كثيرا ما نجد في الجزائر عائلات فنية توارثت الغناء أو التمثيل أو الرسم وغيرها من المجالات الإبداعية أبًا عن جد، في حين نجد عائلات ظهرت فيها مواهب لدى مختلف أفرادها أو ''طفرة وراثية فنية''، إن صح التعبير، بمحض الصدفة دون أن يكون هناك توارث في هذه الميولات· وقد تحدثت ''الجزائر نيوز'' مع عينتين من العائلات الفنية في الجزائر، عائلات ورثت الفن أبًا عن جد، وعائلات لا علاقة لأجدادها بالفن لكنها تميزت في الساحة الفنية الجزائرية، سواء في السينما أو المسرح أو الغناء، قصد معرفة آرائهم حول الموضوع، والتساؤل حول ما إذا كان الفرد يرث الفن من والديه أو أنه اكتساب وتطوير لمواهب خلقت معه ولا علاقة لها بالكروموزومات التي تحمل المادة الوراثية· سيد أحمد أقومي: الفنان يمكن أن يرث الموهبة لكنه لا يرث الفن تحدثنا مع الفنان القدير سيد أحمد أقومي عن إمكانية توارث الميولات الفنية باعتباره فنانا متميزا من خلال أعماله السينمائية والتلفزيونية، وهو في نفس الوقت والد الفنانة المسرحية سامية مزيان وهي إبنة الفنانة القديرة صونيا، ورأى أنه لا علاقة للفن بالوراثة، وأنه لا يعتقد بأنه يمكن الإنسان أن يرث الفن، بينما يمكن له أن يرث الموهبة التي يمكن أن يستغلها ويطورها ليكون بذلك مستقلا بفنه وتجربته الخاصة به والناتجة عن موهبة طورها بنفسه· وقد نفى أقومي أن يخلق وجود العديد من أفراد العائلة الواحدة في الفن تنافسا حول من يكون الأفضل من الآخر ''الأب الفنان أو الإبن الفنان''، حيث أكد أن كل إنسان يتميز بموهبته الخاصة، واختلاف الفنانين يكون في الشخصية والهيئة والسلوك قبل أن يكون الاختلاف في التجارب والمسيرة الفنية· وأضاف أقومي في حديثه ل ''الجزائر نيوز''، أنه ينظر إلى الأعمال الفنية لابنته بموضوعية، بغض النظر عن كونها من صلبه، مضيفا أنه فخور بموهبتها ويقدم لها النصائح التي يمكن أن تساعدها في تطوير موهبتها، مؤكدا على أن الرأي الأخير لا يعود لا للفنان ولا لعائلته، بل للجمهور الذي يرضى أو لا يرضى بالأداء الفني للمبدع، كما أوضح أنه لا يمكن لأي فنان أن يكمل المسيرة الفنية لفنان آخر أو يكون خلفا له حتى ولو كان إبنه، لأن المستوى الثقافي والأداء الفني يختلف من شخص إلى آخر· يمينة شويخ: الفنان يتميز بنظرته الخاصة ولا يمكن أن يكون امتدادا لمشوار والديه من جهتها، نفت المخرجة الجزائرية يمينة شويخ، زوجة المخرج محمد شويخ ووالدة الممثلة والمخرجة ياسمين، أن يكون الفن صفة وراثية تتناقلها الأجيال كغيرها من الموروثات الجسدية، وربطت انتقال الفن من الأب إلى الإبن بالمحيط الذي يعيش فيه الإنسان، فإذا وجد الفرد نفسه محاطا بعائلة فنية يمكن أن يأخذ من سلوكاتها وميولاتها ومنها الميولات الفنية، من خلال اتباع مسار أو عمل أو اختصاص أحد الوالدين· وأضافت أن ولوج ابنتها الفنانة ''ياسمين'' عالم الفن من باب التمثيل والإخراج ربما يعود إلى تأثرها بالعائلة الفنية، فبعدما أكملت دراستها الجامعية في تخصص علم النفس، كان اختيارها أن تصبح فنانة بعيداعن اختصاصها الدراسي· وأكدت ل ''الجزائر نيوز'' أنها جد موضوعية مع ابنتها فيما يتعلق بالعمل الفني، مشيرة إلى أنها تعاملها كأي فنانة أخرى، وتتعامل معها في المجال الفني بدون أي مجاملة، كدور الأستاذ أمام تلميذه، حتى تأخذ من تجربتها الطويلة، مع عدم التدخل في اختيارها للأدوار التي تؤديها· وأشارت المتحدثة إلى أنه لا يمكن الجزم بأن الفنان يمكن أن يكمل المشوار الفني الذي بدأه والداه، مؤكدة أنه لكل فنان شخصيته ونظرته الخاصة للفن والتي تختلف من شخص إلى آخر، ولذلك لا يمكن أن تقول بأن ''ياسمين'' يمكن أن تكمل المشوار الذي بدأه الوالدان، فلكل منهما نظرته وشخصيته وتجربته الخاصة به· مصطفى عياد: الموهبة والمحيط الفني يساهمان في انتقال الفن بين الأجيال رجح الفنان مصطفى عياد، إبن الفنان القدير ''رويشد'' أن يكون الفن وراثيا كما يمكن أن لا يكون كذلك، وقال أنه بالنسبة إليه شخصيا يمكن أن يكون قد ورث عن أبيه بعض الصفات، كما أن ولوجه ميدان الفن منذ سنوات هو موهبة اكتشفت فيه منذ صغره، مضيفا أنه تربى وسط عائلة تربت على أفلام ''شارلي شابلين'' وفي محيط فني سمح له بالتأثر بما كان يقدمه من إبداعات فنية كثيرة ومتميزة سواء في المسرح أو السينما، في ميدان ليس بالسهل، وهو مجال التمثيل الفكاهي· وأضاف مصطفى بأن الإبن يمكن أن يتأثر بمحيطه أو يطور الموهبة التي تكمن بداخله من أجل البروز في مختلف المجالات الإبداعية دون أن يكون قد ورث الفن عن والديه· وقال المتحدث ل ''الجزائر نيوز''، أن والده المرحوم ''رويشد'' كان جد موضوعي معه فيما يتعلق بالعمل الفني، وقال ''لقد أصبحت صديقا لوالدي بعد أن برهنت على قدرتي وتمكني في مجال التمثيل وليس قبل ذلك، وشجعني بعد ذلك''، ونفى مصطفى أن يكون امتدادا لمشوار والده الفني، قائلا بأن لكل واحد منهما مشواره وتجربته ونظرته الخاصة· فاطمة حليلو: ربما يرث الابن نفس ميزة الأحبال الصوتية لكنه لا يرث التمثيل في الجانب الآخر، نجد العديد من العائلات التي تضم فردين على الأقل يعملون ويبدعون في المجال الفني في الجزائر دون أن تكون للعائلة ''سوابق فنية''، وفي هذا السياق تحدثنا مع الفنانة فاطمة حليلو شقيقة الفنانة دليلة حليلو، التي قالت بخصوص إمكانية توارث الفن، أن الفن لا يمكن أن يكون وراثيا، بل هو موهبة من عند الله يكتشفها الفرد بنفسه أو يكتشفها فيه الآخرون، وأشارت إلى إمكانية أن يرث الفرد الغناء عن والديه من خلال وراثة نفس ميزات الأحبال الصوتية إلا أن التمثيل لا يمكن أن يكون وراثيا· وأضافت أنه لا يشترط في الفنان أن يكون قد ترعرع في عائلة فنية حتى يكون فنانا، كما هو الحال بالنسبة إليها هي وشقيقتها دليلة، وأنها لم تنشأ في بيئة فنية، فدليلة تلقت دراسة في المعهد الوطني للفنون الدرامية ببرج الكيفان، بينما كان دخول فاطمة المجال الفني والتمثيل بمحض الصدفة حيث اكتشف الفنان القدير سيد أحمد أقومي موهبتها الفنية لتقوم بعد ذلك بتربص في مجال التمثيل لتصل حاليا إلى تجربة عمرها أكثر من 35 سنة· حكيم دكار: يمكن أن يرث الإنسان الفن لكنه لا يكون بالضرورة فنانا ناجحا لم يختلف رأي حكيم دكار، شقيق الفنان جمال دكار، عن رأي فاطمة حليلو كثيرا في هذا السياق، حيث قال أنه لا يكفي أن يكون الانسان إبن فنان حتى يكون فنانا متميزا، بل يولد الإنسان بموهبة يطورها ويصقلها، والفرد يمكن أن يولد في بيئة فنية ويمارس الفن لكن لا يكون فنانا ناجحا بالضرورة، كما يمكن أن يولد في عائلة وبيئة لا علاقة لها بالفن لكنه يتميز في هذا المجال· وفي حديثه عن هذا الموضوع، قال أن جميع إخوته فضلوا ممارسة الفن بمختلف أشكاله في البداية وكان هذا اختيارهم، لكن لم يبق في المجال الفني في عائلته إلا هو وشقيقه جمال، بينما انسحب الآخرون· أسماء جرمون: توارث الفن يجب أن يدعم بتطوير الموهبة أما بالنسبة للفنانة أسماء جرمون، شقيقة الفنانة سيليا، فقد رجحت أن يكون الفن صفة وراثية تنتقل في العائلة عبر الأجيال، مشيرة إلى وجود العديد من العائلات الفنية في الجزائر دخلت عالم الفن من بابه الواسع، فدخل أبناؤها من ذات الباب مستدلة بالمثل الشعبي القائل ''إبن الوزة عوام''، مضيفة أن ذلك لا يكفي وحده، حيث يجب على الإنسان أن يطور مواهبه، فنية كانت أم إبداعية، في مختلف المجالات· فنانون جزائريون بين الرفض والخضوع للأمر الواقع ما لاحظناه خلال حديثنا مع هؤلاء الفنانين والفنانات أن معظم الفنانين ومعظم العائلات الجزائرية كانت رافضة لفكرة دخول أبنائهم مجال الفن، فقد أكد لنا سيد أحمد أقومي أن والده كان يرفض أن يكون إبنه فنانا، لكنه لم يتدخل في اختيار إبنه لهذا العالم المليء بالصعوبات، كما أكدت لنا يمينة شويخ بأنها لم ترد أن تكون إبنتها فنانة لكن موهبتها واختيارها لهذا المجال المليء بالعقبات، كما هو الحال بالنسبة للمرحوم رويشد الذي كان يرفض دخول إبنه مصطفى عيادلهذا المجال، لكنه وجد نفسه أمام الأمر الواقع لقبول هذا الوضع، خصوصا بعد المواهب التي اكتشفها فيه، لكن مصطفى لا يرفض أن يكون إبنه فنانا·