يواصل ملف الفساد في المغرب رسم معالم المشهد القاتم في البلاد لتغلغله في مفاصل الدولة التي تسعى الى توظيف السلطات التشريعية و القضائية لحماية "لوبيات نافذة" من المحاسبة و المسائلة. و أكد المحامي والحقوقي محمد شماعو أن المغرب "شهد في الفترة الأخيرة فضائح فساد غير مسبوقة لم تنجح أي حكومة سابقة في كشفها بهذا الحجم", مذكرا بصفقة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء التي فازت بها إحدى الشركات التابعة لرئيس الحكومة المغربية. و استنكر ذات المتحدث "التضييق" الذي تمارسه السلطات المخزنية على الجمعيات فيما يخص التبليغ عن قضايا الفساد ونهب المال العام بهدف تقييد المجتمع المدني ومنعه من أداء دوره الرقابي, في الوقت الذي ينص فيه القانون على إلزامية تبليغ المواطن عن الجرائم ومعاقبته في حال الامتناع عن ذلك, منتقدا "التغول الذي بات يمارسه القضاء من خلال مشروع قانون الاجراءات (المسطرة) الجنائية المطروح حاليا على البرلمان. الى ذلك, طالب المحامي المغربي بمحاسبة من قاموا بتدبير القطاع الفلاحي بالمغرب وعلى رأسهم وزير الفلاحة السابق, رئيس الحكومة الحالي, في إطار مخطط "المغرب الأخضر", موضحا أن الأمر يتعلق "بجريمة كبرى" تهدد الأمن الغذائي والقومي والمائي للمغاربة. و اعتبر أن هذا المخطط "نموذج واضح للفساد ونهب المال العام, في ظل غياب آليات التقييم والمراقبة سواء من قبل البرلمان, و الأسوء أنه حتى من قبل مؤسسات الرقابة والحكامة", في إشارة إلى "النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات". و في غضون ذلك, اهتزت مدينة أكادير على وقع قضية فساد من "العيار الثقيل" تورط فيها نائب بلديتها الذي يعتبر أحد المقربين من أخنوش رئيس البلدية ذاتها, على خلفية شكوى قضائية تتهمه ب"التزوير والنصب والاحتيال وخيانة الأمانة" في قضية تتعلق بتبدد 30 مليون درهم من أموال شركة بطريقة "غير مشروعة". و تصب كل الانتقادات التي تلاحق حكومة أخنوش في بوتقة "الجمود" الذي ظلت تعرفه "اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد" التي يترأسها هو شخصيا و التي أنشأت خصيصا لمراقبة الظاهرة التي تنخر المجتمع. و يثير "وأد" دور هذه الهيئة الحكومية - التي لم تعقد اجتماعها منذ ثلاث سنوات رغم أن القانون المؤسس ينص على ضرورة انعقادها مرتين في العام لمناقشة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد" مع كل القطاعات المعنية- تساؤلات حول نية الدولة في التعاطي مع واقع الريع "حتى تبقى الجهات المستفيدة منه بعيدة عن المتابعات القانونية". و في سياق متصل, كشف آخر تقرير لل"مندوبية السامية للتخطيط" (هيئة حكومية) حول مستوى معيشة الأسر في المغرب, تفاقم الفوارق الاجتماعية واتّساع دائرة الأسر التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية والمهددة بالسقوط في الفقر, مشيرا الى أن "الفئات الاجتماعية لم تستفد من السياسات الاجتماعية بل ازدادت هشاشةً وتواجه خطر السقوط في الفقر". و يرشح مراقبون انزلاق الطبقة الوسطى من المجتمع في دائرة الفقر في المغرب تحت تأثير الأزمة الصحية وارتفاع الأسعار والجفاف في الأعوام الأخيرة, إضافةً إلى تأثيرات هشاشة النمو الاقتصادي الذي لا يخلق ما يكفي من فرص عمل.