تحولت، أروقة المحاكم السبع التي لولاية تيزي وزو، في الآونة الأخيرة، إلى مسرح لطرح القضايا المتعلقة بالنزاعات حول الأملاك والميراث، وأخرى متعلقة بالإنتقاما لأتفه الأسباب التي تخلف عواقب وخيمة نهايتها القتل والسجن، وهي القضايا التي أصبحت تطرح وتعرض بكثرة على مستوى محاكم تيزي وزو، بعدما كانت إلى وقت قريب القضايا المتعلقة بالقتل والسرقة وهتك العرض الأكثر تداولا في المحاكم· أصبحت، مؤخرا، جلسات المحاكم بولاية تيزي وزو لا تمر إلا ونسمع عن عرض قضايا متعلقة بالخلافات والنزاعات العائلية حول الميراث وأغلبها حول الأرض والعقار، إضافة إلى قضايا الإنتقام، فالمتمعن في أغوار المجتمع القبائلي يدرك أهمية الأرض بالنسبة لأفراده، فرغم مرور عدة سنوات إلا أنهم لا يزالون يحافظون على أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم، والتي كانت ولا تزال إلى حد الآن، مصدر رزق العديد من العائلات، لا سيما العائلات القاطنة في الأرياف ويعتبرون التخلي عنها إهمالا لكنز موروث عن الأجداد يجب رعايته والحفاظ عليه باعتباره رمز القوة والثراء والعز، خصوصا وأن تصنيف عرش ما عن الآخر في منطقة القبائل، منذ القدم، يركز على ميراث الأرض والعقار بالدرجة الأولى· وما هو ملاحظ في الآونة الأخيرة أن سكان المنطقة أصبحوا يولون اهتماما أكبر لهذا الأمر حيث يفضلون التضحية بأرواحهم بدل التنازل عن أراضيهم وأملاكهم التي يعتبرونها رمز عزتهم وشهامتهم، فالإعتقاد السائد منذ الأزلهو أن الغني بالنسبة لهم هو من يمتد عرشه إلى مناطق أخرى ويملك أراضي بكل مكان، ولا يزال هذا الإعتقاد سائدا إلى حد الآن رغم مرور السنوات، بل فقد أخذ أبعادا خطيرة، إلى درجة القتل· ومقابل هذه الظاهرة نجد الانتقام الذي يدأ يأخذ لنفسه مكانا في وسط المجتمع القبائلي، حيث نجد حالات خطيرة يرتكب فيها الشباب وغيره جرائم قتل لأتفه الأسباب، بغية الانتقام وإشفاء غليلهم، على حد تعبيرهم، رغم وعي بعضهم بالنتائج التي تنجر عن هذه الجرائم· وحسب ما أكدته الدكتور محند أرزقي حساني، مختص في علم النفس الاجتماعي، في تصريح ل ''الجزائر نيوز''، فإن منطقة القبائل تدق ناقوس الخطر جراء تفاقم النزاعات والخلافات بين السكان حول الميراث، وينبه إلى أن هذا الأمر يستدعي تدخل لوضع حد لهذه الظاهرة، خاصة وأنها أصبحت جد متفشية· وأرجع محدثنا أسباب ذلك إلى الإنهيار الإقتصادي الذي تشهده المنطقة، وهو جعل المواطن القبائلي يعيد الاعتبار للأرض، علما أن هذا الموروث هو الذي جعل ولاية تيزي وزو - حسب الدكتور - في السبعينيات والثمانينات تحقق الإكتفاء الذاتي في مجال الفلاحة· إنتقم لنفسه بقتل ابن عمه الذي تلفظ في وجهه بكلام بذيء ''لأنه وجه لي كلاما قبيحا، قمت بقتله، وأنا مستعد لتكرار ذلك'' ·· هذه عبارة صرح بها أحد الشباب المتهمين أمام محكمة الجنايات التي أدانته بالسجن المؤبد ·· وقائع القضية تعود إلى إحدى ليالي شهر جانفي 2007 حيث اهتزت قرية ''بوبرون'' بدائرة اعزازقة، على وقع جريمة قتل راح ضحيتها شاب على يد ابن عمه البالغ من العمر 20 سنة، الذي قال أنه وقع شجار بينهما فتلفظ الضحية بكلام قبيح ومشين، مما أفاض غيض المتهم الذي قرر وضع خطة لينتقم منه، ولكي يشفي غليله قام باستدراجه إلى الغابة مدعيا تناول وجبة العشاء في الهواء الطلق وبعد تناول حبوب القرقوبي المعروفة