الأدب الشعبي هو أحد مكونات التراث الإنساني الأساسية في أيّ مجتمعٍ ، يصور بدقة واقع حياة عامة الشعب من عادات، وأعراف، وعقائد وفنون، نتعرّف من خلاله على نفسية أفراد المجتمع وفكرهم، وأخلاقهم، ومعاناتهم، فالتراث الشعبي عمومًا يمثل المأثورات، والخصائص التي تشكل الشخصية القومية، والهوية الوطنية للإنسان في حقبة ما من تاريخ تلك الأمة، فالموروثات الشعبية تصوّر جوانب حياة الناس اليومية الثقافية، والسلوكية، من حكايات، وأمثال، وحكم، وتقاليد الأفراح والأحزان، والأعياد، وأغاني وأهازيج ، ورقصات، وألغاز،وأشعار شعبية، وزيٍّ شعبي، ومسكن تقليدي، وأشكال المعيشة وغيرها، ممَّا ورثته الأجيال بعضها عن بعض على مرّ التاريخ، حتَّى وصلتنا كما نعرفها في صورتها الحالية. بينما بعض الباحثين، والمهتمين بالموروث الشعبي يحصرون الأدب الشعبي في الجانب المنطوق من الفلكلور، ويشمل الأمثال والقصص، والحكايات الخرافية، والأساطير، والأغاني، والأشعار، والألغاز التي تتوارثها الأجيال شفاهيا لتؤدي وظائف اجتماعية معيّنة.(1) العديد من الفلكلوريين المهتمين بدراسة الأدب الشعبي يركزون على التداول الشفهي كأهم عناصر الأدب الشعبي، فعلى سبيل المثال نجد أن فرانسس اوتلي يعرف الأدب الشعبي بأنه الأدب المتداول شفاهة كذلك يعرف وليم باسكوم الأدب الشعبي بأنه الأدب المنقول شفاهة، ويشير دان بن اموس إلى أهمية هذا العنصر،أي عنصر التداول الشفهي فيذكر أن الأدب الشعبي يجب أن يتم نقله وتداوله شفاهة، ولو لفترة وجيزة كما يذكر في موقع آخر أن معيار التداول الشفهي أصبح القلعة الأخيرة التي يحتمي وراءها الفولوكلوريون عند الدفاع عن الخصائص التي تميز مادة الفولوكلور. المشافهة وسيلة الاتصال الأساسية كانت المشافهة وسيلة الاتصال الرئيسة في الحضارة الإفريقية القديمة، وكانت الأخبار، والأساطير، والأشعار تنتقل من قبيلة إلى أخرى، ومن جيل إلى جيل عن طريق الرواية الشفوية، وكان الراويةُ شخصاً متميزاً بمكانة مرموقة في قبيلته، لامتلاكه قدرة بلاغية خاصة، وتمتعه بقوة الذاكرة، وتبادل الأمثال والأشعار، والحكايات بين روادها. يشتمل الأدب الإفريقي على التراث الشفهي والآداب المكتوبة بلغات بعض الشعوب الإفريقية كالسواحلية، والحوصة، والبانتو، والنيلو، وغيرها من الشعوب التي تعيش في بعض أجزاء القارة السوداء، ولاسيما إلى الجنوب من الصحراء الكبرى.(2) لا شك أن الأدب المكتوب باللغات الإفريقية، أو الأوروبية يشكل مساحة ضئيلة على خريطة التعبير الأدبي الإفريقي خارج مجال العربية شمال القارة، ولا شك أيضا أن هذه النسبة الضئيلة تُعدّ أحدث، وأقل شهرة من تلك المساحة العريضة التي يحتلها الأدب الشفهي الذي لا يعرف مؤلفا محددا، وتتناقله الشفاه من مكان إلى مكان، ومن جيل إلى جيل؛ وهو أدب عدّه البعض ركيزة للأدب الحديث المكتوب.