أكد رؤساء أغلب المجموعات البرلمانية الممثلة في مجلس الأمة يوم الثلاثاء خلال مناقشة مخطط عمل الحكومة على ضرورة توفير الآليات والظروف المناسبة لإنجاح هذا المخطط الذي يقتضي -حسبهم - تضافر جهود الجميع. وأوضح رؤساء الكتل البرلمانية في تدخلاتهم أن لغة "الصراحة" التي تميزت بها الحكومة في عرض مخططها و اطلاع الرأي العام بكل حقائق الوضع الاقتصادي و المالي للبلاد كفيلة بتوفير فضاء هام من الثقة بين الطرفين سيتيح الاستمرار في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وأكد رئيس المجموعة البرلمانية عن الثلث الرئاسي السيد الهاشمي جيار أن الخروج من الازمة الحالية لا يجب أن يربط فقط بأسعار البترول بل الوضع يتطلب المضي قدما نحو تحسين و عصرنة التسيير في المجالات الادارية و تعزيز مردود القطاع الاقتصادي و المالي والجبائي. وأوضح ان الرهان الاستراتيجي يتعلق بحسن تسيير الإدارة العمومية و الاقتصاد خاصة ي قائلا أن هذه المجالات "لم تول الاهمية التي تستحقها من المعالجة مما جعلها وسيلة تغذي من خلالها الهجمات بالجملة والانتقادات دون تمييز بين ما هو ايجابي وما هو سلبي". وشدد السيد جيار على أن الامر يتعلق على وجه الخصوص بالعوائق "غير المادية" المعرقلة للتقدم النوعي للتسيير الاداري الناجمة عن الضغوط البيروقراطية . وقال أن هذه المعوقات باتت تشكل خطرا على السير الحسن للمصالح العمومية من خلال تغليب المنفعة الخاصة على الصالح العام . ويرى السيد جيار ان الافتقار الى النجاعة واستفحال ظاهرة الرشوة أدى الى اثارة غضب المستخدمين في قطاع الخدمة العمومية وعدم الثقة تجاه المسؤول وقلق المواطنين , الامر الذي انعكس بصورة مباشرة على واقع تطبيق السياسات العمومية. وتابع السيد جيار قائلا: "الامور ليست بالسهلة كما تدعي بعض الاوساط التي توهم الناس بان الديمقراطية والحريات واقتصاد السوق يمكن تحقيقها بلمح البصر وبمجر تطبيق مادة من مواد القانون", مبرزا ان مهمة انجاح هذا المخطط جماعية "إذا اردنا ان نجنب المسار الديمقراطي -الذي عمقه الدستور المعدل والنموذج الاقتصادي الجديد للنمو - العجز والوهن, وحتى لا يكون الوضع مماثلا لما جاء به الميثاق الوطني في 1976". الحل الحقيقي للأزمة لا يتوقف على الجانب المالي فقط وحسب السيد جيار فان مثل هذا الوضع سيؤثر سلبا على جهود و مساعي بناء اقتصاد سوق حقيقيي مؤكدا انه :" لا توجد عصا سحرية للتغلب على المشاكل الاقتصادية والمالية الراهنة", مشددا على ان الحل الحقيقي للازمة لا يتوقف على الجانب المالي فقط بل يتعدى الى تعزيز الرأسمال البشري. ويرى عضو مجلس الامة أن تحقيق التنمية الاقتصادية لا يأتي عن طريق المشاحنات والانشقاقات بل عن طريق المنافسة وبحث سبل دراسة و تنفيذ كيفية التغلب على مواطن الضعف في المجالات الاقتصادية والاجتماعية, مضيفا أن :" حب الوطن ليس حكرا على أحد وان التجربة عبر العالم أثبتت ان حل المشاكل يتم عبر العمل الناجع" . وحسب السيد جيار فإن الازمة المالية التي تمر بها البلاد لا تكتسي طابعا خاصا بها, موضحا أن كل نشاط اقتصادي معرض للتقلبات من حين لآخر في اطار مفهوم "الحلقة أو الدورة الاقتصادية". وحسب ذات المتحدث فإنه لا ينبغي النظر الى هذه الأزمة بنظرة التشاؤم وإنما ينبغي العمل لايجاد حلول لها. من جانبه أوضح رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني السيد محمد زوبيري أن الاجراءات والتدابير التي جاء بها مخطط عمل الحكومة و بخاصة ما تعلق منها بالتمويل غير التقليدي تستدعي استيعاب أبعادها , من حيث كونها تمثل قناعة وإرادة رئيس الجمهورية في رفض اللجوء الى الاستدانة الخارجية والخضوع مجددا لشروط المؤسسات النقدية الدولية. ويرى رئيس المجموعة أن سعي الحكومة الى ايجاد آليات التطبيق الفعلي لهذا الحل تتجسد من خلال اللجوء الى تعديل قانون النقد والقرض وتحديد الآجال الزمنية لتجسيدها بالإضافة الى الارقام الواضحة التي قدمها مخطط عمل الحكومة حول الوضعية المالية