أعطى رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, يوم الأحد بمناسبة اجتماع الحكومة بالولاة, تعليمات صارمة للمسؤولين المحليين بضرورة التقرب من المواطن والاستجابة لانشغالاته, مشددا على ضرورة محاربة كل اشكال الرشوة والفساد والبيروقراطية. وخاطب رئيس الجمهورية في كلمة له خلال هذا اللقاء الذي احتضنه قصر الامم بنادي الصنوبر, المسؤولين المحليين, حاثا إياهم على العمل من أجل التغيير والقطيعة مع الممارسات القديمة والتقرب من المواطن "لكسر الحاجز الذي بناه العهد البائد بين المواطن والدولة حتى تسترجع الثقة المفقودة". كما طالبهم ب"الكف عن تقديم الوعود الكاذبة" والالتزام بما يستطيعون فعلا تقديمه للمواطن مع العمل على "محاربة اللامبالاة والاستخفاف بقضايا المواطن", مبرزا أنه "لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالاعتماد على "الاطارات الكفؤة". كما شدد الرئيس تبون بالمناسبة على ضرورة الاستمرار في "محاربة الرشوة واستغلال النفوذ بصرامة", لافتا الى أن المواطن "يعاني أكثر", جراء ما أسماه ب"الرشوة الصغيرة". وأضاف رئيس الجمهورية بأنه من "حق المواطن الاستفادة من خدمات الإدارة وطلب الوثائق (...) التي يريدها دون مقابل", مشددا على وجود ممارسات "غير مقبولة" تنتهجها الإدارة, الامر الذي اعتبره رئيس الدولة "أخطر من الرشوة الكبيرة". كما شدد على ضرورة محاربة السلوكات المرتبطة باستغلال الوظيفة من أجل الثراء, داعيا المسؤولين الى "الوفاء بالتزاماتهم" تجاه المواطن الذي يعي جيدا --كما قال-- التفريق بين "المسؤول الصادق ومن يريد ربح الوقت". وفي معرض حديثه عن أهمية التنمية المحلية, أعلن رئيس الجمهورية بأنه وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية رصدت في ديسمبر الفارط, ضمن صندوق التضامن ما بين الجماعات المحلية, 80 مليار دج على شطرين, مضيفا بأن بلديات الوطن ستستفيد في أبريل ومايو القادمين من مبلغ آخر يقدر ب 100 مليار دج. وأكد بهذا الخصوص بأن الوضع الذي تعيشه حاليا بعض مناطق الوطن "مرفوض تماما, لأننا نملك الامكانيات لمواجهته", داعيا بالمناسبة المسؤولين المحليين الى "التكفل بالطبقة المعوزة وجعلها شغلهم الشاغل". وشدد رئيس الدولة في نفس السياق على أهمية التوزيع العادل لثروات البلاد بين مختلف جهات الوطن, مبرزا ضرورة "تجند الجميع لتحسين الأوضاع في مناطق الظل والأرياف". وبغية إضفاء حيوية وفعالية على تسيير الجماعات المحلية, أكد الرئيس تبون بأن الحكومة تدرس حاليا "إجراءات قانونية جديدة" من شأنها دعم اللامركزية في تسيير هذه الجماعات في ظل "محدودية" نمط التسيير الحالي. وبعد أن أشار الى أن "مثل هذه الامور الجديدة تسمح لنا بتسيير الكفاءات من أجل جزائر القرن ال21 ", ذكر رئيس الجمهورية بأن بعض النصوص الخاصة بالتسيير "تجاوزها الزمن لكونها تعود الى أزيد من 50 سنة", مبرزا ضرورة إعداد "دراسة معمقة تخص النمط الجديد المتعلق بلامركزية التسيير بمشاركة الجميع". وأكد رئيس الدولة في ذات السياق بأن "الهدف الرئيسي والأوحد" من وراء هذا المسعى يبقى "التكفل بمصلحة المواطن وفقط", مستبعدا في نفس الوقت اللجوء إلى "تقليد نماذج دول أخرى". وبخصوص الشق السياسي من برنامجه, جدد رئيس الجمهورية التأكيد على أن الدستور المقبل سيكرس مبدأ الفصل بين السلطات, الامر الذي من شأنه تجنيب البلاد "الانزلاقات التي نجمت عن الحكم الفردي المتسلط سابقا". وأضاف بأن التعديل الدستوري المرتقب يندرج ضمن "السياسة الجديدة التي نريد انتهاجها لإحداث التغيير", مشيرا بالقول: "يجب أن نبني سويا ديمقراطية حقة وصلبة, ليست ظرفية ولا على المقاس", مشيرا الى أن التعديل الدستوري المرتقب سيكون "أول محطة" في هذا التغيير, لكونه مثلما أضاف-- "أساس الحكم في جميع الأنظمة". وتابع رئيس الجمهورية بأنه "لا توجد هناك حواجز" في التعديل الدستوري المرتقب, باستثناء ما تعلق بوحدة الشعب الجزائري والهوية الوطنية, مذكرا بأن مسودة التعديل الدستوري ستكون في متناول الجميع في خطوة ترمي الى بلورة "دستور توافقي". وفي ذات السياق, أكد الرئيس تبون أن قانون الانتخابات "سيراجع تماما وسيتضمن ضوابط للوصول إلى المراكز عن طريق الانتخابات" بغية "القضاء على مظاهر التهرب من المسؤولية وشراء الذمم". على صعيد آخر, أكد الرئيس تبون أن الحراك الشعبي السلمي الذي يحيي ذكراه الأولى, يمثل "إرادة الشعب التي لا تقهر", مذكرا أن هذا الحراك "المبارك" جاء "طلبا للتغيير