(3) إن هذا الأدب الشفهي الإفريقي الغير المكتوب وهو أكثر بكثير ممّا كتبه الأفارقة أنفسهم، أو غيرهم من الأوروبيين لم يُجمع حتى اليوم بطريقة شاملة ومنظمة، وهو الإجراء الذي لا يستطيع القيام به إلاّ الأفارقة أنفسهم رغم الجهود التي قام بها الأوروبيون منذ أكثر من قرنٍ من الزمن، ممّا شكلت هذه الجهود مرجعية كتابية، رغم ضآلتها أناحت للقارئ والدارس معًا فُرص الاطلاع والبحث على مئات القصص، والأساطير، والخرافات، والحكايات الخيالية. جهودٌ حثيثة ..لكن !! في الوقت الراهن هناك جهودٌ حثيثة يقوم بها الأفارقة أنفسهم لضبط هذا التراث الشفوي، وتدوينه، وتصنيفه، وإحيائه، والتعريف به، والمحافظة عليه؛ إلاّ أن العملية في حدّ ذاتها تعتورها صعوباتٌ جمّة من بينها: قلة الموارد المالية، وانعدام خطط علمية منهجية تقوم بها دوائر بحث متخصصة. الجهود الفردية المعزولة لن تُؤتي بثمارها. تعدد اللهجات الإفريقية المحلية في القارة، بل حتى في البلد الواحد يصعّب من عملية جمْع هذا الأدب الشفوي. الإشكالية السابقة تحول دون نشْر وإحياء هذا الأدب على مستوى القارة، والتعريف به خارجها. لئن كان جمعه وتدوينه باللغات الأوروبية يساعد على حفظه، وحمايته ففي كل الأحوال هي جهود محدودة من ناحية، واستفادة الإنسان الإفريقي منها تبقى محدودة بل منعدمة. اللغات التي كتب ويكتب بها الغربيون هذا الأدب هي اللغة الفرنسية، واللغة الإنقليزية، واللغة البرتغالية، واللغة الإيطالية..هذا التعدد اللغوي، إضافة إلى محدودية الناطقين بها في دول استقلت وعادت إلى هوياتها بالرغم من بعض الدول الإفريقية التي أبقتْ على لغة المستعمر كلغة رسمية..واقعيا فعالياته لدى الإنسان الإفريقي العادي شبه معدومة، ومن ثمة فالاستفادة من كتاب الغربيين محدودة. الجهود التي يبذلها الأفارقة أنفسهم من كُتّاب، وباحثين، وجامعيين خارج القارة سيّما في أوروبّا وأمريكا هب جهود محمودة، إلاّ أنها تخدم الغربيين أكثر ممّا تخدم الإفريقي. ومع أنه لا يمكن الادعاء بوجود وحدة ثقافية أصيلة بين الشعوب الكثيرة التي تعيش في هذه القارة، إلا أنه لا يمكن أيضاً إنكار الملامح الحضارية المشتركة التي تعم شعوبها سيّما شعوب جنوب الصحراء الكبرى ، وقد بدأت هذه الملامح تظهر بعد الحرب العالمية الثانية خاصة، إذ أخذت تبرز حالة من الوعي السياسي الذي يدل على الانتماء الحضاري للأفارقة، وذلك من خلال بعض الحركات أو التنظيمات الإفريقية مثل حركة عموم إفريقية. ولعل من الضروري التنبيه على أهمية معالجة المظاهر الحضارية في القارة الإفريقية بعيداً عن الحضارة العربية في شمالي القارة حيث تسود الثقافة العربية الإسلامية، وهي حضارة ذات ملامح خاصة ومنفصلة عن الحضارة الإفريقية في مناطق أخرى. ويمكن القول إن مجمل ما وصل إلينا من هذه الآداب الشفوية يدور حول الخرافات والأساطير التي تشوبها المبالغة، ويختلط فيها الواقع بالخيال المجنح، إضافة إلى بعض الأشعار المروية بلغة البوهل والفوتا جالون والمالينيكية، والسوندياتية، وأشعار مملكة رواندة المقدسة، وأشعار اليوروبا والتراكاراس، كما أسهمت الفنون الاحتفالية (المسرحية) بدور مميز في هذه الآداب، وتضمنت نقداً اجتماعياً. وقد تراجعت هذه الآداب مع بداية التوسع المدني، وما رافقه من تحولات أدت إلى ظهور الآداب المكتوبة.