ب ''ٌىًُُّّْىز''، قام المتهم بإزهاق روح ابن عمه بطعنه بسكين ولم يغادر المكان إلى أن تأكد من أنه فارق الحياة· إنتقم لنفسه بقتل زوجته التي عاشرته 23 سنة قضية خطيرة أخرى لا يزال الصغير والكبير يتذكرها، حيث أقدم شخص على شنق زوجته أم أبنائه العشرة، لأنها رفضت في أحد الأيام أن تنام إلى جانبه، وبدل أن يبحث عن السبب قام بقتلها بطريقة لا يمكن لأي عقل أن يتصورها، حيث قام بالتوجه رفقة زوجته على متن سيارة شقيقه إلى سوق مدينة ذراع بن خدة لشراء حبلا ليعود متخذا طريق بلدية إيعكوران، بعدها عاد إلى منطقة ثاخوخت حيث انحرفت السيارة عن الطريق، فقام بلكم الضحية وشدها من شعرها ليقوم بإنزالها والقيام بشنقها مستعملا الحبل، ولما لاحظ أنها لا تزال عل قيد الحياة إستعان بحبل آخر لفه على رقبتها ثم جرها على مسافة مترين وبعدما تأكد من وفاتها نزع الحبل من عنقها وأدخل لسانها، ثم غسل وجهها وقرأ عليها الشهادة وتوجه إلى مصالح الأمن ليسلم نفسه تارك الجثة بالمكان مغطاة بأغصان الأشجار، وخلال التحقيق برر فعلته بالقول أن زوجته تخونه مع رجال القرية عندما يكون في عمله بولاية أخرى، كما أنها كانت ترفض مجامعته خلال السنتين الأخيرتين، لينتهي به المطاف في السجن بعدما حكم عليه بالمؤبد· خلاف حول قطعة أرض ينتهي بجريمة قتل تعود وقائع هذه القضية التي شهدتها قرية بوشيشة إلى سبتمبر ,2007 حيث وقع خلاف عائلي بين الضحية وأخيه بسبب الميراث، فبدأت بينهما مناوشات كلامية تطورت إلى الضرب والجرح وخلالها تدخل ابن المتهم حاملا سكينا ووجه عدة طعنات إلى عمه على مستوى البطن والصدر ويفر هاربا نحو الحقول حيث سقطت منه أداة الجريمة، وتم نقل الضحية إلى المستشفى غير أنه لفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصوله متأثرا بجروح بليغة، ليسلم فيما بعد المتهم نفسه إلى مصالح الأمن، معترفا بأنه لم يكن باستطاعته التحكم في نفسه أمام مشهد الضرب الذي تعرض له والده على يد عمه ليتدخل ويقوم بطعنه· حاول قتل قريبته بسبب الميراث قضية أخرى مماثلة عرفتها قرية تيمزقيدة التابعة لبلدية تيزي راشد، حيث توجهت الضحية إلى القرية بغرض زيارة عائلتها وعائلة زوجها، ولما توجهت إلى حقل ملك لجدها وجدت قربها والد المتهم بصدد بناء جدار، فحاولت الاستفسار على اعتبار أن القضية مطروحة أمام العدالة ولم يتم بعد تحديد وتقسيم الأرض، ولم يتم حتى تحديد حق كل فرد من أفراد العائلة، وبناء عليه حدثت مناوشات كلامية بينهما وكان المتهم في تلك الأثناء على متن جرار متجها صوبها حيث قام بدفعها ولحسن حظها اصطدمت بآلة خلط الإسمنت ووقعت أرضا، وتم نقلها مباشرة إلى المستشفى حيث قدمت لها شهادة عجز ب 30 يوما· خلاف حول شجرة زيتون تنتهي بجريمة قتل هذه القضية شهدتها بلدية تيرميتين منذ ثلاثة أشهر، حيث أقدم شاب يبلغ من العمر 30 سنة على قتل ابن عمه البالغ من العمر 27 سنة، تاركا ورائه زوجة وإبنة ·· حيثيات هذهئ الجريمة تعود إلى قيام الضحية بقطع شجرة الزيتون قصد شق مسلك فلاحي إلى منزله، لكن الجاني الذي هو ابن عمه، أقدم على قتله بطريقة بشعة، لأن عائلته تكسب رزقها من أشجار الزيتون، والذي صرح الجاني أمام المحكمة بأن ''شجرة الزيتون هي رزق عائلتي الوحيد، ومن يقطعها يقطع رزق''، مضيفا ''أسمح في كل شيء لكن لن أسمح في الميراث سواء الأرض أو الأشجار''·