تعرف واحات مغرار التحتاني وقلعة الشيخ بوعمامة وسيدي براهيم بدائرة مغرار بولاية النعامة التي تمثل إرثا تاريخيا و إيكولوجيا مهما حالة من التدهور تسببت في تقلص ثروة النخيل بهذه الجهة ذات المقومات السياحية الكبيرة. وتشكل هذه الجوهرة الطبيعية المكونة من أشجار النخيل (ما يفوق 31 ألف نخلة منتجة) إحدى أجمل اللوحات البيئية بالولاية وبها وفرة الماء و التربة الخصبة و المناظر الخلابة التي تصنعها بناءات القصور القديمة والفقاقير (أنظمة تقليدية لتقسيم المياه) و محطات النقوش الصخرية بوسط هذه الفضاءات إضافة إلى الأجواء المنعشة داخلها و التي تعد متنفسا للزائرين و السياح سيما في فصل الصيف. عوامل تهدد الواحات القديمة التي تبحث عن منقذ لتاريخها العريق يرجع تاريخ إنشاء قصور واحات دائرة مغرار إلى حوالي القرن الثالث عشر للميلاد من طرف قبائل بن عامر الذين أستقدمهم الزيانيون للدفاع عن ممتلكاتهم بالمنطقة حسب الكاتب و المؤرخ خليفة بن عمارة من مدينة العين الصفراء. ويواجه تاريخ المنطقة اليوم إندثار أجزاء كبيرة من القصور القديمة والشواهد المختلفة .كما أن سكانها اليوم يتطلعون إلى المزيد من الجهود لإعادة بعث زراعة النخيل بالمنطقة لضمان استقرارهم بها بعد أن هجر عدد كبير منهم بساتينهم بفعل الجفاف الذي مس المنطقة في العقود الأخيرة. وعلاوة عن تدهور بعض أجزاء هذه الواحات بسبب انخفاض الموارد المائية والتوسع العمراني فقد تم إتلاف نظامي الفقارات والخطارات التقليديين اللذين يخصان تنظيم عملية السقي و رفع المياه من الآبار الفلاحية التي تعرضت بدورها للإنسداد بسبب الأوحال و الطمي و الفيضانات المتعاقبة كما يشير بحسرة شديدة عدد من سكان هذه المنطقة. ويرجع تدهور بعض أجزاء هذه الواحات أيضا إلى بعض الأنشطة التقليدية المرتبطة بقطع أشجار النخيل والاستغلال المفرط للغطاء النباتي والحرائق أحيانا إلى جانب رمي الفضلات و بقايا الأتربة الناتجة عن الأنشطة المتعلقة بقطاع البناء داخل محيط الواحة -كما أوضح من جهته الناشط الجمعوي وأحد السكان القدامى بقصر واحة مغرار التحتاني السيد علالي علال . قطاعات تدخلت لحماية الإرث البيئي و تنمية زارعة النخيل وانطلاقا من الأهمية التي تكتسيها هذه المناطق ومن أجل إعادة الإشعاع لهذا الإرث البيئي و التاريخي لولاية النعامة قامت عدة قطاعات في مقدمتها مديرية المصالح الفلاحية و محافظة الغابات بعدة مبادرات منذ سنة 2006 إلى الآن من أجل حماية و تنمية زراعة النخيل بالجهة. ويعتبر الجفاف و تراجع منسوب الآبار إلى جانب توحل و إنجراف التربة من العوامل التي أدت إلى تراجع منتوج التمور إلى مستويات متدنية في المواسم الفلاحية الأخيرة بهذه الواحات التي تكتسي قيمة اقتصادية و سياحية مما جعل الجهود تنصب على إحياء سلسلة الآبار التي غطتها الرمال التي تتصل عبر قنوات أرضية ببئر رئيسية في مكان مرتفع ذات عمق أكبر و تدفق أقوى. وأوعز السيد التاج عفون وهو من قدامي سكان قرية سيدي إبراهيم بدائرة مغرار هذا التدهور لزراعة النخيل إلى تشكل سبخات أصبحت تزحف بالملوحة لتؤثر على خصوبة البساتين التي تمثل مصدر رزق رئيسي لسكان المنطقة بالإضافة