(4) انتشر التراث الشفوي الإفريقي في العالم الجديد مع تجارة العبيد، ويشمل هذا التراث أنماطاً شعرية وقصصية غنية ومتنوعة لمعظم القبائل الإفريقية. وتعد الأساطير وقصص الخلق من أغناها وأكثرها تنوعاً وخيالاً في هذا المجال.. الأدب الإفريقي انتزع جوائز عالمية المستشرقة الفرنسية دومينيك رانيفوزون تؤكد في إحدى اللقاءات أن إفريقيا الحالية لم تعد إفريقيا السوداء التي كانت تمثّل الفضاء الأسطوري، والخرافي الأكثر غموضا، والفضاء البكر الذي يغري المكتشفين، والباحثين في الانتروبولوجيا، والجيولوجيا، وفي نشأة الأديان والإنسان فقط ، بل أصبحت منذ سنوات قبلة النقاد الباحثين في الأدب، فقد قدّم الأدب الإفريقي خصوصية جديدة للمكتبة الأدبية العالمية، واستحق من خلالها انتزاع جوائز عالمية كبرى أهمها نوبل عن طريق وولي سوينكا (نوبل للآداب 1986) نيجيريا. ونادين غورديمر (جنوب إفريقيا) ، 1993 وجون كويتسي من جنوب إفريقيا 2003 دومينيك رنيفوزن .(5) فعلا، وفق رأي هذه الباحثة أن هناك عديد الخرافات، والأمثال الشعبية التي يلجأ إليها الكل للاستدلال بها في الخطاب الذي يكوّن الحياة الاجتماعية ، الأغاني والأحاجي ...كل هذه الأجناس يقع جمعها ونشرها لأنها أجناس تهددها أساليب الحياة الجديدة : التلفزيون ...ولكن هذا الاهتمام ليس جديدا . فمنذ القرن 19 نظّم المبشّرون والملوك هذا العمل . الأدب الشفوي يتغيّر كالأشخاص واللغة والحياة ، هو جانب من الثقافة . يغذي الإنتاج الكتابي، ويتغذّى هو نفسه من عناصر الحياة العادية . لأدب الإفريقي يحاكي التجارب الذاتية اتّفقت ثلة من الأدباء والروائيين الأفارقة على أنّه لم يعد هناك شيء يسمى ب''أدب إفريقي ملتزم''، أو كتابة أدبية تتبنى قضية ما تتعلّق بواقع الشعوب الإفريقية على غرار قضايا التحرّر، ومناهضة التخلّف في زمن مضى، وحلّت الكتابات الذاتية كبديل لتجربة حديثة تسلّط الضوء على المعاناة الفردية ونموذج يعكس راهن المجتمعات والمجتمع الإفريقي واحد منها. وتبيّن من اللقاء الأدبي المنظّم من قبل مكتبة ''الشهاب'' بالعاصمة الجزائرية أخيرا ، وفي إطار المهرجان الإفريقي الثاني ، أنّ الكتابة الحالية أصبحت تنبش في الذاكرة، والتاريخ لتشكيل تفسير طبيعي للواقع، واستنباط الدروس لبناء مستقبل واعد، وعبّر المبدعون الأفارقة عن رفضهم القاطع للطرح الشائع بأنّ الأدب الإفريقي ما زال رهين الأفق الضيّق في تناول القضايا وإخضاعها لأدوات التشريح، ولاسيما أداة الحرية