ورفضا للمغامرة التي كادت تؤدي الى انهيار الدولة الوطنية وأركانها والعودة الى مأساة التسعينيات". =نحو احداث تغيير جوهري في تسيير الاقتصاد= وعلى الصعيد الاقتصادي, أكد رئيس الجمهورية عزمه على احداث تغيير جوهري في تسيير الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع الانتاج المحلي ومحاربة تضخيم الفواتير والاحتكار. و كشف السيد تبون عن "تغيير جوهري في الاقتصاد" الوطني ينتظر تجسيده في القوت الذي يعرف فيه الاقتصاد الوطني هيمنة الاستيراد على التصدير وتفشي الغش في الفوترة. وقال السيد تبون أمام المسؤولين المركزيين والمحليين والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين للحكومة : "ليس لدينا اقتصاد, لقد تعلمنا ان نشتري بدلا من ان نبيع وان نغش في الفواتير ونبذر.... حتى أن الوفرة التي يعرفها الانتاج الفلاحي أصبحت تشكل مشكلة بالنسبة لنا". وأضاف بأن "الاقتصاد الوطني موجه نحو الاستيراد و خلفية الاستيراد تكمن في تضخيم الفواتير بنسب مئوية لا تطاق". و أعطى كمثال على هذا التوجه استيراد مواد يعرف انتاجها المحلي وفرة مشيرا الى أن هذا الاستيراد يخضع ل"خلفيات" الهدف منها "فرض الاحتكار و اللجوء الى الاستيراد من طرف لوبي يعمل على قتل الانتاج الوطني". و أكد أن التحكم في ظاهرة تضخيم الفواتير سيمكن من "استرجاع نصف سنة من تصدير البترول و الوصول الى مستويات أحسن بكثير في احتياطات الصرف". و ألح رئيس الجمهورية على أن الانتاج الوطني يجب أن "يكون أولوية قصوى" و أن الاستيراد يجب أن يقتصر على ما يكمل الانتاج الوطني فقط. و لتحقيق هذا الغرض, قال الرئيس انه طلب من وزير التجارة القيام بإحصاء للمنتوج المحلي مشددا على ضرورة ارساء, و "بصفة مستعجلة", سياسة بناء اقتصاد جديد في مجالات الصناعة و الفلاحة . و تساءل رئيس الجمهورية في هذا السياق عن أسباب عدم وجود صناعة تحويلية تسمح بامتصاص الفائض من الانتاج الفلاحي الوطني قائلا : " لماذا لا نملك صناعة تحويلية؟ صناعة تسمح بتحقيق تكامل اقتصادي بين مختلف القطاعات كالصناعة و الفلاحة و التعليم العالي". و لدى تطرقه لملف تركيب السيارات و نظامي السي-كا-دي ( CKD ) و الاس-كا-دي ( SKD), أشار الى أنه لا يمكن التذرع بالحفاظ على مناصب الشغل لتبرير الاستمرار في استيراد هذه الأطقم دون تحقيق انتاج محلي. و كانت الحكومة قد أعلنت في مخطط عملها, الذي سيصوت عليه مجلس الأمة مساء اليوم, عن مراجعة النصوص التنظيمية التي تحكم نظام CKD من أجل رفع معدل الاندماج الوطني ضمن أنشطة التركيب والتجميع في الصناعات الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية. و دعا رئيس الجمهورية, في نفس الاطار, الى اعطاء الفرصة للجزائريين المنتجين من خلال تشجيع المؤسسات الناشئة التي ترتكز على الاقتصاد الرقمي و اقتصاد المعرفة. من جهة أخرى, دعا السيد تبون المسؤولين المحليين لإعادة توجيه النفقات العمومية و محاربة التبذير بما يسمح بالتكفل بالحاجيات الحقيقية للمواطن على غرار التزويد بالكهرباء و المياه الشروب. و قال في هذ الشأن" يجب اعادة توجيه النفقات العمومية للتكفل بالحاجيات الضرورية و الحقيقية للمواطن بدلا من اهدار هذه الاموال في الاشغال المتعلقة بتجميل المحيط على غرار تهيئة الأرصفة التي تعرف تبذيرا ". و أعطى كمثال على تبذير النفقات العمومية " الطوابير" من السيارات التي تميز في العادة زيارات الوفد المرافق للوزير او المسؤول المحلي مطالبا الى ترشيد هذه النفقات باستعمال النقل العمومي للتنقل في اطار هذه الزيارات ان اقتضى الأمر. و فيما يتعلق بمجال السكن, تأسف رئيس الجمهورية لتوزيع أكثر من مليون سكن ريفي في السابق في الوقت الذي بقيت فيه أزمة السكن على حالها. و اكد ان حل "معضلة" توزيع السكنات يكون من خلال الالتزام بالشفافية و الاعتماد على بطاقية وطنية موحد للسكن تشمل مختلف الصيغ السكنية الى جانب محاربة ما وصفه ب"الرشوة الصغيرة" المتعلقة بشراء شهادات الاقامة المزورة من أجل الحصول على سكنات في ولايات أخرى غير التي يسكن بها طالب السكن. و قال رئيس الجمهورية انه سيطلب من الوزير الأول و وزير العدل اعداد قانون اطار يجرم التزوير بصفة عامة بما فيها تزوير ملفات الحصول على السكن و تزوير شهادات الاقامة الموجهة لهذه الملفات. و يتضمن القانون المنتظر عقوبات تصل الى 10 سنوات سجنا. و بخصوص الجباية, كشف عن التحضير لقانون يجرم عدم دفع الضرائب كما هو معمول به في العديد من دول العالم.