راهنت الجزائر منذ الاستقلال على الصناعة كمحرك للتنمية يشجع بالدرجة الأولى على استحداث أقطاب صناعية هامة لتسريع وتيرة اكتساب التكنولوجيا و تعميم النشاطات و الشغل مع ترقية - في الأجل المحدد -السياسات القائمة على نجاعة و مردودية القطاع و ترسيخها في الإقتصاد العالمي. وقد كرست لها استثمارات ضخمة وفقا لاستراتيجيات تنموية تم تكييفها مع التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و بيئة دولية لم تكن دائما في صالحها. وقد تمحورت أولى نشاطات الجزائر السيدة في بادئ الأمر حول انشاء اقتصاد و طني يقوم على تطوير صناعة ثقيلة ذات شموليه من 1962 إلى 1985 القطاع العام و ممولة من عائدات النفط بينما ينشط القطاع الخاص في مجال الصناعة التقليدية. ومن خلال استرجاع الثروات الوطنية المنجمية و البنوك سنة 1966 و المحروقات سنة 1971 أمنت الدولة مصادر لتمويل مسارها التنموي هذا فضلا عن اللجوء إلى المديونية الخارجية القائمة أيضا على الموارد النفطية. وبدفع من الدولة دخل الإقتصاد الجزائري مرحلة تصنيع تقوم على "صناعة مصنعة" قادرة على ضمان عصرنة القطاع الفلاحي في الأجل المحدد. وقد سمح استقرار أسعار النفط الخام بعد أول "صدمة نفطية" سنة 1973 بتطوير برنامج جد طموح بفضل ارتفاع أسعار النفط. وفي هذا الإطار، تم انجاز كبرى الأقطاب الصناعية بأرزيو و سكيكدة (بيتروكمياء) و الحجار (الحديد و الصلب) و رويبة (الميكانيك) و سيدي بلعباس (العتاد الفلاحي و الإلكتروني) الأمر الذي أكسب البلاد مهارة في عديد المجالات و سمح باستحداث 4ر1 مليون منصب شغل خاصة في مجال الصناعة. وحسب وزارة المالية فان الاستثمارات تضاعفت ب15 مرة خلال الفترة الممتدة من 1969 إلى 1978 حيث انتقلت حصة القطاع العام في الناتج الداخلي الخام من 30 بالمئة إلى 4ر65 بالمئة بينما انتلقت حصة الاستثمار/الناتج الداخلي الخام إلى 45 بالمئة ما بين 1968 و 1980 بالنظر إلى أهمية برامج الانجاز. لكن تعرضت استراتيجية "الصناعات المصنعة" إلى العديد من الصدمات المعاكسة التي هزت في كل مرة النموذج الإقتصادي لكن دون العزوف عن النظام الشامل الذي أبقى على سيطرة القطاع العام . وأجمع خبراء القطاع على القول بأن كبرى مؤسسات الدولة أشرفت على شبكات الصناعات الصغيرة و المتوسطة التي اتضح علي المدي القريب أنها تستقطب اموالا طائلة وغير ناجعة في مجالات تتطلب مهارة كبيرة و تكنولوجيات متقدمة بالنسبة للكثير منها. وباستثناء قطاع المحروقات لا يتم تصدير الكثير من المنتوجات الصناعية التي لا تلبي حتى الطلب الداخلي الأمر الذي أدى إلى تبعية أكبر للقطاع إلى الدولة التي اضطرت إلى اللجوء إلى الديون الخارجية و إعادة الهيكلة التنظيمية للمؤسسات ابتداء من سنة 1980 واضعة بذلك حدا لاستراتيجية "الصناعات المصنعة" التي لم تنجح في بلوغ هدف وضع قطاع مستقل خارج المحروقات. وعلى عكس التوقعات فان أولى عمليات إعادة الهيكلة (1980-84) التي كان من المفترض أن تشكل الحل الشامل قد تسببت في تفكيك النسيج الصناعي برأي الجهات الرسمية و مسؤولين عن القطاع الصناعي. وخلال هذه الفترة التي طبعها تباطؤ حركية الاستثمار المنتج كرس جزء كبير من موارد الدولة للاستهلاك. و كانت أسعار الانتاج محددة من طرف الدولة و تواصل دعم الخزينة العمومية لعدد هام من الممتلكات و الخدمات. ومن جهة أخرى فان الصدمة النفطية لسنة 1986 و تراجع أسعار النفط الخام قد أفشلت الجهود التي تمت مباشرتها لبعث النمو مما أدى إلى تفاقم أزمة مديونية البلاد التي اضطرت إلى اللجوء إلى برامج التعديل الهيكلي في مطلع التسعينات قصد تقويم الاقتصاد بعد اتفاقات أبرمت مع صندوق النقد الدولي. وحسب المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي فان هذا التقويم قد جسد نوعا ما الانتقال إلى اقتصاد السوق الذي تمت مباشرته سنة 1988 من خلال إطار تشريعي جديد للإصلاحات الأمر الذي سرع وتيرة خوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية و هو اجراء ساهم أيضا في إطلاق المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و الصناعات الصغيرة و المتوسطة. وخلال الفترة 2003-2008 تمت خوصصة مجموع 458 مؤسسة عمومية اقتصادية من بينها 85 مؤسسة تم فتح رأسمالها للمؤسسات الخاصة و الأجنبية. و أضاف ذات المصدر أنه في نهاية 2008 كانت المؤسسات الصغيرة و المتوسطة تمثل 99 بالمئة من مجمل المؤسسات المستحدثة إذ ارتفع عددها إلى 321.387 مؤسسة ينشط 84ر17 بالمئة منها في قطاع الصناعة. وأكدت