للبلاد . محاربة الرشوة والفساد و ارساء الشفافية لتعزيز ثقة الشعب و أبرز السيد زوبيري الصعوبات الكبرى التي يعاني منها الاقتصاد الوطني على مستوى الانتاجية وضعف التحكم في تقنيات التسيير ي الى جانب ما تعانيه الطبقة المتوسطة والفئات الهشة من مشاكل يومية تتطلب تفعيل نموذج جديد للنمو واعتماد مقاربة اقتصادية في تسيير المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة دون الاخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية. وأضاف أن "الجزائر اختارت الاعتماد على الذات في مواجهة الازمة المالية , والتي باتت اليوم اكثر عزما على توفير مناخ وآليات لهذا الاختيار". ومن ضمن هذه الآليات اقترحت المجموعة البرلمانية: محاربة الرشوة والفساد وترشيد النفقات العمومية واعتماد الشفافية في الصفقات العمومية والاحتكام الى العدالة في ايقاع العقاب على المتخاذلين والمقصرين والمتلاعبين بالمال العام, وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين. وقال السيد زوبيري أن مخطط عمل الحكومة ما فتئ يؤكد على تشجيع الاستثمار المنتج وتوفير المادة الاولية للمشاريع المنتجة غير أن الصرامة في التنفيذ تبقى -حسبه- الطريق الأمثل لتحقيق النجاعة في الميدان وتعزيز ثقة الشعب في مؤسسات الدولة. وذهب في ذات السياق الى ان قرار الحكومة بمواصلة المشاريع الكبرى لا بد وان يرافق بتعزيز الجهود في مجال محاربة التهرب الضريبي واصلاح البنوك والبحث عن صيغ لإدماج الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية الرسمية , مثمنا ادراج الصيرفة الاسلامية في المنظومة البنكية والمالية الوطنية . واقترحت هذه الكتلة البرلمانية في الشق الاقتصادي, تفعيل العلاقات بين النواب والوزراء في الحكومة لتسهيل عملية طرح انشغالات المواطنين , وتعميم الاعلام الآلي في مصالح الضرائب وتزويدها بكل الامكانيات اللوجيستية لتحقيق النجاعة والشفافية, اضافة الى الاسراع في احداث ديناميكية جديدة في قطاع الصناعة وتعزيز العلاقات مع الدول الافريقية . من جانبه افاد رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي السيد عبد المجيد بوزريبة أن صمود الدولة في وجه الازمة المالية والاقتصادية لمدة 3 سنوات جاء نتيجة التسديد المسبق للمديونية الخارجية وعدم اللجوء اليها وكذا تأسيس صندوق ضبط الايراداتي اضافة الى عدم توجيه احتياطي الصرف المتراكم لاستثماره في صناديق استثمار خارجية. حان الوقت ليستهلك الجزائريون ما يقل أو يساوي ما ينتجون من ثروة خارج المحروقات وثمن المتحدث قرار الحكومة بمنح الاولوية للمنتوج الوطني والحد من عمليات الاستيراد الامر الذي من شأنه توفير الارضية اللازمة لنجاح مخطط عملها في الميدان. واوضح السيد بوزريبة ان قرار اللجوء الى التمويل غير التقليدي يعتبر الانجع بالنظر الى خطورة اللجوء الى الاستدانة الخارجية على سيادة الدولة واستبعاد عمليات التمويل عن طريق عائدات الضرائب بسبب محدوديتها وانعكاسات الرفع منها على القدرة الشرائية للمواطنين. ويشترط وفق نفس المصدر توجيه هذه التمويلات الاستثنائية نحو المشاريع والبرامج التي تخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ومناصب شغل وذات جدوى اقتصادية لتخطي الازمة المالية مع تحري مسار الدعم بهدف ايصاله الى مستحقيه. ورافع رئيس الكتلة لصالح سوق اقتصادية مفتوحة حتى على الأجانب وفق ما تنص عليه التشريعات والقوانين الوطنية, شريطة ان يقدموا قيمة مضافة للاقتصاد الوطني . وتابع عضو مجلس الأمة يقول ان "عقلية الاتكال" التي تعود عليها بعض المواطنين من جراء " اجتماعية الدولة" ورأفتها" بهم جعل الأجانب " يطمعون " كذلك في الاستفادة مما تغدقه الدولة من حوافز وامتيازات. وتستدعي هذه المرحلة وفق نفس المتحدث تغليب منطق الاعتماد على النفس وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات قائلا:" لقد حان الوقت ليستهلك الجزائريون ما يقل أو يساوي مما ينتجون من ثروة خارج المحروقات".