بدأت ملامح انفراج الأزمة السياسية التي تعيشها على وقعها لبنان على خلفية استقالة الحكومة، تلوح في الأفق، بعد اقتراح رجل الأعمال سمير الخطيب، لقيادة الحكومة المقبلة، والحديث عن تحديد موعد الاستشارات النيابية التي طال انتظارها. فقد أحرزت الطبقة السياسية تقدما حقيقا في المحادثات الجارية لتشكيل الحكومة بعد أكثر من شهر على استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، على خلفية الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي خرجت في لبنان، للمطالبة بالإصلاحات ومكافحة الفساد. وتحققت هذه الخطوة الإيجابية، مع إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، عن دعمه لترشيح سمير الخطيب، لرئاسة الحكومة المقبلة، مؤكدا أن الجميع يسعى لتجاوز هذه المرحلة الصعبة بالرغم من وجود بعض التفاصيل حول مسار تشكيلها. كما أكد الحريري أنه لا يضع أية شروط حيال التشكيل الوزاري المقبل وأن رئيس الوزراء الجديد "هو من سيشكل فريقه"، مشيرا إلى أن حزبه "تيار المستقبل" لن يشارك بشخصيات سياسية في الحكومة الجديدة بل بأخصائيين. وفي هذا الصدد، أوضح النائب عن "تيار المستقبل" هادي حبيش، أن الاتصالات الحكومية تسير في اتجاه تكليف المهندس سمير الخطيب، لرئاسة الحكومة، والاجتماعات متواصلة، مؤكدا أن المشاورات "داخلية بامتياز" ولا رسائل خارجية في هذا الاتجاه لتشكيل الحكومة. ومن جهته، أعلن رئيس "التيار الوطني الحر"- وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال - جبران باسيل، أنه منذ أكثر من أسبوعين، تم الاتفاق على حكومة برئاسة شخصية "موثوقة" يدعمها الحريري بالكامل بالتسمية والثقة ويتم التوافق عليها وعلى حكومة مفتوحة للجميع للمشاركة فيها على أساس احترام التوازنات القائمة في النظام البرلماني، ويتمثل كل فريق بحسب ما يريد على أن يكون طبعا الغالب الكفاءة والاختصاص. أما رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط، فقد أكد - عقب لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري - أن حزبه لن يشارك كحزب في الحكومة، بل سيسمي كفاءات، من (الدروز) ويقدم لائحة بذلك لرئيس الحكومة المقبل. وكان الحريري قد اقترح ترؤسه حكومة "تكنوقراط" غير أنه لم تتم الموافقة على طرحه وأعلن عقبها أنه لا يريد تأليف حكومة. وقام الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" بطرح حكومة مختلطة أي "تكنوسياسية" برئاسة الحريري، وهو لم يوافق عليها فسقط هذا الطرح. وعقب ذلك، تم الاتفاق على تشكيل حكومة برئاسة "شخصية موثوقة" يدعمها الحريري بالكامل بالتسمية والثقة، ويتم التوافق عليها وتكون مفتوحة للجميع للمشاركة فيها بما فيها الحراك، على أساس احترام التوازنات القائمة في النظام البرلماني اللبناني وفي الحكومة ويتمثل فيها كل طرف بحسب ما يريد هو من سياسيين وأخصائيين. وفي أول تعليق له بعد تداول اسمه لتولي رئاسة الحكومة اللبنانية، كشف -الخطيب رجل الأعمال الذي ينحدر من خارج الطبقة السياسية اللبنانية - أنه قد تم التواصل معه من قبل بعض الجهات المعنية بتشكيل الحكومة، غير أنه لم يتخذ بعد قراره النهائي، مشددا على أن "التوافق ضروري لأي حل". وأكد الخطيب أنه على مسافة واحدة من الجميع وعلاقته جيدة مع جميع الجهات، ناهيك عن علاقته الشخصية المميزة مع سعد الحريري?. ويتوقع أن يلتقي الحريري، خلال الساعات المقبلة، المعاون السياسي للأمين العام ل"حزب الله"، حسن نصر الله، والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب ووزير المالية. ووفقا للقراءات فإن هذا الاجتماع "سيكون حاسما" في مسار إعلان التوافق رسميا على اسم المهندس سمير الخطيب وشكل الحكومة المقبلة. أنباء عن تحديد موعد الدعوة للاستشارات النيابية بعد أكثر من شهر من الترقب، كشفت مصادر وزارية لبنانية عن تحديد الرئيس اللبناني ميشال عون، يومي الخميس والجمعة، للدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة. ويرى المراقبون أن تريث الرئيس اللبناني في تحديد مواعيد هذه الاستشارات مع النواب راجع إلى مجموعة من العقد السياسية التي يعمل على حلها، فالاتصالات التي يجريها تهدف إلى تأليف الحكومة قبل تكليف من يسميه النواب بمهمة تولي رئاستها. ووفقا للمتتبعين للشأن اللبناني، فإن الرئيس عون لا يريد التأخر في تشكيل الحكومة الجديدة وهو يسعى لأكبر توافق على رئيسها وتشكيلتها بما يرضي كل الأطراف وفي طليعتهم الحراك الشعبي، ويقوم بمشاورات بعيدة عن الأضواء، تتركز أساسا مع "تيار المستقبل" و"حزب الله" ورئيس البرلمان. وفي هذا الصدد، أكدت مصادر وزارية مقربة من القصر الرئاسي (بعبدا) أن هناك تقدما في المشاورات الحكومية، وأن المهندس سمير الخطيب يجري اتصالات للاستجابة لمطالب بعض القوى سياسية. وأوضحت المصادر أن الحكومة ستكون "تكنوسياسية" تتراوح بين 18 و24 وزيرا، 4 أو 6 منهم سياسيون من دون حقائب (وزراء دولة). للإشارة فإن لبنان يضم عدة أحزاب وحركات سياسية من مختلف التوجهات السياسية. ترتكز العديد من الأحزاب على قواعد شعبية من طائفة معينة ويمكن بشكل عام، تقسيم الأحزاب اللبنانية إلى أربع فئات: أحزاب قومية غير عربية، وأحزاب قومية عربية، وأحزاب طائفية وإثنية وأحزاب لبنانية ذات قواعد مسيحية وإسلامية. وكان الرئيس اللبناني قد دعا في عدة مناسبات، كافة الفرقاء إلى العمل من أجل الخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة، باعتبار أن الوضع لا يحتمل شروطا وشروطا مضادة في مسار تشكيل حكومة جديدة. كما أكد أن الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد، نجحت في إزالة الكثير من الخطوط الحمراء وساهمت في رفع الحماية عن مرتكبي جرائم الفساد، مشيرا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد ما يرضي كافة المواطنين، لاسيما وأن الجميع يريد تحقيق الإصلاح. وتعثرت المحادثات بين مختلف التيارات السياسية اللبنانية منذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، في 29 أكتوبر الماضي، تحت وطأة الاحتجاجات.