تأثر قطاع الخدمات سيما السياحة والصناعة التقليدية والنقل التي تشكل عصب الإقتصاد المحلي بولاية غرداية بشكل كبير طيلة سنة 2020 بفعل تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). ومر الإقتصاد المحلي الذي ترتكز مقوماته بشكل أساسي على السياحة والصناعة التقليدية بأزمة خانقة مرتبطة بالقيود المفروضة على تنقل الأشخاص وإغلاق الحدود وإجراءات التباعد المفروضة لأسباب تتعلق بالوقاية الصحية. وأدت تلك القيود ''الصارمة'' إلى توقف ''كامل'' لأنشطة السياحة والصناعة التقليدية والنقل والتي تعتبر ''رئة '' الإقتصاد المحلي المنفتح للغاية على بيئته الخارجية، حسب ما أفاد ل(وأج) أحد مهنيي السياحة بغرداية. وقال مدير فندق الريم، عبد القادر بن خليفة، "ان النشاط السياحي الذي عرف تراجعا في 2019 للزوار نحو وجهة غرداية قد تأثر بشدة خلال 2020 بسبب إجراءات الحجر الصارمة المفروضة من طرف السلطات العمومية لمكافحة جائحة كورونا''. وأدت تلك الإجراءات الحازمة التي أقرتها السلطات العمومية للحد من انتشار كوفيد-19، وتعليق حركة الملاحة الجوية إلى توقف تام للنشاط السياحي وإغلاق المؤسسات الناشطة في مجال الإيواء والإطعام والنقل، مما نتج عنه تسريح العمال. ''كما عرفت معدلات البطالة التي كانت أصلا مرتفعة بغرداية قبل الجائحة منحى تصاعديا في 2020، مما قلل بشكل كبير من فرص العمل المحدودة للغاية للشباب في المنطقة ''، كما يرى السيد بن خليفة، مضيفا '' أن التدابير المتخذة من أجل الحد من تفشي كورونا أدت إلى شل النشاط بما في ذلك إغلاق الفنادق والمطاعم والمقاهي''. اقرأ أيضا : تمنراست : قافلة سياحية وتحسيسية حول أهمية المحافظة على المناطق السياحية وبالنسبة لعديد مهنيي السياحة بغرداية فإن القطاع الذي يشكل العمود الفقري لإقتصاد المنطقة قد عاني لعدة أشهر من عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بآفاق التنمية فيه ومن بيروقراطية ''غير مفهومة''، مما اضطر عديد المهنيين في مجال الفندقة إلى تغيير نشاطهم أو تحويلها إلى مراقد. وعلى الرغم من هذه الصورة "القاتمة" الناجمة من تداعيات الجائحة فإن المهنيين الناشطين بوجهات ميزاب، والمحطة الحموية زلفانة ومنطقة المنيعة جنوبا لازالوا متفائلين، حيث أعدوا خطة للإنعاش تعتمد على تعزيز الجاذبية نحو تلك الوجهات من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية لاستقطاب الزوار، ومنح الأولوية للزبائن الوطنيين بغرض الإحتفاظ بهم. وفي المقابل، فقد كان لحالة الطوارئ الصحية والحجر الذي أقرته السلطات لمجابهة انتشار أخطار العدوى بفيروس كورونا أثرا إيجابيا بولاية غرداية فيما يتعلق السلامة الطرقية حيث سجل تراجع كبير في حوادث المرور، حسب خلية الإتصال للحماية المدنية. وفضلا عن ذلك فقد شهدت وتيرة اعتماد التجارة الإلكترونية والتمويل الرقمي والتسوق عبر الإنترنت زخما كبيرا خلال هذه الأزمة الصحية عبر المتاجر والأسواق الصغيرة بغرداية، حيث يحاول عديد التجار مراجعة استراتيجيات الإتصال الخاصة بهم بما يساعد على التكيف مع الواقع الجديد والحفاظ على زبائنهم من خلال توفير أجهزة الدفع عبر الإنترنت باستعمال البطاقات المصرفية. هذا الوضع الوبائي الذي فرضه فيروس كورونا المستجد سمح أيضا للطبيعة باستعادة بعض عناصرها في منظومتها البيئية سيما بالنسبة للثروتين النباتية والحيوانية على غرار المناطق الرطبة بالولاية، سيما منها موقع السبخة (المنيعة) المصنف في 2004 ضمن قائمة رامسار للمناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية. وفي تصريح ل(وأج) أوضح والي غرداية بوعلام عمراني أن '' سنة 2020 كانت صعبة في البداية مع ظهور الجائحة، لكن مع مرور الوقت فقد سمحت الإجراءات التي اتخذت لمجابهة كورونا بالسيطرة على الوضع''. تفعيل الآلة الإقتصادية وتشجيع الإستثمار لمجابهة تداعيات الجائحة وأضاف ذات المسؤول أن ''الهدف من تفعيل الآلة الإقتصادية هو مجابهة تداعيات الجائحة وذلك من خلال استحداث فرص العمل والحد من البطالة وترقية فرص الإستثمار والمقاولاتية المنتجة''، مشيرا في ذات الوقت الى أنه يمكن أن يشكل فيروس كورونا المستجد'' نقطة تحول حاسمة في الإنتقال إلى الإقتصاد الرقمي مع الإنترنت كوسيلة للإتصال والتجارة. وقال أن "ولاية غرداية تعمل على استكمال البنية التحتية الأساسية وتعبئة موارد المياه والطاقة من أجل زيادة جاذبيتها للإستثمار المنتج المولد للثروة والتشغيل". وتشتهر غرداية برصيد هائل من التراث المادي والامادي مما يمنحها مكانة متميزة في إستراتيجية تطوير السياحة المستدامة التي تلبي التطلعات الإقتصادية للسكان ومتطلبات حماية البيئة واستخداماتها. وتزخر المنطقة بالمدن المحصنة "القصور العريقة" المشيدة بهندسة معمارية متميزة والتي تعكس براعة وعبقرية بنائيها الأوائل، باعتبارها تراثا عالميا مصنفا من قبل المنظمة الأممية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في 1982،والتي أصبحت محل إلهام عديد المهندسين المعماريين ومخططي المدن المرموقين، ويميزها النظام القديم لتوزيع مياه الأمطار الذي يعد نظاما نادرا يعتمد عليه الى الآن في سقي بساتين النخيل المنتشرة بواحات سهل وادي ميزاب. كما تزخر بعديد المواقع الجذابة على غرار بساتين النخيل والمعالم الجنائزية والنقوش الصخرية لبقايا تاريخية ودينية في وادي ميزاب والمنيعة بالإضافة إلى الحمامات المعدنية العلاجية بكل من زلفانة والقرارة ، وكثبان رملية ذهبية بجنوب عاصمة الولاية.