التي تعدّ أهمّ وسيلة في الكتابة الأدبية. وتميّز هذا اللقاء بحضور مجموعة من الكتّاب الأفارقة المقيمين بالمهجر الذين يحاولون من خلال كتابتهم الروائية أو الشعرية، إعطاء الصورة الحقيقية للفكر في القارة السمراء وفلسفتها في الحياة، وراح الأديب الكونغولي ابراهيم كوينجي يكشف الروابط المتشابهة في التراث الشفوي في الكونغو والجزائر، إذ لم يجد أيّ حرج في تشبيه أشعار بن قيطون بما كان يسمعه من أمّه في صغره، معتبرا أنّ السرد الشفهي للموروث الثقافي هو طريقة لرجع صدى الأدب الإفريقي المحض، وأعرب في السياق عن انبهاره بأدب محمد ديب لأنّه يشبه حياة معظم الأفارقة ويتناول فعلا أدقّ تفاصيل عيشتهم. وحاول الأديب الكونغولي أليان مابانكو وصْل الجسور الأدبية بين إفريقيا، والضفة الأخرى من الأدب الغربي؛ وعلى وجه الخصوص الأوروبي، وإبراز من خلال رواية ''بلاك بزار'' مختلف النظرات الموجّهة نحو إفريقيا وعلى الخصوص من الناحية الاجتماعية المرتبطة عنوة بالتخلّف والمعتقدات البالية، هذا من ناحية المضمون، أمّا شكلا فالروائي يرفض التصنيفات الجغرافية للرواية، قائلا ''أنّ هناك رواية وكفى". وتطرقّت الأديبة الايفوارية تانيلا بوني إلى تجربتها الشخصية في الكتابة من خلال مؤلّفها الأخير رواية ''صباح حظر التجوّل'' واصفة نفسها ب''كاتبة اللامكان''، هدفها الدفاع عن العلاقات الإنسانية، بحيث تعزل ذاتها الأنثوية ''فقد تكون أنثى وقد تكون ذكرا '' على اعتبار أنّ الرجل يتمتّع بحرية أكبر في التطرّق إلى مختلف المواضيع مقارنة بالمرأة، وأضافت أنّ الاختلاف الكامن بين الكتابة الرجالية والنسوية يتمثّل في أسلوب تناول العلاقات الاجتماعية والعلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة.'' فالكتابة تختلف عند الجنسين'' على حدّ قول تانيلا. وكشفت المتحدثة أنّ الأدب النسوي الإفريقي يتجاوز في المواضيع التي نكتبها إلى ما يحدث في الغرب، وعلى العموم فهي تتناول مختلف المواضيع المتعلّقة بقارة إفريقيا، بمعالجة تفاصيل العلاقات الاجتماعية الإفريقية في أكثر من زاوية مع وضع اليد على الجرح في المشاكل التي تتكبّدها المرأة في المجتمع الذي مازالت تحكمه جملة من التقاليد الرثة التي من الصعب تجاوزها بالرغم من المحاولات الكبيرة في ذلك. وقدّم الكاتب المالي ابراهيما أيا تجربته في الكتابة ببلده، وصرّح أنّه بدأ بنشر نصوصه عن طريق الصحافة، مشيرا إلى أنّ فكرة الكتابة والنشر في بلد له الكثير من المشاكل يجعل شعبه لا يفكر في القراءة، إلاّ باستثناءات، فكانت فكرة كتابة النصوص القصيرة للتخفيف على القارئ، وإعطائه فرصة الاطّلاع على كتابات أدبية ترقى إلى مستوى الإبداع الروائي أو الشعري، واقترحها على اليوميات الوطنية في مالي مدّة أربعة سنوات. يتحدث الجميع هذه الأيام عن أزمة الشعر، ويتساءل الكل عن مصيره، ويشتكي الناشرون من قلة قرّاء