باشرت الجزائر و فرنسا اللتان تعرف علاقاتهما بانتظام مراحل توتر بسبب مسائل الذاكرة خلال الاشهر الاخيرة تقاربا ملحوظا في المجال الاقتصادي. و قد أشار الجانبان مؤخرا إلى ضرورة ارساء شراكة "استراتيجية استثنائية" في حالة عدم التوصل إلى معاهدة صداقة يتم التفاوض حولها منذ سنوات دون جدوى. فالجزائر التي تامل في شراكة مربحة للطرفين مع فرنسا تريد تحويلا حقيقيا للتكنولوجيا و مرافقة اقتصادية و تكوين المورد البشري. في هذا الصدد سبق لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ان أكد في حديث لوكالة الانباء الفرنسية قبل ايام من زيارة نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر بان "الجزائر تريد علاقة قوية و ديناميكية مع فرنسا قائمة على كثافة الروابط و عديد المصالح التي تجمع بلدينا". و أضاف رئيس الدولة ان الجزائر تدعو في الواقع إلى "شراكة مقاومة للحالات الطارئة و تتعدى العلاقات التجارية المحضة حيث يعتبر كل واحد الاخر مجرد سوق". و أعرب عن هذا الانشغال وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي الذ ي أكد مؤخرا في حديث خص به مجلة "أرابيز" ان "الجزائر تولي اهتماما كبيرا لهذه الشراكة التي ترمي إلى ارساء قاعدة واسعة و اكثر تنوعا لاقتصادها". و تابع رئيس الدبلوماسية الجزائرية يقول انه بامكان فرنسا ان تساهم في هذا التعاون الاستثنائي من خلال شراكات صناعية و تحويل للتكنولوجيا و المهارات و دعم تكوين إطارات التسيير و مرافقة كاملة و كلية لدخول الجزائر في العولمة. أما بالنسبة لفرنسا التي ينبغي ان تنتقل إلى مرحلة الهجوم فيما يخص اسواقها الافريقية التي سيطرت عليها الصين و الولاياتالمتحدة "فان الشراكة الاستراتيجية" مع الجزائر تمثل فرصة للمؤسسات الفرنسية في ظرف يتميز بالازمة الاقتصادية التي تقلص من الطلب على المنتجات الفرنسية و تراجع تمويلات الاستثمار. و على الرغم من ان فرنسا تعد اول ممون للجزائر باكثر من 7 مليار دولار سنة 2011 الا ان حجم الاستثمارات في الجزائر بعيد كل البعد مقارنة بمنطقة المغرب العربي حسب راي الخبراء بالجزائر. في سنة 2010 ذهب 71 % (1ر9 مليار دولار) من تلك الاستثمارات إلى المغرب مقابل 15 % فقط (9ر1 مليار دولار) إلى الجزائر حسبما اشارت اليه ارقام التي نشرت سنة 2011 من قبل البعثة الاقتصادية "أوبيفرانس" بالجزائر. اما الديوان الوطني لتطوير الاستثمار فأوضح انه منذ 2001 إلى اليوم لم ينجز بشكل فعلي الا 81 مشروعا فرنسيا في الجزائر من بين 109 تم اطلاقها و لم تتمكن من توفير الا حوالي 11000 منصب شغل على طول تلك المدة. كما عرف الاستثمار الفرنسي تراجعا بالنسبة لقطاع الانتاج الهام في الجزائر المتمثل في المحروقات مما دفع مسؤولين سابقين في سوناطراك لاعتبار المؤسسات الطاقوية الفرنسية "مترددة" مفضلة عقود المشاريع الجاهزة على الاستكشاف و الانتاج. و كان هذا الوضع محل انتقادات الجزائر التي طالبت باستثمارات منتجة مع تحويل التكنولوجيا باعتبارها قوة اقتصادية اقليمية. وعرف الانشغال الجزائري في البداية تفهما لدى الطرف الفرنسي الذي اوفد سنة 2011 مبعوثه جان بيار رافارين إلى الجزائر لتعزيز هذا التعاون في انتظار الملموس من خلال زيارة هولاند يومي 19 و 20 ديسمبر الجاري. وسمحت الزيارة الاخيرة للمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي في اواخر شهر نوفمبر للجزائر العاصمة بالفعل بتهيئة الارضية للملفات الاقتصادية الكبرى التي هي محل تفاوض منذ اكثر من سنتين لكن لم يتم إلى حد اليوم القيام باي اعلان بخصوص الملفين الثقيلين وهما مشروع رونو لصناعة السيارات و مشروع توتال للتكسير البخاري لمادة الايتان . و فضل الجانبان ترك الاعلان عن نتائج المفاوضات لرئيسي البلدين خلال لقائهما يوم الاربعاء بالجزائر العاصمة. و في المجموع تم ابرام عشرين اتفاقا بين مؤسسات فرنسية و جزائرية منذ انعقاد منتدى الشراكة الاقتصادية الجزائرية الفرنسية في ماي 2011 بالجزائر العاصمة. و مكن التعاون بين البلدين في إطار مهمة رافارين بتجسيد بعض المشاريع في الميدان مثل صناعة الزجاج بين مجمع سان غوبان و المجمع الجزائري الفير و في مجال التأمينات بين الشركة الفرنسية للتأمينات اكسا و بنك الجزائر الخارجي و الصندوق الوطني للاستثمار. و يضاف إلى هذه المشاريع مشاريع أخرى في مجال صناعة الحليب و صناعة الادوية من طرف المخبر الفرنسي سانوفي افنتيس الذي التزم بتطوير مصنع بالجزائر.