وزارة الصناعة أنه كان لبرامج التعديل الهيكلي آثار سلبية مست الصناعة التي انخفض مؤشر انتاجيتها إلى 11 نقطة ما بين 94 و 97. و أشار تقرير للمجلس الوطني الإقتصادي و الإجتماعي إلى أن السلطات العمومية سعت بعد ذلك إلى الحفاظ على آداة الانتاج و تنويع النسيج الصناعي: تم استحداث 206.567 مؤسسة صغيرة و متوسطة (خاصة/عمومية) خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2008 بنسبة تطور بلغت حوالي 40 بالمئة. وقد عرقلت جهود التنمية العواقب المأساوية للإرهاب و ضغط الاقتصاديات المسيطرة التي أقحمت القطاع في مرحلة وقف النشاطات الاستثمارية التي دامت عدة سنوات الأمر الذي زاد من تبعيته للأسواق الخارجية و أضعف أداته الإنتاجية و عرضه لمنافسة أجنبية لم يتحضر لها من قبل. هذا على الرغم من أن السلطات العمومية باشرت منذ سنة 2005 برنامج تأهيل القدرة الصناعية المتوفرة من خلال بعث الشراكة مع المؤسسات التي تملك مهارة أكيدة قصد عصرنة المؤسسات و تعبئة الوسائل العمومية لفائدة المؤسسات الصغيرة و المتوسطة التي تشكل أساسا النسيج الصناعي. وحسب عدد من الخبراء فان القطاع الصناعي العام قد كلف أكثر من 36 مليار دولار من الدعم خلال الفترة 1991-2005. إلا أنه تم تسجيل انتعاش في النشاط سنة 2008 و بقيت الصناعة العمومية و الخاصة على حد سواء تعاني من انكماش حاد على الرغم من الدعم المالي المتتالي الذي قدمته الدولة (تجميد الأرصدة البنكية و التكفل برواتب عمال المؤسسات العمومية الإقتصادية التي تواجه صعوبات بحجم 132 مليار دج من 2001 إلى 2008) حسب مؤشرات إقتصادية رسمية. ومن جهة أخرى وضعت الحكومة برنامجا خاصا بإعادة هيكلة و تأهيل المؤسسات القابلة للاستمرار التي تنشط في مجالات واعدة سيما و أن الجزائر مدعوة إلى فتح سوقها كليا للمواد الأجنبية إثر التزاماتها مع الاتحاد الأوروبي بإرساء منطقة للتبادل الحر و في الوقت الملائم مع المنظمة العالمية للتجارة. وحسب وزارة الصناعة فان الجزائر قد كرست بالفعل أكثر من 1100 مليار دج لإعادة هيكلة و بعث القطاع الصناعي العام وطبقت العديد من البرامج التأهيلية لفائدة المؤسسات الصغيرة و المتوسطة لاسيما الخاصة الأخير من نوعه قيمته 386 مليار دج من المقرر أن يشمل 20.000 مؤسسة صغيرة و متوسطة بمعدل 4000 مؤسسة/سنة خلال الفترة 2011-2014. وأشار المدير العام للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة بوزارة الصناعة أنه في نهاية 2011 قدر عدد المؤسسات ب 659.660 مؤسسة من بينها 27.000 انشئت خلال سنة 2011 لوحدها و سمحت باستحداث 7ر1 مليون منصب شغل. وقد تم اضفاء هذه الحركية على القطاع من خلال استراتيجية وطنية جديدة تطمح إلى امتصاص البطالة التي تمس أكثر من 10 بالمئة من السكان النشيطين ورفع مساهمة القطاع في الناتج الداخلي الخام في نهاية المخطط الخماسي (2009-2014) إلى حوالي 10 بالمئة مقابل 5 بالمئة حاليا. في إطار هذه الاستراتيجية تتولى الدولة بعث الورشات الاقتصادية الكبرى من خلال مشاركتها من الآن فصاعدا و بشكل "مرن" في اختيار الفروع الصناعية الواجب ترقيتها و هو اجراء يمليه الظرف الاقتصادي العالمي الذي أصبحت تلعب فيه الدولة دورا هاما. وحسب توجيهات الحكومة فان التنمية الصناعية أضحت تقوم على فروع النشاطات ذات قدرة نمو عالية على غرار الكيمياء و البتروكيمياء و الصناعات الكهربائية و الحديد و الصلب و التعدين و الصناعة الغذائية و في الأخير الصناعة التحويلية التي تشهد منافسة أجنبية حادة. كما يقوم البرنامج الوطني على إعادة بعث القطاع العمومي بسبب تباطؤ الاستثمار في القطاع العام و نقص التزام المتعاملين الخواص في كبرى المشاريع التي تميزها عودة بطيئة إلى الاستثمار . ومن ثم فان الحكومة تريد استغلال تمركز المؤسسات العمومية في القطاعات التي تعتمد بالدرجة الأولى على رؤوس الأموال من خلال إيلاء أهمية قصوى لدور تسيير المؤسسة العمومية من خلال ربط استقلالية تسييرها بمطلب النجاعة الاقتصادية. ولهذا فهو يقوم على "أبطال وطنيين" و شراكات استراتيجية مع مجموعات دولية كبيرة و استثمارات مباشرة أهم و مدمجة بشكل أمثل في الاقتصاد الوطني. كما تهدف السياسة الوطنية من جهة أخرى إلى ترقية المؤسسات الناشئة (المؤسسة الصغيرة ذات قدرة نمو عالية) في قطاعات واعدة. علاوة على استحداث هذه الأقطاب الصناعية "المختصة" تقوم الاستراتيجية الصناعية الوطنية على تخصص عدد من المناطق الصناعية حسب مميزاتها و المميزات الاقتصادية المحلية.