تميز النقاش الاجتماعي بالجزائر سنة 2016 بهيمنة مسألة إصلاح المنظومة الوطنية للتقاعد من خلال إلغاء التقاعد المسبق و دون شرط السن حفاظا على التوازن المالي للصندوق الوطني للتقاعد وضمان ديمومة هذا النظام المبني على مبدأ التضامن ما بين الأجيال. فمنذ إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال خلال الثلاثية المنعقدة شهر جوان عن تعديل نظام التقاعد و إلى غاية مصادقة المجلس الشعبي الوطني على المشروع الذي شهد ادراج تعديلا بتوجيهات من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حاز الموضوع على حصة الأسد في النقاش الاجتماعي مع سلسلة من الإضرابات عرفتها عدة قطاعات. و ينص التعديل الذي أدرج بناءا على توجيهات رئيس الجمهورية على فترة انتقالية لمدة سنتين تمنح حق الاستفادة من معاش التقاعد للعامل الذي بلغ أو تجاوز سن 58 سنة في سنة 2017 و 59 سنة في سنة 2018 و الذي أتم مدة عمل فعلية تعادل 32 سنة على الأقل. وتتم الاستفادة من معاش التقاعد في هذه الحالة "بطلب من العامل الأجير دون سواه" حسب ما ينص عليه تعديل الأمر رقم 97-13 المؤرخ في 31 ماي 1997 المتعلق بالتقاعد والذي أسس للتقاعد دون شرط السن. وتم عقب الثلاثية تشكيل لجنة كلفت بإعداد مشروع القانون الذي يحدد سن التقاعد ب60 سنة حرصا على ضمان العدل و الحفاظ على قدرات الصندوق الوطني للتقاعد. وفي وثيقة ختامية توصل المشاركون في أشغال الثلاثية (حكومة نقابة أرباب عمل) إلى أن الظروف الحالية "لا تسمح" بالإبقاء على نظام التقاعد دون شرط السن. فالأمر رقم 97-13 الذي أسس لنظام التقاعد دون شرط السن قد أعد في ظروف خاصة تميزت بتطبيق برنامج التعديل الهيكلي بشكل انتقالي بهدف التخفيف من الأثار الناجمة عن غلق الشركات وتقليص عدد العمال. كما أن الإبقاء على هذا النظام أصبحت تنجر عنه خسائر معتبرة في التوازنات المالية لصندوق التقاعد الوطني ولأداة الانتاج التي تسجل كل سنة تسرب معتبر لمورادها البشرية سيما المؤهلة منها بمقتضى نظام اظهر أنه غير عادل في العديد من المرات. في هذا السياق كشفت دراسة لمركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية أن عددا كبيرا من طالبي التقاعد المسبق لا زال بامكانهم تقديم المزيد لمؤسساتهم بفضل مهارتهم و خبرتهم. و بالنسبة للسلطات العمومية فإن نظام التقاعد دون شرط السن أسهم في توجه عدد هائل من اطارات أكفاء ويد عاملة مؤهلة من المؤسسات الوطنية نحو المؤسسات الخاصة. تعديل طالبت به الفدرالية الوطنية للعمال المتقاعدين و انتقدته نقابات لا طالما شكل تعديل الأمر المؤرخ في ماي 1997 مطلبا للفدرالية الوطنية للعمال المتقاعدين التابعة للمركزية النقابية لإتحاد العام للعمال الجزائريين. و دعت اللجنة التنفيذية للفدرالية الوطنية للعمال المتقاعدين في اجتماعها نهاية شهر ماي 2016 السلطات العمومية بايجاد الأليات الملائمة الرامية إلى تعديل القانون رقم 83-12 (المتعلق بنظام التقاعد) و الأمر رقم 97-13 بهدف التوصل إلى حلول لرفع عائدات الضمان الاجتماعي بشكل عام والصندوق الوطني للتقاعد بشكل خاص. وسجل أعضاء اللجنة أنه في سنة 2015 "من مجموع 10 ملفات تقاعد مودعة على مستوى الصندوق 7 عمال ناشطون هم من فئة المستفيدين من التقاعد النسبي". كما أشار أعضاء اللجنة في هذا الصدد إلى أن "المداخيل التي يدفعها صندوق الضمان الاجتماعي للعمال الأجراء و كذا تلك التي تدفعها الخزينة العمومية (المقدرة ب 50% من الميزانية) لا تكفي لتغطية نفقات الصندوق. وحسب المديرية العامة للضمان الاجتماعي بوزارة العمل فإن التقاعد قبل سن ال 60 لما يقارب 830.000 عامل و على عكس ما يظن الكثيرون زيادة على تسببه في خسائر في الاشتراكات و الكفاءات المهنية لا يساهم في استحداث مناصب عمل. يدفع الصندوق الوطني للتقاعد سنويا 770 مليار دج على شكل معاشات لما يقارب 1.600.000 متقاعد غادر أزيد من 50% منهم مناصب عملهم قبل بلوغهم سن ال60. ويرتكز استمرار تمويل التقاعد على مبدأ التضامن بين الأجيال. غير أن الاستفادة "المبكرة" من نظام التقاعد للأفراد الناشطين ينجر عنه دفع معاشات لصالحهم "لمدة طويلة" وهو الأمر الذي يتسبب في "انقطاع" هذا التضامن. من جهتها قامت العديد من المنظمات النقابية العاملة في عدة قطاعات بحركة احتجاج عن طريق اضرابات دورية ضد تعديل قانون التقاعد مطالبين بابقاء التقاعد النسبي كمكسب للعمال. ومن المرتقب أن تعقد هذه المنظمات التي اجتمعت في تكتل نقابي مستقل اجتماعا يوم 7 جانفي المقبل لتقرير رزنامة حركة الاحتجاج التي شرعت فيها منذ ما يقارب شهرين من أجل المطالبة بإلغاء نص القانون حول التقاعد. وصادق نواب المجلس الشعبي الوطني في 30 نوفمبر بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالتقاعد و رفض نواب المجموعة البرلمانية لحزب العمال وجبهة العدالة والتنمية مشروع هذا القانون في حين قاطع نواب المجموعة البرلمانية لجبهة القوى الاشتراكية جلسة التصويت.