بعد انقضاء أكثر من تسعة أشهر على إستقالة المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، تبقى الأممالمتحدة عاجزة عن اختيار مرشح للمنصب، بسبب الصراع الدولي المحتدم حول الشخصية التي ستتولى ادارة الملف الليبي الساخن، الذي تجاوز مجرد النزاع الداخلي على السلطة. وبالرغم من إن اختيار مبعوث أممي من صلاحيات الامين العام للأمم المتحدة، غير انه يحتاج لدعم الدول الخمسة عشر الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وخاصة الدول دائمة العضوية (الولاياتالمتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، والصين)، وهو ما يعقد الامور بسبب استمرار الخلاف في أروقة الأممالمتحدة لخلافة غسان سلامة الذي استقال مطلع مارس الماضي لأسباب صحية. وقد طرح تأخر الأممالمتحدة في هذا المسعى الكثير من التساؤلات لدى الفاعلين والمهتمين بالشأن الليبي، حول الأسباب الخفية وراء هذا "التقاعس" الذي يضر بالدرجة الاولى التسوية السياسية في ليبيا، وهذا بالرغم من اقتراح العديد من الأسماء الوازنة على الساحة السياسية والدولية. حسم الخلاف على تسمية مبعوثا الى ليبيا لازال بعيد المنال منذ استقالة سلامة من منصبه في مارس الماضي، طرحت العديد من الاسماء لخلافته وكان أول الأسماء التي تم اقترحت هي السلوفاكي ميروسلاف لايجاك، الرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الاتحاد الأوروبي سبق غوتيريش، وعين لايجاك، مبعوثا خاصا للحوار بين صربيا وكوسوفو، ليتم فيما بعد طرح اسم وزير الخارجية التونسي السابق خميس الجهيناوي، لخلافة سلامة غير أنه سرعان ما توارى اسمه إعلاميا. وبعد عشرة أيام من استقالة مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا، عين غوتيريش، نائبة سلامة، الأمريكية ستيفاني ويليامز، التي تجيد اللغة العربية، قائمة بأعمال البعثة الأممية هناك، إلى حين تعيين مبعوث جديد، رغم أنها كانت من الأسماء المطروحة لخلافة سلامة، لكنها لم تحظ بالتأييد الدولي الكافي، بحسب مصادر إعلامية. إقرأ أيضا: الأزمة الليبية : المرتزقة والقواعد العسكرية...الوجه الآخر للتدخل الأجنبي ومن بين الاسماء الوازنة التي وقع اختيار غوتيريش عليها كان وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، الذي يملك خبرة في تسوية النزاعات الدولية، خاصة في إفريقيا ويحظى بتأييد أممي ودولي بحكم كفاءته وخبرته الدبلوماسية، وفهمه لخلفيات الأزمة علاوة أنه يحظى بتأييد ليبي. كما اقترح غوتيريش بعدها مرشح إفريقي آخر وهي الوزيرة الغانية السابقة هنا سيروا تيتيه، والتي استبعدت أيضا ليتم فيما بعد طرح اسم نيكولاي ملادينوف. وفي الوقت الذي لازالت المساعي متواصلة لتعيين مبعوث جديد الى ليبيا، بات اليوم الحديث عن إدخال تعديلات على البعثة الأممية تتعلق بتعيين مبعوث خاص للأمين العام معني بالدبلوماسية والوساطة مع الجهات الفاعلة الليبية والدولية لإنهاء النزاع بينما توكل للمنسق الأممي لبعثة المينوسما مهام متابعة العمليات اليومية للبعثة ومديرا لما يقرب من 200 موظف. وهو الاقتراح الذي دعت له الولاياتالمتحدة التي طالبت بتقسيم منصب البعثة إلى قسمين مبعوث سياسي ورئيس بعثة الأممالمتحدة كما هو الحال بالنسبة لقبرص والصحراء الغربية. إفريقيا تريد مبعوثا من القارة السمراء تسعى الدول الإفريقية بقيادة الاتحاد الافريقي للرمي بكل ثقلها من أجل الانخراط أكثر في تسوية الأزمة في ليبيا من خلال تعيين مبعوث أممي خاص الى ليبيا ينتمي إلى القارة السمراء يكون على دراية اكبر بالبلد الافريقي وبالتالي اكثر فعالية لتسوية الأزمة. وكان الاتحاد الافريقي قد أعرب من قبل من خلال مجلس السلم والأمن التابع له عن قناعته بضرورة انخراط المنظمة الافريقية بشكل فعلي وعاجل للبحث عن حل للنزاع الليبي، بخاصة من خلال تعيين مبعوث مشترك للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة إلى ليبيا. وجددت الدول الإفريقية مؤخرا رغبتها في أن يكون المبعوث الاممي الى ليبيا من القارة السمراء، حيث أكد دبلوماسيون ان الدول الافريقية رفضت تسمية البلغاري نيكولاي ملادينوف، مؤكدين "لسنا ضد أحد لكن نريد افريقيا مبعوثا الى ليبيا". وحث مندوب جنوب إفريقيا، لدى الأممالمتحدة، جيري ماثيو ماتجيلا، اول امس الثلاثاء، الاممالمتحدة لكسر الجمود الذي طال لأشهر تعيين مبعوث جديد، وشدد قائلا "أن إفريقيا تتوفر على مرشحين مؤهلين لمنصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا"، مشيرا ان "القارة قد أثبتت في الماضي قدرتها على حل المشاكل التي تواجهها ولذلك، لا يمكننا القول إن أفريقيا ليس لديها مرشح مؤهل". ولفت الدبلوماسي الجنوب افريقي، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الامن لشهر ديسمبر الجاري، الا أن المرشحين الأفارقة الذين اقترحهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس "قد تمت عرقلتهم"، في إشارة منه للجزائري رمطان لعمامرة والغانية هانا سيروا تيتيه الذين أحبطت عملية تعيينهما على مستوى مجلس الأمن. وكانت الجزائر التي تلعب دورا فعالا في تسوية الازمة الليبية، قد حذرت من جهتها من التماطل في ايجاد خلفا لسلامة، حيث حذر وزير الخارجية صبري بوقدوم، من أن إخفاق غوتيريش، في تعيين مبعوث خاص إلى ليبيا "يمكن أن يؤثر على العمل الأممي في البلاد". كما حذرت ألمانيا التي احتضنت جولات الحوار السياسي الليبي، الدول التي تعرقل تعيين مبعوث خاص الى ليبيا ودعت في العديد من المرات الى ضرورة التوصل لاتفاق حول مبعوث أممي إلى ليبيا. وفي انتظار التوافق الدولي لتسمية مرشح لتولي خلافة غسان سلامة تبقى ليبيا في متاهة الصراعات التي تعصف بالبلد منذ 2000 والتي لا تحتمل المزيد من التأخير.