''أيها الموت تهيأ ولنذهب إلى المقبرة، فهي ساعة فقط نقضيها مع الأشباح؛ جاءنا أمر بإخفاء النجوم؛ يوم الأحد الطيور رفرفت ضاحكة مني سيقتل إبني؛ اللعنة ·· حرب جائرة ولما أتحمل أنا أوزارها؛ نحن من نحيا في الموت؛ نحن من يستزيد الزبد'' ·· هي مقاطع متناثرة لمسرحية ''شظايا'' للمسرح الجهوي لمدينة سيدي بلعباس تم عرضها،سهرة أمس، على خشبة بشطارزي أمام حضور غفير وكبير لعشاق المسرح· المسرحية ذات طابع عبثي، عبارة عن قصيدة بصرية متكاملة قدمت كاتب ياسين بإيقاع حداثي جميل، ليولد من الأسطورة نجمة إبداع متناسقة الصور والألوان، فهكذا فضل حسان عسوس مخرج ''شظايا'' أن يكون عرضه، وعليه العرض تحكي أحداثه قصة أم فقدت ولدها في لحظة من الزمن كان فيها طاعون الحرب منتشرا في الأرض الطاهرة، وكان هذا الأخير قد فعل فعلته الدنيئة والمدنسة لنشر الحزن والغبن والظلم وأشياء أخرى لا علاقة لها بالقيم الأخلاقية والمبادئ السامية لمعالم الحياة والإنسانية ·· ''شظايا'' حولت المرأة الأم، والمرأة الرمز، والحب والوطن إلى مجرد مجنونة تبحث في غياهب الزمن اللامحدود والمتناثر الأفق عن ''لخضر'' ذلك الإبن المفقود، وقد جعلها ذلك الموت المفاجئ تتفنن في أن تتلاعب مع جميع أنواع الأحزان، وما ميز العرض أنه قدم بطريقة جماعية متناسقة، وهو من الأشياء التي تميز مسرح بلعباس، كما أكد لنا أحد المختصين، حيث كان للممثلين حضور جسدي كبير وقد تجسد ذلك من خلال حركاتهم المتكررة تقريبا مع كل مشهد وما يلاحظ من خلال العروض الجسدية أنها كانت تحمل معاني عميقة تماشت مع نص كاتب ياسين فمثلا ''دليلة نوار'' المتقمصة لدور المرأة الحزن، إستطاعت بحركاتها ولغتها أن تشد انتباه الجمهور، وأن تدخله معها في دوامة الجحيم، حسب ما أكده لنا المسرحي ''ي·ب''· فيما يخص السينوغرافيا وهي لعبد الرحمن زعبوبي، فقد كانت حاضرة بقوة حيث أبهرت، إلى حد بعيد، الجمهور وزادت من جمال العرض بشكل خارق مما دفعها لأن تطغى في كثير من الأحيان على جوانب العرض من الناحية الإبداعية وأكثر من ذلك، أنها استفزت المشاهد ودخلت معها في صراع جميل، وبهذا تمكنت ''شظايا'' من أن توصل بعض خباياها وأسرارها غير المتوقعة للجمهور· ------------------------------------------------------------------------ 3 أسئلةإلى: دليلة نوار (بطلة ''شظايا'') تألقك شد الجمهور طيلة العرض تقريبا، هل يمكن أن تفصحي لنا عن سر ذلك؟ لعل الدور الذي تقمصته المجسد للحزن، هو الشيء الوحيد الذي دفعني لأن أدخل في تلك الشخصية المركبة المجنونة التي تبحث عن إبنها الذي خطفته الحرب منها، وأعتقد أن ذلك الجنون الفلسفي أدخلني في دوامة ميتافزقية من أجل أن أتعايش بشكل إيجابي مع الدور· السنة الماضية، تقمصت دور المرأة المغرية في مسرحية ''نون''، واليوم المرأة المهمومة الحزينة، ألم تجدين صعوبة في الانتقال من شخصية إلى أخرى؟ بالفعل، هذا الدور يختلف تماما عن الأدوار السابقة، ففي مسرحية ''نون'' جسدت تلك المرأة الراقصة المغرية الجميلة، وتمكنت خلالها من تقريب الجمهور من الشخصية، بل أكثر من ذلك أدخلته في دوامة المد والجزر، واليوم أعتقد أنني أتقنت دور المرأة الحزينة، وأرجع ذلك إلى التحضيرات النفسية والجسدية الجيدة التي لا يبخل بها مسرح بلعباس، كما أنني وجدت مساحة كبيرة لأتمرن على ذلك· وماذا عن توقعاتك، هل بإمكانك أن تفتكين جائزة أحسن دور نسائي مثل السنة الماضية؟ والله، المسرح شيء فيه الكثير من النبل والسمو، وأنا أمارس العمل المسرحي من أجل الإبداع وإثراء الساحة المسرحية، وعليه فالجائزة هي مجرد تشجيع لطاقتنا الإبداعية· ------------------------------------------------------------------------ قالوا عن العرض: عبد العزيز عسيري (مخرج سعودي): العرض عمل جماعي بين الممثلين حيث لم تكن هناك فروق كبيرة بينهم، ثم إن العرض قائم على الدور الجيد للفتيات· بالنسبة للسينوغرافيا كانت حاضرة بقوة خارقة، وعليه فالممثلون يستحقون التشجيع· فاضل عباس ( مسرحي عراقي): مسرح بلعباس عودنا على استغلال جغرافية التجريب الحديث خارج جغرافية المألوف، ولذلك بدا العرض للمشاهد مشروع بحث متواصل إمتلك مفاتيحه، وبالتالي ظهروا كممثلين من الطراز الرفيع، يعرفون ما يقولون، ويتقنون الخطوة والحركة والتعبير بهذا الفضاء الملغز ·· السينوغرافيا كانت هائلة التأثير وطغت على جوانب العرض بشكل إيجابي· يحيى بن عمار (مسرحي جزائري): عرض جميل ورائع سواء من حيث النص أو الشكل، كما أن فيه كثير من الجرأة على مستوى السينوغرافية والإبداع الفني، والممثلون وفقوا إلى أبعد الحدود لأن النصوص الشعرية من الصعب إخراجها، وبالنسبة للممثلة ''دليلة'' فقد كانت في القمة حيث أبدعت في ظرف قصير· عبد الله الهامل (شاعر جزائري): العرض قصيدة بصرية متكاملة من كل النواحي، سواء من حيث النص؛ الأداء؛ السينوغرافيا أو الكوريغرافيا ·· وعليه إستطاعت مجموعة سيدي بلعباس أن تقدم كاتب ياسين بإيقاع حداثي آخر، كما أنهم استطاعوا أن يولدوا من كاتب ياسين نصا آخرا، وهنا تكمن عظمة كاتب ياسين·