي لم تخضع بعد في تلك الفترة لفرنسا بغية استقصاء أخبارها، والبحث عن نقاط قوتها وضعفها لنقلها للفرنسيين بقصد الاستفادة منها في عمليات الغزو المقبلة، وبهذا فإن هذا النوع من الرحلات كانت للاستكشاف والجوسسة. * رحلات سعد الله الخاصة: لم يكن سعد الله مؤرخا لأدب الرحلة والرحالة الجزائريين فحسب بل كان هو الآخر رحالة وأديب حيث يلاحظ الباحث في حياته وأعماله، أن له العديد من الرحلات داخل الوطن وخارجه، وقفنا على بعضها مدونا ومنشورا في كتابه، تجارب في الأدب والرحلة الذي نشرته المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائرية سنة 1983م. يقول سعد الله في مقدمته التي كتبها في الولاياتالمتحدةالامريكية سنة 1979م : "يضم هذا الكتاب مجموعة من التجارب في الادب والنقد والقصة والشعر وأراء في الحركة الادبية في الجزائر والمغرب العربي على العموم كما يضم اخبار رحلتي الى المغرب والى الجزيرة العربية، بالاضافة الى رحلة أحد الألمان الى عنابة مترجمة الى الانجليزية (30). يحوي هذا الكتاب إضافة الى ما سبق رحلة داخل الوطن أطلق عليها اسم زيارة لخنقة سيدي ناجي : " قام بها في 8 فبراير 1980م، حيث نجده يصف أسباب الرحلة حيث يقول أن ذلك يعود الى رغبته في ربط حاضر هذه البلدة بماضيها بعد أن كان قد قرأ عنها ما كتبه الرحالة والدارسون قبل الفرنسيين (31). * منهج سعد الله: تمتاز كتابات الاستاذ أبي القاسم سعد الله التي تحلل الرحلات بأنها كتابات علمية دقيقة وهذا ما جعل الروح العلمية التحليلية السمة الغالبة عليها، كما يلاحظ الباحث فيها أن صاحبها يهتم في العديد من الأحيان بعرض ما يرد من أحداث وأراء دون أن يكلف نفسه التعليق على كثير من الاحكام الواردة فيها، أو يتخذ منها موقفا صريحا، ويبدو أن هذا يعود الى المنهج الذي يستعين به الاستاذ، حيث يترك الباحث في أعماله والقارىء لكتاباته يستنتج بنفسه ما يمكن استخلاصه. اذا أردنا التدليل على ما نقول يمكننا أن نعود الى الجزء السابع من موسوعة المسماة تاريخ الجزائر الثقافي، وبالخصوص الى حديثه عن رحلة القائد بن الشريف الذي يوصف فيها الحكومة الفرنسية بأنها الحكومة المثالية التي تحدث القرآن عنها. حيث يقول معلقا بصورة غير مباشرة عن الرحلة نفسها وعن الرحالة: " ويبدو أن الرحلة تخدم المصالح الفرنسية، أو على الاقل تسير في الاتجاه الرسمي للحكومة العامة في الجزائر، فإلى جانب نقد أوضاع الحجاج في الحجاز... ومن جهة أخرى فإن الذي قدم الكتاب للقراء هو الحاكم العام شارل جينور وهنا يمكن للمتتبع أن يستنتج دونما صعوبة أن هذه الرحالة عميل من عملاء الاستعمار الفرنسي وهذا دون أن يصرح سعد الله بذلك، علاوة على ما سبق فيمكن أن نلاحظ على منهج صاحبنا في حديثه عن الرحلة والرحالة الجزائريين الترابط والتسلسل في الأفكار والنصوص والتحليل. فيما يتعلق بالشواهد التي يورد ذكرها فمتنوعة وعديدة مما يقود الى دقة الاحكام التي يصدرها، أو تنتج نتيجة الاستعانة بها مبررة، ومنطقية ومقبولة في كثير من الأحيان كما تمتاز كتابات سعد ا لله بعدم الاكتفاء بعملية السرد التاريخي للرحلات مع في هذا من الأهمية،وإنما تتعدى ذلك الى وصف الظروف الاجتماعية وحتى السياسية والأسرية والاقتصادية للرحالة.