إلى غياب اليد العاملة و عزوف شباب المنطقة عن خدمة الأرض مبررين ذلك بعدم مردوية هذا النشاط و صعوبته. تدابير لتعويض النخيل المسن و متحف إيكولوجي في الأفق وتتضمن هذه البرامج بمشاركة المحافظة السامية لتطوير السهوب و قطاع الغابات وصندوق الدعم الفلاحي بالتنسيق مع المركز الوطني لتنمية الزراعات الصحراوية وضع تدابير فعالة لحماية التوازن الإيكولوجي و تعبئة موارد السقي وإعادة الإعتبار للينابيع المائية و ترميم السواقي عبر مناطق سلسلة الواحات الممتدة ما بين قرى دائرة مغرار و محاربة الجفاف بالمناطق شبه القاحلة وتعويض النخيل الميت و المسن بفسائل جديد. ويجري التفكير أيضا في استحداث متحف إيكولوجي داخل الواحات تسند له مهمة جمع أنشطة الفلاحين و الجمعيات و النوادي و التعريف بها و عرضها للزوار لإطلاعهم على كيفية عنايتهم بأنظمة السقي والاستعمال الدائم لمصادر الماء مع بعث مشروع صغير لمشتلة تخص فسائل النخيل لأنواع التمور ذات الجودة العالية التي تتلاءم مع تربة ومناخ المنطقة كتمر أغراس والفقوس كما أوضح رئيس بلدية مغرار بشير زياني مشروع لمواجهة التلوث البيئي بمحيط الواحات القديمة لدائرة مغرار ولعل أهم مشروع أنجزه قطاع الموارد المائية لولاية النعامة للمساهمة في حماية البيئة بمنطقة الواحات لدائرة مغرار هو إنجاز مصب رئيسي لتفريغ المياه القذرة بهضبة قلعة الشيخ بوعمامة بعدما كانت تتعرض الواحة للتلوث بتفريغ كميات هامة من المياه المستعملة بالقرب من أشجار النخيل. كما بادر القطاع ذاته ووفقا لدراسة أعدتها هيئة الرقابة التقنية لأشغال الري بعملية أخرى لتصحيح مجرى وادي مغرار الذي طالما تسبب في فيضانات أتلفت مئات أشجار النخيل وبساتين الفاكهة و الخضروات بمنطقة مغرار التحتاني و الذي ساهم في التحكم في سيلان الأودية و بالتالي الحد من هشاشة الأراضي المحيطة بالواحة. توفير الكهرباء و موارد السقي ضمن أولويات إنقاذ واحات النخيل وتجري عبر الواحة القديمة بقرية الشيخ بوعمامة عملية ترميم من أجل إعادة الإعتبار لتقنية الفقارة التي تتيح توزيع عادل و دقيق للماء عبر قنوات أرضية وهي الطريقة التي ساهمت منذ قرون في توسيع زراعة النخيل بالواحات والقصور حيث ستمكن هذه العملية التي تسجل أشغالها تأخر كبيرا نظرا لعدم كفاية الغلاف المالي المخصص لها حسب مديرية المصالح الفلاحية ترميم 500 متر طولي من السواقي التي تمونها عين سيدي بحوص التي يصل تدفقها إلى نحو 23 لتر في الثانية. واستفادت واحات مغرار في السنوات الأخيرة أيضا من إيصال 8 كلم من شبكة الكهرباء وتوفير موارد الطاقة الشمسية لضخ المياه إلى جانب فتح 6 كلم من المسالك وأشغال أخرى لإنجاز الأحواض عبر محيطات النخيل كما ذكرت مديرية المصالح الفلاحية. ويبقى اختيار أصناف أخرى من النخيل التي تقاوم مرض البوفروة و البيوض وتتميز بإنتاج ثمار ذات جودة عالية مع تحديد خصائص التربة المقاومة للطفيليات وغرس فسائل جديدة مع صيانة الرصيد المتوفر حاليا من أشجار النخيل بالواحات القديمة لولاية النعامة من العمليات المستعجلة الواجب تجسيدها لحماية هذا الإرث الحضاري والتاريخي الفريد الذي يساهم أيضا في الجذب السياحي.