احدث قرار تسليم المسؤول الليبي السابق المحمودي البغدادي إلى السلطات الليبية الانتقالية شرخا على مستوى الائتلاف الثلاثي الحاكم وزاد في تعميق الهوة بين السلطة والمعارضة وفق ما أبرزه بعض النواب الذين دعوا إلى سحب الثقة من الحكومة التي تقودها حركة "النهضة الإسلامية ". ولئن انسحب 73 نائبا من المداولات البرلمانية - احتجاجا على عدم إدراج قضية البغدادي في جدول الأعمال - فان ذلك دفع برئيس المجلس التاسيسيي مصطفى بن جعفر إلى اتخاذ قرار بعقد جلسة عامة للمجلس يوم الجمعة القادم بحضور رئيس الحكومة من اجل مناقشة هذه القضية فيما قررت العديد من الأحزاب تقديم لائحة لوم من اجل سحب الثقة من الحكومة المؤقتة وذلك استنادا إلى قانون التنظيم المؤقت للسلطات العمومية في تونس والنظام الداخلي للمجلس التأسيسي. وبين النواب - سواء المنتمون للمعارضة أو لحزبي "المؤتمر" و" التكتل" العضوان في الائتلاف الحاكم أن الحكومة المؤقتة التي ترأسها حركة (النهضة الإسلامية) "خالفت" برنامج عملها عندما قامت بتسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية وذلك في تناقض " صارخ " مع المواثيق الدولية والمبادئ والأهداف التي اندلعت من اجلها الثورة التونسية. واعتبروا أن قرار تسليم الشخصية الليبية كانت له انعكاسات " خطيرة على ألاداء الحكومي" بل أدى إلى نشوب " تنازع خطير" في الاختصاص بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بغض النظر عن "رفض" الحكومة الرجوع إلى المجلس التأسيسي للنظر في قرار التسليم وما يحمله من مخاطر على أمن البلاد ومصالحها الحيوية. وأكد عدد من أعضاء الكتل البرلمانية أن عدد التوقيعات من اجل تقديم لائحة سحب الثقة من الحكومة بلغ الليلة الفارطة 75 توقيعا بما يوفر النصاب القانوني لتقديم اللائحة وهو ثلث الأعضاء علما بأن مجموع عدد أعضاء المجلس يبلغ 217 عضوا. بيد أن المصادقة على مثل هذه اللائحة يقتضي وفق النظام الداخلي للمجلس التأسيسي توفر أغلبية ب50 بالمائة زائد 1 من مجموع أعضاء المجلس. ووسط هذه الأجواء المشحونة يرى المراقبون أن العلاقات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية دخلت مرحلة "حرجة " وأن عملية تسليم المحمودي البغدادي أكدت وجود خلافات "عميقة " بين الطرفين. ويرى المتتبعون للشأن التونسي أن رئيس الحكومة حمادي الجبالي " ينطلق " في ممارساته السياسة من قناعات حركة " النهضة الاسلامية " التي يشغل منصب أمينها العام ومن منطلق العلاقات الحزبية مع الحركات القريبة من حركة "النهضة الإسلامية " فكريا وأيديولوجيا وعقائديا في حين ان الرئيس المنصف المرزوقي يميل إلى الخصوصيات المرجعية الفكرية لحزبه " المؤتمر من اجل الجمهورية ". ولقد تحول الخلاف بين رئاستي الحكومة والجمهورية إلى خلاف بين حزبيهما ( لنهضة والمؤتمر) وكتلتيهما البرلمانية وأنصارهما عبر الانتقادات الحادة المتبادلة والبيانات والتصريحات النارية والمشادات الكلامية. والجدير بالذكر أن المحمودي البغدادي أمين عام اللجنة الشعبية (رئيس الحكومة السابق) في عهد العقيد معمر القذافي البالغ من العمر 67 سنة ظل يقبع بسجن "المرناقية " جنوبتونس العاصمة منذ اعتقاله في 21 سبتمبر 2011 بعد دخوله غير الشرعي الأراضي التونسية. و وجهت السلطات الليبية الانتقالية طلبين رسميين إلى الحكومة التونسية لتسليم المحمودي واحالته أمام القضاء الليبي متهمة اياه بالفساد المالي في عهد معمر القذافي وب "التحريض" على اغتصاب " نساء ليبيات خلال الاحداث التي عرفتها ليبيا والتي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي.