أسير أسير أسير متجنب أضوائكم·· وأطواف مقابركم حاناتكم صراعاتكم وانحناء نظراتكم المبهورة بحر الخوف من صمت العرايا (الجائعين) المشردين السائرين السائحين لبيع فائض حبهم على دروب الموت··· أو الحياة، تحديا·· على الممرات المهجورة··· التي كسرها النسيان··· والدموع الهاربة··· وتسير··· تسير··· كنت محموما بتلك الحمى التي كثيرا ما كانت تمنعني من التفكير أو التركيز وقت قصير من الصمت. ثم وهو ينظر من حين لآخر نحو مؤخرة الشاحنة عن طريق المرآة الصغيرة (الريطرو فيزور) حيث توجد جثة امرأة عليها فستان زفاف أبيض· كيشوت: قلت لك أنني سأخذك معي في يوم ما· إبتسمت سخرية وقتها·· ورحت قائلة: ''يا إلهي! وكيف يكون هذا ممكن؟''·· كل شيء يمكن أن يحدث· كل شيء يحدث دائما منذ الأزل· (ثم ينظر لصفحة الجريدة على المقعد بجانبه) على الصفحة الأولى! مسليا بالنسبة لشخص كان لا يحب الصور (يأخذ الصفحة) محصور بين لعنة وقداسة· (يتلف الصفحة) مثل ملك معزول أو مجنون متوج· (يرمي الصفحة في قجر السيارة) مع أني لم أطلب شيئا، أنا، ''لا ثراء، لا مجد، لا إمبراطورية أحكمها''·· ''ناهيك عن مصارعة التنينات القاذفة للنيران·· أو حيات الميتولوجيا الرمادية اللون ذات الأجنحة الفولاذية، ولا حتى تلك الطيور الكاسرة، الحادة مخالبها، القاصمة أكثر من كل أحرف الموت''· أنا لم أقم إلا بالرد على نداء للنجدة بنداء آخر للنجدة· ها هي ذي الجريدة تقع بين يديك صدفة، وعلى إحدى صفحاتها تقرأ صدفة ''إمرأة شابة، بنت عائلة، مستقر حالها، تود التعرف على رجل ناضج، خمسين سنة على الأكثر''· تتقدم متطوعا وتكتب: ''رجلا ناضج، بدون عائلة، خمسين سنة على الأقل، مستعد لإنقاذك سيدتي''· لا رد ولا جواب، ولكن بعد شهر، نفس الإعلان في جريدة أخرى: ''امرأة ذات بنية متينة، تبحث عن رجل بنيته قوية· خمسة وثلاثين عاما على الأكثر'' ترد بأكثر دقة: ''رجل ناضج، ضعيف البنية، دائما خمسين سنة، ودائما مستعد لإنقاذك سيدتي''· ويتكرر هذا كل شهر منذ عشر سنوات، كلعبة مسلية· مع دائما تلك التغييرات في البنية، في السن، في المهنة، وخاصة، العنوان· لم يكن نفس العنوان أبدا· متغير دائما· لكن أخيرا توصلت إلى معرفته· (يزيد في صوت المحرك بضغطه على الدواسة) فقط لماذا تبخر السحر كله؟ فجأة و بالضبط عند اقترابك من إنهاء رسالتك الغرامية الأولى· لأنك تقرأ نفس الإعلان وكالمعتاد: ''امرأة ذات تجربة كبيرة، تبحث عن رجل ناضج، خمسين سنة على الأكثر''· تجيب كالمعتاد: ''رجل ناضج، دائما بدون عائلة، دائما ضعيف البنية، اليوم بضع وستين سنة· ولكن مستعد دائما ومصر على إنقاذك''· وهنا، يأتيك هذا الرد، المدهش الذي يفسد كل شيء: ''الرسالة وصلت· بودي التعرف عليك أكثر وعن قرب· إبعث بصورة!'' جاف، عملي، بدون أحلام· كنت أستطيع الرد عليها بنفس الجفاء'' ''ليس هناك صور، للأخذ أو للترك''· لكن سوف لن تفهمي· لم يكن في استطاعتك أن تفهمي· لم يكن لديك فكرة عما طلبته منك· صورة! فقط· ليس إلا! صحيح، عندي واحدة بالأبيض والأسود··· ولكن هذه لا أستطيع إرسالها··· لست وحدي فيها·· هناك رقم تحت الذقن: 939,125,20 وهنا أيضا قولي لي لماذا أنا؟ لماذا أنا بالتحديد؟ لقد كان في الشارع خمسين ألف متظاهر المليون· أو يزيد، يلوحون بلافتات مزخرفة بالشعارات ''الكل ضد الواحد والواحد ضد الكل والكل ضد الكل'' لم أكن معهم، أنا··· ليس لأن الأمر لا يعنيني·· ولكن كنت في طريقي إلى الطبيب، محموم بتلك الحمى التي (تمنعك) تقف بينك وبين التفكير· مشهد ضبابي الكل كان يصرخ، الكل كان يكسر، الكل كان يحرق· وأنا أجري، فقط لأصل إلى الطبيب· كيف وجد هذا الشرطي المغمى عليه والملطخ (والمخضب) وجهه بالدماء بين ذراعي؟ لست أدري ''حالة تلبس!'' وطق على الرأس، وطق على الظهر، وطق على الركبتين و''بوم'' فر البطن (بأكثر سرعة) وطق على الرأس، على الظهر، على الردفين على الركبتين وبوم على البطن، طق على الرأس، على الظهر، على الردفين على الركبتين وبوم بوم على الرقبة (القفراء) خمس سنوات! امبراطور بابل! كدت أكونه· (ينظر في المرآة نحو الجثة) طبعا· كل ما يقع لي ليس وليد اليوم· ثم لماذا يطلب مني صورة ثانية؟ لم أبعث بصورة أولى، أنا لم تكن لدي كنت سأرد عليها أنه من الأفضل أن نلتقي ونرى بعضنا لحما وعظما ونختزل سوء تفاهمنا· ولكن الخوف من اليأس مرة أخرى يشلك· فلم أفعل· ثم لم أكن أبدا من المتسرعين في الرد على الرسائل التي كانت تصلني أحيانا· صراحة كان يصلني القليل· مرتين أو ثلاثة في السنة: الضرائب، فاتورات الغاز، الكهرباء، الكراء·· يعني كل ما قد يدفعك أن تصرخ في يوم من الأيام: ''سئمت وكرهت!'' ثم هذه رسائل لا تطلب منك الرد: تطلب منك الدفع· وكنت أدفع· بصمت وفلسفة· أحيانا بشيء من التأخر· والتي كانت تصلني دائما فاتورته بكل سرعة وأمان· (تنفجر العجلة يكبح ينزل، يدور ويرى· يظهر الحلاق في عمق الخشية)· في النهاية، كل شيء يفوتر اليوم: التأخرات، النسيان، البطالة، الطلاق، الهواء الملوث، المكيف، الأسبيرين، معجون الأسنان، أخطاء الآخرين، ثراء الآخرين، حرب الآخرين، كل شيء·· حتى العجلات المثقوبة· (ينشغل بتغيير العجلة مع مواصلته الكلام) ولكن لم أجعل من هذا نقطة مرضية· متعود على الدفع دفعت· (طفل في العاشرة أو الثانية عشر سنة، يظهر بطريقة سحرية أمام مقود السيارة· يكمل سرد القصة معه· إنه كيشوت ''الطفل''·) (لا يرى أحدهما الآخر) لا سيما أن هذا بدأ بالنسبة لي مبكرا· وأنا في بطن أمي بدأت الدفاع عن إخوتي وأخواتي الذين كانوا ينزلقون الواحد تلو الآخر في حياة لم يختارونها··· الطفل: لم يكن هناك ما يختار (على كل حال)· تخرج من بطن أمك· باكيا وتعطى صفعة على الردفين بداية· ويدفع بك نحو ثدي أمك لامتصاص قلة الحليب الذي ربما قد يكون باقيا في حوزتها· كيشوت: وصلت لسوء الحظ عندما كان الكل منهوكا· في غاية الإنهاك كنت آخر الأربعة عشر· أنا لم أكن أريد أن يدفع أحدا·· لم آت لهذا··· الطفل: لم أكن أريد المجيء أصلا·· ولكن الأم أصرت وتعصرت حتى ماتت·· والأب كان قد غادر منذ سبعة أشهر··· كيشوت: كثير من الاسمنت في الرئتين··· الطفل: ولكنه رغم هذا وجد الوقت لإنشائي··· نستطيع القول أنني كنت آخر أنفاسه· وليست لي يد في هذا. (وليست لي ضربة أو يد في هذا) كيشوت: ليس ذنبي إذا لم تكن قابلة أو مستشفى في قريتنا··· إذا كانت النساء تعمل في الحقول طوال النهار وتلد في الهواء الطلق·· إذا كان الرجال ينزلون ألف ميل تحت الأرض لاستخراج الحديد، أو يعيشون من مصنع الاسمنت اللعين (هذا)·· ذاك··· الطفل: لا ذنب لي في تلوث أمعائهم (ليس ذنبي في تلوث أمعائهم) كيشوت: ولم أكن في حينه المنقذ الذي كانوا ينتظرون (المنقذ المنتظر) الطفل: على كل ستذكر دائما جرعة الأكسجين الأولى، بمجرد استنشاقها كانت الفاتورة حاضرة: لقب مستعار: الغراب، الغراب، الغرب، الغراب''··· كيشوت: (بين أسنان) الغراب··· ألسواد الليلة الظلماء عند ولادتي؟ أو لأن هزة أرضية حطمت الجسر الوحيد في المنطقة والمدرسة القديمة؟ لا أحد كان يستطيع تنويري· الطفل: ولكن الجميع كان يقول: ''هذا كثير'' كثير· كيشوت: الجميع كان موافقا على قرية بديلة (على الرحيل من القرية) الطفل: لعجزهم عن تبديل آخر المولودين (المواليد) (لعجزهم عن ترحيل آخر المواليد) كيشوت: بعضهم كان يحضر أمتعته بعد·· الطفل: لاحظت ذلك·· لاحظت كذلك أن لا أحد كان يريد أن يكون أول المغادرين· كيشوت: كل واحد كان ينظر للآخر، كل واحد كان ينتظر الآخر· الطفل: لم أكن أريد أن أسبب مشاكل أخرى لهؤلاء الناس الذين كنت أحبهم ثم في سن الرابعة عشر أنت رجل صغير· إذن في صباح يوم من الأيام··· ذهبت (يخرج من السيارة) كيشوت: دون أن أقول وداعا لأي منهم الطفل: مثل الجميلة ميراندا· كيشوت: بنت العرافة· ذهبت دون أن تودع أحدا، حتى أنا· الطفل: لم تف بوعدها· ما كانت لتذهب أبدا· هي التي كانت تقول هذا··· كيشوت: كانت تضيف دائما: ''ما دام ذلك ممكنا'' فإذن، إذا ذهبت، لكنها ذهبت فإذن هي التي حاولت المستحيل، وخلفت الممكن· الطفل: كانت تقول أنها تحبني· بأكثرية الأقل· أنا أيضا كنت أحبها· بجنون· كيشوت: كانت شغوفة بالمدينة· تحلم بالمدن الكبرى· الطفل: ليس لدي ما أفعله هنا كانت تقول وهي متربعة على السابعة عشر من عمرها· أجبتها في أحد الأيام: ''انتظري قليلا، عندما أصير كبيرا· سأخذك معي·'' (فانفجرت ضحكا) فانطلقت تضحك·· (يصعد على مقدمة السيارة ويلعب بالدمية) كيشوت: يا لها من ضحكة·· (يا له من ضحك··) الطفل: حين تصبح أنت كبيرا·· سأكون أنا (حينها) عجوزا· كيشوت: في صباح يوم من الأيام، استيقظت القرية· لم تكن هناك· يا له من فرغ! لم تترك إلا دمية··· الطفل: أنا لا أترك شيئا خلفي· لا أب· لا أم· لا نعجة لا قط لا دجاجة··· كيشوت: إلا مسقط الرأس هذا: ''قرية فشانس'' التي تنغلق أبوابها بهدوء وهي تصرصر· مررت بقمة الهضبة الرملية التي تشرف على القرية· من الجهة الأخرى· لم أكن أريد سماع بكائي· خرجت مسرعا· دون أن ألتفت· تقريبا بدون أسف· قرصة في القلب مع هذا· سوف لن أعرف أبدا إذا كان هناك أحد يستوقفني (يحاول منعي من الزواج)· الطفل: (يقفز على الأرض) لا أظن· كنت قبيحا جدا· كيشوت: مع بثور في كل مكان من جسمي· الطفل: لأن ضربات الأحزمة والعصى تمزق جلدك·· وبدون علاج، تعزل. كيشوت: وعندما لا تعالج، إنه العزل· في المدرسة، لم يكن لي مكان في الصف· كنت آخر من يدخلون إلى القسم· الطفل: يجلسونني في الطاولة الأخيرة· قرب باب الخروج· كنت لا أستطيع لمس أي شيء· كيشوت: حتى عندما كنت أريد أن أقطع الطريق ببنت الراعي· كان الكل يصرخ بصوت واحد (بهلع) كيشوت والطفل: أي، أي، أي، أي! لا تلمس الصغيرة· كيشوت: صحيح أن ابنته الكبرى قد سبق وأن··· ولكن هل هو ذنبي إذا ذهبت تتجول لوحدها في الجهة الأخرى للطريق الكبير؟ هل هو ذنبي إذا لم يهتم بغيابها أحد إلى سقوط الظلام؟ هل هو ذنبي إذا كنت أول من يذهب للبحث عنها؟ وأكون أول من يكتشفها، وأكون أنا· عند وصول الجميع، من يجدونه بجانب الجسم؟ ما ذنبي إن كان الراعي قد وصل كالمجنون حاملا بندقيته· وفي إطلاقه النار على من يقتل ابنته ما ذنبي إذا سجل التاريخ أنني المغتصب وهو القاتل·· ثم هل هي غلطتي إذا برئت، أنا في سن الرابعة عشر ويقضي هو باقي أيامه وجها لوجه مع الإعدام الخمسة عشرة لابنته العذراء في جلسة مغلقة إلى الأبد (الجنون) لا! لكن هذا أصبح مخيفا بالنسبة لي·· كنت لا أستطيع حضور الجنازات، ولا الأعراس ولا المشاركة في (قطف) الزيتون· إلى درجة أني كنت خائفا حتى أن ألمس نفسي خوف شديد كثير ما تصيبني منه الحمى· آه من تلك الحمى· كانت تصرعني أسابيع كاملة· القرية كلها كانت تتلمس الأخبار·· تسأل عني· كم درجته الآن؟ أربعين؟ أه اثنين وأربعين· الحمد لله! الأمور تسير كما ينبغي، لا؟ كانوا (خائفين) وقلقين· ولكن عندما تذهب الحمى وأستطيع الخروج من جديد، لا أحد كان مطمئنا··· هم لا يستطيعون إلقاء اللوم علي، لقد عملت جهدي وأكثر إثنين وأربعين! لكن الحمى المسكينة· حقدوا عليها إلى الموت· كان يحزنني أن أراهم كذلك··· (تنسحب الإضاءة عن الطفل تدريجيا) لكن لم يكن في مقدوري فعل أي شيء من أجلهم··· كنت أود العودة إلى الوراء لتغيير كل شيء وإرضائهم· إنما الوقت الذي يمر قد مر· (الوقت الذي يذهب لقد ذهب)· وعندما تكون المولود الأخير· فذلك للأبد· (يختفي الطفل· الحلاق يختفي كيشوت يأخذ الدمية ويكلمها) عيشة الأبدية صعبة جدا، تعلمين هذا· خاصة وأنها ليست بنفس المدة لكل الناس· للبعض وتنقضي بهدوء وسلام، لآخرين، تعود حتما كل صباح· لم أعد وضع قدمي في تلك القرية· لم تكن لي حاجة إلى ذلك·· خاصة وأن أول مدينة نزلت فيها· تبنتني بسرعة مدهشة· دون أن تطلب مني أي شيء، أهدتني مجانا أرصفتها· طرقاتها، أزقتها المسدودة، جسورها·· الوصول إلى كل المهن الممكنة الموجودة: السرقة بكل أنواعها، مساح أحذية، ساعي، بائع مفرقعات، سجائر، سيارات، حمال··· حتى المسرح اشتغلت فيه (يضع العجلة في مؤخرة السيارة) ولكن هنا بصراحة لم أكن موهوبا··· بعيد جدا عن الموهبة·· يكفيك أن أول مسرحية شاركت فيها لم تنجح· كانت الناس تخرج قبل النهاية· قبل دخولي على كل حال· ولكن الذي طرد، هو أنا، طبعا· رغم أنه ليس ذنبي· لم يكن لي دور كبير· بل قل لم يكن لي دور على الإطلاق، كمبارس فقط· كان علي أن أسقط في أول هجمة للبطل الشهير·· ''دون كيشوت''· المشكل مع هذا الممثل الصغير هو أنه كان لا يهجم أبدا في الوقت المناسب، لم يكن منسجما· وجدني يوما مرتديا بدلته وأنا أبين لأصدقائي الكمبارس، كيف كان يجب عليه أن يهجم! وكيف كان علي أنا أن أسقط! أخذ الأمر سلبيا· لم يعجبه ذلك· وأراد تعريتي بكل ثمن! كان علي أن أطرحه أرضا، والذهاب بتلك البدلة التي لم يكن جديرا بارتدائها· لم يكن حتى صادقا في التعبير بدقة عن ألمه حين يقول للسيدة ''دولسبين''، ''آه أميرتي! سلطانة قلبي! إهانة عظمى تلبسينني إياها وأنت تطردينني من حضوتك، وتأمرينني بقسوة بالغة، ألا أظهر أبدا أمام جمالك البديع! أتمنى سيدتي، ألا تنسي هذا القلب الذي طوعته والذي في حبك يتألم بألف حسرة!'' (يتوجه إلى الدمية)· أترين، حياة الإنسان دائما قصيرة· ولكنها طويلة بما يكفي لتحويل شاعر إلى غريق شريد! (يجلس في السيارة، يقلع· فترة صمت· صوت محرك· يدندن) أنسير·· أنسير·· عيون الطريق تخزر في··· تطوى تحت رجليه أحلام فوق السحاب تنزل (خيال ناشف) فراغ في يديه خيال ناشف مرمى على تراب